أهلا رمضان


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

أما بعــد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

حرص الشرع على التشويق لشهر رمضان

قال تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة:185]، شهركم على الأبواب، ونفوس المؤمنين تنتظر، والفرحة بقرب قدوم الغائب عمت القلوب التي تنتظره؛ لأن المؤمن يتطلع إلى موسم الخير، وإلى الأوقات الفاضلة، ليتعرض لنفحات ربه.

وها قد اقترب شهر الصيام، وتأججت في النفوس اللوعة ونيران الاشتياق لشهر رمضان، وتأتي الشريعة بالأحكام التي تؤدي إلى حصول الشوق والتطلع، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقدموا رمضان بيوم أو يومين إلا من كان يصوم صوماً فليصمه) فمن صام فيما تبقى من الأيام قضاءً عما فاته من رمضان الماضي، أو كفارة ليمينٍ ونحوه فلا بأس بذلك، وأما من صامه بنية الاحتياط لرمضان فهذا منهيٌ عنه، ومن كانت له عادةٌ فوافقت عادته قبل رمضان بيوم أو يومين فهو يستمر على عادته، فلو كان دخول رمضان الجمعة وكان معتاداً على صيام الخميس من قبل، فهو يصومه على عادته كما جاء في الحديث، أما من لم تكن له عادة وليس له قضاءٌ أو كفارة فممنوعٌ من الصيام قبل رمضان بيومٍ أو يومين، لماذا؟

ذكر العلماء عدة أسباب:

أولاً: ألا يزاد في رمضان ما ليس منه.

ثانياً: الفصل بين الفرض والنفل.

ثالثاً: الاستعداد للصيام والتشوق له، فيدخل رمضان بطعمٍ جديد، وينحبس الناس عن الصيام ترقباً لدخول الشهر حتى يصوموا، حبستهم الشريعة عن الصيام قبله لكي يدخلوا به وقد استطعموه طعماً جديداً، وحبسوا عن الصيام قبله تشوقاً إليه، فهذه الشريعة تشوقهم لشهر رمضان.

أخطاء الناس عند الاستعداد لشهر رمضان

ذكر العلماء أن بعض العامة يظنون بأن المراد بالفطر قبل رمضان وعدم الصيام هو اغتنام الفرصة للأكل؛ لتأخذ الأنفس حظها من الشهوات قبل أن تمنع من ذلك، ولذلك يقولون في الأيام الأخيرة من شعبان: هي أيام توديعٍ للأكل، وبعضهم يسميها الشعبانية، وذكر بعض أهل اللغة أن أصل ذلك مأخوذ من النصارى، فإنهم كانوا يفعلونه قرب صيامهم، وليس المقصود بالمنع من الصيام قبل رمضان أن نستعد بالأكل ونشبع، كلا والله. والعصاة يستعدون بالازدياد من المعاصي قبل دخول رمضان، ويقولون: حتى ندخل فيه فيغفر لنا، فيستهينون بالأيام الأخيرة من شعبان، كما قال بعضهم:

إذا العشرون من شعبـان ولّت     فواصل شرب ليلك بالنهار

ولا تشرب بأقداحٍ صغارٍ     فإن الوقت ضاق عن الصغار

ويكثرون من شرب الخمور قبل دخول الشهر والعياذ بالله.

ومن كان هذا حاله، ويظن أن التزود الآن بالشبع والمعاصي قبل دخول رمضان، فالبهائم أعقل منه، وله نصيبٌ من قوله تعالى: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا [الأعراف:179] وربما يكره كثيرٌ منهم صيام رمضان ودخوله، حتى إن بعض السفهاء كان يسبه لأجل أنه سيحرم فيه من الشهوات، والله عز وجل جعل الليل مجالاً للأكل والشرب والنكاح، فليس ما سبق بممنوعٍ إلا ساعات، وفي هذا الفصل في هذا الشهر سيكون النهار من أقصر أيام السنة، وربما لا يحس الإنسان بكثير مشقة في الامتناع عن الطعام والشراب، فلابد ألا يُفقد لذة رمضان، وعليه بالازدياد من العبادات، ومن أراد الله به خيراً حبب إليه الإيمان وزينه في قلبه، وكرَّه إليه الكفر والفسوق والعصيان وجعله الراشدين، ومن أراد الله به شراً خلى بينه وبين نفسه، فأتبعه الشيطان فحبب إليه الكفر والفسوق والعصيان فكان من الغاوين.

