الإمام عبد الرحمن بن مهدي [2،1]


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

فحديثنا -أيها الإخوة- عن علمٍ عظيمٍ من أعلام المسلمين، وشيخٍ مبجل، ومحدِّثٍ كبيرٍ، وهو من كبار الحفاظ الذي وصفه الإمام الذهبي رحمه الله تعالى بقوله: "الإمام الناقد المجوِّد، سيد الحفاظ"، وهذا الشيخ الجليل هو: عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله تعالى.

أما نسبه: فهو: عبد الرحمن بن مهدي بن حسان بن عبد الرحمن العنبري -وقيل: الأزدي مولاهم- البصري اللؤلؤي، ويُكَنَّى بـأبي سعيد رحمه الله تعالى.

ولد سنة: [135هـ] كما قال الإمام أحمد رحمه الله.

ونشأ في بيت متواضع، فلم يكن أبوه مهدي من العلماء إطلاقاً، بل ربما لم يكن شخصاً صاحب عقل، وسنأتي على قصةٍ له تبين ذلك، بل كان رجلاً عامياً بمعنى الكلمة، ولكنه خرج من صلبه -والله يصطفي من خلقه من يشاء، ويخرج من يشاء ممن يشاء- هذا الرجل العامي إمامٌ عظيمٌ من أئمة المسلمين، وهو عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله.

وكَوْن بيت هذا الرجل ليس ببيت علم، ثم يخرج منه هذا العالم؛ فإنه يدل على نبوغه وعصاميته في طلب العلم.

توجه عبد الرحمن بن مهدي إلى طلب علم الحديث وهو ابن بضع عشرة سنة، وكان مبرزاً فيه منذ صغره، وكان أول طلبه سنة: نيِّفٍ وخمسين ومائة.

قال أبو عامر العقدي: "كنت سبباً في طلب عبد الرحمن بن مهدي للحديث، فقد كان يتبع القُصَّاص، فقلت له: لا يحصل في يدك من هؤلاء شيء".

أي: لن يفيدك القُصَّاص؛ لأنه لا هم لهم إلا تحديث الناس بما هب ودب من غير تأكد ولا تثبت، والمهم عندهم أن يُغْرِبوا على العامة، ويأتون لهم بالطرف، وأن تشدَّ إليهم الأبصار، وتُفتح لهم الأسماع ولو أتوا بالأعاجيب، فكان يعجبه شأنهم منذ الصغر، ولكن لما نصحه أبو عامر رحمه الله، وقال له: لا يحصل في يدك من هؤلاء شيء، التفت إلى الحديث، وتمييز صحيحه من سقيمه، وطلبه على أصوله، فصار علماً مبرزاً.

وسمع عبد الرحمن بن مهدي من سفيان الثوري ، وهو من أجِلَّة شيوخه، سمع منه سنة: (152هـ)، و(153هـ)، و(154هـ)، و(155هـ)، و(156هـ).

قصة تدل على نبوغه في العلم

ومن القصص التي تدل على نبوغه في العلم منذ صغره، أنه أخبر عن نفسه، قال: كنا في جنازة فيها عبيد الله بن الحسن العنبري وهو يومئذٍ قاضي البصرة، وله موضعه في قومه وقدره عند الناس، فتكلم في شيء، فأخطأ، فقلت وأنا يومئذٍ حدث: ليس هكذا، عليك بالأثر، فتزايد عليَّ الناس، لأنه وهو حدث (صغير) ينتقد العنبري قاضي البصرة وهو رجل معظم عندهم، وقدره كبير، فالناس وقعوا في ابن مهدي ، هذا الحدث الصغير كيف يخطئ أو ينتقد هذا الشيخ الكبير.

فقال عبيد الله العنبري : دعوه، وكيف هو؟ يستفهم من هذا الحدث -الغلام- يقول: ما هو الصحيح؟

فأخبرته.

فقال: صدقت يا غلام، إذاً أرجع إلى قولك وأنا صاغر.

وهذا الرجوع إلى الحق من تواضع العلماء رحمهم الله، ولو جاء من غلام صغير، ولو كان أمام الناس، وهذه وإن كان ظاهرها الحط من شأن هذا الكبير، لكنها في الحقيقة ذِكْرٌ وشَرَفٌ، فإن الإنسان يعظم في نفوس الناس؛ إذا رجع إلى الحق، وإن كانت المسألة في ظاهرها جهلٌ منه في هذه المسألة، أو نقص، لكن يطغى على هذا النقص رجوعه إلى الحق.

