العيد آدابٌ وأحكام


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منا أجمعين ما حصل من الصيام والقيام، إنه خير مسئول وأكرم من أعطى سبحانه وتعالى، وقد انتهى هذا الشهر الكريم بأسرع مما كنا نتخيل ونتصور، وانقضت تلك الأيام، وكنا في الليلة الماضية نقوم ونصلي وقد صرنا الآن في ليلة الأول من شوال، ورجع الأمر إلى ما كان عليه من قيام كل شخصٍ بمفرده، لأنه لا يشرع الاجتماع للقيام إلا في رمضان.

وبهذه المناسبة أيها الإخوة، نتعرض اليوم إن شاء الله لبعض أحكام وآداب العيدين، وذلك لأن المسلم مطالبٌ بأن يعرف أحكام دينه، وكلما حدثت مناسبة أن يعرف أحكامها الشرعية.

فأما بالنسبة لأحكام العيدين وآدابهما؛ فإن صلاة العيدين عيد الفطر وعيد الأضحى مشروعة بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين، وقد كان المشركون يتخذون أعياداً زمانية ومكانية فأبطلها الإسلام وعوض عنها عيد الفطر وعيد الأضحى شكراً لله تعالى على أداء هاتين العبادتين العظيمتين، صوم رمضان وحج بيت الله الحرام.

فإذاً يأتي موسم الفرح هذا بعد انتهاء عبادة عظيمة وهي الصيام، وتأتي فرحة عيد الأضحى بعد الانتهاء من العبادة العظيمة أو في نهاية حج بيت الله الحرام.

النهي عن مشاركة الكفار والمبتدعة في أعيادهم

صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما قدم المدينة كان لأهلها يومان يلعبون فيهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (قد أبدلكم الله بهما خيراً منهما يوم النحر ويوم الفطر) وقال النبي صلى الله عليه وسلم مبيناً اختصاص الأمم بأعيادٍ معينة فقال: (لكل قومٍ عيد) وبما أنه (من تشبه بقومٍ فهو منهم) فلا تجوز مشاركة الكفار في أعيادهم ولا المشاركة في المناسبات والأعياد البدعية الأخرى، ولا يجوز في الدين إحداث أعيادٍ أخرى غير عيد الفطر وعيد الأضحى في السنة، كما يفعله بعض المبتدعة من أعياد الموالد وغيرها، أو ما يفعلونه تقليداً للأمم الكافرة باتخاذ أعياد كعيد المسيح، وعيد الميلاد، وعيد رأس السنة، وعيد الزواج، وعيد الشجرة، وعيد الأم، وعيد الوطن، ونحو ذلك من الأعياد المبتدعة التي ما أنزل الله بها من سلطان؛ فإنها كلها محرمة الإنفاق فيها والمشاركة فيها والاحتفال بها، كل ذلك محرمٌ تحريماً بالغاً ومصادم للعقيدة الإسلامية، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقومٍ فهو منهم) وقال صلى الله عليه وسلم: (إن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة).

مذاهب العلماء في حكم صلاة العيد

وسمي العيد عيداً لأنه يعود ويتكرر كل عام، ولأنه يعود بالفرح والسرور، ويعود الله فيه بالإحسان على عباده على إثر أدائهم لطاعته بالصيام والحج، فإذاً هذان العيدان مرتبطان بعبادتين عظيمتين الصيام والحج، وعيد الفطر لزوال المنع من المباحات من الطعام والشراب والنكاح، والدليل على مشروعية صلاة العيد قوله تعالى: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:2] وقال سبحانه وتعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [الأعلى:14-15] فذكر الله العيدين في هاتين الآيتين: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:2] هذا عيد الأضحى، صلّ وانحر بعد الصلاة قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى [الأعلى:14] أي: زكاة الفطر على أحد الأقوال، ووَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [الأعلى:15] أي: بعد زكاة الفطر وهي صلاة عيد الأضحى، وكان النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه من بعده يداومون عليها، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالخروج لصلاة العيدين، وقالت المرأة وهي أم عطية رضي الله عنها: [كنا نُؤمر أن نخرج يوم العيد حتى تخرج البكر من خدرها، حتى نخرج الحيَّض فيكنَّ خلف الناس فيكبرن بتكبيرهم ويدعين بدعائهم، يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته] رواه البخاري رحمه الله تعالى، وهذا يبين التأكيد على مشروعية صلاة العيد وهي التي ذكر عددٌ من العلماء أنها واجبة، وهم قد ذكروا حكم صلاة العيد على ثلاثة أقوال:

فقال بعضهم: إنها واجبة، يأثم من لم يحضر صلاة العيد؛ لأنه إذا كانت النساء اللاتي يطلب منهن القرار في البيوت قد أمرن بالخروج فالرجال من باب أولى، وأن هذا فيه دليلٌ على وجوب الخروج وأنه فرض عينٍ لنص الآية عليه، وللأمر به في الكتاب والسنة، وهذا رواية عن الإمام أحمد رحمه الله وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى.

وذهب بعض أهل العلم إلى أنها فرضٌ على الكفاية، إذا قام بها البعض سقط عن الباقين، وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى بأنها فرض كفاية.

وذهب بعضهم وهم المالكية والشافعية إلى أنها سنة مؤكدة لقوله في حديث الأعرابي: (هل علي غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع) ورد القائلون بالوجوب: إن حديث الأعرابي على صلوات تتكرر في اليوم والليلة ماذا يجب منها؟ قال: خمس صلوات أما وجوب صلاة أخرى لسبب يعرض مثل صلاة العيد، فإنه لم يكن متطرقاً إليه في حديث الأعرابي، وبما أننا أمرنا به وأمرت النساء بالخروج فإنه يكون واجباً، وقالت حفصة بنت سيرين : كنا نمنع جوارينا أن يخرجن يوم العيد فجاءت امرأة فنزلت قصر بني خلف فأتيتها، فحدثت أن زوج أختها غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة غزوة فكانت أختها معه في ست غزوات فقالت: فكنا نقوم على المرضى ونداوي الكلمى، فقالت: يا رسول الله أعلى إحدانا بأسٌ إذا لم يكن لها جلبابٌ ألا تخرج فقال: (لتلبسها صاحبتها من جلبابها، فليشهدن الخير ودعوة المؤمنين) يعني لو لم يكن عندها جلباب تأخذ جلباب صاحبتها، قالت حفصة : فلما أتيت أم عطية فسألتها: أسمعت في كذا وكذا، قالت: نعم بأبي -وقلما ذكرت النبي صلى الله عليه وسلم إلا قالت: بأبي- وقال: (ليخرج العواتق) والعواتق جمع عاتق وهي البكر البالغة أو المقاربة للبلوغ، أو قال: (العواتق ذوات الخدور والحيَّض) وتعتزل الحيَّض المصلى وليشهدن الخير ودعوة المؤمنين، قالت: فقلت لها: الحيَّض؟ قالت: نعم أليس الحائض تشهد عرفاتٍ وتشهد كذا وتشهد وكذا، رواه البخاري رحمه الله.

إذاً الخروج لصلاة العيد مؤكد، والنساء مأمورات به يخرجن على الوجه الشرعي، وخروج المرأة على الوجه الشرعي يعني ألا تكون متطيبة ولا لابسة لثياب زينةٍ أو شهرة لقوله عليه الصلاة والسلام: (وليخرجن تفلات -يعني غير متزينات- ويعتزلن الرجال، ويعتزل الحَّيض المصلى).

