الإمام الوزير ابن هبيرة [1، 2]


الحلقة مفرغة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه.

وبعد:

ففي سلسلة (أضواء على سير العلماء) نتحدث في هذه الليلة -إن شاء الله تعالى- عن سيرة العالم الوزير الكامل الإمام العادل عون الدين أبي المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة بن سعيد بن الحسن بن جهم الشيباني الدوسي العراقي الحنبلي ، صاحب المصنفات رحمه الله تعالى، وهذا الإمام عربيٌ شيبانيٌ.

كان مولده في سنة بـقرية بني أوقر من الدور إحد بلدان العراق ، ولذلك يقال في نسبه: الدوري.

ودخل بغداد في صباه، وطلب العلم، وقرأ القرآن بالراوية على جماعة.

وسمع الحديث من جماعة، منهم: القاضي أبو الحسين بن الفراء ، وابن الزاغوني ، وعبد الوهاب الأنماطي ، وغيرهم.

وقرأ القرآن بالقراءات السبع.

وشارك في علوم الإسلام، ومهر في اللغة، وكان يعرف مذهب الإمام أحمد رحمه الله، والعربية، والعروض.

يقول الذهبي عنه كما في السير: "كان سلفياً أثرياً". وهذه صفة مهمة للعلماء.

سلفياً: يتبع السلف في المعتقد.

أثرياً: يعتمد الأثر والحديث والدليل في أقواله الفكرية وغيرها.

وقرأ الفقه على أبي بكر الدينوري .

وقرأ الأدب على أبي منصور الجواليقي .

وصَحِبَ أبا عبد الله محمد بن يحيى الزبيدي الواعظ الزاهد من حداثته، وأخذ عنه التألُّه والعبادة، وانتفع بصحبته حتى إن الزبيدي كان يركب جملاً ويعتم بإزار ويلويها تحت حنكه وعليه جبة وهو مخضوب بالحناء، فيطوف بأسواق بغداد ويعظ الناس، وزمام جمله بيد أبي المظفر ابن هبيرة ، فكان ابن هبيرة رحمه الله يمسك بجمل هذا الواعظ يمشي به وهو يطوف على الناس يعظهم، وكلما وصل الزبيدي موضعاً، أشار أبو المظفر بمسبحته ونادى برفيع صوته: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير) وهذا الذكر يقال عند دخول السوق.

وكان رحمه الله تعالى متشدداً في اتباع السنة وسيرة السلف الصالح، ولما طلب العلم حصل أنه رحمه الله أمضه الفقر، وأعيته الحاجة، واحتاج إلى موردٍ للكسب، فتعرض للكتابة فصار كاتباً -حصل على وظيفة كاتب- وتقدم وترقى في الكتابة لدى الخليفة، وصار على مشارف الخزانة، ثم ولي ديوان الزمام، أي: ديوان يُعْنَى بالشئون المالية المدنية والعسكرية، وفيه تُحفظ السجلات، وهو من التراتيب الإدارية في الدولة الإسلامية في ذلك الوقت، فلوحظ عليه الأمانة وجودة العمل وإتقانه، فكان قوياً أميناً، فتولى ديوان الزمام للخليفة المقتفي لأمر الله ، وفي سنة: (544 هـ) عينه وزيراً، واستمر في الوزارة لابنه المستنجد بالله بعد الخليفة المقتفي.

وكان -رحمه الله تعالى- ديِّناً، خيِّراً، متعبداً، عاقلاً، وقوراً، متواضعاً، باراً بالعلماء، مكباً -مع أعباء الوزارة- على العلم وتدوينه، كبير الشأن، وكان حسنة الزمان في ذلك الوقت.

مؤلفات ابن هبيرة

شرح الوزير ابن هبيرة الصحيحين ، وسماه: الإفصاح عن معاني الصحاح ، في عشرة مجلدات كما يقول الذهبي رحمه الله تعالى.

ولما وصل إلى حديث: (من يرد الله به خيراً، يفقهه في الدين) شرح الحديث، وتكلم على معاني الفقه، وآل به الكلام إلى أن ذكر مسائل الفقه المتفق عليها والمختلف فيها بين الأئمة الأربعة المشهورين: أبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد ، فكان هذا كتاب فقه فيه أقوال العلماء في المسائل المختلفة الفقهية داخلٌ ضمن شرحه لـصحيح البخاري وصحيح مسلم ؛ ولكن الناس أفردوه عن الكتاب الأصلي، وطُبِع باسم الإفصاح عن معاني الصحاح ، وهو كتاب مهم، ولكنه في الحقيقة قطعة من الكتاب الأصلي في شرح الصحيحين.

هذا الكتاب صنفه في ولايته للوزارة، واعتنى به، وجمع عليه أئمة المذاهب، فكان يعرف آراء المذاهب من أصحابها، وأوفدهم من البلدان لأجل هذا الكتاب، وحضروا عنده، وأنفق على تأليف ذلك الكتاب مائة ألف دينار يدخل فيها نفقات العلماء الذين رحلوا واجتمعوا وتباحثوا في هذا الكتاب.