وصحب عبد الرحمن بن مهدي شيخه سفيان وحج معه سنة: (159هـ) ثم رجع إلى البصرة (160هـ)، فمات سفيان الثوري في دار عبد الرحمن بن مهدي ، أي: مات الشيخ في دار التلميذ.

ولع ابن مهدي بالحفظ

وقد ولع ابن مهدي بالحفظ ولعاً شديداً، حتى أنه من باب المبالغة عندما قال له رجلٌ: أيُّما أحب إليك: أن يغفر الله لك ذنباً، أو تحفظ حديثاً؟

فقال: أحفظ حديثاً.

وهذا سِيْقَ مساق المبالغة، وإن لم تُرَد الحقيقة، فإنه لا شيء أعظم من أن يغفر الله الذنب، ولكن حفظ الحديث أيضاً -إذا صحت النية فيه- من الأسباب العظيمة لمغفرة الذنوب، ورفع القدر والدرجة عند الله تعالى.

اعتناء ابن مهدي بمعرفة معاني الأحاديث

ومن اعتنائه -رحمه الله- بمعرفة معاني الأحاديث، وضبطه لما تعلمه، يقول بندار محمد بن بشار: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: "لو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ، لكتبت تفسير كل حديث إلى جنبه، ولأتيت المدينة حتى أنظر في كتب قومٍ قد سمعت منهم". لعله ليقيِّد تفسير كل حديث إلى جنبه، أو أنه ينظر هل ضَبَطَ فهمه وكتابته، وهل كذلك شيوخه الذين كتب عنهم ضبطوا الحديث، أو تغير عندهم شيء، فكان فهم الحديث عنده أمرٌ مهم، وليس فقط جمع الحديث.

قال علي بن المديني رحمه الله: ستةٌ كادت تذهب عقولهم عند المذاكرة - أي: من شدة شهوتهم للحديث- وهم:

1- يحيى .

2- وعبد الرحمن بن مهدي.

3- ووكيع بن الجراح.

4- وابن عيينة -أي: سفيان -.

5- وأبو داود.

6- وعبد الرزاق.

ابن مهدي وصبره ومذاكرته للعلم

ومن صبره ولعه بالعلم، قال علي بن المديني : تذاكر وكيع وعبد الرحمن ليلةً في المسجد الحرام، فلم يزالا حتى أذَّن المؤذن أذان الصبح، من بعد صلاة العشاء انفتحت بينهما مذاكرة الأحاديث، كل واحد منهما يأتي بحديث ويذاكر به الآخر، فلا زالا هكذا إلى أن طلع الفجر وهما على حالهما في المذاكرة، من بعد العشاء إلى الفجر.

ومن القصص التي تدل على نبوغه في العلم منذ صغره، أنه أخبر عن نفسه، قال: كنا في جنازة فيها عبيد الله بن الحسن العنبري وهو يومئذٍ قاضي البصرة، وله موضعه في قومه وقدره عند الناس، فتكلم في شيء، فأخطأ، فقلت وأنا يومئذٍ حدث: ليس هكذا، عليك بالأثر، فتزايد عليَّ الناس، لأنه وهو حدث (صغير) ينتقد العنبري قاضي البصرة وهو رجل معظم عندهم، وقدره كبير، فالناس وقعوا في ابن مهدي ، هذا الحدث الصغير كيف يخطئ أو ينتقد هذا الشيخ الكبير.

فقال عبيد الله العنبري : دعوه، وكيف هو؟ يستفهم من هذا الحدث -الغلام- يقول: ما هو الصحيح؟

فأخبرته.

فقال: صدقت يا غلام، إذاً أرجع إلى قولك وأنا صاغر.

وهذا الرجوع إلى الحق من تواضع العلماء رحمهم الله، ولو جاء من غلام صغير، ولو كان أمام الناس، وهذه وإن كان ظاهرها الحط من شأن هذا الكبير، لكنها في الحقيقة ذِكْرٌ وشَرَفٌ، فإن الإنسان يعظم في نفوس الناس؛ إذا رجع إلى الحق، وإن كانت المسألة في ظاهرها جهلٌ منه في هذه المسألة، أو نقص، لكن يطغى على هذا النقص رجوعه إلى الحق.

