أرشيف المقالات

مملكة الدراويش بخير

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
مملكة الدراويش بخير

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
 
وبعد:
فكثيراً ما كتبنا عن الموالد التي تقام باسم الإسلام وهو منها براء.
ولن يصيبنا الملل ولا اليأس لكثرة ما قدمنا من أدلة على عدم شرعية هذه الاحتفالات التي تنسب زوراً وبهتاناً إلى الإسلام...
تلك الاحتفالات التي ضيعت معالم التوحيد الخالص حتى اختلطت الأمور في مفاهيم أكثر المسلمين.
فإن الذين يحتفلون بالموالد يعتبرونها تقرباً إلى الله عز وجل بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترك أمراً يقربنا إلى الله إلا وأمرنا به.
وهو لم يأمرنا بالموالد ولم يحتفل بها.
كما لم يثبت عن أصحابه رضوان الله تعالى عنهم ولا عن التابعين ولا من جاء بعدهم من خير القرون أنهم احتفلوا بمولد من الموالد.
بل الثابت أن مصر لم تعرف هذه الاحتفالات إلا في منتصف القرن الرابع الهجري في عصر الدولة الفاطمية التي أحدثت في دين الله ما أحدثت وغيرت وبدلت حتى قامت في مصر مملكة الدراويش التي أطمأنت إليها بريطانيا وقت استعمارها لمصر حيث كان السفير البريطاني يبرق لدولته أخبار الموالد والدروشة في مصر أولاً بأول باعتبارها الرأي الآخر في مواجهة القوى الوطنية التي تطالب بإنهاء الاحتلال.
وكأن السفير يقول للحكام الإنجليز: اطمئنوا ولا تخافوا شيئاً فمملكة الدراويش بخير.
 
وإلى اليوم مازالت مملكة الدراويش ومشجعي الموالد بخير.
ولعل علماء المسلمين هم الذين يتحملون وزر ذلك عند الله لسكوتهم عن بيان الحق.
فضلاً عن هؤلاء الذين يشاركون في الموالد ويشجعون على إقامتها من المتصوفة أو من هيئات المنتفعين بصناديق النذور.
 
أضف إلى ذلك ما يقدم من مغريات للعامة ليشاركوا في حضور احتفالات مملكة الدراويش بهذه الموالد.
من ذلك مشاركة المسؤولين وبعض أجهزة الدولة في هذه المراسم حتى تأخذ شكلاً رسمياً.
وأضرب لذلك مثلاً بما حدث في مولد سيدهم البدوي في طنطا الذي كانت ليلته الختامية مساء 21 المحرم 1404 هـ الموافق 27 أكتوبر 1983 ونهار اليوم التالي حيث سار الموكب (التاريخي) للخليفة وطاف بأنحاء المدينة تتقدمه موسيقات وقوات الشرطة والخيالة، وذلك بالطبع يضفي على الموكب صفة رسمية أمام المليون مشارك في هذا المولد...!
 
وبعد ذلك بأيام، في 5 صفر 1404 هـ الموافق 10 نوفمبر 1983 احتفلت مدينة دسوق بمولد سيدهم الدسوقي حيث حضر الاحتفال فضيلة الدكتور وكيل وزارة الأوقاف وفضيلة الدكتور أمين عام مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر وعدد كبير من العلماء ومحافظ كفر الشيخ ورجال الطرق الصوفية حيث استمرت الاحتفالات التي حضرها مليونان من الناس أسبوعاً كاملاً.
 
ونحن لا ندري الفرق الكبير بين الدسوقي والبدوي الذي جعل عدد المشاركين في مولد الدسوقي مليونين من الناس بينما شارك في مولد البدوي مليون واحد فقط.
ولسنا نحن الذين قمنا بهذا الإحصاء بل نشر في جرائدنا اليومية.
 
ومشاركة المسؤولين من العلماء وأجهزة الدولة في هذه الموالد يعطيها الصفة الرسمية والصبغة الشرعية في نظر العامة وإن كنا نرى أن هذه المشاركة عمل سياسي لاسترضاء الجماهير ومجاملتهم.
وهذه الموالد - كما يعلم الجميع - لا تخلو من المساخر والرذائل وانتهاك حرمات الله حتى أصبحت كلمة (مولد) في عرف الجميع تعنى الفوضى والفساد.
 
ثم يأتي موعد الاحتفال - غير المشروع - بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي تستعد له بعض الجهات الرسمية وعلى رأسها الإذاعة.
فقد أعلن أن رئيس الإذاعة قرر أن تستمر الاحتفالات بالموالد النبوي الشريف أسبوعاً في إذاعة البرنامج العام.
 
وقد جاء في هذا الخبر الذي نشر قبل موعد الاحتفال بأربعين يوماً ما يلي (تتضمن الاحتفالات نقل حفل يقام في رحاب (سيدي) أحمد البدوي بطنطا يتضمن إنشاداً ومدائح وأغنيات دينية تشارك فيهما ياسمين الخيام...).
 
وهكذا تتجلى معرفتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتقديرهم له بالمدائح وأغاني النساء...
وحجتهم أنها أغنيات دينية وأن (أمة محمد بخير) و (يا بختنا بالنبي)..
ألم أقل لك يا أخي أن مملكة الدراويش ومشجعي الموالد مازالت بخير؟
 
ومما يزيد هذا الخير ما نشر قبل موعد المولد بحوالي شهر من استعداد وزارة التموين والتجارة الداخلية للمولد النبوي حيث ستقوم الوزارة بتكثيف المعروض من اللحوم والدواجن والأسماك وطرحها للبيع بدون بطاقة.
كما أعلن أيضاً أن شركة واحدة من الشركات المتخصصة قامت بإنتاج 100 طن من حلاوة المولد - غير باقي الشركات سيباع منها للهيئات والشركات وستطرح بالمحلات السياحية التابعة لهذه الشركة بأسعار تقل عن مثيلاتها في القطاع الخاص..
إلخ.
 
وذلك لأن الذين أرسوا قواعد الموالد في أدمغة العامة لم ينسوا حظ البطون من الطعام والحلوى التقليدية التي لا يجوز الاحتفال بالمولد بدونها.
وفي الوقت الذي نستورد فيه بعض طعامنا من الخارج لنقص إمكاناتنا المحلية...
نركز على ضرورة تصنيع حلوى المولد استكمالاً لحبنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
 
وبعملية حسابية بسيطة: لو فرضنا أن الأسرة المكونة من خمسة أفراد تتكلف عشرة جنيهات ثمناً لهذه الحلوى لكان معنى هذا أن الأربعين مليوناً من المسلمين يحتاجون إلى ثمانين مليوناً من الجنيهات للحلوى فقط فضلاً عن باقي مطالب المولد.
وإن كان ذلك بسيطاً بالنسبة لميزانية دولة إلا أنه من السفه أن نخصص هذا المبلغ من دخلنا القومي لإنفاقه في هذا الغرض ونحن دولة تحاول تصحيح أوضاعها الاقتصادية.
 
ألم أقل لك يا أخي أن مملكة الدراويش ومشجعي الموالد مازالت بخير؟

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
 
المصدر: مجلة التوحيد، عدد ربيع الأول، سنة 1404هـ، الصفحة الأولى

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