مكان صلاة العيد

والخروج لصلاة العيد، وأداء صلاة العيد على هذا النمط المشهود من الجميع فيه إظهارٌ لشعار الإسلام، فهي من أعلام الدين الظاهرة، وأول صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم للعيد يوم الفطر من السنة الثانية من الهجرة، ولم يزل صلى الله عليه وسلم يواظب عليها حتى فارق الدنيا صلوات الله وسلامه عليه، واستمر عليها المسلمون خلفاً عن سلف فلو تركها أهل بلد مع استكمال شروطها فيهم قاتلهم الإمام، لأنها من أعلام الدين الظاهرة كالأذان، وينبغي أن تُؤدى صلاة العيد في صحراء قريبة من البلد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي العيدين في المصلى الذي على باب المدينة -وهو يبعد مسافة ألف متر من باب السلام (ألف ذراع من باب السلام) كما قدره بعض أهل العلم، هذا مكان مُصلى النبي صلى الله عليه وسلم- وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي العيدين في المصلى الذي في باب المدينة ، فعن أبي سعيد : (كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج في الفطر والأضحى إلى المصلى) متفقٌ عليه، ولم ينقل أنه صلاها في المسجد لغير عذر، ولأن الخروج إلى الصحراء أوقع لهيبة المسلمين والإسلام وأظهر لشعائر الدين، ولا مشقة في ذلك لعدم تكرره بخلاف الجمعة إلا في مكة المشرفة فإنها تُصلى في المسجد الحرام، وفي صلاتها في الصحراء فائدة وهي تمكين الناس من الاجتماع الكبير الذي لا يسعهم فيه إلا الصحراء، لكن إذا حدث عذرٌ جاز لهم الصلاة في المساجد، كالمطر، أو الخوف كحصار البلد، أو الزحام.

كان المصلى خارج البلد فلما توسع البنيان صار المصلى داخل البلد، فلو كان من الممكن الصلاة في صحراء تسع الجميع لكان هو السنة، لكن أصبح الآن المصلى محاطاً وأصبح لا يكفي للناس، ولذلك أصبح لفتح المساجد الكبيرة لصلاة العيد حاجة خصوصاً في عيد الفطر، ولذلك فإن صلاتها في المساجد لا بأس بها، ولو تعددت إذا لم يكفهم مسجدٌ واحد أو مُصلى واحد جاز لهم أن يعددوا المساجد لصلاة العيد.

وقت صلاة العيد

ويبدأ وقت صلاة العيد إذا ارتفعت الشمس بعد طلوعها قدر رمح، لأنه الوقت الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها فيه، ويمتد وقت صلاة العيد إلى زوال الشمس، فإن لم يعلم بالعيد إلا بعد الزوال صلوا من الغد قضاءً، وقيل أداءً، لما روى أبو عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار قالوا: غمَّ علينا هلال شوال فأصبحنا صياماً، فجاء ركبٌ في آخر النهار فشهدوا أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس أن يفطروا من يومهم -لأنه تبين أنه يوم عيد- وأن يخرجوا غداً لعيدهم. رواه أحمد وأبو داود والدارقطني وحسنه وصححه جماعة من الحفاظ.

فلو كانت تؤدى صلاة العيد بعد الزوال لما أخرها صلى الله عليه وسلم إلى الغد، فلما جاء الخبر بعد الزوال وأخرها إلى الغد علمنا أن آخر وقت لها هو الزوال؛ ولأن صلاة العيد شرع لها الاجتماع العام، فلا بد أن يسبقها وقتٌ يتمكن الناس من التهيؤ لها، ولذلك لا بد من نشر الخبر قبل الصلاة بوقتٍ كافٍ حتى يتمكن الناس من الإتيان لصلاة العيد.

ويسن تقديم صلاة الأضحى وتأخير صلاة الفطر ليتسع الوقت للناس لإخراج زكاة الفطر إذا أخر صلاة العيد، وتعجيل الأضحى لأجل أن يتمكن الناس من ذبح الأضاحي، أو أن يسرع الناس إلى ذبح الأضاحي، هذا بالنسبة للسنة، والآن الناس في عجلة من أمرهم، ويقولون: نريد أن نصلي العيد بسرعة ونذهب للسلام على الأقارب والجيران ونحو ذلك، وتقريباً كلهم يتعجلون في إخراج زكاة الفطر قبل العيد بيومٍ أو يومين حتى صارت السنة في إخراج زكاة الفطر قبل صلاة العيد شبه مهجورة، وصاروا يقولون نحن أخرجناها قبل صلاة العيد، قبل العيد بيومٍ أو يومين فلا حاجة لتأخيرنا، صلوا بنا بسرعة حتى نذهب ونسلم على أهالينا والناس، فلا حرج أن يصلي الإمام صلاة عيد الفطر في أول الوقت لمصلحة الناس، فنحن إن شاء الله سنصلي صلاة العيد غداً بإذن الله بعد ارتفاع الشمس مباشرة، فإذا كان الإشراق الساعة السادسة وخمس دقائق فبعدها بربع أو ثلث ساعة نصلي مباشرة، بإذن الله تعالى.

