تأملات في الزلزال الأليم[1]


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

a= 6000394>يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[آل عمران:102].

a= 6000493>يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً[النساء:1].

a= 6003602>يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.

a= 6002595>يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج:1-2].

a= 6004982>إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجّاً * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثّاً * وَكُنْتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاثَةً [الواقعة:4-7].

a= 6006138>إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْأِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ [الزلزلة:1-8].

عن عمران بن حصين رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو في بعض أسفاره، وقد تفاوت بين أصحابه السير، رفع بهاتين الآيتين صوته: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج:1-2] فلما سمعوا أصحابه بذلك حثوا الخطى وعرفوا أن عنده قولاً يقوله، فلما تأشفوا حوله قال: أتدرون أي يومٍ ذلك؟ ذاك يوم ينادى آدم عليه السلام، فيناديه ربه عز وجل، يا آدم! ابعث بعثك إلى النار، فيقول: يا رب! وما بعث النار؟ فيقول له: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة) فأبلس أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حتى ما أوضحوا بضاحكة، ولا ظهر لهم سنٌ من الأسنان التي تظهر عند الضحك، وفي رواية البخاري : (تغيرت وجوههم، ثم أخبرهم صلى الله عليه وسلم: أن يأجوج ومأجوج ما كانتا في شيءٍ إلا كثرته، وقال: أبشروا واعملوا، وأمرهم بعمل الصالحات وإرضاء الله سبحانه وتعالى) هذا الحديث رواه الترمذي وهو صحيح.

فإذاً من الأشياء التي تكون يوم القيامة زلزال عظيم جداً، وهو أعظم زلزالٍ على الإطلاق: وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى [الحج:2] وقال بعض العلماء: إنه يكون في آخر الدنيا على مشارف يوم القيامة، فإذا تكلمت الأرض فهذا في يوم القيامة، هذا الزلزال ليس من زلازلنا الآن، إنما هو زلزالٌ عظيم جداً: إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا [الزلزلة:1-2] ثم قال الله: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا [الزلزلة:4-5] تتزلزل الأرض زلزالاً عظيماً وتتكلم وتخبر بما فعل عليها من خير أو شر.

فيا أيها الإنسان! اعمل ما شئت فإن الأرض التي أنت عليها ستحدث يوم القيامة بما عملت عليها من خير أو شر: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا [الزلزلة:4-5] وكان الزلزال ولا يزال من العذاب الذي يرسله الله على من يشاء من خلقه، فكان عذاب قوم شعيب الزلزال، من العذاب الزلزلة، قال الله عز وجل عن قوم شعيب: فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ [الأعراف:78] هلكوا عن آخرهم: وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ [الأعراف:155] ابتهل موسى إلى الله، قال المفسرون: كانوا لم ينهوا قومهم عن عبادة العجل، هؤلاء السبعون لما يزايلوا قومه في عبادتهم العجل ولا نهوهم، فكان هذا من أسباب أخذهم بالرجفة، وقال الإمام مجاهد رحمه الله في قول الله تعالى: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ [الأنعام:65] قال: الصيحة، والحجارة والريح، وقال الله: أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ [الأنعام:65] قال مجاهد رحمه الله: الرجفة والخسف وهما عذاب أهل التكذيب، وعن مجاهد قال: عذاب أهل التكذيب بالصيحة والزلزلة. إسناده صحيح.

فالله سبحانه وتعالى يرسل العذاب من الأعلى والأسفل، من فوق ومن تحت، ولذلك في الدعاء العظيم: (اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي، وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، واحفظني من بين يديَّ ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي) قال وكيع : هو الخسف، وهذا من أدعية الصباح والمساء التي ينبغي على المسلم يحافظ عليها، والشاهد من الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي) لأنه عذاب شديد؛ لأنه أخذٌ شديد.

ومن أشراط الساعة، قال صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن ويكثر الهرج وهو القتل) رواه الإمام البخاري رحمه الله، وهذا من أشراط الساعة.

وفي الحديث الصحيح الآخر الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود قال عليه الصلاة والسلام لأحد الصحابة: (يا بن حوالة! -قال للرجل الحوالي من بني حوالة- قال له عليه الصلاة والسلام يا بن حوالة! إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة -قالوا: هو انتقال الخلافة من المدينة إلى بلاد الشام في عهد بني أمية- فقد دنت الزلازل والبلابل والأمور العظام، والساعة يومئذٍ أقرب من الناس من يدي هذه من رأسك) فكثرة الزلازل ووقوعها دلالة على قرب قيام الساعة، وهي من وجهٍ رحمة من الله، الله عز وجل يكفر بهذه الزلال أموراً كثيرة من الذنوب والمعاصي والآثام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمتي هذه أمةٌ مرحومة، إنما عذابها في الدنيا الفتن والزلازل والقتل والبلايا) حديث صحيح.