باع قومٌ من السلف جارية لهم، فلما قرب شهر رمضان رأتهم يتأهبون له ويستعدون بالأطعمة وغيرها، فسألتهم فقالوا: نتهيأ لصيام رمضان، فقالت: وأنتم لا تصومون إلا رمضان، لقد كنت عند قومٍ كل زمانهم رمضان، ردوني عليهم.

وباع الحسن بن صالح رحمه الله جارية له، فلما انتصف الليل قامت، فنادتهم: يا أهل الدار! الصلاة الصلاة، تقصد قيام الليل، قالوا: طلع الفجر، قالت: وأنتم لا تصلون إلا المكتوبة، ثم رجعت إلى الحسن الذي باعها، وقالت له: بعتني على قوم سوء لا يصلون إلا المكتوبة ردني ردني.

تتطلع النفوس إلى الشهر الكريم بالازدياد من العبادة، ويقبل الناس على الله تعالى بالدعاء أن يبلغهم هذا الشهر، ويستعدون لذلك بأنواع الاستعداد، ويدرسون أحكام الصيام، ويتنبهون إلى مسألة عقد النية قبل الفجر في أول ليلةٍ من رمضان على العزم على الصوم، والنية محلها القلب، والتلفظ بها بدعة، ويحتاط إلى أن يستيقظ في جزءٍ من الليل قبل الفجر حتى يعلم هل دخل الشهر أم لا؛ ليكون عنده نية جازمة يدخل بها شهر رمضان.

يا من عليه صيام قضاءٍ! سارع، فما بقي شيء.. ويا من عصى الله! تب الآن وجدد التوبة، ويا معشر أصحاب الأموال! احصوا الزكاة استعداداً لإخراجها إذا كان الحول يحول في رمضان.

الاستعداد الواجب لشهر الصيام

عباد الله: إن قوة الترقب لموسم العبادة يدل على قوة الإيمان، والفرح بالقدوم يدل على قوة الإيمان، وحسن الاستعداد يدل على قوة الإيمان.

فيا معشر الأئمة والدعاة إلى الله! بادروا بترتيب الدروس وحسن انتقاء الكتب، وشحن الناس لدخول الشهر، أتاكم شهر رمضان شهر مبارك، وكان عموم الناس يتراءون الهلال على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من تشوقهم وتطلعهم يقول في الحديث: (تراءى الناس الهلال) الناس يتراءون الهلال، الجود بالعلم والخلق، والقدوة أن يعد نفسه للاقتداء، جيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم في سفرٍ في رمضان، فقيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام، وإن الناس ينظرون ماذا فعلت، فدعا بقدحٍ من ماء بعد العصر فشرب والناس ينظرون إليه.

الدعاة قدوة فينبغي أن يكملوا أنفسهم، لا استعداداً بما فيه معصية كما يفعل الكثيرون، ينبغي إعداد المساجد لصلاة التراويح، ليس بزيادة الأنوار، فزيادة الأنوار في رمضان بدعة، وإنما بتنظيفها وتطيبها وليساهم أهل اليسر والمال في ذلك، فإن فيه أجراً عظيماً، المساجد التي لم تكتمل.. المساجد التي فيها نقصٌ في فرشها ونحو ذلك مما يحتاجه الأمر، وتجهيز أماكن النساء التي لا يكون فيها اختلاط بالرجال، ولا يجوز أن يحول المسجد إلى مجالٍ للدعاية والإعلان عن السلع التجارية، وتعلق الإعلانات وبعض التقاويم المطبوعة فيها خانةٌ الإمساك قبل الفجر بعشر دقائق وهي بدعة ضلالة.

أيها المسلمون: إن كثيراً من الناس يتجهزون، ولكن مع الأسف لا يتجهزون بالتقوى وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى [البقرة:197] سيأتي رمضان في إجازة، ومعنى ذلك أننا سنتوقع سهراً طويلاً في الليل، والليل طويل، ومعنى ذلك: أن عدداً من الناس سيسهرون ثم يرقدون قبل الفجر، ومعنى ذلك: أن صلاة الفجر ستضيع، وربما رأيت اهتماماً بصلاة الفجر في أول ليلة أو ليلتين ثم يعود الأمر إلى المعتاد أو أقل من المعتاد، وبعض المسلسلات ستجتذب بعض الناس عن صلاة العشاء في الجماعة، وعن بعض صلاة التراويح، وسيأتون إلى المساجد متأخرين لأجل المسلسل الفلاني الذي يعرض؛ فتباً وتعساً لهم لهذا الاستعداد، يتأخر عن الصلاة لأجل اللهو.