وحدَّث بهذا الكتاب، واجتمع خلق عظيم لسماعه، وبُعِث به إلى العظماء في أطراف المملكة الإسلامية، واستُنْسخت منه نسخٌ كثيرة، وبلغ ذلك الكتاب إلى السلطان نور الدين الشهيد رحمه الله، واشتغل الفقهاء في ذلك الزمان بكتاب الإفصاح عن معاني الصحاح يدرسونه في المساجد، ويعيده المعيدون، ويحفظ منه الفقهاء.

وكذلك صنف في النحو كتاباً اسمه المقتصد ، وعرضه على أئمة الأدب في عصره، وشرحه ابن الخشاب في أربعة مجلدات.

وكذلك صنف كتاب العبادات الخمس على مذهب الإمام أحمد رحمه الله، وحدَّث به بحضرة العلماء من أئمة المذهب.

وله أرجوزة في المقصور والممدود، وأرجوزة في علم الخط.

هذا الرجل من عَظَمَته أنه اشتغل بالعلم وألف وهو وزير.

شرح الوزير ابن هبيرة الصحيحين ، وسماه: الإفصاح عن معاني الصحاح ، في عشرة مجلدات كما يقول الذهبي رحمه الله تعالى.

ولما وصل إلى حديث: (من يرد الله به خيراً، يفقهه في الدين) شرح الحديث، وتكلم على معاني الفقه، وآل به الكلام إلى أن ذكر مسائل الفقه المتفق عليها والمختلف فيها بين الأئمة الأربعة المشهورين: أبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد ، فكان هذا كتاب فقه فيه أقوال العلماء في المسائل المختلفة الفقهية داخلٌ ضمن شرحه لـصحيح البخاري وصحيح مسلم ؛ ولكن الناس أفردوه عن الكتاب الأصلي، وطُبِع باسم الإفصاح عن معاني الصحاح ، وهو كتاب مهم، ولكنه في الحقيقة قطعة من الكتاب الأصلي في شرح الصحيحين.

هذا الكتاب صنفه في ولايته للوزارة، واعتنى به، وجمع عليه أئمة المذاهب، فكان يعرف آراء المذاهب من أصحابها، وأوفدهم من البلدان لأجل هذا الكتاب، وحضروا عنده، وأنفق على تأليف ذلك الكتاب مائة ألف دينار يدخل فيها نفقات العلماء الذين رحلوا واجتمعوا وتباحثوا في هذا الكتاب.

وحدَّث بهذا الكتاب، واجتمع خلق عظيم لسماعه، وبُعِث به إلى العظماء في أطراف المملكة الإسلامية، واستُنْسخت منه نسخٌ كثيرة، وبلغ ذلك الكتاب إلى السلطان نور الدين الشهيد رحمه الله، واشتغل الفقهاء في ذلك الزمان بكتاب الإفصاح عن معاني الصحاح يدرسونه في المساجد، ويعيده المعيدون، ويحفظ منه الفقهاء.

وكذلك صنف في النحو كتاباً اسمه المقتصد ، وعرضه على أئمة الأدب في عصره، وشرحه ابن الخشاب في أربعة مجلدات.

وكذلك صنف كتاب العبادات الخمس على مذهب الإمام أحمد رحمه الله، وحدَّث به بحضرة العلماء من أئمة المذهب.

وله أرجوزة في المقصور والممدود، وأرجوزة في علم الخط.

هذا الرجل من عَظَمَته أنه اشتغل بالعلم وألف وهو وزير.

استدعي ابن هبيرة من قبل الخليفة المقتفي لأمر الله سنة: (544 هـ) إلى داره وقلده الوزارة، ومشى أرباب الدولة وأصحاب المناصب كلهم بين يديه وهو راكبٌ إلى الإيوان في الديوان، وكان يوماً مشهوداً، وكان ذلك تقليداً عظيماً لمن يتولى الوزارة.

ولكن الرجل لما بلغ ذلك المنصب لم يفسد، ولم ينشغل بأمور الدنيا، ولم يترك طلب العلم، وهذا درسٌ عظيمٌ جداً يؤخذ من حياة هذا الإمام، بل إن أخلاقه قد ازدادت بعد توليه الوزارة، وكان يقول بعد توليه الوزارة: لا تقولوا في ألقابي: سيد الوزراء. لماذا نهاهم عن تسميته بسيد الوزراء؟

قال: لأن الله تعالى سمى هارون وزيراً.

وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أن وزيريه من أهل السماء: جبريل، وميكائيل، ومن أهل الأرض: أبو بكر ، وعمر .

فإذا قيل: سيد الوزراء، قد يُتَوَهَّم دخول هارون، وأبي بكر ، وعمر في هؤلاء الوزراء، ولا يمكن أن يكون سيداً لهم، ولا يجوز أن يكون كذلك، فكان يتنبه حتى لهذه المسائل.

