هذا الحبيب يا محب 18


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:

قد انتهى بنا الدرس إلى مقطوعة: [بدء الحبيب صلى الله عليه وسلم دعوته وأول من أسلم].

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم وسائر المؤمنين: [إن عودة الوحي كانت حامية حارة] سبق أن عرفنا أن الوحي انقطع مدة أربعين يوماً، فهاج فيها الحبيب صلى الله عليه وسلم، وتأثر تأثراً كبيراً حتى كان يهيم في جبال مكة [إذ أمر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بإنذار قومه عاقبة ما هم فيه من الشرك، وما هم عليه من الكفر والفساد والشر] الله جل جلاله يأمر رسوله صلى الله عليه وسلم وينهاه، فهو سيده الذي نبأه وأرسله، وهو الذي يأمره وينهاه.

[كما أمر هو صلى الله عليه وسلم بتعظيم الله عز وجل وتوحيده، ثم بتطهير ثيابه من النجاسات؛ لأنه أصبح يتلقى الوحي في كل حين، فتعين أن يكون صلى الله عليه وسلم على أتم الأحوال وأحسنها، كما أُمر بالاستمرار على هجر الأوثان، والبعد عنها، وعدم الالتفات إليها بحال من الأحوال.

كل هذا تضمنه قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ [المدثر:1-7]] هذا النداء الإلهي الموجه إليه صلى الله عليه وسلم في أوامر وتكاليف نهض بها؛ إذ بالفعل قام فأنذر، وكبر الله وعظّم، وطهر ثيابه، والرجز هجرها وابتعد عن ساحتها.

فأقول: إن عودة الوحي بعد غيابه كانت حامية حارة، والعلة هي أنه أمر صلى الله عليه وسلم بإنذار قومه، ونحن الآن لا نستطيع أن ننذر رجلاً في الشارع، أما الرسول صلى الله عليه وسلم فيؤمر بإنذار قومه من العذاب الذي يُتوقع لهم، ومن عاقبة ما هم فيه من الشرك، وما هم عليه من الكفر والفساد والشر، فقد كانوا كلهم في ظلام، كما أُمر هو صلى الله عليه وسلم بتعظيم الله عز وجل وتوحيده، ثم بتطهير ثيابه من النجاسات؛ لأنه أصبح يتلقى الوحي في كل حين. وها نحن الآن هل نستطيع أن ندخل في مناجاة مع الله بدون طهارة؟ أبداً. لا يصح، فلا بد وأن يكون الثوب طاهر والبدن طاهر، والقلب طاهر أيضاً، فالرسول صلى الله عليه وسلم لما أعد لهذا وأُمر كان لا بد من أن يكون طاهر الثياب والأعمال.

كما أمر بالاستمرار على هجر الأوثان، وقد كان من قبل كذلك هاجراً لها، لا ينظر إليها، ولا يقف عندها، ولا يبالي بها؛ لأنه معصوم وهو في رحم أمه، أما كلمة: وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ [المدثر:5]، فليس معناها: أنه كان غير هاجراً لها، أو أنه كان يتصل بها ويجلس مع أهلها ثم أُمر الآن، وإنما هذا -فقط- من باب الأمر بالاستمرار على الهجران، والبعد عن الأصنام وعدم الالتفات إليها بحال من الأحوال، ونظيره: أنك تقول في كل ركعة: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6]، ألست مهتدياً، ألست مسلماً، ألست على الإسلام، فما معنى هذا الدعاء؟ معناه: أدم لنا هذا الاستمرار حتى نموت على الإسلام.

والأوثان: جمع وثن، وهو كل ما عبد من صنم أو حجر أو شجر أو من معبود سوى الله فإنه يعتبر وثناً.

كل هذا تضمنه قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ [المدثر:1-2] ينذر من؟ ينذر قومه وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ [المدثر:3] أي: عظّمه وأجله وأكبره بكل ما يمكن من التعظيم، وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ بالضم والكسر وهي الأوثان فَاهْجُرْ * وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ [المدثر:4-6] أي: لا تعطي عطاء تريد به الحصول على أكثر منه.