قال تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة:185]، شهركم على الأبواب، ونفوس المؤمنين تنتظر، والفرحة بقرب قدوم الغائب عمت القلوب التي تنتظره؛ لأن المؤمن يتطلع إلى موسم الخير، وإلى الأوقات الفاضلة، ليتعرض لنفحات ربه.

وها قد اقترب شهر الصيام، وتأججت في النفوس اللوعة ونيران الاشتياق لشهر رمضان، وتأتي الشريعة بالأحكام التي تؤدي إلى حصول الشوق والتطلع، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقدموا رمضان بيوم أو يومين إلا من كان يصوم صوماً فليصمه) فمن صام فيما تبقى من الأيام قضاءً عما فاته من رمضان الماضي، أو كفارة ليمينٍ ونحوه فلا بأس بذلك، وأما من صامه بنية الاحتياط لرمضان فهذا منهيٌ عنه، ومن كانت له عادةٌ فوافقت عادته قبل رمضان بيوم أو يومين فهو يستمر على عادته، فلو كان دخول رمضان الجمعة وكان معتاداً على صيام الخميس من قبل، فهو يصومه على عادته كما جاء في الحديث، أما من لم تكن له عادة وليس له قضاءٌ أو كفارة فممنوعٌ من الصيام قبل رمضان بيومٍ أو يومين، لماذا؟

ذكر العلماء عدة أسباب:

أولاً: ألا يزاد في رمضان ما ليس منه.

ثانياً: الفصل بين الفرض والنفل.

ثالثاً: الاستعداد للصيام والتشوق له، فيدخل رمضان بطعمٍ جديد، وينحبس الناس عن الصيام ترقباً لدخول الشهر حتى يصوموا، حبستهم الشريعة عن الصيام قبله لكي يدخلوا به وقد استطعموه طعماً جديداً، وحبسوا عن الصيام قبله تشوقاً إليه، فهذه الشريعة تشوقهم لشهر رمضان.

ذكر العلماء أن بعض العامة يظنون بأن المراد بالفطر قبل رمضان وعدم الصيام هو اغتنام الفرصة للأكل؛ لتأخذ الأنفس حظها من الشهوات قبل أن تمنع من ذلك، ولذلك يقولون في الأيام الأخيرة من شعبان: هي أيام توديعٍ للأكل، وبعضهم يسميها الشعبانية، وذكر بعض أهل اللغة أن أصل ذلك مأخوذ من النصارى، فإنهم كانوا يفعلونه قرب صيامهم، وليس المقصود بالمنع من الصيام قبل رمضان أن نستعد بالأكل ونشبع، كلا والله. والعصاة يستعدون بالازدياد من المعاصي قبل دخول رمضان، ويقولون: حتى ندخل فيه فيغفر لنا، فيستهينون بالأيام الأخيرة من شعبان، كما قال بعضهم:

إذا العشرون من شعبـان ولّت     فواصل شرب ليلك بالنهار

ولا تشرب بأقداحٍ صغارٍ     فإن الوقت ضاق عن الصغار

ويكثرون من شرب الخمور قبل دخول الشهر والعياذ بالله.

ومن كان هذا حاله، ويظن أن التزود الآن بالشبع والمعاصي قبل دخول رمضان، فالبهائم أعقل منه، وله نصيبٌ من قوله تعالى: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا [الأعراف:179] وربما يكره كثيرٌ منهم صيام رمضان ودخوله، حتى إن بعض السفهاء كان يسبه لأجل أنه سيحرم فيه من الشهوات، والله عز وجل جعل الليل مجالاً للأكل والشرب والنكاح، فليس ما سبق بممنوعٍ إلا ساعات، وفي هذا الفصل في هذا الشهر سيكون النهار من أقصر أيام السنة، وربما لا يحس الإنسان بكثير مشقة في الامتناع عن الطعام والشراب، فلابد ألا يُفقد لذة رمضان، وعليه بالازدياد من العبادات، ومن أراد الله به خيراً حبب إليه الإيمان وزينه في قلبه، وكرَّه إليه الكفر والفسوق والعصيان وجعله الراشدين، ومن أراد الله به شراً خلى بينه وبين نفسه، فأتبعه الشيطان فحبب إليه الكفر والفسوق والعصيان فكان من الغاوين.

