جلسات رمضانية 1410ه [2-4]


الحلقة مفرغة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

يقول الله عزَّ وجلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آل عمران:131-132].

فقد صدَّر الله هذه الآيات الكريمة بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه: [إذا سمعتَ الله يقول: (يا أيها الذين آمنوا) فأَرْعِها سمعَك، فإما خيراً تؤمر به، وإما شراً تُنهَى عنه] وصدق رضي الله عنه، فإن الله تعالى لا يصدِّر الآيات بهذا الخطاب وهذا النداء وبهذا الوصف؛ وصف الإيمان إلا لأمر هام، إما خيراً يؤمر به الناس، وإما شراً يُنهَون عنه.

وفي هذه الآيات الكريمة الذي خاطبنا الله به شر نهانا عنه، فقال: لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً .

وكانوا في الجاهلية يأكلون الربا أضعافاً مضاعفة، بالصراحة والوضوح، كان الرجل إذا ديَّن شخصاً أرضاً أو ثمن مبيع أو غير ذلك مما يثبت في الذمة؛ لأن الدين في الشرع: كل ما ثبت في الذمة فهو دين، من ثمن مبيع، أو باقي صداق امرأة، أو أجرة بيت، أو دكان، أو غير ذلك، كل ما ثبت في الذمة فهو دين، كانوا في الجاهلية إذا حلَّ الدين المؤجل قال الدائن للمدين: إما أن تقضي الدين، وإما أن تربي، أي: أن تزيده، فإذا كان (10.000) مثلاً وحلَّ، وليس عند المدين شيء، قال له الدائن: إما أن توفيني العشرة آلاف بأي وسيلة كانت، وإما أن تُربي، أي: تجعل العشرة مثلاً أحد عشر ألفاً، أو اثني عشر ألفاً، حسب ما يفرضه هذا الدائن الظالم على المدين.

والمدين المعسر يحرم على دائنه أن يتكلم معه بطلب الدين، يعني: لا يجوز أن يقول: أوفني وهو يعلم أنه فقير، فكيف بمطالبته؟! وكيف بحبسه؟! كما يفعل الآن بعض الناس الظلمة والعياذ بالله، يحل الدين على الفقير وهو يعلم أنه فقير لا يجد شيئاً، ثم يطالبه عند الجهات المسئولة، ويطلب حبسه، وهذا لا شك أنه معصية لله عزَّ وجلَّ، وأن الذي يفعل ذلك ربما يعاقب في الدنيا قبل الآخرة، ربما يُصاب بالإعسار والإفلاس، ويتسلط عليه الناس كما تسلط على هذا الفقير.

المهم أنهم كانوا في الجاهلية إذا حل الدين قال: أوفني أو أرْبِ، يعني: زِدْ، فإذا حل مرة ثانية قال: أوفني أو زِدْ، فإذا حل مرة ثالثة قال: أوفني أو زِدْ، حتى يتضاعف الدين، وتكون المئات ألوفاً، فنهى الله المؤمنين عن ذلك.

لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ : اتقوا الله يعني: اتخذوا الوقاية من عذابه بفعل أوامره واجتناب نواهيه؛ لتنالكم رحمة الله عزَّ وجلَّ، وإذا لم تفعلوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [البقرة:24].

وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [آل عمران:131] يعني: اتقوا الله واتقوا عذابه بالنار التي أعدها الله للكافرين، وفي هذا دليل على أن الربا خصلة من خصال الكفر؛ لأنه قال: وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [آل عمران:131] بعد أن نهانا عن الربا.

وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم الربا فيما يكون، وكيف يكون؟

الأشياء التي تجري فيها الربا

أما ما يكون فيه الربا فقال صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والتمر بالتمر، والشعير بالشعير، والملح بالملح ... -كم هذه؟ ستة. ستة أصناف- مِثْلاً بمِثْل -يعني: بعتَ ذهباً بذهب، أو فضة بفضة، أو براً ببر، أو شعيراً بشعير، أو تمراً بتمر، أو ملحاً بملح، مِثْلاً بِمِثْل- سواءًَ بسواء, يداً بيد) فاشترط النبي عليه الصلاة والسلام المماثَلة والمقابَضة، إذا بِيْعَ شيء من هذه الأصناف بجنسه فلابد فيه من أمرين:

المماثَلة: بحيث لا يزيد أحدهما على الآخر. والمقابَضة: يداً بيد.

فإن زِدتَ أو تأخرت في القبض فإنك مرابٍ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فمن زاد أو استزاد فقد أربى) أي: دخل في الربا، فإذا بعتَ ذهباً بذهب، إذا بعت عشرة غرامات بأحد عشر غراماً فهذا حرام؛ لأجل الزيادة، وإذا بعتَ عشرة غرامات بعشرة غرامات لكن لم تقبض فهذا حرام من أجل عدم القبض.