فيجوز لك أن تهدي هدية إلى غني من أغنياء البلد وأنت تريد أن يرد عليك أكثر منها، فبدوي -مثلاً- يهدي حضرياً من أهل الحضر والمال كمية من الزبدة أو من السمن -إذ هذا الذي يوجد عندهم في البادية- وهو يرجو أن يعطى مقابل ذلك كيساً من الرز، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرضَ الله له بهذا، فإذا أعطى عطية فلا يرجو أن يرد عليه أكثر منها ولا مثلها، قال الله: وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ [المدثر:6]، أي: لا تعطي -والمن هو العطاء- لتطلب ما هو أكثر.

ولهذا الهدية تنقسم إلى أقسام:

فإذا أهديت إلى من هو أفقر منك وأنت طامع، ولم يعطك شيئاً واشتكيت إلى القاضي فلا حق لك؛ لأنك أهديت فقيراً فمن أين يعطيك؟ فأنت مخطئ في هذا الإهداء، واذهب فلا حق لك، لكن إن أهديت غنياً ولم يعطك فهنا لك حق؛ لأنه كان المفروض من هذا الغني ألا يقبل هديتك؛ لأنه عرف أنك أهديته لتأخذ منه أكثر، أما إذا أهديت من يساويك فإن فزت بالعطية فبها ونعمت وإلا فاسكت ولا تشتكي.

فالمصطفى صلى الله عليه وسلم -قائد الصالحين وإمام المتقين- لم يأذن الله له في هذا الباب، وإنما ترك هذا لعامة الناس.

قال: [ومن هنا بدأ صلى الله عليه وسلم دعوته يعرضها على من يرى فيه الاستعداد لقبولها] كما يعرض التجار بضائعهم، وكما يعرض الكُمّل من الخلق -من الرجال- بناتهم للزواج -ويصح هذا- ولكن يعرضونهن على الكُمل من الفحول، أرباب الشهامات والمروءات والصلاح والتقوى، يعرض عليه ابنته وهو لا يريد ديناراً ولا درهماً.

إذاً: العرض معروف، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ يعرض دعوته على أهل مكة، ليرى من يقبل بأنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فيدخل في رحمة الله، ليسعد ويكمل.

وما كان يعرضها صلى الله عليه وسلم على كل من هب ودب -كما يقولون- ولكن يتفرس رجالات قريش، ومن هو أهل لهذه الدعوة، فإذا احتضنها ارتفعت إلى عليائها. وهذا هو أسلوب الحكماء، ورسول الله سيد الحكماء، فكان يعرضها على من يرى فيه الاستعداد لقبولها.

[فكان أول من أسلم من النساء خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وأرضاها] إذاً: عرض عليها؛ لأن امرأته أم أولاده أحق بالإسلام من غيرها، كما أن الصدقة تكون أولاً على القريب.

فكان أول من أسلم من النساء -في العالم لا في مكة فحسب- خديجة بنت خويلد أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وليس معنى (أم المؤمنين) أنها ولدتهم، ولكن معناه أنها محرمة عليهم فلا يتزوجها عبد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا معنى أم المؤمنين، وكذلك عائشة أم المؤمنين لا يحل نكاحها لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد حرمها الله الذي حرم الأمهات والبنات والعمات والخالات، وحرم كل أزواج رسوله صلى الله عليه وسلم، فهن أمهاتنا رضي الله عنهن وأرضاهن.

[وأول من أسلم من الصبيان علي بن أبي طالب ] والصبيان هم الأطفال الصغار، جمع صبي، لا بلغة أهل المدينة اليوم، فالصبي عندهم هو العامل، فتجد الفحل بلحيته يقال له صبي؛ لأنه خادم! فالمراد بالصبي هنا: الطفل الذي لم يبلغ الحلم، أي: ما زال دون العاشرة أو الثاني عشرة.

فكان أول من أسلم من الصبيان علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهذه عرفناها ونحن أطفال صغار؛ لأننا كنا نجالس الصالحين ونسمع منهم، وعندنا الآن رجال كبار دكاترة لا يعرفونها، وما سمعوا بها.