فالزلازل إذاً آية من آيات الله، يخوف الله بها عباده، قال شيخ الإسلام رحمه الله: والزلازل من الآيات التي يخوف الله بها عباده، كما يخوفهم بالكسوف، وغيره من الآيات.

والحوادث لها أسبابٌ وحكم، فكونها آية يخوف الله بها عباده هي من حكمة ذلك، وكون الزلازل لها أسباب يشرحها علماء الأرض المقصود بهم طبعاً علماء طبقات الأرض، هذه الأسباب لا تنفي كون هذه الزلازل آيات يخوف الله بها عباده، مثل الكسوف، له سبب وله حكمة، السبب معروف من وقوع الكواكب الثلاثة الأرض والشمس والقمر في مسافات معينة في ترتيبٍ معين، فيكون كسوفاً أو خسوفاً، لكن الحكمة يخوف الله بها عباده، فينبغي ألا يخلط المسلم بين السبب والحكمة، وينبغي ألا يشغله السبب عن الحكمة؛ لأن الماديين الأرضيين الذي لا يؤمنون بالله رباً، ولا بالإسلام ديناً، ولا بمحمدٍ نبياً، إذا عرضوا قضية الزلازل فقصارى عرضهم لقضية الزلازل أنهم يتكلمون عن تحرك الصفحات الأرضية وعن الموجات والاهتزازات، هذا حسبهم، لكن نحن إذا سمعنا بها عرفنا أن هذه مجرد أسباب للزلزال (السبب الدنيوي) لكن الحكمة هي أن يخوف الله بها عباده، وهؤلاء كثيراً ما يكذبون، فيقولون: نتوقع زلزالا ولا يحدث، أو لا يتوقعون شيئا أصلا، ولا يخبرون عنه بشيء، آتاهم الله من حيث لم يحتسبوا، فاختلطت حساباتهم وكان الزلزال مفاجأة للجميع، لم يتنبأ أحد به، ولم يخبر عنه، بل إن الزلازل تحدث في العادة في المناطق الساحلية كما يقولون نتيجة تحرك الصفحات الأرضية، وقرب البحار ونحو ذلك، أما أن يضرب الزلزال في وسط قارةٍ، في وسط الأرض، فهذا ما لم يكن لهم بحسبان، فأين حساباتهم وأين تنبؤاتهم: لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل:65] كل هذه آيات يا أيها الناس! قد خلت النذر من بين أيدينا ومن خلفنا، كل هذه أمور من الله يخوف الله بها عباده، له في ذلك حكم سبحانه وتعالى، ولذلك فإنه يجب اللجوء إلى الله.

إن قضية الحسابات والأرقام، ومقياس ريختر لا يقدم ولا يؤخر في القضية، الآن حصل ما حصل، والمسألة هي اللجوء إلى الله، أما تحليلها علميا وفي حسابات أرضية، وقد ظهر فشله في كثير من الأشياء، وخابت توقعاتهم، بل إنهم فوجئوا كما فوجئ غيرهم، المقصود قول الله عز وجل: وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً [الإسراء:59] لكن أين الذي يخاف؟ قال الله عز وجل: وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَاناً كَبِيراً [الإسراء:60].

بعض الناس لو حصلت الزلازل بعضها وراء بعض وتتابعت ليس هناك فائدة، قلبه ميت مظلم صلب، لا يدخل إليه شيء: وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَاناً كَبِيراً [الإسراء:60]، ولذلك مهما حدث من الزلازل والخسف والآيات، فإن بعض القلوب القاسية لن تتحرك ولن تلين، وستستمر في الكفر والعجرفة مهما حصل لها: أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ [التوبة:126] ويرسل الله الآيات للناس لأجل ماذا؟ ليحسبوها بمقياس ريختر؟ أهذا هو السبب؟ أهذه هي الحكمة؟ إنما يخوف الله بها عباده: وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً [الإسراء:59].

