لقاء الباب المفتوح [55]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فهذا هو اللقاء الثاني من لقاءاتنا الأسبوعية، والذي يتم في يوم الخميس من كل أسبوع، وهذا اليوم هو اليوم العاشر من شهر ذي القعدة عام (1414هـ).

نستهل هذا اللقاء بمقدمة نتحدث فيها عن شروط وجوب الحج، فنقول: يجب الحج على كل مسلم، حر، بالغ، عاقل، مستطيع.

الإسلام

فأما المسلم فضده الكافر، فلا يجب عليه الحج، وليس معنى قولنا: لا يجب الحج على الكافر أنه لا يعاقب على تركه، وإنما معناه: ألا نأمره به؛ لأننا نأمره أولاً أن يسلم، ثم بعد ذلك نأمره ببقية شرائع الإسلام، أما في الآخرة فإنه يعذب ويعاقب عليه، ولهذا يتساءل أصحاب اليمين عن المجرمين: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ [المدثر:42-46] فذكروا الصلاة مع أن الصلاة لا تلزمهم إلا إذا أسلموا.

الحرية

أما الحر فضده الرقيق المملوك، فلا يجب عليه الحج لأمرين:

الأول: لأنه ليس عنده مال، إذ أن ما بيده من المال لمالكه.

الثاني: أنه مرهون لسيده في الواقع ولا يملك نفسه، فلا يستطيع أن يحج؛ لأنه مملوك لسيده.

البلوغ

البالغ ضد الصغير، فلا يجب عليه الحج، كما أنه لا يجب عليه سائر العبادات؛ لأنه مرفوع عنه القلم، لكن لو حج الصبي فإنه يصح منه ولا يجزئه، فإذا بلغ أدى فريضة الإسلام.

وهنا ربما نتساءل: هل الأفضل في أوقاتنا هذه أن نحجج أولادنا الصغار، أم لا؟

نقول: الأفضل ألا نحججهم في هذه الأوقات؛ لأنه يحصل بذلك مشقة عظيمة على الطفل، وإشغال أبيه عن إتمام مناسكه، والمشقة مدفوعة ومرفوعة، فإن هذا ليس واجباً حتى نقول: نتحمل ونصبر، وإشغال الأب ينافي كمال حجه، والأب جاء ليحج حجاً كاملاً ويعتمر عمرة كاملة، وإذا كان مشغولاً بهؤلاء الأطفال ألهاه ذلك عن كمال حجه وعمرته.

أما في أيام السعة فإن النبي صلى الله عليه وسلم سألته امرأة حين رفعت إليه صبياً وقالت: (ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر) لكن في أيامنا هذه حيث الزحام الشديد الذي يكاد الرجل القوي أن يتعب منه، بل ربما يهلك بعض الناس، فإننا لا نرى أن يحجج الإنسان أطفاله، بل يريحهم ويستريح من عنائهم وتعبهم.

العقل والاستطاعة

العاقل ضده المجنون، فالمجنون لا يجب عليه الحج، ولا يصح منه؛ لأنه فاقد الوعي ولا نية له.

وأما المستطيع، فالاستطاعة نوعان:

استطاعة بالبدن، واستطاعة بالمال، فمن لم يكن مستطيعاً بماله فإنه لا يلزمه الحج كالفقير، والمدين، وما أشبههما، ولهذا نُطمئن المدينين بأنه لا حج عليهم، ولم يفرضه الله عليهم، وهم حتى الآن لم يكونوا أهلاً لفريضة الحج عليهم، ونقول: لا تقلقوا، أليس الرجل الفقير لا تلزمه الزكاة؟

الجواب: بلى. لا تلزمه الزكاة، ومع ذلك لا يقلق، ولا يقول: ليتني كنت غنياً حتى أؤدي الزكاة، وكذلك أيضاً الإنسان الذي لا يستطيع الحج لوجود دين عليه، نقول له: لا تقلق يا أخي، حتى الآن لم تكن أهلاً للفريضة، ولو مت للقيت الله عز وجل غير آثم؛ لأنها لم تجب عليك، ولكن مع الأسف أن بعض الناس اليوم يرتكبون خطأ، فتجده مغرقاً بالدين، وربما يكون دينه حالاً فيذهب ويحج، مع أن الحج في هذه الحالة غير واجب عليه، فيأتي شيئاً غير واجب، ويدع شيئاً واجباً، والريال أو الدرهم الذي تنفقه في الحج أنفقه في قضاء الدين فهو خير لك.