قال: [إذ أسلم] أي: علي [وعمره عشر سنين] لكنه يعي، وإلا كيف دخل في الإسلام لولا أنه عرف وتجلت له أنواره؟! [وصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مختفيين بصلاتهما عن أعين قريش] وقد فرضت الصلاة في السنة العاشرة -بعد أن عرج بأبي القاسم صلى الله عليه وسلم إلى الملكوت الأعلى- خمس صلوات، وصلى في مكة ثلاث سنوات، وصلى المؤمنون معه هناك مختفين، فلا أحد يستطيع أن يظهر ويصلي أمام قريش، ولو فعل ذلك لرموه بالحجارة.

فـعلي رضي الله عنه لما أسلم في تلك الأيام فرضت الصلاة، فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم مختفٍ معه. وكذلك هل يستطيع أحد أيام البلشفة الحمراء في روسيا أن يصلي أمام الروسيين؟ لا. لا يسمحون له.

[وأول من أسلم من الرجال] جمع رجل وهو الذكر من بني آدم [أبو بكر الصديق رضي الله عنه] إذاً: أول من أسلم من النساء خديجة ، ومن الأطفال الصغار علي ، ومن الرجال الكبار أبو بكر الصديق ، وهذه الأولية لها قيمتها، قال الله عز وجل: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ [التوبة:100]، فالسبق له قيمته.

[واسم أبي بكر قبل الإسلام: عتيق ، واسم أبيه عثمان بن عمرو التيمي القرشي ، وكنية عثمان أبو قحافة ]، كنية أبا أبي بكر هي أبو قحافة ، وقد أسلم أبو قحافة عام الفتح، لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة مع اثني عشر ألف مقاتل من الأنصار والمهاجرين، فجيء به ورأسه أبيض تماماً -كان شيخاً كبيراً- فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( غيروا هذا الشيب وجنبوه السواد )؛ لأنه إن صبغ بالسواد مع كبر سنه أصبحه منظره غير مستقيم.

[وأول من أسلم من الموالي] أي: العبيد الأرقاء، الذين تحرروا أو ما زالوا [زيد بن حارثة بن شرحبيل الكلبي ] من قبلية كلب [وكان عبداً لـحكيم بن حزام ، فوهبه لعمته خديجة بنت خويلد ] أي: عمها أكرمها بهذا العبد، أعطاه إياه لكي يخدمها؛ لأنه مملوك، اشتراه بثمنه، ثم وهبه لـخديجة رضي الله تعالى عنها [وهي زوجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ، فاستوهبه منها رسول الله صلى الله عليه وسلم فوهبته إياه] الرسول صلى الله عليه وسلم قال لها: هب لي خادمك أو صبيك أو عبدك الذي أكرمك به عمك، أي: أعطنيه فأنا في حاجة إليه [فوهبته إياه] قالت: خذه يا رسول الله. وهل تستطيع أن تقول: لا، والنور يغشاها ويغطيها؟!

وقد استوهب إبراهيم -جده صلى الله عليه وسلم- مرة عبداً، فمن هو؟

استوهب سارة امرأته وبنت عمه أن تعطيه هاجر المصرية القبطية ، وقد كان أعطاها ملك مصر لـسارة لما شاهد كرامة الله لهذه المرأة، فلما جاءت بها إلى إبراهيم -وهي امرأته- استوهبها إياها، فقالت: خذها، فلما تسراها أنجبت إسماعيل جد سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم.

وكان إبراهيم قد غادر بلاد العراق متجهاً إلى مصر، ولما وصل إلى مصر قال لـسارة : اسمعي! إذا سألك هذا الظالم عني فلا تقولي له زوجي، ولكن قولي: أخي؛ إذ ليس في هذه الأرض من مؤمن ومؤمنة إلا أنا وأنت فقط، فأنت أختي وأنا أخوك؛ لأن الوشاة لما رأوا سارة مع زوجها -ويسميهم العامة: القوادين، أو الجرارين- ذهبوا إلى السلطان وأخبروه بأن هناك امرأة صفتها كذا وكذا، وأنه أحق بها. وهذه طباعنا نحن البشر، إلا من عالج واستأصل الداء من جسده، وعندنا الدواء، ولكن قل من يرغب فيه.