من الحكم في الآيات لجوء الناس إلى الله، تضرعهم إلى الله: فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:43] هلا فعلوا ذلك؟ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا [الأنعام:43] الرسول عليه الصلاة والسلام لما نزل عليه قول الله عز وجل: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ [الأنعام:65] قال: (أعوذ بوجهك) أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ [الأنعام:65] الخسف والزلازل، قال: (أعوذ بوجهك).

a= 6005256>أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ[الملك:16].. أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ [الإسراء:68] سبحان الله!

ولذلك العلماء لما تكلموا في موضوع الزلازل -ونقصد علماء الشريعة- تكلموا في هذا المبحث عن اللجوء إلى الله، تكلموا عن الصلاة وهل يصلى للزلازل كصلاة الكسوف أم لا؟ وهل يجتمع الناس للصلاة أم أنهم يصلون متفرقين؟

أخرج البيهقي بإسناد صحيحٍ عن ابن عباس في زلزلة بـالبصرة فأطال القنوت، ثم ركع، ثم رفع رأسه، فأطال القنوت، ثم ركع، ثم رفع رأسه فأطال القنوت، ثم ركع وسجد فقام في الثانية ففعل مثل ذلك، فصارت صلاته أربع ركعات وست سجدات، قال ابن عباس : هكذا صلاة الآيات، هذا قولٌ من أقوال أهل العلم يصلى لها كصلاة الكسوف، وعن جعفر بن برقان قال: كتب إلينا عمر بن عبد العزيز في زلزلة كانت بـالشام : " اخرجوا يوم كذا، ومن استطاع منكم أن يخرج صدقة فليفعل؛ لأن الله تعالى يقول: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [الأعلى:14-15] وإسناده حسن.

قال الشافعي رحمه الله في الصلاة للزلازل: آمر بالصلاة منفردين، ويستحب أن يصلي منفرداً ويدعو ويتضرع لئلا يكون غافلاً، إذ بالرغم من هذه الأشياء يغفل الناس وهذه مصيبة، كل هذا التذكير وهذا التخويف ثم الناس قلوبهم جامدة، يتحدثون في الأشياء العلمية، فلئلا يكون غافلا يصلي منفرداً، يصلي ويدعو ويتضرع إلى الله سبحانه وتعالى.

النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا حزبه أمر، إذا كربه أمر أقبل على الصلاة، قال: وكذلك سائر الآيات كالصواعق والريح الشديدة، وقال الإمام أحمد رحمه الله: يصلى للزلزلة الدائمة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل الكسوف بأنه آية يخوف الله بها عباده، والزلزلة أشد تخويفاً، فأما الرجفة فلا تبقى مدة تتسع للصلاة، فإذاً من العلماء من قال: يصلون مثل صلاة الكسوف جماعةً، وبعضهم قال: يصلون منفردين، كالإمام الشافعي رحمه الله، وبعضهم قال: صلاة عادية: (إذا رأيتم الآيات فاسجدوا) رواه أبو داود بسندٍ صحيح.

فإذاً ينبغي الفزع للصلاة والخروج من المباني عند الزلزال ليس من الأمور المذمومة، وإنما هو اتخاذ أسباب النجاة، لكن بالأناة والرفق والحكمة، وقد كان المسلمون يفزعون إلى الصلاة عندما تحدث فيهم الزلازل، والزلازل قد حدثت، فمن الأمور ما قال الإمام الذهبي رحمه الله في كتابه العبر في حوادث سنة (232 للهجرة) : كانت الزلزلة المهولة بـدمشق ودامت ثلاث ساعات، وسقطت الجدران وهرب الخلق إلى المصلى يجأرون إلى الله، وهذا هو الشاهد، ومات كثيرٌ من الناس تحت الردم، وامتد إلى أنطاكية ، وفي حوادث سنة (233 للهجرة) ذكر ابن عساكر رحمه الله في تاريخ دمشق فقال: زلزلت دمشق يوم الخميس ضحى فقطعت ربع الجامع وتزايلت الحجار العظام -يعني: عن أماكنها- ووقعت المنارة، وسقطت القناطر والمنازل وامتدت في الغوطة ، فأتت على دارية والمزة وبيت لهية وغيرها، وخرج الناس إلى المصلى يتضرعون إلى قريبٍ من نصف النهار فسكنت الدنيا، وعاد الأمر إلى الهدوء، وهذا هو الشاهد.