والدين ليس بالأمر الهين حتى يتهاون به الإنسان، فإنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه) وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قدم إليه ميت وعليه دين ولم يخلف قضاءً امتنع من الصلاة عليه ولم يصل عليه، وسئل عن الشهادة -يعني: عن الرجل يقتل في الجهاد شهيداً- هل يكفر عنه بالشهادة؟ فقال: (نعم، وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر إلا الدين، فإن جبريل قال لي ذلك).

فالشهادة على فضلها لا تكفر الدين، لهذا يجب على الإنسان ألا يتهاون به، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يرشد الفقير الذي قال: (ليس عندي مهر فلم يقل له: استلف للمهر، وإنما قال له: التمس ولو خاتماً من حديد، قال: لا أجد. قال: هل معك شيء من القرآن؟ قال: نعم. قال: اذهب فقد ملكتها بما معك من القرآن) فلم يأذن له ولم يرشده إلى أن يستدين من أجل أن يتزوج مع أن الزواج واجب على الإنسان إذا كان ذا شهوة، ويخاف على نفسه.

فالذي أرجوه من إخواني أن يحرصوا غاية الحرص على إبراء ذممهم وعدم إشغالها بالدين، فإن ذلك من السفه في التصرف، ومن الخطأ في الناحية الدينية، ولا ينبغي للإنسان أن يستدين سلفاً أو غير سلف إلا إذا كانت هناك ضرورة أو شيء لا بد منه، أو إنسان يعلم أنه سيوفي عن قرب، كرجل يحتاج في أثناء الشهر شيئاً ويعلم أنه في آخر الشهر سيحصل على الراتب مثلاً ويوفي دينه، فهذا أمر سهل.

أما الاستطاعة بالبدن في الحج: فأن يكون الإنسان قادراً على أداء الحج بلا مشقة شديدة، فإن كان عاجزاً نظرنا؛ إن كان عجزه يرجى زواله، كإنسان جاء في وقت الحج وهو مريض مرضاً عادياً، فلينتظر حتى يبرأ ويحج، وإن كان عجزاً لا يرجى زواله كمرض السرطان مثلاً -نسأل الله لنا ولكم السلامة- فهنا نقول له: استنب من يحج عنك ما دام عندك المال، فيوكل شخصاً يحج عنه وتبرأ ذمته بذلك إذا حج عنه.

هذا ما أردنا أن نتكلم عليه حول هذا الموضوع، ونسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من دعاة الحق وأنصاره، ونسأله تعالى أن ينصر إخواننا المسلمين في كل مكان على أعدائهم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

تنبيه: بالنسبة للسلام هل هو مشروع أن يسلم الإنسان وهو حاضر؟ وهل كان الصحابة إذا أراد أحد منهم أن يسأل الرسول عليه الصلاة والسلام عن شيء قال: السلام عليك يا رسول الله، ثم يسأل؟

الجواب: لا. ولهذا لا حاجة للسلام لأن المسلم معنا، وإنما يسأل، فلا حاجة إلى أن يستفتح سؤاله بالسلام.

فأما المسلم فضده الكافر، فلا يجب عليه الحج، وليس معنى قولنا: لا يجب الحج على الكافر أنه لا يعاقب على تركه، وإنما معناه: ألا نأمره به؛ لأننا نأمره أولاً أن يسلم، ثم بعد ذلك نأمره ببقية شرائع الإسلام، أما في الآخرة فإنه يعذب ويعاقب عليه، ولهذا يتساءل أصحاب اليمين عن المجرمين: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ [المدثر:42-46] فذكروا الصلاة مع أن الصلاة لا تلزمهم إلا إذا أسلموا.


استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
لقاء الباب المفتوح [63] 3395 استماع
لقاء الباب المفتوح [146] 3350 استماع
لقاء الباب المفتوح [85] 3315 استماع
لقاء الباب المفتوح [132] 3293 استماع
لقاء الباب المفتوح [8] 3275 استماع
لقاء الباب المفتوح [13] 3259 استماع
لقاء الباب المفتوح [127] 3116 استماع
لقاء الباب المفتوح [172] 3090 استماع
لقاء الباب المفتوح [150] 3037 استماع
لقاء الباب المفتوح [47] 3032 استماع