وصحب عبد الرحمن بن مهدي شيخه سفيان وحج معه سنة: (159هـ) ثم رجع إلى البصرة (160هـ)، فمات سفيان الثوري في دار عبد الرحمن بن مهدي ، أي: مات الشيخ في دار التلميذ.

وقد ولع ابن مهدي بالحفظ ولعاً شديداً، حتى أنه من باب المبالغة عندما قال له رجلٌ: أيُّما أحب إليك: أن يغفر الله لك ذنباً، أو تحفظ حديثاً؟

فقال: أحفظ حديثاً.

وهذا سِيْقَ مساق المبالغة، وإن لم تُرَد الحقيقة، فإنه لا شيء أعظم من أن يغفر الله الذنب، ولكن حفظ الحديث أيضاً -إذا صحت النية فيه- من الأسباب العظيمة لمغفرة الذنوب، ورفع القدر والدرجة عند الله تعالى.

ومن اعتنائه -رحمه الله- بمعرفة معاني الأحاديث، وضبطه لما تعلمه، يقول بندار محمد بن بشار: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: "لو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ، لكتبت تفسير كل حديث إلى جنبه، ولأتيت المدينة حتى أنظر في كتب قومٍ قد سمعت منهم". لعله ليقيِّد تفسير كل حديث إلى جنبه، أو أنه ينظر هل ضَبَطَ فهمه وكتابته، وهل كذلك شيوخه الذين كتب عنهم ضبطوا الحديث، أو تغير عندهم شيء، فكان فهم الحديث عنده أمرٌ مهم، وليس فقط جمع الحديث.

قال علي بن المديني رحمه الله: ستةٌ كادت تذهب عقولهم عند المذاكرة - أي: من شدة شهوتهم للحديث- وهم:

1- يحيى .

2- وعبد الرحمن بن مهدي.

3- ووكيع بن الجراح.

4- وابن عيينة -أي: سفيان -.

5- وأبو داود.

6- وعبد الرزاق.

ومن صبره ولعه بالعلم، قال علي بن المديني : تذاكر وكيع وعبد الرحمن ليلةً في المسجد الحرام، فلم يزالا حتى أذَّن المؤذن أذان الصبح، من بعد صلاة العشاء انفتحت بينهما مذاكرة الأحاديث، كل واحد منهما يأتي بحديث ويذاكر به الآخر، فلا زالا هكذا إلى أن طلع الفجر وهما على حالهما في المذاكرة، من بعد العشاء إلى الفجر.

لقد حدَّث عبد الرحمن بن مهدي عن عدد من الأئمة، وسمع منهم، وأدرك من التابعين عدداً، مثل:

1- المثنى.

2- سعيد.

3- أبو خلدة.

4- يزيد بن أبي صالح.

5- داود بن قيس.

6- جرير بن حازم، وغيرهم رحمهم الله.

وسمع من:

1- عمر بن أبي زائدة.

2- هشام بن أبي عبد الله التستوائي.

3- إسماعيل بن مسلم العبدي، قاضي جزيرة قيس.

4- سفيان ، وهو من أجِلَّة شيوخه.

5- شعبة ، وهو كذلك أيضاً.

6- عكرمة بن عمار .

7- عمران القطان .

8- يونس بن أبي إسحاق .

9- عمار بن سلمة .

10- مالك بن أنس .

11- عبد العزيز بن الماجشون .

12- وغيرهم من الأئمة الأعلام.

وحدَّث عن عبد الرحمن بن مهدي عدد من الأَجِلاَّء، ومنهم:

1- ابن المبارك .

2- ابن وهب .

وهما من شيوخه لكنهما حدثا عنه.

وحدَّث عنه كذلك:

3- علي بن المديني .

4- يحيى بن سعيد القطان .

5- أحمد بن حنبل .

6- إسحاق بن راهويه.

7- ابن أبي شيبة.

8- بندار .

9- أبو خيثمة .

10- القواريري .

- وعدد من العلماء.

حتى قالوا: وخلفٌ يتعذر حصرهم، الذين حدثوا عن عبد الرحمن بن مهدي.

قال الإمام أحمد: "كأن عبد الرحمن بن مهدي خُلِق للحديث".

وسئل الإمام أحمد عن يحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي -وكانا قرينين، شيخا أهل البصرة- ووكيع ، مَن الأعلَم منهم؟

قال: كان عبد الرحمن أكثرهم حديثاً.