بعض الوصفات الإلهية في علاج أمراض بني آدم

إن الإنسان إذا لم يُعالج ويصح من أدوائه وأمراضه فهو الظلوم الكفور، الطاغية، الشحيح، البخيل، وهذه كلها أمراض لا تعالج إلا بعلاج قد وضعه الله لنا، واقرءوا قول الله عز وجل: إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى [العلق:6] متى؟ أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [العلق:7] يوم يرى نفسه استغنى فيرتفع. إي والله! ويقول عز وجل: إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم:34]، وظلوم أي: كثير الظلم، وكفور: أي كثير الكفر للنعم. ويقول عز وجل: إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا [المعارج:19-21] ومنوعاً أي: أمنع ما يكون. هذا هو الإنسان.

فمن عالج واستأصل محط الداء بالدواء وشفي، أصبح والله ما هو بالظالم، ولا الظلوم، ولا الكافر، ولا الكفور، ولا الطاغي، ولا الشحيح ولا..، وإذا مسه الخير بذله، أو مسه الشر صبر ولم يضجر، ووالله لهو الواقع.

ولكن من يرغب منكم في هذه الوصفة الطبية؟ بشرط أن يكون قادراً على أن يستعملها تحت نظر الطبيب، أما أن يستعملها بدون طبيب فقد ينجح بنسبة (70%)، والأولى أن تُستعمل هذه الأدوية تحت أشراف طبيب ناصح. وإليكموها:

إن الذي يشكو من نفسه الهلع، إذا مسه الشر جزع، وإذا مسه الخير منع، ومن يشعر بأنه ظالم لنفسه ولامرأته، ولأولاده، وللناس، ويشعر بالطغيان إذا شبع أو ترفه، أو إذا كثر ماله أصبحت عينه في السماء، له وصفة ربانية:

أولاً: يقول الله عز وجل: بسم الله الرحمن الرحيم إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا [المعارج:19-21] واسمع! إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ [المعارج:22-23] هذا هو العلاج الأول.

إن المصلي الذي يديم الصلاة ولا يقطعها قد استعمل العلاج رقم واحد في علاج هذه الأمراض، وهو يشفى بقدر هذا الرقم، ولكن يَكمُل شفاؤه إذا استعمل الأرقام الثمانية.

ثانياً: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [المعارج:24-25]، رقم اثنين: أن تعرف أن في مالك حق لغيرك، فتعطيه لمن يسأل ولمن لا يسأل ألا وهو: الزكاة، والصدقات، وهذا أكبر علاج لمرض الشح -والعياذ بالله-.

فإنفاق المال هو أن تعرف أن في مالك حق معلوم معروف يجب أن تسلمه إلى أهله، ومن هم أهله؟ السائل والمحروم؛ إذ يوجد في القرية من لا يسأل، ويستحي من ذلك ولو مات جوعاً، فهذا المحروم عليك أن تعطيه كما تعطي من يسأل.

ثالثاً: وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ [المعارج:26]، إن الإيمان باليوم الآخر، وبالدار الآخرة، وبالجزاء على الكسب في الدنيا -هذا المعتقد- يفعل العجب في قلب الإنسان وفي نفسه، فالذي لا يؤمن بلقاء الله، ولا يؤمن بالدار الآخرة وما فيها من نعيم مقيم أو عذاب أليم كالحجر، بل الحجر أفضل منه، ولا يُؤمن على شيء، وهذه قضية كررناها آلاف المرات.

ووالله لأن تنام إلى جنب ثعبان أو ذئب لا يلتفت إليك، لكن لو بت إلى جنب من لا يؤمن بلقاء الله واحتاج إلى دمك -والله- فإنك لا تنجو منه؛ إذ ليس عنده مانع أبداً ولا وازع.

إن الذي ليس لديه إيمان بلقاء ربه والوقوف بين يديه، وسؤاله واستنطاقه واستجوابه، ثم الجزاء على هذا الكسب قلّ أو كثر -من لا يوجد في قلبه هذا المعتقد- الحيوانات أبرك منه وأطيب أثراً، وهو شر الخلق، شر الخلق وهو إنسان، واسمعوا قول الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6]، و(البرية): الخليقة، من برأ إذا خلق، وقول: (البريئة) على الأصل، وقول: (البرية) تحويل الهمزة ياء وإدغامها فيها للتخفيف.

