الحصن الحصين من الشيطان الرجيم


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد.

أما بعـد:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أيها الأحبة الشباب: إن جلوسي مع أمثالكم يطيب، وما ذاك إلا لأن الإنسان يشعر وهو يتحدث إليكم أنه يقدم إلى أمته شيئاً قد ينفع، أو أنه يدفع عنها ضراً قد يصيبها في صميمها.

وأعتقد أنكم أصبحتم تدركون جيداً -الآن- أننا أمام عدوٍ كشَّر عن أنيابه، مدجج بأحدث السلاح، وهو عدو يملك الحضارة؛ وبالتالي أصبح يهيمن على الدنيا إلا ما شاء الله، وسخر كل المنجزات وكل الإبداعات وكل العلوم؛ سخرها لمسخ هوية المسلم، وسحق بقايا الإسلام.

فمثلاً: سخر الإعلام الذي جعل العالم كله قريةً واحدة فتقال الكلمة في المغرب؛ فتسمع في المشرق، ويحدث الحدث هنا؛ فيرى في كل أنحاء الدنيا في اللحظة التي حدث فيها.

وسخر العدو الكافر الكاسر هذا الإعلام لتضليل المسلمين، وتغيير عقولهم، ومسخ أخلاقهم، التلفاز -مثلاً- نموذج، والإذاعات نموذج، وأفلام الفيديو نموذج، والمجلة الخليعة نموذج، وشريط الغناء الماجن نموذج، وآخر ذلك ما يسمى بالبث المباشر الذي أصبح بعض بني قومنا يستقبلونه بكل ترحاب، وإنه لعجبٌ من العجب.

هل رأيتم إنساناً يستقبل عدوه بالأحضان، ويفتح له ذراعيه، ويضحك في وجهه، ويفتح له البوابة على مصراعيها، ويقول له: تفضل؟!

هذا هو والله ما يحدث تماماً.

من هؤلاء الذين تشاهدهم في التلفاز أو في المجلة أو في الشريط؟

أليسوا يهوداً، ونصارى، ووثنيين، أي: أنهم بشكل عام من أهل النار، وأي مرض لقلبك أمرض من أن تفتح عينيك لمشاهدة أهل النار، فمشاهدة الأخيار؛ تقربك إلى الله عز وجل وتذكرك به، تدعوك إلى الإيمان، فكذلك مشاهدة وجوه الكافرين تدعوك إلى النار.

ألم تعرف قصة جريج العابد؟

لما كان في صومعته يصلي فنادته أمه وهو يصلي، فتردد وقال: يا رب، أمي أو صلاتي؟!

أي: هل أجيب أمي أم أستمر في صلاتي، فترك أمه وظل يصلي، فنادته مرة أخرى، ومرة ثالثة، فغضبت عليه وقالت له: -وهذا هو أسوأ دعاء يمكن أن تدعو به على ولدها- قالت: لا أماتك الله حتى يريك وجوه المومسات! والمومسات هن الزانيات اللاتي يتعاطين البغاء والفجور.

فقط دعت عليه أن يريه الله وجوه المومسات، وهذا أسوأ دعاء، وأعظم عقوبة يمكن أن توجهه إليه، وكانت هناك امرأة بغي من بني إسرائيل فأعطاها بعضهم مالاً على أن تفتن جريجاً، فجاءت إليه فلم تظفر منه بشيء، حيث إنه أعرض عنها وأقبل على صلاته، فذهبت إلى الراعي الذي يرعى الغنم، ومكنته من نفسها، فزنى بها، وحملت، فجاءت إليهم وقالت: هذا من جريج، قد زنى بي جريج وأنا حملت منه! فجاءوا إليه وكانت صومعته من طين فهدموها وجرجروه، وقالوا: انـزل يا خبيث! أنت تتظاهر بالدين وأنت كذاب، فعلت الفاحشة في هذه المرأة، وهذا الولد منك، فبهت جريج لبعده عن هذه الأمور، ودعا الله تعالى أن ينقذه من هذه الدعوى الكاذبة، فأقبل على الغلام، وقال له: يا غلام، يا باقوس، من أبوك؟

يصرخ بهذه الكلمة لأنه ينادي الله الذي لا يتخلى عن الصادقين أبداً، فأنطق الله هذا الغلام وقال: أبي هو الراعي، فاندهش الناس، لأنهم علموا أن جريجاً أبرأ وأطهر من السحابة في سمائها، واندهشوا لأنهم علموا أن له من المنـزلة والمكانة عند الله ما جعل هذه الكرامة تتحقق له فينطق الطفل الرضيع ببراءته، واندهشوا لأنهم قد عرفوا أنهم قد اتهموه وآذوه وظلموه، فأقبلوا إليه يضمونه ويقبلونه، ويقولون له: نبني لك صومعة من ذهب، قال: لا، أعيدوها من طين كما كانت؛ لأن أهل العبادة وأهل الآخرة لا تهمهم المظاهر!