حكم الأكل قبل الخروج لصلاة العيد

ويسن أن يأكل قبل الخروج لصلاة الفطر تمرات، وأن لا يطعم في الأضحى حتى يصلي، يوم الفطر يأكل تمرات قبل صلاة العيد، أما الأضحى فإنه لا يأكل حتى يصلي لقول بريدة : (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يفطر، ولا يطعم يوم النحر حتى يصلي) رواه أحمد وغيره، واتفق أهل العلم على استحباب تعجيل الفطر في هذا اليوم قبل الصلاة، ويستحب أكل التمرات الواحدة بعد الأخرى، فهو أصح وألذ وأمرأ، وإذا لم يجدها أفطر على غيرها، واستحب بعض أهل العلم الحلوى، وأقل الجمع ثلاث.

إذاً السنة أن يأكل ثلاث تمرات فأكثر، خمساً أو سبعاً أو أكثر ويقطع على وتر، يعني: تسع أو إحدى عشرة فالسنة أن يفطر على تمراتٍ وتراً، وقال شيخ الإسلام رحمه الله في استدلالٍ بالغ ولطيف قال: لما قدم الصلاة على النحر في قوله: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:2] وقدم التزكي على الصلاة قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [الأعلى:14-15] كانت السنة أن الصدقة قبل الصلاة في عيد الفطر والذبح بعد الصلاة في عيد الأضحى.

التبكير والتجمل لصلاة العيد

ويسن التبكير في الخروج لصلاة العيد ليتمكن من الدنو من الإمام، لأن بعض الناس يتأخرون وبعضهم ينامون وبعضهم لا يأتون إلا وقد انتهت الصلاة، وبعضهم لا يأتون إطلاقاً.

والتبكير لصلاة العيد سنة، وتحصل فضيلة لصاحبه في انتظار الصلاة فيكثر ثوابه، ويُسن أن يتجمل المسلم لصلاة العيد، ويلبس أحسن ثيابه، لحديث جابر : (كانت للنبي صلى الله عليه وسلم حلة يلبسها في العيدين ويوم الجمعة) رواه ابن خزيمة في صحيحه، وعن ابن عمر رضي الله عنه: (أنه كان يلبس في العيدين أحسن ثيابه) رواه البيهقي بإسنادٍ جيد.

و عمر رضي الله عنه ابتاع أو جاء للنبي عليه الصلاة والسلام بحلة من إستبرق أو من حرير، وأخبره أنه أتاه بها ليلبسها للعيد، وليتجمل بها للوفود، فأخبره النبي عليه الصلاة والسلام: (أن هذا لباس من لا خلاق له) لأنها حرير ولا يجوز للرجال لبس الحرير، لكن لم ينكر عليه أن يأتي بثوبٍ جديدٍ جميلٍ لأجل العيد.

فالسنة إذاً أن يأتي بأحسن ثيابه لصلاة العيد.

( الاستيطان ) من شروط صلاة العيد

وكذلك فإنه يشترط لصلاة العيد الاستيطان، وأن يكون الذين يقيمونها مستوطنين في مساكن مبنية بما جرت العادة بالبناء به كما في صلاة الجمعة، فلا يقيمها البدو الرحل مثلاً، ولذلك قال العلماء متى يذبح البدوي أضحيته وليس عنده صلاة عيد في البر والصحراء؟ قالوا: ينتظر حتى تنتهي صلاة العيد في أقرب البلدان إليه فيذبح بعد ذلك، ينتظر ويتربص فترة يظن أن صلاة العيد قد انقضت بها في البلد ثم يذبح بعدها، وهو في الصحراء.

صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما قدم المدينة كان لأهلها يومان يلعبون فيهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (قد أبدلكم الله بهما خيراً منهما يوم النحر ويوم الفطر) وقال النبي صلى الله عليه وسلم مبيناً اختصاص الأمم بأعيادٍ معينة فقال: (لكل قومٍ عيد) وبما أنه (من تشبه بقومٍ فهو منهم) فلا تجوز مشاركة الكفار في أعيادهم ولا المشاركة في المناسبات والأعياد البدعية الأخرى، ولا يجوز في الدين إحداث أعيادٍ أخرى غير عيد الفطر وعيد الأضحى في السنة، كما يفعله بعض المبتدعة من أعياد الموالد وغيرها، أو ما يفعلونه تقليداً للأمم الكافرة باتخاذ أعياد كعيد المسيح، وعيد الميلاد، وعيد رأس السنة، وعيد الزواج، وعيد الشجرة، وعيد الأم، وعيد الوطن، ونحو ذلك من الأعياد المبتدعة التي ما أنزل الله بها من سلطان؛ فإنها كلها محرمة الإنفاق فيها والمشاركة فيها والاحتفال بها، كل ذلك محرمٌ تحريماً بالغاً ومصادم للعقيدة الإسلامية، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقومٍ فهو منهم) وقال صلى الله عليه وسلم: (إن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة).

وسمي العيد عيداً لأنه يعود ويتكرر كل عام، ولأنه يعود بالفرح والسرور، ويعود الله فيه بالإحسان على عباده على إثر أدائهم لطاعته بالصيام والحج، فإذاً هذان العيدان مرتبطان بعبادتين عظيمتين الصيام والحج، وعيد الفطر لزوال المنع من المباحات من الطعام والشراب والنكاح، والدليل على مشروعية صلاة العيد قوله تعالى: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:2] وقال سبحانه وتعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [الأعلى:14-15] فذكر الله العيدين في هاتين الآيتين: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:2] هذا عيد الأضحى، صلّ وانحر بعد الصلاة قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى [الأعلى:14] أي: زكاة الفطر على أحد الأقوال، ووَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [الأعلى:15] أي: بعد زكاة الفطر وهي صلاة عيد الأضحى، وكان النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه من بعده يداومون عليها، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالخروج لصلاة العيدين، وقالت المرأة وهي أم عطية رضي الله عنها: [كنا نُؤمر أن نخرج يوم العيد حتى تخرج البكر من خدرها، حتى نخرج الحيَّض فيكنَّ خلف الناس فيكبرن بتكبيرهم ويدعين بدعائهم، يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته] رواه البخاري رحمه الله تعالى، وهذا يبين التأكيد على مشروعية صلاة العيد وهي التي ذكر عددٌ من العلماء أنها واجبة، وهم قد ذكروا حكم صلاة العيد على ثلاثة أقوال:

فقال بعضهم: إنها واجبة، يأثم من لم يحضر صلاة العيد؛ لأنه إذا كانت النساء اللاتي يطلب منهن القرار في البيوت قد أمرن بالخروج فالرجال من باب أولى، وأن هذا فيه دليلٌ على وجوب الخروج وأنه فرض عينٍ لنص الآية عليه، وللأمر به في الكتاب والسنة، وهذا رواية عن الإمام أحمد رحمه الله وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى.

وذهب بعض أهل العلم إلى أنها فرضٌ على الكفاية، إذا قام بها البعض سقط عن الباقين، وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى بأنها فرض كفاية.

وذهب بعضهم وهم المالكية والشافعية إلى أنها سنة مؤكدة لقوله في حديث الأعرابي: (هل علي غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع) ورد القائلون بالوجوب: إن حديث الأعرابي على صلوات تتكرر في اليوم والليلة ماذا يجب منها؟ قال: خمس صلوات أما وجوب صلاة أخرى لسبب يعرض مثل صلاة العيد، فإنه لم يكن متطرقاً إليه في حديث الأعرابي، وبما أننا أمرنا به وأمرت النساء بالخروج فإنه يكون واجباً، وقالت حفصة بنت سيرين : كنا نمنع جوارينا أن يخرجن يوم العيد فجاءت امرأة فنزلت قصر بني خلف فأتيتها، فحدثت أن زوج أختها غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة غزوة فكانت أختها معه في ست غزوات فقالت: فكنا نقوم على المرضى ونداوي الكلمى، فقالت: يا رسول الله أعلى إحدانا بأسٌ إذا لم يكن لها جلبابٌ ألا تخرج فقال: (لتلبسها صاحبتها من جلبابها، فليشهدن الخير ودعوة المؤمنين) يعني لو لم يكن عندها جلباب تأخذ جلباب صاحبتها، قالت حفصة : فلما أتيت أم عطية فسألتها: أسمعت في كذا وكذا، قالت: نعم بأبي -وقلما ذكرت النبي صلى الله عليه وسلم إلا قالت: بأبي- وقال: (ليخرج العواتق) والعواتق جمع عاتق وهي البكر البالغة أو المقاربة للبلوغ، أو قال: (العواتق ذوات الخدور والحيَّض) وتعتزل الحيَّض المصلى وليشهدن الخير ودعوة المؤمنين، قالت: فقلت لها: الحيَّض؟ قالت: نعم أليس الحائض تشهد عرفاتٍ وتشهد كذا وتشهد وكذا، رواه البخاري رحمه الله.