من هم شر البرية؟ إنهم الكفار. هل تتردد في هذا والله خالق الخير والشر هو الذي يخبر؟! كيف تأمن جانب من لا يؤمن بالله ولا بلقائه؟! وهذا رقم ذو أثر عجيب.

رابعاً: وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ [المعارج:27]، والمشفق هو الخائف، الذي يعيش خائفاً من عذاب الله أن يصيبه في الدنيا والآخرة، ومن كان هكذا لا يفجر، ولا يكفر، ولا يسرق، ولا يقتل، ولا يسب ولا يشتم؛ لأنه خائف من ربه، ووجود هذا الرقم في حياة الإنسان يحولها إلى أحسن حياة، فما دام خائفاً لا يستطيع أن ينظر نظرة محرمة، ولا يستطيع أن ينطق بكلمة سيئة، ولا يستطيع أن يقدم على معصية؛ لأنه يرتعب من ربه، أما الذي لا يخاف الله ولا يرهبه فكيف يُؤمَن على النساء والأموال؟ والله لا يُؤمَن، وهو شر الخلق.

خامساً: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المعارج:29-30]، أي الذي يحفظ فرجه من الزنا واللواط وكشف العورات، ومن عاش على هذا المعنى فهيهات هيهات أن يتوغل في الخبث والشر والفساد، من استطاع أن يسيطر على الغرائز والشهوات تمام السيطرة، وحفظ فرجيه من كل زنا ولواط، ومن كل إبداء عورة والنظر إليها تحولت حياته، فهذا رقم ذو أثر عظيم في تحويل حياة الإنسان.

سادساً: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [المعارج:32] وهذه صفة كمال. فتجده يرعى الأمانة كما يرعى الراعي غنمه؛ عينه دائماً وراء الشاة، أينما وقفت وأينما مشت وأينما نامت، فتجده يرعى أمانته التي اؤتمن عليها، وعهوده التي عهد بها إلى غيره كما يرعى الراعي غنمه.

ولهذا الحفيظ العليم، الذي يرعى العهود والأمانات ولا تتفلت عليه ولا تضيع أمانة عنده، من أكمل الناس.

سابعاً: وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ [المعارج:33]، وفي قراءة (لشهادتهم قائمون) فلا يمكن أن يلين لسانه ويحرف كلمة، بل يقيم الشهادة ولو على نفسه، أو على أبيه وأمه، فيقول الحق وينطق به ويشهد أن فلاناً قال، أو أن فلاناً أعطى، وقد يترتب على شهادته قتل -مثلاً-.

ثامناً: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [المعارج:34]، في الآية الأولى: (دائمون)، والمحافظة غير المداومة، فحافظ عليها: أداها في أوقاتها وفي جماعات المؤمنين، وفي بيوت الرب خاشعاً خاضعاً، مستوفية الشروط والأركان والآداب، ومع هذا الأداء ينفع والمحافظة أعظم وأكثر.

هذه الوصفة الطبية الإلهية من سورة المعارج من كتاب الله، هل عرفها المسلمون؟ هل استخدموها؟ فنحن لا نعيش كما تعيش الحيوانات نسيح في الغابات والجبال، بل شأننا هو الاجتماع دائماً، يقول الله عز وجل: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ [الكهف:28]، هذا رسول الله يُلزم بأن يصبر مع الصالحين، أما الانفرادية والبعد فما هي إلا مصيدة للشيطان، فلابد من الجلوس في حجور الصالحين وتلقي العلم والمعرفة والهداية من طريقهم.

أما جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء والرجال طيلة دعوته، وإلا كيف تعلموا وتخرجوا؟ أما أُمر بهذا؟ قال تعالى: وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ [البقرة:129]، ومن يتعلم من كتاب فقط لا يهتدي، بل لابد من جلوس مع الصالحين، حتى يشاهدوا سلوكه ومنطقه وحركته وأعماله، فيوجهونه ويصلحونه.