وقال الإمام أحمد: "هو أفقه من يحيى القطان ، وهو أثبت من وكيع؛ لأنه أقرب عهداً بالكتاب، اختلفا في نحوٍ من خمسين حديثاً للثوري، فنظرنا، فإذا عامة الصواب مع عبد الرحمن.

قوة ضبطه للحديث

من القصص التي ذُكِرَت ما ذكره الإمام العلم أبو محمد عبد الرحمن الرازي ابن أبي حاتم في كتابه الجرح والتعديل حيث جعل الجزء الأول من كتابه المقدمة ترجمةً لعدد من أشهر مشاهير المحدثين، مثل: شعبة ، وسفيان ، وابن المبارك ، ومنهم بلا شك: عبد الرحمن بن مهدي.

فقال في قصة في ضبطه: حدثنا عبد الرحمن، أخبرنا أبو زرعة ، قال: سمعت نوح بن حبيب يقول: حضرنا عبد الرحمن بن مهدي ، فحدَّثَنا عن سفيان، عن منصور، عن أبي الضحى في قوله عز وجل: إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ [الرعد:7] حديث في هذه الآية.

إذاً عبد الرحمن بن مهدي يقول: عن سفيان، عن منصور، عن أبي الضحى ، وساق الحديث، مَن شيخ عبد الرحمن بن مهدي؟ سفيان، ومن شيخ سفيان؟ منصور، ومن هو شيخ منصور ؟ أبو الضحى .

فقال رجلٌ حضر معنا: يا أبا سعيد -أي: عبد الرحمن بن مهدي- حدثنا يحيى بن سعيد -أي: القطان- عن سفيان، عن أبيه، عن أبي الضحى. يعني: يحيى بن سعيد القطان روى لنا الحديث وخالفك، أنت تقول: عن سفيان، عن منصور، عن أبي الضحى ، ويحيى بن سعيد القطان يقول: عن سفيان، عن أبيه، عن أبي الضحى ، فجعل بدلاً مِن منصور أبا سفيان في السند.

فسكت عبد الرحمن بن مهدي إجلالاً وتواضعاً، فهو لا يريد أن يخطئ يحيى بن سعيد القطان .

وقال له آخر في المجلس نفسه: يا أبا سعيد! حدثنا وكيع، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي الضحى ، فـوكيع أيضاً خالفك، وروى السند مثلما رواه يحيى بن سعيد.

قال: فسكت، وقال: حافظان. أي: يحيى بن سعيد القطان ، ووكيع، ثم قال: دعوه، يعني: دعوا هذا الأثر، دعوا هذا الحديث.

قال الراوي: ثم أتوا يحيى بن سعيد هؤلاء الطلبة خرجوا من مجلس عبد الرحمن بن مهدي وذهبوا إلى يحيى بن سعيد، فأخبروه أن عبد الرحمن بن مهدي حدَّث بهذا الحديث، عن الثوري، عن منصور، عن أبي الضحى ، فأُخْبِر أنك تخالفه، ويخالفه وكيع.

فأمسك عنه، وقال: حافظان.

قال: فدخل يحيى بن سعيد ، ففتش كتبه وخرج، وقال: هو كما قال عبد الرحمن عن سفيان، عن منصور، فالذي ضبط هو ابن مهدي .

قال الراوي: فأُخْبِر وكيع بقصة عبد الرحمن، والحديث، وقوله: حافظان.

فقال وكيع : عافى الله أبا سعيد ، لا ينبغي أن يُقْبَلَ الكذب علينا، ثم نظر وكيع وراجع كتبه، فقال: هو كما قال عبد الرحمن ، اجعلوه عن منصور، وعدِّلوه.

تزكية أهل العلم له

يقول الإمام أحمد رحمه الله: "ما رأيت بعيني مثل يحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي إماماً".

وقال: عبد الرحمن ثقة، خيار، صالح، مسلم، من معادن الصدق.

وقال جرير الرازي: "ما رأيت مثل عبد الرحمن بن مهدي ، ووصف عنه بصراً بالحديث وحفظاً".

وقال علي بن المديني: "كان عبد الرحمن بن مهدي أعلم الناس"، قالها مراراً.

وقال مرةً: "أعلم الناس بالحديث ابن مهدي"، والذي يشهد له: علي بن المديني ، وهو من كبار العلماء والنقاد.

وقال أيضاً: "لو حلفت بين الركن والمقام أني لم أر أعلم من ابن مهدي، لصدقتُ".