فالمهم في القصة أنهم لما جرجروه وجاءوا به من الصومعة، ومشوا به في أحد الشوارع؛ فالتفت -حانت منه التفاتة- وإذا به يجد لوحاتِ وبيوتَ وأماكنَ البغاء -هذا يوجد حتى مع الأسف في بلاد إسلامية، لكن في بلاد الغرب معروف، أماكن خاصة للفساد- فلما التفت وجد البغاء، ووجد البغايا على الأبواب يعرضن أنفسهن، فضحك ضحكة مشوبة بالدموع؛ لأنه تذكر دعوة والدته وأنها هي التي جرته إلى هذا المكان، حتى يرى وجوه البغايا ووجوه المومسات، ثم استغفر الله تعالى.

ففي هذه القصة عبر، من هذه العبر:

خوف الأطهار السابقين من مجرد النظر إلى الفاجرات

انظر إلى هؤلاء الأطهار -من بني إسرائيل- كيف كان مجرد النظر إلى وجه المرأة الفاجرة يؤذي قلوبهم، وكان أقصى ما تدعو به المرأة على ولدها أن يرى وجوه المومسات، وقارن هذا بأناس من أمة محمد صلى الله عليه وسلم أصبحوا بمحض اختيارهم وطوع إرادتهم يتمتعون بالنظر لا إلى وجوه المومسات فقط، بل إلى ما هو أكثر وأعظم وأفضع من ذلك!!

وانظر كيف انكسر الحاجز الآن؟!

فهل أنت تشعر يا أخي وأنت ترى الكافر، سواء وأنت تراه على الشاشة أم تراه على الطبيعة، أياً كان هذا الكافر ولو كان خبيراً كبيراً، ولو كان دكتوراً ولو أخصائياً؛ ولو كان بروفيسوراً أو لو كان أي شيء آخر، هل نسيت أنه كافر؟!

أم أنك أصبحت تستحي أن تطلق هذه العبارة، كأنه عيب أنك تقول: كافر، بل هو كافر بالتأكيد، وإذا كان غير مؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ولا متبع لشريعته فهو حطب جهنم، والله عز وجل يقول: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً [الفرقان:44] وقال في الآية الأخرى: أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179] وقال في الآية الثالثة: يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً [النبأ:40] متى يقول هذا؟ يقول هذا حينما يقال للحيوانات في الدار الآخرة: كوني تراباً، فيتمنى أنه لو كان حيواناً ليقال له كن تراباً.

كفى بك داءً أن ترى الموت شافياً     وحسب المنايا أن يكن أمانيا<

الإعراض عن زينة الدنيا والتغلب على النفس

في قصة جريج -التي أسلفتها لكم قبل قليل- أمر الإعراض عن زينة الحياة الدنيا، من الحرام، أو من الحلال الذي قد يجر إلى الحرام، فأنت ترى جريجاً هذا، من أي شيء خلق؟

من تراب ومن طين، مثله مثلي ومثلك، فالطبيعة واحدة، والطبيعة التي خلق منها الأبرار الأطهار حتى الأنبياء خلقوا من طين من تراب، والصحابة والفضلاء والزهاد والعباد، وأهل الفردوس الأعلى وأهل الجنة كلهم مخلوقون من تراب، فإن أباهم آدم خلق من تراب: خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران:59].

فالعواطف واحدة، والمشاعر واحدة، والغرائز موجودة، فـجريج أو غير جريج إذا رأى ما يثير تثور أعصابه، وتثور عواطفه وغريزته، فليس هو حجراً أصمَّ لا؛ ولكنه في مقابل ذلك يجد من وازع الإيمان ما يردعه ويمنعه، ولهذا قال الله عز وجل في وصف أهل الجنة: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات:40-41]

إذاً: فالهوى موجود في النفس، ولكنه ينهى نفسه عن ذلك ويدافعها ويستعيذ بالله عز وجل.

انظر إلى هؤلاء الأطهار -من بني إسرائيل- كيف كان مجرد النظر إلى وجه المرأة الفاجرة يؤذي قلوبهم، وكان أقصى ما تدعو به المرأة على ولدها أن يرى وجوه المومسات، وقارن هذا بأناس من أمة محمد صلى الله عليه وسلم أصبحوا بمحض اختيارهم وطوع إرادتهم يتمتعون بالنظر لا إلى وجوه المومسات فقط، بل إلى ما هو أكثر وأعظم وأفضع من ذلك!!