إذاً الخروج لصلاة العيد مؤكد، والنساء مأمورات به يخرجن على الوجه الشرعي، وخروج المرأة على الوجه الشرعي يعني ألا تكون متطيبة ولا لابسة لثياب زينةٍ أو شهرة لقوله عليه الصلاة والسلام: (وليخرجن تفلات -يعني غير متزينات- ويعتزلن الرجال، ويعتزل الحَّيض المصلى).

والخروج لصلاة العيد، وأداء صلاة العيد على هذا النمط المشهود من الجميع فيه إظهارٌ لشعار الإسلام، فهي من أعلام الدين الظاهرة، وأول صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم للعيد يوم الفطر من السنة الثانية من الهجرة، ولم يزل صلى الله عليه وسلم يواظب عليها حتى فارق الدنيا صلوات الله وسلامه عليه، واستمر عليها المسلمون خلفاً عن سلف فلو تركها أهل بلد مع استكمال شروطها فيهم قاتلهم الإمام، لأنها من أعلام الدين الظاهرة كالأذان، وينبغي أن تُؤدى صلاة العيد في صحراء قريبة من البلد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي العيدين في المصلى الذي على باب المدينة -وهو يبعد مسافة ألف متر من باب السلام (ألف ذراع من باب السلام) كما قدره بعض أهل العلم، هذا مكان مُصلى النبي صلى الله عليه وسلم- وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي العيدين في المصلى الذي في باب المدينة ، فعن أبي سعيد : (كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج في الفطر والأضحى إلى المصلى) متفقٌ عليه، ولم ينقل أنه صلاها في المسجد لغير عذر، ولأن الخروج إلى الصحراء أوقع لهيبة المسلمين والإسلام وأظهر لشعائر الدين، ولا مشقة في ذلك لعدم تكرره بخلاف الجمعة إلا في مكة المشرفة فإنها تُصلى في المسجد الحرام، وفي صلاتها في الصحراء فائدة وهي تمكين الناس من الاجتماع الكبير الذي لا يسعهم فيه إلا الصحراء، لكن إذا حدث عذرٌ جاز لهم الصلاة في المساجد، كالمطر، أو الخوف كحصار البلد، أو الزحام.

كان المصلى خارج البلد فلما توسع البنيان صار المصلى داخل البلد، فلو كان من الممكن الصلاة في صحراء تسع الجميع لكان هو السنة، لكن أصبح الآن المصلى محاطاً وأصبح لا يكفي للناس، ولذلك أصبح لفتح المساجد الكبيرة لصلاة العيد حاجة خصوصاً في عيد الفطر، ولذلك فإن صلاتها في المساجد لا بأس بها، ولو تعددت إذا لم يكفهم مسجدٌ واحد أو مُصلى واحد جاز لهم أن يعددوا المساجد لصلاة العيد.




استمع المزيد من الشيخ محمد صالح المنجد - عنوان الحلقة اسٌتمع
اقتضاء العلم العمل 3611 استماع
التوسم والفراسة 3608 استماع
مجزرة بيت حانون 3530 استماع
الآثار السيئة للأحاديث الضعيفة والموضوعة [2،1] 3496 استماع
اليهودية والإرهابي 3425 استماع
إن أكرمكم عند الله أتقاكم 3424 استماع
حتى يستجاب لك 3393 استماع
المحفزات إلى عمل الخيرات 3370 استماع
ازدد فقهاً بفروض الشريعة 3348 استماع
الزينة والجمال 3335 استماع