هذا الحبيب يا محب 100


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:

فقد انتهى بنا الدرس إلى [قسمة غنائم حنين] وحنين وادٍ دارت فيه غزوة من أجلّ وأعظم الغزوات، وقبلها غزوة أوطاس، وتم هذا بعد أن فتح الله تعالى على رسوله والمؤمنين مكة، وذلكم سنة ثمان من الهجرة النبوية الشريفة، ولما فتح الله على النبي صلى الله عليه وسلم مكة بلغه أن هوازن وثقيفاً يتجمعون لحربه، وبالفعل تجمعوا وعزموا، فما كان منه إلا أن خرج إليهم في اثني عشر ألف مقاتل، عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار الذين فتحوا مكة بإذن الله تعالى وألفان من مسلمة الفتح.

وانتهت المعارك -وها نحن مع قسمة الغنائم- بعد أن حصلت هزيمة مرة سببها ضعفنا، ولكن الله عز وجل استجاب لرسوله وأنزل عليه ملائكته، وما هي إلا جولة وإذا بالمشركين ونسائهم وأطفالهم وأموالهم تحت إمرة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم وسائر المؤمنين: [ولما رحل صلى الله عليه وسلم من الطائف] إذ حاصرها مدة شهر تقريباً وما استطاع أن يدخلها، فعزم على العودة إلى المدينة العاصمة، والله يتولى أمر ثقيف، وفي طريق عودته قالوا له: ادع يا رسول الله عليهم، فقال: ( اللهم اهد ثقيفاً وائت بهم )، فما هي إلا فترة حتى جاء وفد ثقيف في رمضان من السنة التاسعة إلى المدينة مقدماً مفاتيح البلاد وأهلها؛ وهذه استجابة الله لدعوة رسوله صلى الله عليه وسلم.

قال: [أتى الجعرانة] وهو مكان بين مكة والطائف، ولكنه أقرب إلى مكة، خارج الحرم، فلهذا يجوز أن تحرم منه يا طائفي ولا حرج؛ لأنه خارج الحرم بمسافة قليلة. والجعران والجعرانة لغات [حيث إن المال والسبي محبوسان بها] كلما حصل انتصار وأسر الرسول صلى الله عليه وسلم من الرجال والنساء والمال بعث به إلى الجعرانة ليحبس هناك، حتى تنتهي المعارك ثم يأتي ويقسم، وهذا من كمال رشده وعظيم سياسته فصلوا عليه وسلموا تسليماً.

[وقبل الشروع في قسمة الغنائم، جاء وفد هوازن يعلن إسلامه] جاء وفد من قبيلة هوازن يعلن إسلامه، فما بعد الهزيمة من أمل في أن ينتصروا؛ إذاً فليسلموا أولى لهم [ويطلب سبيه وأمواله] جاء هذا الوفد يعلن أولاً عن إسلامه، ثم يطلب من رسول الله أن يعطيه السلب الذي سلبه من الأموال والنساء والأولاد [فقالوا] أي: رجال الوفد [يا رسول الله! إنا أصل وعشيرة، وقد أصابنا من البلاء ما لا يخفى عليك؛ فامنن علينا منّ الله عليك] وهذا تلطف في الطلب ليس فيه عنترية وإنما لين وانكسار. وكأنهم درسوا العلم عشرين سنة في المسجد النبوي، كيف يعرفون هذا؟!

قال: [وقام زهير المكنى بـأبي صرد ] وزهير من رجالاتهم يكنى بـأبي صرد [فقال: يا رسول الله! إنما في الحظائر عماتك وخالاتك وحواضنك اللائي كن يكفلنك] يعني: أيام كنت طفلاً في حجر السيدة حليمة المرضعة [ولو أنا ملحنا -أي: أرضعنا- للحارث بن أبي شمر ، أو للنعمان بن المنذر ، ثم نزل منا مثل الذي نزلت به، رجونا عطفه وعائدته علينا، وأنت خير المكفولين].

قال: لو تم الذي تم لنا معك مع الحارث بن أبي شمر -وكان ملكاً للعرب في الشام من الغساسنة- أو النعمان بن المنذر يمنون علينا ويعطونا أسرانا وأموالنا.

[وأنشد يقول:

امنن علينا رسول الله في كرم فإنك المرء نرجوه وندخر

امنن على نسوة قد عاقها قدر ممزق شملها في دهرها غير

وعندئذ] عندما تم هذا العرض والطلب والتلطف [خيرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين نسائهم وأبنائهم، وأموالهم فاختاروا نساءهم وأبناءهم] خيرهم بين أن يأخذوا النساء والأولاد ويتركوا الأموال، أو يأخذوا الأموال ويتركوا النساء والأولاد.