وكان متواضعاً رحمه الله تعالى، لم يشغله أو يطغه المنصب، بل كان ملتزماً لجانب التواضع، وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله اختارني، واختار لي أصحاباً، فجعلهم وزراء وأنصاراً) يقول الوزير ابن هبيرة رحمه الله: "ولا يصلح أن يقال عني: إني سيد هؤلاء السادة".

أعمال ابن هبيرة عندما تولى الخلافة

لما تولى الوزير ابن هبيرة الوزارة عمل إصلاحات كثيرة، منها:

1- قام بالعدل.

2- جاد على الناس.

3- أصلح ما فسد من قبل.

4- شجع الناس على طلب العلم، ورفع منزلة العلماء وقدرهم عنده، وكان صاحب عبادة بالإضافة إلى ذلك.

من الذين ترجموا للوزير ابن هبيرة : ابن الجوزي رحمه الله.

لما ولي الوزير أبو المظفر الوزارة، بالغ في تقريب خيار الناس من الفقهاء والمحدِّثين والصالحين، واجتهد في إكرامهم وإيصال النفع إليهم، وارتفع به أهل السنة غاية الارتفاع.

فالرجل عمل خطوة مهمة جداً وهي تقريب خيار الناس من الفقهاء والمحدِّثين والصالحين، فجعلهم عنده في مجلسه يستشيرهم ويأخذ بعلمهم.

وكذلك جعلهم في الوظائف المختلفة؛ وظف العلماء، وعندما يوظف العلماء لا شك أنه يحصل خير عظيم جداً، وارتفع أهل السنة في عصره، لأنه كان سلفياً، ومن النادر أن يصل إلى هذا المنصب في ذلك الوقت سلفيٌ عالِمٌ، يتبوأ مكان الوزارة بعد الخليفة مباشرة، هذا شيء نادر للغاية، وهذه من مآثر ابن هبيرة رحمه الله.

قال مرة في وزارته: "والله لقد كنت أسأل الله تعالى الدنيا لأخدم بما يرزقنيه الله منها العلم وأهله".

فإذاً كان قصده من طلب الدنيا خدمة العلم وأهل العلم، وليس أن يحصل على منصب شخصي، أو منفعة مادية، لم يكن لأجل مصلحته، وإنما لمصلحة العلم وأهله.

ومن هذا! ينبغي أن يتعلم كل من وصل إلى منصب مهما كان؛ مديراً، أو وزيراً، أو وكيلاً، أو غير ذلك، ماذا يفعل إذا وصل إلى منصب الوزارة؟

القيام بالعدل.

تقريب الأخيار، ووضعهم في الوظائف والمناصب المختلفة، واستشارتهم.

تقريب العلماء، والعمل بكلامهم وأحكامهم التي يقولونها.

إصلاح ما فسد من قبل.

عدم الانشغال عن العلم.

رفع منزلة العلماء.

إقامة الدروس وحضورها، وإقامة المناقشات العلمية والمباحثات تكون بين يديه.

إكرام أهل العلم، وإجراء الرواتب لهم، وتفريغهم للعلم، بجعل الأعطيات لهم ليتفرغوا لطلب العلم.

إقامة السنة ونصر السنة وأهلها، وفي المقابل طمس البدعة، وإبعاد أهل البدعة، وكبتهم.

التواضع، لأن المنصب يُطْغِي، ومن حوله ينفخون فيه، ولكن إذا كان ممن وفقه الله، فإنه لا يتأثر بهذا النفخ، بل يكون على جانب العدل.

لما تولى الوزير ابن هبيرة الوزارة عمل إصلاحات كثيرة، منها:

1- قام بالعدل.

2- جاد على الناس.

3- أصلح ما فسد من قبل.

4- شجع الناس على طلب العلم، ورفع منزلة العلماء وقدرهم عنده، وكان صاحب عبادة بالإضافة إلى ذلك.

من الذين ترجموا للوزير ابن هبيرة : ابن الجوزي رحمه الله.

لما ولي الوزير أبو المظفر الوزارة، بالغ في تقريب خيار الناس من الفقهاء والمحدِّثين والصالحين، واجتهد في إكرامهم وإيصال النفع إليهم، وارتفع به أهل السنة غاية الارتفاع.

فالرجل عمل خطوة مهمة جداً وهي تقريب خيار الناس من الفقهاء والمحدِّثين والصالحين، فجعلهم عنده في مجلسه يستشيرهم ويأخذ بعلمهم.

وكذلك جعلهم في الوظائف المختلفة؛ وظف العلماء، وعندما يوظف العلماء لا شك أنه يحصل خير عظيم جداً، وارتفع أهل السنة في عصره، لأنه كان سلفياً، ومن النادر أن يصل إلى هذا المنصب في ذلك الوقت سلفيٌ عالِمٌ، يتبوأ مكان الوزارة بعد الخليفة مباشرة، هذا شيء نادر للغاية، وهذه من مآثر ابن هبيرة رحمه الله.

قال مرة في وزارته: "والله لقد كنت أسأل الله تعالى الدنيا لأخدم بما يرزقنيه الله منها العلم وأهله".