هذه الوصفة الربانية اعرضوها على إخوانكم، يجب أن نجتمع عليها وندرسها، ونعرف ما فيها، ولكن كأن لسان الحال يقول: يا شيخ لا نريد السماء دعنا في الأرض!! يقول الله عز وجل: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ [النساء:69] بسبب ماذا؟ بسبب طاعته لله والرسول صلى الله عليه وسلم، هذه الطاعة أليست فعل وترك؟ وكيف نعرف الأمر والنهي إذا لم نعرف هذا من الكتاب والسنة، ومن أفواه المعلمين والربانيين؟

إن الإنسان إذا لم يُعالج ويصح من أدوائه وأمراضه فهو الظلوم الكفور، الطاغية، الشحيح، البخيل، وهذه كلها أمراض لا تعالج إلا بعلاج قد وضعه الله لنا، واقرءوا قول الله عز وجل: إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى [العلق:6] متى؟ أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [العلق:7] يوم يرى نفسه استغنى فيرتفع. إي والله! ويقول عز وجل: إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم:34]، وظلوم أي: كثير الظلم، وكفور: أي كثير الكفر للنعم. ويقول عز وجل: إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا [المعارج:19-21] ومنوعاً أي: أمنع ما يكون. هذا هو الإنسان.

فمن عالج واستأصل محط الداء بالدواء وشفي، أصبح والله ما هو بالظالم، ولا الظلوم، ولا الكافر، ولا الكفور، ولا الطاغي، ولا الشحيح ولا..، وإذا مسه الخير بذله، أو مسه الشر صبر ولم يضجر، ووالله لهو الواقع.

ولكن من يرغب منكم في هذه الوصفة الطبية؟ بشرط أن يكون قادراً على أن يستعملها تحت نظر الطبيب، أما أن يستعملها بدون طبيب فقد ينجح بنسبة (70%)، والأولى أن تُستعمل هذه الأدوية تحت أشراف طبيب ناصح. وإليكموها:

إن الذي يشكو من نفسه الهلع، إذا مسه الشر جزع، وإذا مسه الخير منع، ومن يشعر بأنه ظالم لنفسه ولامرأته، ولأولاده، وللناس، ويشعر بالطغيان إذا شبع أو ترفه، أو إذا كثر ماله أصبحت عينه في السماء، له وصفة ربانية:

أولاً: يقول الله عز وجل: بسم الله الرحمن الرحيم إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا [المعارج:19-21] واسمع! إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ [المعارج:22-23] هذا هو العلاج الأول.

إن المصلي الذي يديم الصلاة ولا يقطعها قد استعمل العلاج رقم واحد في علاج هذه الأمراض، وهو يشفى بقدر هذا الرقم، ولكن يَكمُل شفاؤه إذا استعمل الأرقام الثمانية.

ثانياً: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [المعارج:24-25]، رقم اثنين: أن تعرف أن في مالك حق لغيرك، فتعطيه لمن يسأل ولمن لا يسأل ألا وهو: الزكاة، والصدقات، وهذا أكبر علاج لمرض الشح -والعياذ بالله-.

فإنفاق المال هو أن تعرف أن في مالك حق معلوم معروف يجب أن تسلمه إلى أهله، ومن هم أهله؟ السائل والمحروم؛ إذ يوجد في القرية من لا يسأل، ويستحي من ذلك ولو مات جوعاً، فهذا المحروم عليك أن تعطيه كما تعطي من يسأل.

ثالثاً: وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ [المعارج:26]، إن الإيمان باليوم الآخر، وبالدار الآخرة، وبالجزاء على الكسب في الدنيا -هذا المعتقد- يفعل العجب في قلب الإنسان وفي نفسه، فالذي لا يؤمن بلقاء الله، ولا يؤمن بالدار الآخرة وما فيها من نعيم مقيم أو عذاب أليم كالحجر، بل الحجر أفضل منه، ولا يُؤمن على شيء، وهذه قضية كررناها آلاف المرات.

ووالله لأن تنام إلى جنب ثعبان أو ذئب لا يلتفت إليك، لكن لو بت إلى جنب من لا يؤمن بلقاء الله واحتاج إلى دمك -والله- فإنك لا تنجو منه؛ إذ ليس عنده مانع أبداً ولا وازع.