[فقال صلى الله عليه وسلم: ( أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم )] هذا الكرم المحمدي.. أي: ما كان من نصيبي ونصيب بني عبد المطلب فهو لكم، أموال أو نساء أو أطفال؛ إذ هذا نملكه نحن [ثم قال: ( فإذا صليت بالناس )] أي: انتظروا إلى حين وقت الصلاة [( فإذا صليت بالناس فقولوا: إنا نستشفع برسول الله إلى المسلمين، وبالمسلمين إلى رسول الله في أبنائنا ونسائنا فسأعطيكم وأسأل لكم )].

علمهم كيف يطلبون، فقال: الآن تقوم الصلاة، فإذا فرغنا فلتقوموا ولتقولوا: إنا نستشفع برسول الله إلى المسلمين، وبالمسلمين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مالنا وأبنائنا ونسائنا، وسأعطيكم وأسأل لكم.

قال: [فلما صلى الظهر بالناس، فعلوا ما أمرهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم )، وقال المهاجرون والأنصار: وما كان لنا فهو لرسول الله] هل هذه المواقف يقفها البشر اليوم أو قبل اليوم؟!!

[وقال الأقرع بن حابس ] وهذا عفريت من العفاريت [ما كان لي ولبني تميم فلا] أي: ما كان من نصيبي أنا من قسمة الغنائم ولبني تميم فلا نعطيه، لا مال ولا نساء ولا أطفال [وقال عيينة بن حصن ] وهذا مثله أو أشد منه [ما كان لي ولفزارة فلا] أناس شحاح لا يأتسون برسول الله صلى الله عليه وسلم! فليسوا من المهاجرين والأنصار، ولكن أسلموا بالأمس خوفاً، فما تربوا في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ فلهذا والواقع -والله- شاهد أن الذين لا يتربون في حجور الصالحين تزل أقدامهم وعقولهم وأفكارهم، أحببنا ذلك أم كرهناه.

واستطراداً: أرسل لي بالأمس أحد الأبناء خطاباً يلومني فيه ويشنع أيضاً ويجهل بخصوص الكلمة التي كتبناها عن ما يعرف بالاستشهاد والانتحار. ووالله يا بني! أقسم لك بالله ما علمت ولا أنت على علم ومعرفة؛ والعلة هي عدم البصيرة.

والشاهد عندنا ما قالاه الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن، فعندما كانا متجبرين مدعين كل شيء لم يستطيعا أن يقولا أكثر مما قالا، بخلاف المهاجرين والأنصار الذين عاشوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قرابة اثنين وعشرين سنة.

قال: [وقال عباس بن مرداس : ما كان لي ولسليم فلا] أي: ما كان لي ولبني سليم ليس فيه قسمة ولا نعطيه [فقال بنو سليم: ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم] وقطعوا لسانه [فقال عباس : وهنتموني!!] أي: أصبتوني بالوهن والإهانة.

[فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من تمسك بحقه من السبي، فله بكل إنسان ست فرائض من أول فيء نصيبه، فردوا على الناس أبناءهم ونساءهم )] يعني: الذي يتنازل الآن عن ماله فسوف يحصل من أول غنيمة نغنمها ست فرائض، أي: ستة أسهم، وهذا وعد صدق منه صلى الله عليه وسلم، فقد رغبهم بالفعل ووعدهم بأكثر مما أُخذ منهم.

غياب مالك بن عوف عن الإسلام

قال: [وغاب مالك] ما حضر، وهو الذي قاد المعركة ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم [وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مالك بن عوف قائد الحرب الخاسرة] أين هو؟ [فقيل: إنه بالطائف] ما استطاع أن يسلم ويأتي [فقال: ( أخبروه أنه إذا أتاني مسلماً رددت عليه أهله وماله )] يعني: إذا أتاني وقد أسلم قلبه ووجهه لله رددت عليه أهله وماله [فأخبروه فجاء سراً] في خفية لأنه متكبر [فأسلم وحسن إسلامه، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم أهله وماله، ومائة بعير] والمائة بعير دية إنسان [واستعمله على قومه] ولاه ولاية قومه، فهو الأمير عليهم؛ لِما عرف من قوته وإسلامه وصدقه، فالرسول صلى الله عليه وسلم حكيم، بل أستاذ الحكمة ومعلمها، وقد قال تعالى: وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [البقرة:129].

قال: [وعلى من أسلم من تلك القبائل] أيضاً [وكان له عمل مشكور حيث ضيق على المشركين بالإغارة عليهم حتى أسلموا] فقد عرف الرسول صلى الله عليه وسلم أن الرجل فيه خير [وقال شعراً يمدح فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا نصه:

ما إن رأيت ولا سمعت بمثلـه في الناس كلهم بمثل محمد

أوفى وأعطى للجزيل إذا اجتدي ومتى تشأ يخبرك عما في غد] أي: في شئون الغيب، يخبرك عما في غد بتعليم الله عز وجل له.

[وإذا الكتيبة عردت أنيابها بالسمهري وضرب كل مهند

فكأنه ليث على أشباله وسط الهباءة خادر في مرصد].

والهباءة: الغبار. والخادر: الأسد في عرينه.

مطالبة النبي الكريم

قال: [مطالبة النبي الكريم] من يطالبه بالمال؟ إنهم المقاتلون.