وقال أيضاً: "كان يحيى بن سعيد أعلم بالرجال، وكان عبد الرحمن أعلم بالحديث، وما شبَّهتُ علم عبد الرحمن بالحديث إلا بالسحر".

وقال أيضاً: كان علم عبد الرحمن في الحديث كالسحر.

وقال الشافعي: "لا أعرف له نظيراً في هذا الشأن".

وقيل لـأبي نعيم: "أيُّما أحب إليك: عبد الرحمن بن مهدي عن مالك؟ أم روح بن عبادة عن مالك؟

فقال: عبد الرحمن إمام وهو أحب إلي من كل أحد".

فقيل له: إن عبد الرحمن عَرَض على مالك ، وروح بن عبادة سمعه لفظاً.

وهذه المسألة تعود إلى طرق الرواية:

- أعلى طريقة للرواية طريقة السماع: أن يسمع الطالب من فم الشيخ، فيحفظه، أو يكتبه، ويقول: سمعت، وحدثنا، وحدثني، هذه أعلى مرتبة وهي مرتبة السماع.

- المرتبة الثانية: العَرْض: أن الشيخ يُعْرَض عليه الحديث من قبل أحد الطلبة، ويُقرأ عليه والشيخ يقر، فيقول الطالب: أخبرنا، ولا يقول سمعتُ، لأن الشيخ ما تكلم، الذي قرأ -الآن- هو الطالب والشيخ يُقِر، فالطالب يقول: أخبركم فلان، أو حدثكم فلان، ويذكر أحاديث الشيخ، والشيخ يسمع ويُقِر، هذه الطريقة اسمها: طريقة العرض، أدنى من مرتبة السماع عند كثير من المحدِّثين.

فلما سئل أبو نعيم : حديث عبد الرحمن بن مهدي، عن مالك عندك أحسن، أو روح بن عبادة عن مالك؟

فقال: عبد الرحمن إمام، وهو أحب إلي من كل أحد.

فقيل له: إن عبد الرحمن عَرَض على مالك، أي: عبد الرحمن أخذ حديث مالك بطريقة العَرْض، وروح بن عبادة سمعه لفظاً بطريقة السماع، والسماع أعلى من العرض.

فقال أبو نعيم : عَرْض عبد الرحمن أجل وأحب إلينا من سماع غيره، مع أن السماع مرتبة أعلى من العَرْض.

وقال محمد بن أبي بكر المقدمي: "ما رأيت أتقن لما سَمِعَ ولما لم يَسْمَع لحديث الناس من عبد الرحمن بن مهدي، إمام ثبتٌ، أثبتُ الناس في يحيى بن سعيد ، وأتقن من وكيع ، كان قد عَرَضَ حديثه على سفيان".

وقال ابن حبان: "كان في الحفَّاظ المتقنين، وأهل الورع في الدين، ممن حفظ وجمع وتفقَّه وصنَّف وحدَّث".

وقال يزيد بن هارون: "وقعت بين أسدين: عبد الرحمن بن مهدي ، ويحيى القطان" كأنه يقول: لا أستطيع أن أفضل أحدهما على الآخر، وأنهما متقاربان ومتساويان وقرينان، ولا أرجح أحداً على الآخر.

وقال الخطيب البغدادي عن عبد الرحمن بن مهدي: "كان من الربانيين في العلم، وأحد المذكورين بالحفظ، وممن برع في معرفة الأثر، وطُرق الروايات، وأحوال الشيوخ".

وقال الذهبي فيه: "الحافظ الكبير، والإمام العَلَم الشهير".

وقال أبو نعيم في الحلية: "الإمام الرضي، والزمام القوي، ناقد الآثار، وحافظ الأخبار".

وقال ابن ناصر الدين: عبد الرحمن بن مهدي أبو سعيد الحافظ المشهور، والإمام المنشور، كان فقيهاً مفتياً، عظيم الشأن، وهو فيما ذكره أحمد : أفقه من يحيى القطان، وأثبت من وكيع في الأبواب".

ولا شك أن مما ساعده على تبوء هذه المكانة أن شيخه سفيان الثوري ، فحديثه عن سفيان نفعه جداً، لأنه لازم سفياناً، ولازم مالكاً كذلك.