وانظر كيف انكسر الحاجز الآن؟!

فهل أنت تشعر يا أخي وأنت ترى الكافر، سواء وأنت تراه على الشاشة أم تراه على الطبيعة، أياً كان هذا الكافر ولو كان خبيراً كبيراً، ولو كان دكتوراً ولو أخصائياً؛ ولو كان بروفيسوراً أو لو كان أي شيء آخر، هل نسيت أنه كافر؟!

أم أنك أصبحت تستحي أن تطلق هذه العبارة، كأنه عيب أنك تقول: كافر، بل هو كافر بالتأكيد، وإذا كان غير مؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ولا متبع لشريعته فهو حطب جهنم، والله عز وجل يقول: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً [الفرقان:44] وقال في الآية الأخرى: أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179] وقال في الآية الثالثة: يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً [النبأ:40] متى يقول هذا؟ يقول هذا حينما يقال للحيوانات في الدار الآخرة: كوني تراباً، فيتمنى أنه لو كان حيواناً ليقال له كن تراباً.

كفى بك داءً أن ترى الموت شافياً     وحسب المنايا أن يكن أمانيا<

في قصة جريج -التي أسلفتها لكم قبل قليل- أمر الإعراض عن زينة الحياة الدنيا، من الحرام، أو من الحلال الذي قد يجر إلى الحرام، فأنت ترى جريجاً هذا، من أي شيء خلق؟

من تراب ومن طين، مثله مثلي ومثلك، فالطبيعة واحدة، والطبيعة التي خلق منها الأبرار الأطهار حتى الأنبياء خلقوا من طين من تراب، والصحابة والفضلاء والزهاد والعباد، وأهل الفردوس الأعلى وأهل الجنة كلهم مخلوقون من تراب، فإن أباهم آدم خلق من تراب: خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران:59].

فالعواطف واحدة، والمشاعر واحدة، والغرائز موجودة، فـجريج أو غير جريج إذا رأى ما يثير تثور أعصابه، وتثور عواطفه وغريزته، فليس هو حجراً أصمَّ لا؛ ولكنه في مقابل ذلك يجد من وازع الإيمان ما يردعه ويمنعه، ولهذا قال الله عز وجل في وصف أهل الجنة: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات:40-41]

إذاً: فالهوى موجود في النفس، ولكنه ينهى نفسه عن ذلك ويدافعها ويستعيذ بالله عز وجل.

يوسف عليه الصلاة والسلام، شاب قوي في بلدٍ غريب، ليس له أهل، ولا أب، ولا أم، ولا زوجة، ولا قريب! وأيضاً هو في أي مكان؟

في قصر الملك! وتصور ماذا يوجد في قصر الملك من الفتن والمغريات والزخارف ومن الزينة الدنيوية والإغراءات؟!

وحدث ولا حرج! وهو شابٌ في غاية الوسامة والجمال، أعطي شطر الحسن، يتعرض للإغراء على يد من؟!

ليس على يد الخادمة أو على يد الممرضة، إنما على يد امرأة العزيز نفسه، زوجة رئيس الوزراء، قتغلق الأبواب، وليس هناك خوف من العقوبة، وتقول له: هَيْتَ لَكَ [يوسف:23] تعال، أنا مستعدة وهي امرأة جميلة وهذا واضح لأن العزيز لن يتزوج إلا امرأة في غاية الجمال، وسيبحث عن أجمل النساء، وتتهدده إذا لم ينفذ بالعقوبة: وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلِيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ [يوسف:32].

فهناك تحديات عديدة، وإغراءات لا نهاية لها، ومع ذلك يعرض عنها ويشيح عنها بوجهه ويقول: مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ * وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ * وَاسْتَبَقَا الْبَابَ [يوسف:23-25] انظر الآية: (واستبقا الباب) وتصور يوسف وهو يركض هارباً والمرأة تركض وراءه أيهما يصل أولاً، حتى يدخل العزيز إلى آخر القصة المعروفة.

أعتقد أيها الشباب أن أخطر شيء يواجهكم الآن هو المغريات وفتن الشهوات، فأنت الآن تضع قدمك في بداية طريق نهايته معروفة، نهايته المستشفى أو المستوصف، والواحد منا حين يزور المستشفى لحاجة لابد منها -للمرض- يشعر بالضيق حتى يخرج منها مع أن بقاءه فيه لحظات معدودة، أو ساعة أو ساعتين؛ لما يرى فيها من المظاهر التي لا تسر من اختلاط الرجال بالنساء، ووجود الممرضات بأبهى زينة، وبملابس تحدد وتحجم الجسم، والعطور تفوح، والشعور والنحور مكشوفة، والمكياج على الوجه، والضحكات تتعالى في الفضاء، والابتسامات توزع بالمجان يمنة ويسرة، وربما تعتقد الممرضة أن هذا جزء من عملها وما يقتضيه واجبها!