والربا الذي يكون بعدم القبض يسميه العلماء: ربا النسيئة؛ لأنه تأخر في القبض.

والذي يكون فيه الزيادة يسميه العلماء: ربا الفضل.

فقد ينفرد ربا الفضل، وقد ينفرد ربا النسيئة، وقد يجتمعان.

إذا اختلفت الأصناف، لم يكن إلا ربا النسيئة.

فإذا بعتَ ذهباً بفضة فلا بأس بالزيادة والنقص ولكن لابد من التقابض قبل التفرق.

إذا بعتَ تمراً ببُر، فلا بأس من التفاضل؛ ولكن لابد من التقابض قبل التفرق.

إذا بعتَ شعيراً بملح، لا بأس بالزيادة؛ ولكن لابد من التقابض قبل التفرق.

لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يداً بيد) .

فإن قلتَ: لو بعتُ ذهباً ببُر، هل يجب التقابض؟

فالجواب: ظاهر الحديث أنه يجب التقابض؛ لأنه قال: (إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم)، وذهبٌ ببُر اختلفت الأصناف، فيجوز أن نبيع كيف شئنا؛ ولكن يجب أن يكون يداً بيد، هذا هو ظاهر هذا الحديث؛ لكن قد دلت السنة أنه إذا كان أحد الصنفين نقداً، يعني: ذهباً أو فضة فلا بأس من التأخير في القبض، إذا كان أحد العوضين ذهباً أو فضة فلا بأس من التأخير في القبض. بأي دليل؟

بحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قَدِم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يُسْلِفون في الثمار السنة والسنتين -يعني: يعطون دراهماً بتمر بعد سنة أو بعد سنتين- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من أسلف في شيء فليُسْلِف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم) وهذا يتأخر في القبض، وقد جاءت به السنة صريحة.

فدل ذلك على أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا اختلفت هذه الأصناف) يعني: الأربعة فقط، وهي: البر، والشعير، والتمر، والملح.

إذا بِيْع جنسٌ بغير جنسه فلابد من التقابض قبل التفرق، ولا يُشترط التساوي، أما إذا بيع جنس من هذه الأصناف الأربعة بذهب أو فضة، فإنه لا يُشترط فيه التساوي، ولا يُشترط فيه التقابض أيضاً؛ لكن إذا بيع ذهب بفضة، فإنه لابد فيه من التقابض، أما التساوي فليس بشرط؛ لأن الذهب لا يساوي الفضة؛ لكن لابد من التقابض.

ودليل ذلك أحاديث وردت في هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن بأن الذهب بالفضة لابد أن يكون فيه التقابض قبل التفرق.

بيع وشراء العملات الورقية

إذا قال قائل: ما تقولون في هذه العملات الورقية؟! الذهب والفضة معلومان بالسنة؛ لكن هذه العملات الورقية ماذا نقول فيها؟

فقد اختلف العلماء فيها؛ لأنها خرجت متأخرة، ما كانت معروفة عند العلماء السابقين، خرجت متأخرة، والمتأخرون اختلفوا فيها على ستة أقوال، وأقرب الأقوال فيها: أنه يجري فيها ربا النسيئة دون ربا الفضل، يعني: إذا بعت شيئاً بشيء متفاضلاً فلا بأس، لكن لابد من التقابض قبل التفرق، وهذا قول وسط بين من يقول: إنه لا يجري فيها ربا فضل ولا ربا نسيئة، وبين من يقول: إنه يجري فيها ربا الفضل وربا النسيئة، فهذا قول وسط، أنه يجري فيها ربا النسيئة؛ لأن ربا النسيئة هو الأشد والأعظم؛ حتى ذهب بعض السلف قديماً إلى أنه لا ربا إلا في النسيئة، بناءً على حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الربا في النسيئة).

لكن انعقد الإجماع بعد ذلك على مقتضى السُّنَّة الأخرى التي فيها إثبات ربا الفضل، وإثبات ربا النسيئة.

فأقرب الأقوال عندي في مسألة الأنواط، يعني: الأوراق، أوراق العملة أنه يجري فيها ربا النسيئة دون ربا الفضل، وأن ربا الفضل فيها جائز، بل هو ليس رباً شرعياً؛ لأنه مثلما لو بعتُ عليك ثوباً بثوبين لا بأس به بالاتفاق، أو بعتُ عليك بعيراً ببعيرين، لا بأس به أيضاً، كذلك لو بعتُ ورقةًَ بورقتين لا بأس به؛ لكن إذا كانت الدولة واحدة، فإن كان ورقة بما يقابلها من معدن آخر فلا بأس بالزيادة، وليس فيه إشكال عندي؛ لكن إذا كانت ورقة بورقة؛ لكن ورقة جديدة نظيفة وأخرى فيها تمزق فهذه في نفسي تردُّد، هل تجوز الزيادة في هذا أو لا تجوز، والاحتياط: ألا يكون فيها زيادة.