فإذاً كان قصده من طلب الدنيا خدمة العلم وأهل العلم، وليس أن يحصل على منصب شخصي، أو منفعة مادية، لم يكن لأجل مصلحته، وإنما لمصلحة العلم وأهله.

ومن هذا! ينبغي أن يتعلم كل من وصل إلى منصب مهما كان؛ مديراً، أو وزيراً، أو وكيلاً، أو غير ذلك، ماذا يفعل إذا وصل إلى منصب الوزارة؟

القيام بالعدل.

تقريب الأخيار، ووضعهم في الوظائف والمناصب المختلفة، واستشارتهم.

تقريب العلماء، والعمل بكلامهم وأحكامهم التي يقولونها.

إصلاح ما فسد من قبل.

عدم الانشغال عن العلم.

رفع منزلة العلماء.

إقامة الدروس وحضورها، وإقامة المناقشات العلمية والمباحثات تكون بين يديه.

إكرام أهل العلم، وإجراء الرواتب لهم، وتفريغهم للعلم، بجعل الأعطيات لهم ليتفرغوا لطلب العلم.

إقامة السنة ونصر السنة وأهلها، وفي المقابل طمس البدعة، وإبعاد أهل البدعة، وكبتهم.

التواضع، لأن المنصب يُطْغِي، ومن حوله ينفخون فيه، ولكن إذا كان ممن وفقه الله، فإنه لا يتأثر بهذا النفخ، بل يكون على جانب العدل.

هذا الرجل له مناقب عجيبة، منها:

لما تولى الوزارة، مع هذه الولاية التي تولاها، التي كان يمكنه أن يخفض ويرفع بإشارة إصبع، يعاقب، أو يكرم، ونحو ذلك في أمور الدنيا، الرجل كان حسَّاساً، طالباً للعدل، متحرياً لبراءة ذمته.

وقد حصلت له قصص، منها هذه القصة:

ذكر مرة في مجلسه مسألة تفرد بها الإمام أحمد عن الثلاثة: أبي حنيفة ، والشافعي، ومالك .

فادَّعى أبو محمد الأشيري المالكي أنها رواية عن مالك ، قال: هذا القول الذي تقول: إنه تفرد به أحمد ، لم يتفرد به أحمد فقط، وهو رواية عن مالك ، ولكن لم يوافق الأشيري على ذلك أحد من العلماء الحاضرين من المالكية وغير المالكية، وأحضر الوزير للإثبات كتب مفردات أحمد التي فيها بيان المسائل التي انفرد بها أحمد عن الأئمة الثلاثة، وهذه المسألة كانت منها، كما قال الوزير ابن هبيرة رحمه الله. ولكن الأشيري المالكي أصر على دعواه أن هذه رواية عن مالك.

فصار عند ابن هبيرة -رحمه الله- غضب من هذا الرجل الذي يصر على غير الحق، هذه الكتب، وهذه الإثباتات، وهؤلاء العلماء، وهذا يقول: ليست من مفردات أحمد ، فاحتدَّ ابن هبيرة رحمه الله، وقال له: بهيمةٌ أنت؟ أما تسمع هؤلاء الأئمة يشهدون بانفراد أحمد بها، والكتب المصنفة وأنت تنازع؟! وتفرق المجلس.

فلما كان المجلس الثاني، مجلس علم، يحضره الوزير ابن هبيرة رحمه الله ومعه العلماء، واجتمع الخلق للسماع، أخذ ابن شافع في القراءة، فقام ابن هبيرة ومنع الدرس من الابتداء، وقال: قد كان الفقيه أبو محمد جرى في مسألة أمس على ما لا يليق به من العدول عن الأدب والانحراف عن نهج النظر حتى قلت تلك الكلمة -أي: هذا الأشيري المالكي انحرف عن نهج النظر، وفعلاً هو مخطئ، وهذه الإثباتات، لكن يقول: أنا قلت له كلمة عظيمة وهأنذا، فليقل لي كما قلت له أمام الحاضرين جميعاً -الآن القصاص- فلست بخيرٍ منكم، ولا أنا إلا كأحدكم، فضج المجلس بالبكاء -تأثر الناس جداً من هذا الموقف- وارتفعت الأصوات بالدعاء والثناء، وأخذ الأشيري يعتذر، ويقول: أنا المذنب والأولى بالاعتذار من مولانا الوزير.

وهو يقول - ابن هبيرة -: القصاص.. القصاص.. يطلب ويصر على القصاص، اقتص مني وقل لي مثلما قلت لك.

فقال يوسف الدمشقي مدرس النظامية: يا مولانا! إذا أبى القصاص، فالفداء، الآن الأشيري يرفض أن يقول لك تلك الكلمة كما قلت له، وهو راضٍ، فنعدل من القصاص إلى الفدية.

فقال الوزير: له حكمه.

فقال الأشيري : نعمك عليَّ كثيرة، فأي حكم بقي لي؟!

فقال: قد جعل الله لك الحكم علينا بما ألجأتنا به إلى الاعتداء عليك، فلا بد من تعويض، ما دمت أنك ترفض القصاص.