باع قومٌ من السلف جارية لهم، فلما قرب شهر رمضان رأتهم يتأهبون له ويستعدون بالأطعمة وغيرها، فسألتهم فقالوا: نتهيأ لصيام رمضان، فقالت: وأنتم لا تصومون إلا رمضان، لقد كنت عند قومٍ كل زمانهم رمضان، ردوني عليهم.

وباع الحسن بن صالح رحمه الله جارية له، فلما انتصف الليل قامت، فنادتهم: يا أهل الدار! الصلاة الصلاة، تقصد قيام الليل، قالوا: طلع الفجر، قالت: وأنتم لا تصلون إلا المكتوبة، ثم رجعت إلى الحسن الذي باعها، وقالت له: بعتني على قوم سوء لا يصلون إلا المكتوبة ردني ردني.

تتطلع النفوس إلى الشهر الكريم بالازدياد من العبادة، ويقبل الناس على الله تعالى بالدعاء أن يبلغهم هذا الشهر، ويستعدون لذلك بأنواع الاستعداد، ويدرسون أحكام الصيام، ويتنبهون إلى مسألة عقد النية قبل الفجر في أول ليلةٍ من رمضان على العزم على الصوم، والنية محلها القلب، والتلفظ بها بدعة، ويحتاط إلى أن يستيقظ في جزءٍ من الليل قبل الفجر حتى يعلم هل دخل الشهر أم لا؛ ليكون عنده نية جازمة يدخل بها شهر رمضان.

يا من عليه صيام قضاءٍ! سارع، فما بقي شيء.. ويا من عصى الله! تب الآن وجدد التوبة، ويا معشر أصحاب الأموال! احصوا الزكاة استعداداً لإخراجها إذا كان الحول يحول في رمضان.

عباد الله: إن قوة الترقب لموسم العبادة يدل على قوة الإيمان، والفرح بالقدوم يدل على قوة الإيمان، وحسن الاستعداد يدل على قوة الإيمان.

فيا معشر الأئمة والدعاة إلى الله! بادروا بترتيب الدروس وحسن انتقاء الكتب، وشحن الناس لدخول الشهر، أتاكم شهر رمضان شهر مبارك، وكان عموم الناس يتراءون الهلال على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من تشوقهم وتطلعهم يقول في الحديث: (تراءى الناس الهلال) الناس يتراءون الهلال، الجود بالعلم والخلق، والقدوة أن يعد نفسه للاقتداء، جيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم في سفرٍ في رمضان، فقيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام، وإن الناس ينظرون ماذا فعلت، فدعا بقدحٍ من ماء بعد العصر فشرب والناس ينظرون إليه.

الدعاة قدوة فينبغي أن يكملوا أنفسهم، لا استعداداً بما فيه معصية كما يفعل الكثيرون، ينبغي إعداد المساجد لصلاة التراويح، ليس بزيادة الأنوار، فزيادة الأنوار في رمضان بدعة، وإنما بتنظيفها وتطيبها وليساهم أهل اليسر والمال في ذلك، فإن فيه أجراً عظيماً، المساجد التي لم تكتمل.. المساجد التي فيها نقصٌ في فرشها ونحو ذلك مما يحتاجه الأمر، وتجهيز أماكن النساء التي لا يكون فيها اختلاط بالرجال، ولا يجوز أن يحول المسجد إلى مجالٍ للدعاية والإعلان عن السلع التجارية، وتعلق الإعلانات وبعض التقاويم المطبوعة فيها خانةٌ الإمساك قبل الفجر بعشر دقائق وهي بدعة ضلالة.