من القصص التي ذُكِرَت ما ذكره الإمام العلم أبو محمد عبد الرحمن الرازي ابن أبي حاتم في كتابه الجرح والتعديل حيث جعل الجزء الأول من كتابه المقدمة ترجمةً لعدد من أشهر مشاهير المحدثين، مثل: شعبة ، وسفيان ، وابن المبارك ، ومنهم بلا شك: عبد الرحمن بن مهدي.

فقال في قصة في ضبطه: حدثنا عبد الرحمن، أخبرنا أبو زرعة ، قال: سمعت نوح بن حبيب يقول: حضرنا عبد الرحمن بن مهدي ، فحدَّثَنا عن سفيان، عن منصور، عن أبي الضحى في قوله عز وجل: إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ [الرعد:7] حديث في هذه الآية.

إذاً عبد الرحمن بن مهدي يقول: عن سفيان، عن منصور، عن أبي الضحى ، وساق الحديث، مَن شيخ عبد الرحمن بن مهدي؟ سفيان، ومن شيخ سفيان؟ منصور، ومن هو شيخ منصور ؟ أبو الضحى .

فقال رجلٌ حضر معنا: يا أبا سعيد -أي: عبد الرحمن بن مهدي- حدثنا يحيى بن سعيد -أي: القطان- عن سفيان، عن أبيه، عن أبي الضحى. يعني: يحيى بن سعيد القطان روى لنا الحديث وخالفك، أنت تقول: عن سفيان، عن منصور، عن أبي الضحى ، ويحيى بن سعيد القطان يقول: عن سفيان، عن أبيه، عن أبي الضحى ، فجعل بدلاً مِن منصور أبا سفيان في السند.

فسكت عبد الرحمن بن مهدي إجلالاً وتواضعاً، فهو لا يريد أن يخطئ يحيى بن سعيد القطان .

وقال له آخر في المجلس نفسه: يا أبا سعيد! حدثنا وكيع، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي الضحى ، فـوكيع أيضاً خالفك، وروى السند مثلما رواه يحيى بن سعيد.

قال: فسكت، وقال: حافظان. أي: يحيى بن سعيد القطان ، ووكيع، ثم قال: دعوه، يعني: دعوا هذا الأثر، دعوا هذا الحديث.

قال الراوي: ثم أتوا يحيى بن سعيد هؤلاء الطلبة خرجوا من مجلس عبد الرحمن بن مهدي وذهبوا إلى يحيى بن سعيد، فأخبروه أن عبد الرحمن بن مهدي حدَّث بهذا الحديث، عن الثوري، عن منصور، عن أبي الضحى ، فأُخْبِر أنك تخالفه، ويخالفه وكيع.

فأمسك عنه، وقال: حافظان.

قال: فدخل يحيى بن سعيد ، ففتش كتبه وخرج، وقال: هو كما قال عبد الرحمن عن سفيان، عن منصور، فالذي ضبط هو ابن مهدي .

قال الراوي: فأُخْبِر وكيع بقصة عبد الرحمن، والحديث، وقوله: حافظان.

فقال وكيع : عافى الله أبا سعيد ، لا ينبغي أن يُقْبَلَ الكذب علينا، ثم نظر وكيع وراجع كتبه، فقال: هو كما قال عبد الرحمن ، اجعلوه عن منصور، وعدِّلوه.

يقول الإمام أحمد رحمه الله: "ما رأيت بعيني مثل يحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي إماماً".

وقال: عبد الرحمن ثقة، خيار، صالح، مسلم، من معادن الصدق.

وقال جرير الرازي: "ما رأيت مثل عبد الرحمن بن مهدي ، ووصف عنه بصراً بالحديث وحفظاً".

وقال علي بن المديني: "كان عبد الرحمن بن مهدي أعلم الناس"، قالها مراراً.

وقال مرةً: "أعلم الناس بالحديث ابن مهدي"، والذي يشهد له: علي بن المديني ، وهو من كبار العلماء والنقاد.

وقال أيضاً: "لو حلفت بين الركن والمقام أني لم أر أعلم من ابن مهدي، لصدقتُ".

وقال أيضاً: "كان يحيى بن سعيد أعلم بالرجال، وكان عبد الرحمن أعلم بالحديث، وما شبَّهتُ علم عبد الرحمن بالحديث إلا بالسحر".

وقال أيضاً: كان علم عبد الرحمن في الحديث كالسحر.

وقال الشافعي: "لا أعرف له نظيراً في هذا الشأن".