فقال الأشيري : عليَّ بقية دين منذ كنتُ بـالشام.

فقال الوزير: يعطى مائة دينار لإبراء ذمته وذمتي، فأُحضر له مائة دينار.

فقال له الوزير: عفا الله عنك وعني، وغفر لك ولي.

وذكر ابن الجوزي أنه قال: يعطى مائة دينار لإبراء ذمته -أي: من الدَّين- ومائة دينار لإبراء ذمتي -من الكلمة التي قلتها له- فأعطاه مائتي دينار.

و الأشيري من علماء المالكية، كان قد طلبه الوزير ابن هبيرة، فأينما وجد عالم مجيد.. عالم جيد يطلبه، ولو كان في آخر الدنيا.

وكان الأشيري عند نور الدين الشهيد محمود بن زنكي رحمه الله، فسمع به الوزير ابن هبيرة ، واستقدمه وطلبه من نور الدين ، فأعطاه وأرسله إليه وأكرمه، وصار عنده في المجلس وفي المباحثات التي تكون.

كان من تواضع ابن هبيرة رحمه الله أنه إذا استفاد شيئاً، قال: أفادنيه فلان، وهذا من أدب طالب العلم، أنه إذا استفاد فائدة من شخص يذكر الذي أفاده هذه الفائدة، فعَرَض له يوماً حديث: (من فاته حزبٌ من الليل، فصلاه قبل الزوال كان كأنه صلى بالليل) فقال: لا أدري معنى هذا، لم أفهم وجه الحديث.

فقال ابن الجوزي : هذا ظاهرٌ في اللغة والفقه.

أما اللغة: فإن العرب تقول: كيف كنت الليلة؟ إلى وقت الزوال.

وأما الفقه: فإن أبا حنيفة يصحح الصوم بنية قبل الزوال، فقد جعل ذلك الوقت في حكم الليل.

فأعجبه هذا القول، وكان يقول بين الجمع الكثير: ما كنت أدري معنى هذا الحديث حتى عرَّفنيه ابن الجوزي ، فكنت أستحي من الجماعة، يقول: إذا جاء للوزير يقول العالم الوزير: أفادنيه ابن الجوزي بين الجماعة، فأستحي من هذه الكلمة.

ورتب الوزير ابن هبيرة لـابن الجوزي درساً في داره كل يوم جمعة.

ومن تواضعه أيضاً: أنه سمع مرة أحد الفقراء يقرأ القرآن في داره، فأعجبته قراءته، فقال لزوجته: أريد أن أزوجه ابنتي -أي: الوزير ابن هبيرة يزوج ابنته لذلك الفقير، فغضبت زوجته.

وكان يُقرأ الحديث عنده كل يوم بعد العصر.

وكان يكثر مجالس العلماء والفقراء وكانت أمواله مبذولةً لهم.

وكانت السنة تدور وعليه ديون، ولذلك قال: ما وجبت عليَّ زكاةٌ قط، لأن كل الدخل الذي كان يأتيه -مع أنه كان دخلاً كبيراً في هذا المنصب- كله يذهب لأعمال البر وصلة العلماء، وبذله لأهل العلم، ولذلك كان لا تدور عليه السنة إلا وهو مدين، ولذلك قال بعض الشعراء فيه:

يقولون: يحيى لا زكاة لماله     وكيف يزكي المال من هو باذلُه

إذا دار حولٌ لا يُرى في بيوته     من المال إلا ذكره وفضائلُه

ومن تواضعه: أنه كان يتحدث بنعم الله تعالى عليه، ويذكر في منصبه شدة فقره القديم، وكان يقول: نزلت يوماً إلى دجلة، وليس معي رغيفٌ أعبر به -يقول: جاءتني أيام ما عندي رغيف. يقول هذا في حال الوزارة بعد أن صار في ذلك المنصب، وإذا رأيت رجلاً صار ذا مال أو ذا منصب يذكر فقره أو حاله الأول من الضعف وهو في حال القوة والغنى، فهذا في معدنه خيرٌ عظيمٌ.

ودخل عليه يوماً تركياً -وكان الأتراك قد أتي بهم وجُلِبوا إلى المملكة الإسلامية في ذلك الوقت، وكانوا جنوداً حتى صاروا عماد جيش الدولة- فقال لحاجبه: أما قلتُ لك: اعط هذا عشرين ديناراً ووِقْراً من طعام، وقل له: لا تحضر هاهنا؟

فقال: قد أعطيناه.

فقال: عد وأعطه، وقل له: لا تحضر، ثم التفت إلى الجماعة، وقال: لا شك أنكم تريبون بسبب هذا. أي: عندكم ريبة الآن مني؛ لأني أقول له: اعطه، وقل له: لا يعود.

قالوا: نعم.