أيها المسلمون: إن كثيراً من الناس يتجهزون، ولكن مع الأسف لا يتجهزون بالتقوى وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى [البقرة:197] سيأتي رمضان في إجازة، ومعنى ذلك أننا سنتوقع سهراً طويلاً في الليل، والليل طويل، ومعنى ذلك: أن عدداً من الناس سيسهرون ثم يرقدون قبل الفجر، ومعنى ذلك: أن صلاة الفجر ستضيع، وربما رأيت اهتماماً بصلاة الفجر في أول ليلة أو ليلتين ثم يعود الأمر إلى المعتاد أو أقل من المعتاد، وبعض المسلسلات ستجتذب بعض الناس عن صلاة العشاء في الجماعة، وعن بعض صلاة التراويح، وسيأتون إلى المساجد متأخرين لأجل المسلسل الفلاني الذي يعرض؛ فتباً وتعساً لهم لهذا الاستعداد، يتأخر عن الصلاة لأجل اللهو.

عباد الله: هذا الشهر مجالٌ عظيم لاستغلال الطاعات والعبادات، وفيه تضاعف الحسنات والأجور؛ لأن القاعدة الشرعية هي أن الطاعات في الأزمنة الفاضلة تضاعف، والسيئات في الأزمنة الفاضلة تضاعف، ونحن نعلم مكانة هذا الشهر جيداً، ونعلم مكانة الصيام في أركان الإسلام، ونعلم الأجر العظيم في الصيام والقيام والاعتكاف والعمرة في رمضان، وسائر العبادات وتلاوة القرآن.

ولما علم أعداء الله مكانة رمضان في الدين، وأنه شهر توبة للكثيرين والرجوع إلى الله سلطوا سهامهم على شهر رمضان، وأعدوا العدة للانقضاض على روح العبادة في هذا الشهر بأنواع المعاصي التي يجرون إليها الناس، فإذا نظرت وقرأت في الدعايات والإعلانات ماذا ستجد بمناسبة شهر رمضان؟

أصبح الآن قدوم رمضان مجالاً ومناسبة وفرصة للمعاصي بأنواعها، بمناسبة شهر رمضان خصومات على الاشتراك في القنوات الفضائية.. الأوائل في الفسق والمجون ومبارزة الله بالمعصية، ثلاثة أشهر مجاناً، تسهيلات في قيمة جهاز فك الشفرة.. خمس قنوات بكذا، وثلاث قنوات بكذا، كنا نعجب من حديث النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: (ورأيت رجلاً جالساً ورجلاً قائماً بيده كلوب من حديد -حديدة معوجة- يدخل ذلك الكلوب في شدقه ويشرشره ويقطعه من شدقه الأيمن إلى القفا، ثم يعود فيضع الكلوب في الشدق الأيسر ويشرشره إلى قفاه، فيعود الشدق الأيمن سليماً، فيعود فيشرشره.. وهكذا باستمرار، فسألهم: من هذا؟ قالوا: أما الذي رأيته يشق شدقه فكذابٌ يحدث بالكذبة فتحمل عنه حتى تبلغ الآفاق فيصنع به هكذا إلى يوم القيامة) .

والآن بعد وجود القنوات الفضائية لم يعد هناك مجالٌ للعجب، فإنهم ليس فقط يكذبون الكذبة حتى تبلغ الآفاق، وتحمله الموجات إلى أرجاء الأرض، وإنما يدبرون المؤامرات والمعاصي.

تحول شهر رمضان إلى شهر غناءٍ وطرب، وأمسيات رمضانية في المعصية، والأغاني والفلكلورات الشعبية.. ونحو ذلك، وكذلك الفوازير التي تعرض بالغناء مع اللوحات الاستعراضية الراقصة.. هكذا شهر العبادة! هكذا شهر الصيام!! مخطط أعداء الإسلام لتفريط رمضان من محتوياته، ما دام شهر توبة وعبادة لابد من الإغارة عليه، ولابد من تفريغه من محتوياته، ولابد من منع تأثيره على الناس، ولابد من عزل هذه الروح العظيمة في هذا الشهر عن الناس، لئلا يتنسموها.. كيف؟ بهذه المسلسلات والأغاني والعروض، والفوازير والاشتغال بها، ومكاتب تبيع الأسئلة، حتى قضية جمع المعلومات ليس فيها فائدة، وخصوصاً أن بعض هذه الأسئلة لا علاقة لها بالإسلام.