وقيل لـأبي نعيم: "أيُّما أحب إليك: عبد الرحمن بن مهدي عن مالك؟ أم روح بن عبادة عن مالك؟

فقال: عبد الرحمن إمام وهو أحب إلي من كل أحد".

فقيل له: إن عبد الرحمن عَرَض على مالك ، وروح بن عبادة سمعه لفظاً.

وهذه المسألة تعود إلى طرق الرواية:

- أعلى طريقة للرواية طريقة السماع: أن يسمع الطالب من فم الشيخ، فيحفظه، أو يكتبه، ويقول: سمعت، وحدثنا، وحدثني، هذه أعلى مرتبة وهي مرتبة السماع.

- المرتبة الثانية: العَرْض: أن الشيخ يُعْرَض عليه الحديث من قبل أحد الطلبة، ويُقرأ عليه والشيخ يقر، فيقول الطالب: أخبرنا، ولا يقول سمعتُ، لأن الشيخ ما تكلم، الذي قرأ -الآن- هو الطالب والشيخ يُقِر، فالطالب يقول: أخبركم فلان، أو حدثكم فلان، ويذكر أحاديث الشيخ، والشيخ يسمع ويُقِر، هذه الطريقة اسمها: طريقة العرض، أدنى من مرتبة السماع عند كثير من المحدِّثين.

فلما سئل أبو نعيم : حديث عبد الرحمن بن مهدي، عن مالك عندك أحسن، أو روح بن عبادة عن مالك؟

فقال: عبد الرحمن إمام، وهو أحب إلي من كل أحد.

فقيل له: إن عبد الرحمن عَرَض على مالك، أي: عبد الرحمن أخذ حديث مالك بطريقة العَرْض، وروح بن عبادة سمعه لفظاً بطريقة السماع، والسماع أعلى من العرض.

فقال أبو نعيم : عَرْض عبد الرحمن أجل وأحب إلينا من سماع غيره، مع أن السماع مرتبة أعلى من العَرْض.

وقال محمد بن أبي بكر المقدمي: "ما رأيت أتقن لما سَمِعَ ولما لم يَسْمَع لحديث الناس من عبد الرحمن بن مهدي، إمام ثبتٌ، أثبتُ الناس في يحيى بن سعيد ، وأتقن من وكيع ، كان قد عَرَضَ حديثه على سفيان".

وقال ابن حبان: "كان في الحفَّاظ المتقنين، وأهل الورع في الدين، ممن حفظ وجمع وتفقَّه وصنَّف وحدَّث".

وقال يزيد بن هارون: "وقعت بين أسدين: عبد الرحمن بن مهدي ، ويحيى القطان" كأنه يقول: لا أستطيع أن أفضل أحدهما على الآخر، وأنهما متقاربان ومتساويان وقرينان، ولا أرجح أحداً على الآخر.

وقال الخطيب البغدادي عن عبد الرحمن بن مهدي: "كان من الربانيين في العلم، وأحد المذكورين بالحفظ، وممن برع في معرفة الأثر، وطُرق الروايات، وأحوال الشيوخ".

وقال الذهبي فيه: "الحافظ الكبير، والإمام العَلَم الشهير".

وقال أبو نعيم في الحلية: "الإمام الرضي، والزمام القوي، ناقد الآثار، وحافظ الأخبار".

وقال ابن ناصر الدين: عبد الرحمن بن مهدي أبو سعيد الحافظ المشهور، والإمام المنشور، كان فقيهاً مفتياً، عظيم الشأن، وهو فيما ذكره أحمد : أفقه من يحيى القطان، وأثبت من وكيع في الأبواب".

ولا شك أن مما ساعده على تبوء هذه المكانة أن شيخه سفيان الثوري ، فحديثه عن سفيان نفعه جداً، لأنه لازم سفياناً، ولازم مالكاً كذلك.




استمع المزيد من الشيخ محمد صالح المنجد - عنوان الحلقة اسٌتمع
الإمام علي بن المديني [2،1] 3105 استماع
الإمام حسن البصري (1) 3029 استماع
الإمام الحسن البصري [1، 2] 2839 استماع
الإمام حسن البصري (2) 2838 استماع
الإمام أبو عبيد القاسم بن سلاَّم [1،2] 2417 استماع
الإمام ابن باز.... الفاجعة 2204 استماع
الإمام الزهري 2200 استماع
الإمام الوزير ابن هبيرة [1، 2] 1201 استماع