قال: هذا كان في القرى، فقُتِل قتيل قريباً من قريتنا، فأخذ مشايخ القرى، وأخذني مع الجماعة -يبدو أنه كان شرطياً، فلما قُتل القتيل هذا التركي، جمع مشايخ القرى، وكان ابن هبيرة مع المحشورين قبل أن يتولى الوزارة- قال: وأمشاني مع الفرس، وبالغ في أذاي وأوثقني، ثم أخذ من كل واحد شيئاً وأطلقه -أي: رشوة- ثم قال لي: أي شيء معك؟ قلت: ما معي شيء، فانتهرني، وقال: اذهب، فأنا لا أريد اليوم أذاه، وأبغض رؤيته.

وفي رواية لهذه القصة أنه قال: إنني سألت هذا التركي في الطريق أن يمهلني لأصلي الفرض، فما أجابني وضربني على رأسي، وكان رأسي مكشوفاً، فكنتُ أنقم عليه حين رأيته لأجل الصلاة لا لكونه قبض عليَّ، فإنه كان مأموراً. ولذلك لما جاءه التركي، قال: أعطوه مالاً، وأعطوه كذا، وقولوا له: لا يأتي، فكان يقول: إنني لم أنقم عليه لأنه أمسك بي، لكنني نقمت عليه لأنه لم يمهلني حتى أصلي فرض الصلاة.

وكان بعض الأعاجم قد شاركه في زراعة، وآل الأمر إلى أن هذا الأعجمي ضرب الوزير -قبل أن يتولى الوزارة- وبالغ في ضربه.

ولما وَلِي ابن هبيرة الوزارة، أتى بالأعجمي وأكرمه ووهب له وأعطاه، مع أنه كان قد أساء إليه، الآن هذه فرصة للانتقام؛ لأنه صار صاحب قدرة وقوة.

ومن مناقبه كما يقول ابن الجوزي رحمه الله: كنا نجلس إلى الوزير ابن هبيرة ، فيملي علينا كتابه الإفصاح ، فبينا نحن كذلك إذ قدم رجل ومعه رجلٌ ادعى عليه أنه قتل أخاه.

فقال له عون الدين ابن هبيرة أقتلته؟

قال: نعم. جرى بيني وبينه كلام، فقتلته.

فقال الخصم بعد هذا الاعتراف: سلمه إليَّ حتى نقتله، فقد أقر بالقتل.

فقال عون الدين: تبيعونيه؟ كأنه يريد أن يفدي هذا القاتل، فاشتراه منهم بستمائة دينار، وسلَّم الذهب إليهم، ورضي أهل القتيل بالفدية.

فقال للقاتل: اقعد عندنا لا تبرح، فجلس عنده، وأعطاه الوزير خمسين ديناراً.

فقلنا للوزير: لقد أحسنت إلى هذا وعملت له أمراً عظيماً، وبالغت في الإحسان إليه، ما هو السبب؟

قال الوزير: أمنكم أحدٌ يعرف أن عيني اليمنى لا أبصر بها شيئاً؟

فقلنا: معاذ الله، لا ندري أنك لا ترى بعينك اليمنى، كأن العين كان ظاهرها أنها سليمة؛ لكنها في الحقيقة معطوبة.

فقال: بلى والله -أي: أنها معطوبة- أتدرون ما سبب ذلك؟

قلنا: لا.

قال: هذا الذي خلَّصته من القتل جاء إليَّ وأنا في الدور ومعي كتاب من الفقه أقرأ فيه، ومعه سلة من الفاكهة -أيام طلب العلم- فقال: احمل هذه السلة، فقلت له: ليس هذا شُغْلي، فاطلب غيري، فثاكَلَني ولكَمَني على عيني فعطبها، ومضى، ولم أره بعد ذلك إلى يومي هذا، فلما رأيته الآن تذكرت ما صنع بي، فأردت أن أقابل إساءته إليَّ بالإحسان مع القدرة.

هذا شيء من عدل هذا الرجل وتواضعه رحمه الله تعالى، ولا شك أن هذا شيء لا يبلغه إلا نادر من الناس، القليل والقليل جداً، ولا شك أنه أمر صعب، وهذا داخل في قوله تعالى: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:134].

وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ [آل عمران:134] أي: الذين يمتنعون عن الانتقام ممن أساء إليهم، يكظمون الغيظ.

وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاس ِ [آل عمران:134] أي: إذهاب ما في الصدر على الشخص.

والأول قد يكون واجباً؛ لكن الثاني لا يكون واجباً.

أي: أنه يجب عليك شرعاً أن تُخرج من صدرك أي ضغينة على مَن ظلمك، لكن لا يجب عليك العفو عنه؛ لكن لو فعلته فلا شك أن هذا من مقامات الإحسان.

وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:134] أي: من مقامات الإحسان ألَّا تجد في نفسك شيئاً عليه.

فالرجل بحقٍ قد وصل إلى هذه المقامات العالية.

لا شك أن الذي يدخل في الوزارات والمناصب يتعرض لأمور من المحرمات، مثلاً: لبس الذهب والحرير، لأنه كان من عادتهم في ذلك الوقت في الخلافة والوزارة أَلْبِسَة يلبسونها تناسب مناصبهم يوجَد في كثير منها محرمات، مثل: لبس الذهب والحرير.