ثم برامج للطبخ، وطبق اليوم، ولقمة هنية.. طبق رمضان.. المأكولات العربية، إشغال ربات البيوت في الوقت الفاضل.. في وقت الصيام.. في اللحظات الغالية بمتابعة هذه الأطباق، وبعد الإفطار يعرضون مواقف كمودية، والكاميرا الخفية، ونجوم الفكاهة، ويعرضون مسلسلات عن التاريخ الإسلامي بزعمهم أن هذه الأشياء إسلامية، وهي في الحقيقة تشويهٌ -والله العظيم- للشخصيات الإسلامية، فشوهوا شخصية عمر بن عبد العزيز ، وشوهوا شخصية شيخ الإسلام ابن تيمية ، وشوهوا شخصية صلاح الدين الأيوبي ، وعرضوا المناظر المقذعة الفظيعة التي تبين أنهم عشاق، وهذا له علاقة بالنساء، ونحو ذلك من أنواع التبرج والفجور في الفيلم، ويمثله شخصٌ فاجرٌ يقوم بتمثيل رجلٍ من أبطال الإسلام.

وسنرى الدور على من في تشويه تاريخ المسلمين، ولو قاموا في هذه القنوات الفضائية العالمية التي تبث على العالم بأشياء من الدين أو إجابات أو برامج فإنها لا تخلو من التساهلات والتنازلات، وبالتالي ماذا سيكون أيها الإخوة؟! النهار ليس هناك دراسة عند الطلاب في هذا الشهر، سيتحول النهار إلى أي شيء؟ والليل إلى أي شيء؟ وأوقات صلاة التراويح إلى أي شيء؟ والليل في الألعاب والملاهي والمعاصي والتمشيات، والشباب على الأرصفة، وربما دقوا بالعود وعزفوا وفعلوا وفعلوا، ونظموا المباريات والسداسيات، واشتغلوا بالرياضة عن قيام الليل، وعن اغتنام هذه الأوقات الثمينة بالمعاصي أو الملاهي، ولو قلت: اللهو المباح، فأي غبنٍ أعظم من جعل هذه الأوقات مجالاً للفسق والفجور، وحتى اللهو المباح.. أليس غبناً؟ أليس خسارةً؟

عباد الله: هل يا ترى سننساق وراء مخططات أعداء الإسلام لتفريغ رمضان من محتوياته أم لا؟

هذا ما ستكشفه الأيام القادمة، وشتان شتان بين الذين سيسافرون إلى الخارج في هذا الشهر وينقطعون بالكلية عن مجتمعات المسلمين، ويعتبرونها سياحة في الأرض لا يسمع أذاناً، ولا يشهد صلاةً، وبين من سيعد العدة للذهاب إلى مكة .

أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج، فقالت امرأة لزوجها: أحجني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ما عندي ما أحجكِ عليه، قالت: أحجني على جملك فلان، قال: ذاك حبيسٌ في سبيل الله عز وجل -أي: وقف في الجهاد- ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن امرأتي تقرئ عليك السلام -أدب النساء- وإنها سألتني الحج معك، وقالت: أحجني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على جملك، فقلت: ذاك حبيسٌ في سبيل الله، فقال: (أما إنك لو أحججتها عليه كان في سبيل الله، قال: وإنها أمرتني أن أسأل ما يعدل حجةً معك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقرئها السلام، وأخبرها أنها تعدل حجةً معي عمرة في رمضان) رواه أبو داود بإسنادٍ حسن.

وأول رمضان هو ليلة الأول منه، فإذا غربت الشمس وثبت دخول الهلال بدأنا في رمضان، ومن أوقع عمرته في ليلة الواحد من رمضان -الليلة التي تسبق نهار الأول من رمضان- فقد أوقعها في رمضان.

عباد الله: الحذر الحذر من المعاصي، فكم سلبت من نعم، وكم جلبت من نقم، وكم خربت من ديار، فما بقي فيها ساكنٌ ولا ديَّار، وكم أخذت من العصاة بالثأر، وكم محت لهم من آثار.

يا صاحب الذنب لا تأمن عواقبه      عواقب الذنب تخشى وهي تنتظر

فكل نفسٍ ستجزى بالذي كسبت      وليس للخلق من ديانهم وزر

نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل البصيرة، اللهم اجعلنا من أهل البصيرة، اللهم اجعلنا ممن عرفوا الشر فتركوه، وممن عرفوا الخير فسلكوا طريقه واتبعوه.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.