ومن الأمور التي تندب عند حدوث هذه الآيات وعظ الناس وتخويفهم بالله سبحانه وتعالى، أخرج ابن أبي شيبة في المصنف بسندٍ حسن عن صفية بنت أبي عبيد زوجة عبد الله بن عمر قالت: [زلزلت الأرض على عهد عمر حتى اصطفقت السرر، فخطب عمر الناس، فقال: أحدثتم، لئن عادت لأخرجن من بين ظهرانيكم] قال: ما حصل إلا بسبب أمرٍ ارتكبتموه، وذنوب اقترفتموها، قال: [أحدثتم، لئن عادت لأخرجن من بين ظهرانيكم] يعني: يعظهم ويذكرهم بالله سبحانه وتعالى، هذا ما ينبغي فعله من اللجوء إلى الله والصدقة، وقال العلماء: العتق وهو من أنواع الصدقات.

فإذاً اللجوء إلى الله والذكر والتضرع والدعاء والصدقات، نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يجعلنا آمنين مطمئنين، وأن يدفع عنا الزلازل والمحن والبلايا، وأن يجعلنا وإياكم ممن بات في سربه آمناً، وممن حفظه الله بالإسلام قائماً وقاعداً.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، لا إله إلا هو وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير، أشهد أن لا إله إلا الله يفعل ما يشاء، وأشهد أن لا إله إلا الله الحي القيوم مالك الملك، يفعل في خلقه ما يشاء: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23] فلله الحكمة البالغة يفعل ما يشاء، هو الذي خلق الخلق إن شاء أحياهم وإن شاء أماتهم وهم داخلون في ملكه، وهم المقهورون الأذلاء بين يديه، إن شاء صعقهم وإن شاء خسف بهم وإن شاء رحمهم: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23] مالك الملك يفعل ما يشاء، لا اعتراض على حكمه، ولا خروج لأحدٍ عن علمه، ولا عن فعله، ولا عن اختياره سبحانه وتعالى، وله في كل فعلٍ حكمة، وهو الحكيم الخبير، وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، صلى الله عليه صلاةً دائمة إلى يوم الدين، صلى الله عليه بما هدانا وعلمنا وأرشدنا وذكرنا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها المسلمون: هل الزلازل ابتلاء أم عقوبة؟ ما هو الفرق بين أن تكون ابتلاء أو عقوبة؟ إذا كانت ابتلاء لرفع درجات وزيادة حسنات، فقد تكون لأتقى خلق الله، الابتلاء قد يكون لأتقى خلق الله، ولو لم يعمل معصية، يزيد الله في حسناته ويرفع درجاته في الجنة.

أما إذا كان عقوبة فإنه يكون للمعصية، للشرك، للتوسل إلى الأموات والطواف بالأضرحة والقبور وتقبيل الأعتاب، وترك الشريعة وتحكيم الجاهلية، والكفر بالله، وشرب الخمور، وارتكاب الموبقات والملاهي والمحرمات بأنواعها، وأكل الربا، وعقوق الوالدين، وتولي الكفر، والتبرؤ من الإسلام وأهله، هذه من أسباب العقوبة، هل يمنع أن يكون الحدث ابتلاء وعقوبة في نفس الوقت؟ الجواب: كلا. فإنه ابتلاء للمؤمنين، فكل مؤمن أصابه من البلاء ما أصابه، وهو طائع لله، يدعو إلى الله، متمسك بدين الله، موحد لله غير مشرك به، فإنه ابتلاء بحقه، فإذا مات أو سقط عليه البناء، أو جرح أو كسر، أو مات له أولاد أو زوجة أو أقرباء وانهدم بيته وتهشمت سيارته، وعدم أثاثه ونحو ذلك، هذا في حقه ابتلاء يزيد الله حسناته ويرفع به درجاته.

أما إذا كان من المتولين عن الله، المعادين لدين الله، الخارجين عن طاعة الله، فهذا في حقه عقوبة وشر مستطير نزل به، قد يرجع إلى الله فيتوب، وهذا هو المرجو، الله عز وجل يذكرنا: لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ [الأنعام:42].. لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الزخرف:48] لعلهم يعقلون لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [البقرة:221] وقد لا يحدث له إلا الزيادة في الكفر والزيادة في المعاصي: وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَاناً كَبِيراً [الإسراء:60] .