والمهم -أيها الإخوة- أن الربا إثم عظيم وجُرم كبير، وقد قال الله تعالى في من لم ينتهِ عن الربا قال: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ [البقرة:279].

ومع الأسف الشديد أننا نحن معشر الأمة الإسلامية الذين فُضِّلنا على كل الأمم -ولله الحمد- فينا اليوم من يتعاطى الربا وكأنه بيع حلال، ففينا بعد ذلك شبه من اليهود؛ لأن اليهود هم المشهورون بأكل الربا، فمن أكل الربا فإن فيه شبهاً من اليهود، إخوان القردة والخنازير والعياذ بالله.

نسأل الله لنا ولكم الحماية والوقاية من الشر، إنه جواد كريم.

أما ما يكون فيه الربا فقال صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والتمر بالتمر، والشعير بالشعير، والملح بالملح ... -كم هذه؟ ستة. ستة أصناف- مِثْلاً بمِثْل -يعني: بعتَ ذهباً بذهب، أو فضة بفضة، أو براً ببر، أو شعيراً بشعير، أو تمراً بتمر، أو ملحاً بملح، مِثْلاً بِمِثْل- سواءًَ بسواء, يداً بيد) فاشترط النبي عليه الصلاة والسلام المماثَلة والمقابَضة، إذا بِيْعَ شيء من هذه الأصناف بجنسه فلابد فيه من أمرين:

المماثَلة: بحيث لا يزيد أحدهما على الآخر. والمقابَضة: يداً بيد.

فإن زِدتَ أو تأخرت في القبض فإنك مرابٍ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فمن زاد أو استزاد فقد أربى) أي: دخل في الربا، فإذا بعتَ ذهباً بذهب، إذا بعت عشرة غرامات بأحد عشر غراماً فهذا حرام؛ لأجل الزيادة، وإذا بعتَ عشرة غرامات بعشرة غرامات لكن لم تقبض فهذا حرام من أجل عدم القبض.

والربا الذي يكون بعدم القبض يسميه العلماء: ربا النسيئة؛ لأنه تأخر في القبض.

والذي يكون فيه الزيادة يسميه العلماء: ربا الفضل.

فقد ينفرد ربا الفضل، وقد ينفرد ربا النسيئة، وقد يجتمعان.

إذا اختلفت الأصناف، لم يكن إلا ربا النسيئة.

فإذا بعتَ ذهباً بفضة فلا بأس بالزيادة والنقص ولكن لابد من التقابض قبل التفرق.

إذا بعتَ تمراً ببُر، فلا بأس من التفاضل؛ ولكن لابد من التقابض قبل التفرق.

إذا بعتَ شعيراً بملح، لا بأس بالزيادة؛ ولكن لابد من التقابض قبل التفرق.

لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يداً بيد) .

فإن قلتَ: لو بعتُ ذهباً ببُر، هل يجب التقابض؟

فالجواب: ظاهر الحديث أنه يجب التقابض؛ لأنه قال: (إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم)، وذهبٌ ببُر اختلفت الأصناف، فيجوز أن نبيع كيف شئنا؛ ولكن يجب أن يكون يداً بيد، هذا هو ظاهر هذا الحديث؛ لكن قد دلت السنة أنه إذا كان أحد الصنفين نقداً، يعني: ذهباً أو فضة فلا بأس من التأخير في القبض، إذا كان أحد العوضين ذهباً أو فضة فلا بأس من التأخير في القبض. بأي دليل؟

بحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قَدِم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يُسْلِفون في الثمار السنة والسنتين -يعني: يعطون دراهماً بتمر بعد سنة أو بعد سنتين- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من أسلف في شيء فليُسْلِف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم) وهذا يتأخر في القبض، وقد جاءت به السنة صريحة.

فدل ذلك على أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا اختلفت هذه الأصناف) يعني: الأربعة فقط، وهي: البر، والشعير، والتمر، والملح.

إذا بِيْع جنسٌ بغير جنسه فلابد من التقابض قبل التفرق، ولا يُشترط التساوي، أما إذا بيع جنس من هذه الأصناف الأربعة بذهب أو فضة، فإنه لا يُشترط فيه التساوي، ولا يُشترط فيه التقابض أيضاً؛ لكن إذا بيع ذهب بفضة، فإنه لابد فيه من التقابض، أما التساوي فليس بشرط؛ لأن الذهب لا يساوي الفضة؛ لكن لابد من التقابض.

ودليل ذلك أحاديث وردت في هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن بأن الذهب بالفضة لابد أن يكون فيه التقابض قبل التفرق.