وفوق هذا كله قد تكون الممرضة في حالاتٍ كثيرة غير مسلمة أصلاً، بمعنى أنه ليس عندها دين يردعها أو يمنعها، وفوق هذا وذاك هي في بلدٍ غريب، وليس عندها زوج، أضف إلى هذا كله أن غير المسلمات قد أتين من بلاد لا يرون أصلاً في هذه الأمور والعلاقات المحرمة -عندنا- لا يرون فيها هم بأساً، فبلادهم في الغالب بلاد إباحية.

وبالمقابل أنت شاب في سن المراهقة، وهيجان الغريزة، وقوة الشباب، وقد تكون أيضاً غير متزوج وأنت تعيش في مثل هذا الجو، فلو أردنا أن ننظر للقضية بالمقياس العادي، القضية هذه مثلما لو قلت: (بترول) ووُضِعت بجواره نار فإن النتيجة معروفة وهي الحريق، فهذا هو الأصل، وقد يقول قائل: أنت ما زدت على أن وصفت لنا الأمر الواقع، فأقول: نعم، أحياناً قدرتك على تصور ما أنت مقبلٌ عليه والواقع الذي تعيشه تعنيك على البحث عن الحل.

طبعاً هناك فئة من الناس قد يكون أصل توجهه إلى هذا العمل رغبة في مثل هذه الأجواء والفئات، وهذا لا شك جر نفسه إلى أمر خطير، ونحن نقول: أعظم ما عليك هو سلامة نفسك، والبحث عن النجاة، فسعيك في نجاة نفسك وفكاكها وخلاصها أعظم من كل شيء، وهب أنك عشت فقيراً، أو هب أنك مت جوعاً أيضاً، ما يضيرك شيء لأنك إن مت وأنت مؤمن فأنت إلى الجنة، وماذا يضير الإنسان أن يكون عاش عشرة أو عشرين سنة في تعب وشقاء إذا كان مآله إلى جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

إذاً: أهم ما عليك هو السعي لنجاة نفسك وخلاصها، لكن قد يأتي الإنسان لهذا العمل لغرضٍ آخر، قد يكون جاء لغرض شرعي، وهذا وارد؛ فمن الممكن أن يقول قائل: أنا أتيت لأن هذا المجال مهم وحيوي وحساس ولابد للمجتمع منه، فأنا أتيت لأسد هذا الفراغ بدلاً من غيري وأحاول أن أصلح بقدر ما أستطيع وآمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأحافظ على أعراض المسلمين وعلى نسائهم وعلى أمورهم وأنصح لهم؛ ولا شك أن هذا الكلام معقول ومنطقي، فنحن ماذا ننتظر -مثلاً- من بوذي، أو هندوسي، أو نصراني، أو يهودي إذا كان هو يقوم بترتيبات لإجراء عمليات على مسلم أو مسلمة، أقل شيء أنه يكون متهاوناً وغير مبال، وقد يدخل الرجل أو قد تدخل المرأة في المستشفى -كما تعرفون قصصاً وأخباراً من هذا القبيل- سليماً معافى، وتكون هناك عملية عادية، فنتيجة الإهمال أو نتيجة عمل مقصود أيضاً قد يتسبب في وفاته، فإذا كان غير مسلم فماذا تنتظر من عدو دينك إلا هذا؟!

وقد يكون مجيء الإنسان لمثل هذه المجالات أيضاً لا لهذا ولا ذاك، فيقول: أنا لم آت لغرض سيئ والحمد لله، وفي نفس الوقت لم آت لغرض صالح وهو أني أريد خدمة ديني والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمحافظة على أعراض المسلمين، إنما أتيت للمعاهد الصحية أو للمجال الصحي لمجرد أنه مجال وظيفي متاح لي، وقد لا أجد مجالاً آخر مثله، بمثل هذا المستوى الدراسي، وبمثل هذا العطاء، وبمثل هذا الخير، وبمثل هذا المستوى الوظيفي؛ فأقبلت عليه من هذا المنطلق.


استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة اسٌتمع
أحاديث موضوعة متداولة 5155 استماع
حديث الهجرة 5026 استماع
تلك الرسل 4157 استماع
الصومال الجريح 4148 استماع
مصير المترفين 4126 استماع
تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة 4054 استماع
وقفات مع سورة ق 3979 استماع
مقياس الربح والخسارة 3932 استماع
نظرة في مستقبل الدعوة الإسلامية 3874 استماع
العالم الشرعي بين الواقع والمثال 3836 استماع