السؤال الثاني: هل يكون الحدث على الجميع؟ الجواب: قالت الصحابية الجليلة للنبي عليه الصلاة والسلام: (أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم. إذا كثر الخبث) أي: انتشر، يهلك الجميع إذا كثر الخبث إلا المصلح: أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ [الأعراف:165] والفرق بين الصالح والمصلح أن الصالح صالحٌ في نفسه، لكن لا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر، ولا يجاهد في الله، أما المصلح فهو الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب لحدوث العذاب ونزول الانتقام من الله على الصالح والطالح، أما الذين ينهون عن السوء هؤلاء قد يكون لهم ابتلاء يرفع الله درجاتهم، وقد ينجيهم ربهم بسبب أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر.

إذا كثر الخبث، إذا ظهر الفساد، إذا ترك الأمر والنهي نزلت العقوبة على الجميع، ولذلك يجب أن نكون أمارين بالمعروف ناهين عن المنكر، نجاهد في الله حق جهاده، وإلا فالويل لنا جميعاً بلا استثناء: وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ [هود:117] إذا سكتوا عن الظالم أوشك أن يعمهم الله بعقابٍ من عنده، إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعذاب، هكذا قال أبو بكر رضي الله عنه.

هل للحوادث والزلازل حكم من الله؟ طبعاً هي كثيرة، فمنها تذكير الأقوام وتخويفهم، وتذكير من حولهم: وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دَارِهِمْ [الرعد:31] لعلهم يعقلون، لعلهم يرجعون وتكون عقوبة وانتقاماً من الله لأهل الباطل، وهذا أمر آخر: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102].

ثالثاً: إشغال أهل الباطل بأنفسهم عن الكيد لأهل الحق، فيكونون مندفعين في الكيد لأهل الحق، ومحاربة المصلحين، ومحاربة الدعاة إلى الله فيشغلهم الله بأنفسهم.

رابعاً: اصطفاء شهداء لله: إذا كان الإنسان تقياً، مقبلاً على الله فأصابه زلزال، فقبضت روحه أو حصلت له جراحٌ وكسور وابتلي في ماله وأهله فماذا يكون؟

أما إذا مات في مثل الزلازل فإني لا أظنه إلا في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: (والهدم شهيد) الهدم: يعني: الذي ينهدم عليه بيته، ويذهب في هذه الحادثة فهو شهيد تجري عليه أحكام الشهداء، يعني: شهيد الآخرة.

أما في الدنيا فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه مثل بقية الأموات، لكنه في عداد الشهداء، والشهداء مراتب أعلاهم قتلى المعارك في سبيل الله، والهدم شهيد، فإذاً الذين يموتون تحت الأنقاض إذا كانوا من عباد الله الموحدين فنرجو أن تكون لهم شهادة.

وكذلك من الحكم إظهار أهل الخير على خيرهم، فإنكم تسمعون ونسمع جميعاً ما حصل من قيام الوعاظ بالتذكير، والخطباء المصلحين بأمر تنبيه الناس عن الذنوب والمعاصي في البلاد التي أصابتها الزلازل، وكذلك قيام الدعاة وأهل الخير بإغاثة المنكوبين ومساعدة المحتاجين، وإغاثة الملهوفين ومد يد العون لهم، وهذا فيه فائدة عظيمة وهي إظهار الحق للناس، وأن أولى الناس بالناس هم الدعاة المصلحون، هم الذين إذا حصلت الفتن قاموا ينبهون، وإذا نزلت الكوارث وحلت قاموا يساعدون، يدفعهم الدافع الإيماني والرغبة في الثواب، ولذلك فإنهم يحتسبون الأجر من الله في تقديم كل مساعدة إلى من يحتاج إلى مساعدة، رغم قلة الإمكانيات وضعف الذات يقدمون ما لديهم، فيتعلم الناس كما تعلَّموا في كثير من الأزمات، أن أولى الناس بالناس هم الدعاة المصلحون، أهل الخير المستقيمون، أول من يعاون وأول من يشارك، وأول من يساهم بدون مرتبات، أطباء ومهندسون قاموا لله يساهمون في مساعدة الناس بدون رواتب، احتساباً، ولله حكم في تحطم معابد أهل الوثنية ، والآثار الجاهلية، لو جلسنا نتأمل في حكم الله في الأحداث الواقعة والله ما ننتهي لو كان عندنا عقل أو ألقينا السمع ونحن شهداء.

اللهم إنا نسألك أن تجعلنا آمنين في أوطاننا، اللهم باعد بيننا وبين الزلازل والمحن، واجعلنا آمنين مطمئنين وسائر المسلمين يا رب العالمين، اللهم احفظ بلدنا وبلاد المسلمين من كل سوء ومكروه، اللهم ادفع عنا وعن المسلمين البلاء.