قال ابن الجوزي: كان الوزير ابن هبيرة رحمه الله يجتهد في اتباع الصواب، ويحذَر من الظلم، ولا يلبس الحرير.

قال لي لما رجعت من مكان، وكان قد ذهب لقتال بعض أهل البغي وإخماد فتنتهم: دخلت على المقتفي -أي: الخليفة- فقال لي: ادخل هذا البيت وغيَّر ثيابك، فدخلتُ، فإذا خادمٌ وفرَّاشٌ معهما خِلَع الحرير، فقلت: والله ما ألبسها، فخرج الخادم وأخبر الخليفة، فسمعتُ صوته يقول: قد والله قلتُ: إنه لا يلبسها - المقتفي كأنه أراد اختبار الوزير- فأعطى الفراش حلل الحرير، وكان المقتفي معجباً به.

ولما استخلف المستنجد بعد أبيه المقتفي ، دخل ابن هبيرة عليه، فقال: يكفي في إخلاصي أني ما حابيتك في زمن أبيك، قال: صدقت. ولذلك فإن المستنجد قد مدح وزيره ابن هبيرة بأبيات منها:

ضَفَت نعمتان خصتاك وعمَّتا     فذكرهما حتى القيامة يُذْكَرُ

وُجُودُك والدنيا إليك فقـيرةٌ     وَجُودُك والمعروف في الناس يُنْكَرُ

فلو رام يا يحيى مكانـك جعفر     و يحيى لكفَّا عنه يحيى وجعفر

يقصد يحيى البرمكي وابنه جعفر بن يحيى اللذَّين وَزَرا لـهارون الرشيد ، ثم قضى الرشيد على فتنة البرامكة، لكنهما كانا وزيرين مشهورين جداً.

ولو أرى من ينوي لك السوء يا أبــ     ـا المظفر إلا كنت أنت المظفر

وكان أيضاً يتأسف على ما دخل فيه من أعمال السلطنة، ويخشى أن يكون قد ظَلَم، أو أكل شيئاً بغير حق، ولذلك فإنه كان يتأسف على الدخول فيها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وإنها يوم القيامة خزيٌ وندامةٌ) ولكن نسأل الله عز وجل أن يكون هذا الرجل ممن أخذها بحقها.

يقول ابن الجوزي: قال ابن هبيرة: كان عندنا في القرية مسجدٌ فيه نخلة تحمل ألف رطل، فحدَّثتُ نفسي أن أقيم في ذلك المسجد، وقلت لأخي مجد الدين : اقعد أنا وأنت وحاصلها يكفينا، ثم انظر إلى ما صرتُ إليه من أمر الوزارة، ثم صار يسأل الله الشهادة، ويتعرض لأسبابها -أي: من الخروج للجهاد ونحو ذلك- وفي ليلة ثالث عشر جمادى الأولى سنة: (560هـ) استيقظ وقت السحر، فقاء، -أخذه القيء في وقت السحر- فحضر طبيبه ابن رشادة، فسقاه شيئاً -يعني: كعلاج- فقيل: إنه سَمَّه!!

وهكذا المخلصون في هذه الأماكن لا يطول بهم المقام؛ لأن أصحاب الأهواء يُعادونهم ويعملون على رحيلهم حتى يفرغ لهم المكان.

خلا لك الجو فبيضي واصفري     ونقري ما شئت أن تنقري

فقيل: إنه سقاه سماً، فمات - ابن هبيرة رحمه الله تعالى- فيكون قد مات مظلوماً شهيداً.

ومن قدر الله تعالى أن هذا الطبيب سُقي بعده بنصف سنة سُمَّاً، فكان يقول: سَقَيْتُ فسُقِيْتُ -الجزاء من جنس العمل- ومات الطبيب الذي سمه.

فالرجل نسأل الله سبحانه وتعالى أن يكون ممن قد ذهب إلى ربه شهيداً.

وكان من أصحاب التألُّه، واكتسب ذلك من أشياخه كما قلنا، وكانت فائدة في أن طالب العلم يتعلم العلوم المختلفة، لا يقتصر على علمٍ معين، يتعلم القرآن وعلومه، والحديث وعلومه، والفقه، وغير ذلك، ويضيف إليه أمراً مهماً جداً وهو جانب التألُّه والتعبُّد، كما تأثر ابن هبيرة رحمه الله بشيخه في التألُّه والتعبُّد، وتعلم منه قضية إنكار المنكر ووعظ الناس ونصح الناس.