إن الذي ليس لديه إيمان بلقاء ربه والوقوف بين يديه، وسؤاله واستنطاقه واستجوابه، ثم الجزاء على هذا الكسب قلّ أو كثر -من لا يوجد في قلبه هذا المعتقد- الحيوانات أبرك منه وأطيب أثراً، وهو شر الخلق، شر الخلق وهو إنسان، واسمعوا قول الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6]، و(البرية): الخليقة، من برأ إذا خلق، وقول: (البريئة) على الأصل، وقول: (البرية) تحويل الهمزة ياء وإدغامها فيها للتخفيف.

من هم شر البرية؟ إنهم الكفار. هل تتردد في هذا والله خالق الخير والشر هو الذي يخبر؟! كيف تأمن جانب من لا يؤمن بالله ولا بلقائه؟! وهذا رقم ذو أثر عجيب.

رابعاً: وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ [المعارج:27]، والمشفق هو الخائف، الذي يعيش خائفاً من عذاب الله أن يصيبه في الدنيا والآخرة، ومن كان هكذا لا يفجر، ولا يكفر، ولا يسرق، ولا يقتل، ولا يسب ولا يشتم؛ لأنه خائف من ربه، ووجود هذا الرقم في حياة الإنسان يحولها إلى أحسن حياة، فما دام خائفاً لا يستطيع أن ينظر نظرة محرمة، ولا يستطيع أن ينطق بكلمة سيئة، ولا يستطيع أن يقدم على معصية؛ لأنه يرتعب من ربه، أما الذي لا يخاف الله ولا يرهبه فكيف يُؤمَن على النساء والأموال؟ والله لا يُؤمَن، وهو شر الخلق.

خامساً: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المعارج:29-30]، أي الذي يحفظ فرجه من الزنا واللواط وكشف العورات، ومن عاش على هذا المعنى فهيهات هيهات أن يتوغل في الخبث والشر والفساد، من استطاع أن يسيطر على الغرائز والشهوات تمام السيطرة، وحفظ فرجيه من كل زنا ولواط، ومن كل إبداء عورة والنظر إليها تحولت حياته، فهذا رقم ذو أثر عظيم في تحويل حياة الإنسان.

سادساً: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [المعارج:32] وهذه صفة كمال. فتجده يرعى الأمانة كما يرعى الراعي غنمه؛ عينه دائماً وراء الشاة، أينما وقفت وأينما مشت وأينما نامت، فتجده يرعى أمانته التي اؤتمن عليها، وعهوده التي عهد بها إلى غيره كما يرعى الراعي غنمه.

ولهذا الحفيظ العليم، الذي يرعى العهود والأمانات ولا تتفلت عليه ولا تضيع أمانة عنده، من أكمل الناس.

سابعاً: وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ [المعارج:33]، وفي قراءة (لشهادتهم قائمون) فلا يمكن أن يلين لسانه ويحرف كلمة، بل يقيم الشهادة ولو على نفسه، أو على أبيه وأمه، فيقول الحق وينطق به ويشهد أن فلاناً قال، أو أن فلاناً أعطى، وقد يترتب على شهادته قتل -مثلاً-.

ثامناً: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [المعارج:34]، في الآية الأولى: (دائمون)، والمحافظة غير المداومة، فحافظ عليها: أداها في أوقاتها وفي جماعات المؤمنين، وفي بيوت الرب خاشعاً خاضعاً، مستوفية الشروط والأركان والآداب، ومع هذا الأداء ينفع والمحافظة أعظم وأكثر.

هذه الوصفة الطبية الإلهية من سورة المعارج من كتاب الله، هل عرفها المسلمون؟ هل استخدموها؟ فنحن لا نعيش كما تعيش الحيوانات نسيح في الغابات والجبال، بل شأننا هو الاجتماع دائماً، يقول الله عز وجل: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ [الكهف:28]، هذا رسول الله يُلزم بأن يصبر مع الصالحين، أما الانفرادية والبعد فما هي إلا مصيدة للشيطان، فلابد من الجلوس في حجور الصالحين وتلقي العلم والمعرفة والهداية من طريقهم.

أما جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء والرجال طيلة دعوته، وإلا كيف تعلموا وتخرجوا؟ أما أُمر بهذا؟ قال تعالى: وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ [البقرة:129]، ومن يتعلم من كتاب فقط لا يهتدي، بل لابد من جلوس مع الصالحين، حتى يشاهدوا سلوكه ومنطقه وحركته وأعماله، فيوجهونه ويصلحونه.

