لقاء الباب المفتوح [175]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعد:

فهذا هو اللقاء الخامس والسبعون بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل خميسٍ من كل أسبوع إلا أن يكون هناك مانع، وهذا الخميس هو الخامس عشر من شهر شوال عام (1418هـ).

نفتتح به لقاءاتنا بعد أن أمضينا صياماً وقياماً في شهر رمضان المبارك نسأل الله تبارك وتعالى أن يتقبل منا ومنكم، وأن يجعل ذلك تكفيراً لسيئاتنا وزيادة في حسناتنا، ورفعة في درجاتنا إنه على كل شيء قدير، ونسأله تبارك وتعالى أن يعيد أمثاله علينا وعلى الأمة الإسلامية ونحن أقوى ما نكون إيماناً وأحسن ما نكون عملاً، إنه على كل شيءٍ قدير.

في لقائنا هذا نتكلم يسيراً عن فتور بعض الناس عن الأعمال الصالحة إذا انقضى شهر رمضان.

والحقيقة أن شهر رمضان موسم والعادة في طبيعة الإنسان في هذه المواسم أن يزداد نشاطاً سواء كانت مواسم دينية أو دنيوية، وهذا شيءٌ جبل عليه الناس ولا يمكن الإنكار، لكن الشيء المهم ألا نعود إلى المعاصي بعد أن عملنا ما نسأل الله تعالى أن يجعله تكفيراً لسيئاتنا، ألا نعود إليها؛ لأن العود إلى المعصية بعد محو الذنوب أمرٌ شديد، فالواجب على المسلمين عموماً الواجب عليهم أن يتقوا الله تعالى في أنفسهم، وأن يقوموا بما أوجب الله عليهم بعد رمضان كما كانوا يقومون به في رمضان، وأن يدعوا ما حرم الله عليهم بعد رمضان كما كانوا يدعونه في رمضان، هذا هو الواجب؛ لأن الله سبحانه وتعالى جعل هذه المواسم تنشيطاً للهمم وحثاً على العمل لا أن العمل ينتهي بانتهائها، قال الله تبارك وتعالى: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99] أي: حتى يأتيك الموت، قال الحسن البصري رحمه الله: [إن الله لم يجعل للمؤمن عملاً ينقضي قبل الموت، ثم تلا هذه الآية: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99]].

مشروعية الصيام في غير رمضان

إن من نعمة الله سبحانه وتعالى أن الأعمال الصالحة التي شرعت لنا في رمضان لا تزال مشروعة في كل وقت، فالصيام مشروع في كل وقت أوله:

- إتباع رمضان بستة أيام من شوال فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر).

وكذلك أيضاً: يشرع أن يصوم الإنسان ثلاثة أيام من كل شهر، فإن صيام ثلاثة أيام من كل شهر يعدل صيام السنة كلها قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (صوم ثلاثة أيامٍ من كل شهرٍ صوم الدهر كله).

وكذلك صيام أيام البيض خاصة، وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر.

وكذلك صيام الاثنين والخميس من كل أسبوع.

وكذلك الصوم الأفضل أن يصوم يوماً ويدع يوماً، فأفضل الصيام صيام داود كان يصوم يوماً ويدع يوماً، وهذا أفضل من المحافظة على الإثنين والخميس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل الصيام صيام داود) وعلى هذا فلو صادف أن يكون صيامك يوم الأحد ويوم الثلاثاء وفطرك يوم الإثنين فإن هذا أفضل من أن تصوم يوم الإثنين، لكن يبقى النظر: هل إذا صادف يوم الإفطار يوم الإثنين هل نقول: صمه لأنه يوم الإثنين وإن اختلف صيام يوم وفطر يوم، أو نقول: الأفضل أن تمضي في صوم يومٍ وفطر يوم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل الصيام صيام داود)، ولأن في ذلك راحة للبدن، والنبي صلى الله عليه وسلم حدد ذلك بعد أن رأى همة عبد الله بن عمرو بن العاص أن يصوم أكثر من ذلك لكنه لم يأذن له في أكثر من هذا، بل دله على الأفضل، الإنسان يتردد في هذا بمعنى: هل الأفضل إذا صادف يوم الإثنين يوم فطرك أن تصومه أو لا؟

والظاهر لي: أنه لا تصومه، ما دمت رتبت نفسك على أن تصوم يوماً وتفطر يوماً فهذا هو الخير وهو أفضل الصيام وفيه راحة للنفس.

مشروعية القيام في غير رمضان

أما القيام؛ فكذلك لا يزال مشروعاً والحمد لله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر فيما اشتهر أو تواتر عنه: (أن ربنا عز وجل ينـزل كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر) ينـزل إلى السماء الدنيا حقيقة كما نطق بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق، ولكن ليس نزوله كنزول المخلوق بل هو نزولٌ يليق بجلاله وعظمته لا ينافي كماله أبداً، فلا يلزم من نزوله إلى السماء الدنيا أن تكون السماء الثانية وما فوقها فوقه لا يمكن هذا أبداً؛ لأن الله تعالى له علو مطلق في كل حال، ولأنه سبحانه وتعالى مستوٍ على عرشه، لكننا نؤمن بأنه نزول حقيقي مضافٌ إلى الله سبحانه وتعالى دون أن نتعرض للكيفية، ينزل سبحانه وتعالى كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر، وفي كل مكانٍ بحسبه، قد يكون ثلث الليل هنا في المملكة وثلث النهار في بلادٍ أخرى، لكن لكل بلدٍ حكمه ينـزل عز وجل فيقول: (من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟) فإذا اجتمع هذا القرب من الله عز وجل مع قرب العبد من ربه وهو ساجد كما قال عليه الصلاة والسلام: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) حصل بذلك قربان: قرب الرب عز وجل، وقرب الساجد، ولذلك ينبغي أن يكثر الإنسان في حال سجوده بالثلث الأخير من الليل من الدعاء؛ لأن ذلك أقرب إلى الإجابة بلا شك.

أقول: لا يزال القيام مشروعاً والحمد لله، القيام لا ينتهي برمضان، وفي كل ليلة.

وهناك عباداتٌ أخرى سببٌ لتكفير السيئات ورفعة الدرجات ليست خاصة بالصيام أو القيام في رمضان، لذلك أسأل الله تعالى أن يعينني وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته.

ينبغي لنا أن ننتهز هذه الفرص قبل أن يفوت الأوان والإنسان لا يدري متى يفوت أوانه، كم من إنسان يمشي وسقط ميتاً، وكم من إنسانٍ على فراشه لم يوقظ إلا ميتاً، وكم من إنسان على طعامه لم يشبع حتى مات، وليس مع الإنسان وثيقة بأنه لا يموت إلا في وقتٍ معين.

فعلينا -أيها الإخوة- أن ننتهز الفرص ما دمنا في زمن الإمكان، والأمر سهل ولله الحمد، كل الإسلام من أوله إلى آخره كله يسير مسهل، قال الله تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة:185] وقال تعالى: مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ [المائدة:6] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن هذا الدين يسر ولم يشاد الدين أحدٌ إلا غلبه) وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يبعث الناس: (يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين) كله سهل، لكن لما كان الخير له موانع من قبل النفس ومن قبل الشيطان؛ شيطان الإنس وشيطان الجن صار ثقيلاً على النفوس، ولكن اقرأ قول الله تعالى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى [الليل:6-7] واسأل الله تعالى أن ييسرك لليسرى، فإن الله تعالى قريبٌ مجيب.

وإلى هنا ينتهي هذا القول الموجز الذي أسأل الله تعالى أن ينفعني وإياكم به، وننتقل إلى الأسئلة.

إن من نعمة الله سبحانه وتعالى أن الأعمال الصالحة التي شرعت لنا في رمضان لا تزال مشروعة في كل وقت، فالصيام مشروع في كل وقت أوله:

- إتباع رمضان بستة أيام من شوال فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر).

وكذلك أيضاً: يشرع أن يصوم الإنسان ثلاثة أيام من كل شهر، فإن صيام ثلاثة أيام من كل شهر يعدل صيام السنة كلها قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (صوم ثلاثة أيامٍ من كل شهرٍ صوم الدهر كله).

وكذلك صيام أيام البيض خاصة، وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر.

وكذلك صيام الاثنين والخميس من كل أسبوع.

وكذلك الصوم الأفضل أن يصوم يوماً ويدع يوماً، فأفضل الصيام صيام داود كان يصوم يوماً ويدع يوماً، وهذا أفضل من المحافظة على الإثنين والخميس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل الصيام صيام داود) وعلى هذا فلو صادف أن يكون صيامك يوم الأحد ويوم الثلاثاء وفطرك يوم الإثنين فإن هذا أفضل من أن تصوم يوم الإثنين، لكن يبقى النظر: هل إذا صادف يوم الإفطار يوم الإثنين هل نقول: صمه لأنه يوم الإثنين وإن اختلف صيام يوم وفطر يوم، أو نقول: الأفضل أن تمضي في صوم يومٍ وفطر يوم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل الصيام صيام داود)، ولأن في ذلك راحة للبدن، والنبي صلى الله عليه وسلم حدد ذلك بعد أن رأى همة عبد الله بن عمرو بن العاص أن يصوم أكثر من ذلك لكنه لم يأذن له في أكثر من هذا، بل دله على الأفضل، الإنسان يتردد في هذا بمعنى: هل الأفضل إذا صادف يوم الإثنين يوم فطرك أن تصومه أو لا؟

والظاهر لي: أنه لا تصومه، ما دمت رتبت نفسك على أن تصوم يوماً وتفطر يوماً فهذا هو الخير وهو أفضل الصيام وفيه راحة للنفس.


استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
لقاء الباب المفتوح [63] 3395 استماع
لقاء الباب المفتوح [146] 3350 استماع
لقاء الباب المفتوح [85] 3315 استماع
لقاء الباب المفتوح [132] 3293 استماع
لقاء الباب المفتوح [8] 3275 استماع
لقاء الباب المفتوح [13] 3259 استماع
لقاء الباب المفتوح [127] 3116 استماع
لقاء الباب المفتوح [172] 3090 استماع
لقاء الباب المفتوح [150] 3037 استماع
لقاء الباب المفتوح [47] 3033 استماع