من الأشياء التي تروى عن كرامات هذا الرجل:

رأيه في كيفية القضاء على أحد البغاة

كان هناك أحد الظلمة الذين استطالوا في ناحية من النواحي في تلك البلدان كان يلقَّب بـمسعود ، وكان له أصحاب أفسدوا في الأرض، فعزم الوزير ابن هبيرة رحمه الله والخليفة المقتفي على قتال هذا الباغي، ولكنه فكر ابن هبيرة كثيراً في الأمر، فوجد أنه ليس بصواب، لأن الرجل قوي الشوكة، وربما يقتل من المسلمين أعداداً بسبب محاولة إطفاء فتنة هذا الرجل وربما لا تنطفئ، فدخل ابن هبيرة على المقتفي، وقال له: إني رأيت أن لا وجه في هذا الأمر إلا الالتجاء إلى الله تعالى وصدق الاعتماد عليه، فبادر إلى تصديقه في ذلك -أي: أنك أصبت الرأي- وقال: ليس إلا هذا، ثم كتبتُ إليه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على رعل وذَكْوَان شهراً -قبائل من المشركين- وينبغي أن ندعو نحن شهراً، فأجابني بالأمر بذلك -فصار أمراً بالقنوت والدعاء على المفسد.

قال الوزير رحمه الله: ثم لازمت الدعاء في كل ليلة وقت السحر، أجلس فأدعو الله سبحانه، فمات مسعود بتمام الشهر، وأجاب الله الدعاء وأزال يد مسعود وأتباعه عن العراق ، وأورثنا أرضهم وديارهم. وهذه القصة تذكر في كرامات الوزير ابن هبيرة رحمه الله تعالى.

رأي ابن هبيرة في القضاء على الدولة العبيدية (الفاطمية)

من آرائه العظيمة والعظيمة جداً: أنه كتب إلى نور الدين زنكي يحثه على إخراج العُبَيْديين من مصر ، لأن هذه الجرثومة الفاسدة، وهذا المذهب الضال -مذهب العُبَيْديين الفاطميين الذي أقاموه في مصر - وحَمَلوا الناس عليه، وقتلوا أئمة أهل السنة ، وعلماء أهل السنة ، ونشروا القبور والأضرحة، وشجَّعوا على الموالد، وإحياء الطرق الصوفية ؛ لأنها تخدم مذهبهم، ونحو ذلك من البدع والضلالات التي ملئوا بِها مصر وغيرها شركاً، شجع ابن هبيرة -وهو الرجل السلفي الأثري السني- نور الدين زنكي رحمه الله، وكان صاحب بأس وشجاعة وقوة أن يذهب لإخراج العُبَيْديين من مصر ، وقد أخذ نور الدين محمود بن زنكي رحمه الله بهذا الرأي، وسيَّر أسد الدين شيراكوه مرتين، إلى مصر ، وفعلاً حصل ما حصل، وكان معه صلاح الدين الأيوبي ، وتَم إسقاط الدولة الفاطمية، وخُطِبَ بـمصر للخليفة المستنجد العباسي على المنبر، وجاء الخبر إلى بغداد بهذا الأمر في سنة: (559هـ).

وكُتِبَ إلى ابن هبيرة بقصيدة يُهَنَّأ بها، وأن ذلك كان بسبب سعيه ورأيه، وعظُمَت حرمة الدولة العباسية في ذلك الوقت، وكان ذلك برأي الوزير، وبتنفيذ وسعي نور الدين رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً.

كان هناك أحد الظلمة الذين استطالوا في ناحية من النواحي في تلك البلدان كان يلقَّب بـمسعود ، وكان له أصحاب أفسدوا في الأرض، فعزم الوزير ابن هبيرة رحمه الله والخليفة المقتفي على قتال هذا الباغي، ولكنه فكر ابن هبيرة كثيراً في الأمر، فوجد أنه ليس بصواب، لأن الرجل قوي الشوكة، وربما يقتل من المسلمين أعداداً بسبب محاولة إطفاء فتنة هذا الرجل وربما لا تنطفئ، فدخل ابن هبيرة على المقتفي، وقال له: إني رأيت أن لا وجه في هذا الأمر إلا الالتجاء إلى الله تعالى وصدق الاعتماد عليه، فبادر إلى تصديقه في ذلك -أي: أنك أصبت الرأي- وقال: ليس إلا هذا، ثم كتبتُ إليه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على رعل وذَكْوَان شهراً -قبائل من المشركين- وينبغي أن ندعو نحن شهراً، فأجابني بالأمر بذلك -فصار أمراً بالقنوت والدعاء على المفسد.

قال الوزير رحمه الله: ثم لازمت الدعاء في كل ليلة وقت السحر، أجلس فأدعو الله سبحانه، فمات مسعود بتمام الشهر، وأجاب الله الدعاء وأزال يد مسعود وأتباعه عن العراق ، وأورثنا أرضهم وديارهم. وهذه القصة تذكر في كرامات الوزير ابن هبيرة رحمه الله تعالى.




استمع المزيد من الشيخ محمد صالح المنجد - عنوان الحلقة اسٌتمع
الإمام علي بن المديني [2،1] 3104 استماع
الإمام حسن البصري (1) 3029 استماع
الإمام الحسن البصري [1، 2] 2838 استماع
الإمام حسن البصري (2) 2837 استماع
الإمام أبو عبيد القاسم بن سلاَّم [1،2] 2417 استماع
الإمام ابن باز.... الفاجعة 2203 استماع
الإمام الزهري 2199 استماع
الإمام عبد الرحمن بن مهدي [2،1] 1636 استماع