هذه الوصفة الربانية اعرضوها على إخوانكم، يجب أن نجتمع عليها وندرسها، ونعرف ما فيها، ولكن كأن لسان الحال يقول: يا شيخ لا نريد السماء دعنا في الأرض!! يقول الله عز وجل: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ [النساء:69] بسبب ماذا؟ بسبب طاعته لله والرسول صلى الله عليه وسلم، هذه الطاعة أليست فعل وترك؟ وكيف نعرف الأمر والنهي إذا لم نعرف هذا من الكتاب والسنة، ومن أفواه المعلمين والربانيين؟

قال: [وأول من أسلم من الموالي زيد بن حارثة بن شرحبيل الكلبي ، وكان عبداً لـحكيم بن حزام ] وهو عم خديجة [فوهبه لعمته خديجة بنت خويلد -وهي زوجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ- فاستوهبه منها رسول الله صلى الله عليه وسلم فوهبته إياه فأعتقه صلى الله عليه وسلم وتبناه] أي: جعله ابنه، وقد كان التبني جائز قبل أن ينزل القرآن بمنعه. فتبناه ولما جاء أبوه وعمه وعثروا عليه في مكة خيره بين أن يجلس معه وبين أن يذهب مع أبيه وعمه. فقال زيد : أرغب عن رسول الله؟! لن أستطيع أن أذهب مع أبي وعمي وأترك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ثَمّ جازاه الرسول أعظم جزاء فقال: أنت ابني، وطاف به في ديار مكة وقال: أشهدكم أن زيد بن حارثة أصبح ابن محمد صلى الله عليه وسلم، ثم أصبح يعرف بعد ذلك بـزيد ابن محمد، حتى جاءت الهجرة ونزلت سورة الأحزاب وفيها إنهاء التبني.

[وذلك قبل البعثة النبوية، وكان زيد قد خرجت به أمه -وهو ابن ثمانية أعوام لُتزيره بعض أقربائه- فأصابته خيل من بني القين، فباعوه في سوق حبّاشة من أسواق العرب] كان هذا أيام الإغارات على الناس، فلا دين ولا ملة ولا شريعة ولا قانون [فاشتراه حكيم بن حزام في جملة أعبد] أي في مجموعة من العبيد [ووهبه خديجة كما تقدم، وقد حزن لفراقه والده، وقال فيه قصيدة منها الأبيات التالية] حزن الأب على فراق ابنه، وكأنه كان يشعر بأن هذا الابن سيكون له شأن عظيم، ووالله ما ذكر صحابي في القرآن إلا هو رضي الله عنه، قال الله عز وجل: فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا [الأحزاب:37] وإليكم هذه الأبيات التي بكى فيها ابنه لما فقده:

[بكيتُ على زيدٍ ولم أدرِ ما فَعَلْ أحيٌّ فيُرَجى أم أتى دونه الأجَلْ

فوالله ما أدري وإني لسائـل أغالَك بعدي السهل أم غالك الجَبَلْ

ويا ليت شعري هل لك -الدَهْرَ- أوبة فحسبي من الدنيا رجوعك لي بَجَلْ

-أي: يا بجل-

تُذكرُنيه الشمس عند طلوعها وتعرض ذكراه إذا غربُها أفل

وإن هبت الأرياح هيّجن ذكره فيا طول ما حزني عليه وما وَجَلْ

سأعملُ نصّ العيس في الأرض جاهداً ولا أسأم التطواف أو تسأم الإِبلْ

حياتي أو تأتي عليَّ منيّتي فكلّ امرئ فانٍ وإن غرّه الأملْ] هذه قالها يبكي ولده لما ضاع.

[وبعد زمن قدم والده مكة وعرف ولده زيداً ، وخيره الرسول صلى الله عليه وسلم بين الذهاب مع والده وبين البقاء معه، فاختار رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولذا عتقه وتبناه، وكان يعرف بـزيد بن محمد حتى جاء الإسلام وحرم التبني، فأصبح يعرف بـزيد بن حارثة بدل محمد صلى الله عليه وسلم].

والآن نتائج هذه المقطوعة التي درسناها: