لقاء الباب المفتوح [166]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فهذا هو اللقاء السادس والستون بعد المائة من اللقاءات الأسبوعية التي تسمى اللقاء المفتوح، التي تتم في كل يوم خميس، وهذا هو الخميس الرابع والعشرون من شهر جمادى الأولى عام (1418هـ).

نبتدئ هذا اللقاء بما اعتدنا أن نبدأ به لقاءاتنا وهو تفسيرٌ يسير مما تيسر من كتاب الله عز وجل.

يقول الله تبارك وتعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: وَالنجم إِذَا هَوَى [النجم:1].

البسملة آية مستقلة من كتاب الله تعالى، ليست تبعاً للسورة التي قبلها ولا التي بعدها، لكنها آية مستقلة، ولهذا لا تحسب من آيات السور، ودليل ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)، وفي لفظٍ: (بأم القرآن) ورأينا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يجهر بالبسملة حين يقرأ فاتحة الكتاب، وهذا يدل على أنها ليست منها؛ لأنها لو كانت منها لجهر بها كما يجهر ببقية الآيات، ثم إنه قد ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قال الله تعالى: أنثى عليَّ عبدي، وإذا قال: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قال الله تعالى: مجدني عبدي، وإذا قال: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) قال الله: هذا بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)(صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) قال الله تعالى: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل) وهذا يدل على أن البسملة ليست آية من الفاتحة، ولهذا لو قرأ الإنسان الفاتحة دون أن يقرأ البسملة فصلاته صحيحة؛ لأنها ليست منها، وعليه فإذا أورد علينا مُورِد سؤالاً: أليست البسملة في الفاتحة قد كتبت آية وكان رقمها واحداً؟ قلنا: بلى، ولكن هذا بناءً على قول آخر في المسألة وهو قولٌ ضعيف، فإذا قال: إذاً: تكون الفاتحة ست آيات إذا لم نعد منها البسملة؟ قلنا: ليس كذلك، بل هي سبع آياتٍ بدونها، فلنقرأ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هذه الأولى، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الثانية، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ الثالثة، إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ الرابعة، اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ الخامسة، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ السادسة، غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ السابعة، وبهذا تتناسب آيات الفاتحة لفظاً ومعنىً:

أما لفظاً: فإنك إذا عددت ثلاث آيات من أولها والرابعة والخامسة وجدت أنها متقاربة في الكلمات، لكن لو جعلت: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ آية واحدة لم تكن الآيات متناسقة، بل كانت هذه الآية الطويلة بالنسبة لما قبلها، فإذا قسمناها إلى آيتين تساوت في الآيات أو تقاربت جداً.

أما من حيث المعنى فنقول: آيات الفاتحة سبع، ثلاثٌ لله وثلاث للعبد، وواحدة بينهما، الثلاث الآيات التي لله، هي:

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:2-4]، والآيات الثلاث التي للعبد: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7] والآية التي بينهما هي الآية الوسطى من هذه السبع وهي: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ وبهذا يتبين أنه يتعين أن تكون البسملة خارج عداد الفاتحة، وكذلك بقية السور.

فإن قال قائل: لماذا لم تكتب البسملة بين الأنفال وبراءة؟ قلنا: لأنها لم تنزل بينهما بسملة، ولو نزلت لكانت محفوظة ولكتبها الصحابة رضي الله عنهم.

فإن قال قائل: إذاً: لماذا يفصل بينهما؟ قلنا: لأن الصحابة رضي الله عنهما ترددوا، هل سورة البراءة بقية سورة الأنفال، أم هي سورة مستقلة؟ فلهذا جعلوا فاصلة ولم يجعلوا بسملة؛ لأنها لم تنزل البسملة بينها وبين سورة الأنفال.

تفسير قوله تعالى: (والنجم إذا هوى...)

هنا نعود إلى الدرس قال الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم وَالنجم إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى [النجم:1-2] (النجم) اسم جنس يراد به جميع النجوم، وقوله: (إذا هوى) له معنيان:

المعنى الأول: إذا غاب، والمعنى الثاني: إذا هوى أي: إذا سقط منه شهابٌ على الشياطين التي تسترق السمع: مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى هذا جواب القسم: وَالنجم إِذَا هَوَى المقسم به، جواب القسم يعني: المقسم عليه: مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (ما ضل): أي: ما جهل، (وما غوى) أي: ما عاند؛ لأن مخالفة الحق إما أن تكون على جهل، وإما أن تكون عن غي، قال الله تعالى: لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ [البقرة:256] فإذا انتفى عن النبي صلى الله عليه وسلم الجهل وانتفى عنه الغي تبين أن منهجه صلى الله عليه وسلم علم ورشد؛ علم: ضد الجهل الذي هو الضلال: مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ ، ورشد: ضد الغي: قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ [البقرة:256] إذاً النبي عليه الصلاة والسلام كلامه حق، وشريعته حق؛ لأنها عن علمٍ ورشد، وقوله: (ما ضل صاحبكم) يخاطب قريشاً، جاء بهذا الوصف إشارة إلى أنهم يعرفونه، يعرفون نسبه، يعرفون صدقه، يعرفون أمانته، ليس شخصاً غريباً عنهم حتى يقولوا: لا نؤمن به؛ لأننا لا نعرفه، بل هو صاحبهم الذي نشأ فيهم، هذا أمر.

ثانياً: أنه إذا كان صاحبهم فإن مقتضى الصحبة أن يصدقوه وينصروه، لا أن يكونوا أعداءً له، ففي قوله: (صاحبكم) -إذاً- فائدتان:

الفائدة الأولى: أنه صاحبهم الذي يعرفونه، ليس مجهولاً بينهم، وليس غريباً عليهم، فكيف بالأمس يصفونه بالأمين والآن يصفونه بالكاذب الخائن؟!!

الفائدة الثانية: أنه مقتضى الصحبة أن يصدقوه وأن ينصروه، لا أن يكونوا ضده، يعني: هو لم يقل: ما ضل رسول الله، ولا قال: ما ضل محمد، وإنما قال: (ما ضل صاحبكم) فالفائدة من هذا هو ما ذكرنا لكم: أن مقتضى الصحبة أن يكونوا عارفين به، ومقتضى الصحبة أن يكونوا مناصرين له.

تفسير قوله تعالى: (وما ينطق عن الهوى)

قال تعالى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى [النجم:3] أي: ما يتكلم بشيءٍ صادرٍ عن الهوى بأي حالٍ من الأحوال، فما حكم بشيء من أجل الهوى، ولكنه ينطق بما أوحي إليه من القرآن، وما أوحي إليه من السنة، وما اجتهد به صلى الله عليه وسلم اجتهاداً يريد به المصلحة، فنطقه عليه الصلاة والسلام ثلاثة أقسام:

الأول: أن ينطق بالقرآن.

الثاني: أن ينطق بالسنة الموحاة إليه، التي أقرها الله تعالى على لسانه.

الثالث: أن ينطق باجتهاد لا يريد به إلا المصلحة.

نحن ننطق عما نريد به المصلحة، وننطق عن الهوى، هل كل إنسان منا سالمٌ من الهوى؟ لا، يميل مع صاحبه، يميل مع قريبه، يميل مع الغني، يميل مع الفقير، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يتكلم عن الهوى.

إذاً (ما ينطق) ثلاثة أقسام:

ينطق بالوحي، أو السنة بما يوحى إليه، أو باجتهادٍ منه، يعني: لا يمكن أن ينطق عن الهوى، لمجرد الهوى، وإذا كان لا يمكن أن ينطق عن الهوى صار لا ينطق إلا بحق؛ إن كان بالقرآن فالقرآن، أو من السنة الموحاة فمن السنة، أو من السنة الاجتهادية فهو على كل حال مأجور.

تفسير قوله تعالى: (إن هو إلا وحي يوحى...)

قال تعالى: إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:4] يعني: ما القرآن الكريم إلا وحي يوحى، أو وحي من الله عز وجل، من الواسطة بين الله وبين الرسول؟

عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى أي: علم النبي صلى الله عليه وسلم هذا الوحي (شديد القوى) أي: ذي القوة الشديدة، وهو جبريل عليه السلام، كما قال تعالى: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ [التكوير:19-20] فجبريل عليه السلام قوي شديد أمين كريم، لا يمكن أبداً أن يفرط بهذا الوحي الذي نقله إلى محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما قال تعالى: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ [الشعراء:193-194].

عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى [النجم:5] (شديد القوى) معناه: ذو القوى الشديدة، فهو من إضافة الصفة إلى موصوفها.

هنا نعود إلى الدرس قال الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم وَالنجم إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى [النجم:1-2] (النجم) اسم جنس يراد به جميع النجوم، وقوله: (إذا هوى) له معنيان:

المعنى الأول: إذا غاب، والمعنى الثاني: إذا هوى أي: إذا سقط منه شهابٌ على الشياطين التي تسترق السمع: مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى هذا جواب القسم: وَالنجم إِذَا هَوَى المقسم به، جواب القسم يعني: المقسم عليه: مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (ما ضل): أي: ما جهل، (وما غوى) أي: ما عاند؛ لأن مخالفة الحق إما أن تكون على جهل، وإما أن تكون عن غي، قال الله تعالى: لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ [البقرة:256] فإذا انتفى عن النبي صلى الله عليه وسلم الجهل وانتفى عنه الغي تبين أن منهجه صلى الله عليه وسلم علم ورشد؛ علم: ضد الجهل الذي هو الضلال: مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ ، ورشد: ضد الغي: قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ [البقرة:256] إذاً النبي عليه الصلاة والسلام كلامه حق، وشريعته حق؛ لأنها عن علمٍ ورشد، وقوله: (ما ضل صاحبكم) يخاطب قريشاً، جاء بهذا الوصف إشارة إلى أنهم يعرفونه، يعرفون نسبه، يعرفون صدقه، يعرفون أمانته، ليس شخصاً غريباً عنهم حتى يقولوا: لا نؤمن به؛ لأننا لا نعرفه، بل هو صاحبهم الذي نشأ فيهم، هذا أمر.

ثانياً: أنه إذا كان صاحبهم فإن مقتضى الصحبة أن يصدقوه وينصروه، لا أن يكونوا أعداءً له، ففي قوله: (صاحبكم) -إذاً- فائدتان:

الفائدة الأولى: أنه صاحبهم الذي يعرفونه، ليس مجهولاً بينهم، وليس غريباً عليهم، فكيف بالأمس يصفونه بالأمين والآن يصفونه بالكاذب الخائن؟!!

الفائدة الثانية: أنه مقتضى الصحبة أن يصدقوه وأن ينصروه، لا أن يكونوا ضده، يعني: هو لم يقل: ما ضل رسول الله، ولا قال: ما ضل محمد، وإنما قال: (ما ضل صاحبكم) فالفائدة من هذا هو ما ذكرنا لكم: أن مقتضى الصحبة أن يكونوا عارفين به، ومقتضى الصحبة أن يكونوا مناصرين له.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
لقاء الباب المفتوح [63] 3391 استماع
لقاء الباب المفتوح [146] 3347 استماع
لقاء الباب المفتوح [85] 3310 استماع
لقاء الباب المفتوح [132] 3288 استماع
لقاء الباب المفتوح [8] 3271 استماع
لقاء الباب المفتوح [13] 3255 استماع
لقاء الباب المفتوح [127] 3114 استماع
لقاء الباب المفتوح [172] 3087 استماع
لقاء الباب المفتوح [150] 3034 استماع
لقاء الباب المفتوح [47] 3029 استماع