[ولما رد النبي صلى الله عليه وسلم السبايا] إلى أهلها [ركب على بعيره] صلى الله عليه وسلم [فأتبعه الناس يقولون: يا رسول الله! اقسم علينا الفيء] لما أرسل السبي وحوله إلى أهله ركب بعيره وإذا بالناس وراءه [حتى اضطروه إلى شجرة من شدة الزحام عليه، فلصق رداؤه بأغصان شجرة] وهذا طبعنا!

إذا لم نربَّ ونهذب -والله- لن يكون إلا هذا! ما هذا التكالب والطمع؟ ما إن ركب بغلته عائداً حتى مشوا قائلين: أعطنا ..! اقسم لنا يا رسول الله ..! حتى ألجئوه إلى شجرة التصق رداؤه بها.

من يصبر صبر رسول الله؟ ولو كان غيره لقال: يا عسكر خذوه!

[فقال: ( ردوا علي ردائي أيها الناس، فوالله لو كان لي عدد شجر تهامة نعم )] أي: إبل وبقر وغنم [( لقسمته عليكم، ثم لا تجدوني بخيلاً ولا جباناً ولا كذاباً )] إي والله وهو كذلك، والله ما بخل ولا جبن ولا كذب [ثم رفع وبرة من سنام بعير] والوبر شعر البعير (صوفه) [وقال: ( ليس لي من فيئكم ولا هذه الوبرة إلا الخمس، وهو مردود عليكم )] أي: تلك الأموال الطائلة كلها ليس له منها إلا الخمس أعطاه الله إياه، قال تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ [الأنفال:41] وهو مردود على فقرائهم ومساكينهم.

موقف عظيم هذا، من يذكره ولا ينساه؟!

قال: [ثم أعطى المؤلفة قلوبهم -وهم أشراف الناس- يتألفهم على الإسلام] حتى يستقروا عليه فلا يرتدوا [فأعطى أبا سفيان بن حرب ومعاوية ابنه، وأعطى حكيم بن حزام ، والعلاء بن جارية الثقفي ، والحارث بن هشام وصفوان بن أمية ، وسهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى ، وعيينة بن حصن ، والأقرع بن حابس ، ومالك بن عوف النصري ، أعطى كل واحد منهم مائة بعير] كل واحد أعطاه مائة بعير [وأعطى دون المائة رجالاً آخرين، وأعطى عباس بن مرداس أباعر، فسخطها، فزاده حتى رضي].

من لا يعطى خير ممن يعطى

قال: [من لا يعطى خير ممن يعطى] أما نحن فنريد أن نعطى فقط. والواقع -والله!- أن من لم يعط هو خير ممن أعطي.

[ولما شاهد العطاء رجل] ورأينا أن العطاء كان مائة بعير لبعضهم [فقال: ( يا رسول الله! أعطيت عيينة والأقرع وتركت جعيل بن سراقة )] وهذا رجل فاضل حماسي يريد الخير، قال: أعطيت من لا يستحق الأقرع بن حابس وعيينة وتركت جعيل بن سراقة ؟! [ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( والذي نفسي بيده! لـجعيل خير من طلاع الأرض )] أي: خير من ملء الأرض [( رجالاً كلهم مثل عيينة والأقرع ولكني أتألفهم )] يعني: أعطيتهم من أجل أن أتألفهم على الإسلام، حتى لا يرتدوا ويشركوا، ما أعطيتم لأنهم أفاضل وصلحاء وكمّل، لا، وملء الأرض منهم لا يساوي جعيلاً .

وفي كل زمان ومكان يوجد عبد صالح يزن ما على الأرض من المفسدين.

قال: [( ووكلت جعيلاً إلى إسلامه )] أي: ووكلت جعيلاً وقد منعته المال وكلته إلى إسلامه. فهل يمكن أن يتألم أو يعلن كلمة تدل على أنه غير راض بقسمة رسول الله؟ والله ما كان، فقد وكله إلى إسلامه وأنواره وعلمه ومعرفته، أما هؤلاء الصعاليك أعطاهم ليتألفهم.

موجدة الأنصار

قال: [موجدة الأنصار] لا يخرج الرسول من محنة حتى تأتي أخرى، وهذا شأن أولياء الله، فحتى الأنصار وُجد فيهم من يبكي ويقول: لماذا لا يعطينا وقد أعطى فلاناً وفلاناً.

[ولما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطى من أموال لقبائل قريش وهوازن وتميم، ولم يعط الأنصار شيئاً وجدوا في أنفسهم] وهذا أمر فطري لا بد منه، لكن لا يتكلم ويقول: لماذا؟ أما كونه يجد في نفسه فلا بأس [حتى قال قائل منهم: لقي رسول الله قومه!!] يعني: كان شارداً منهم وهم بعيدون، والآن وجدهم ولقيهم فأعطاهم، وهذا لعله من مسلمة العهد الجديد.

[وأخبر سعد بن عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك] يعني المقالة كانت فيما بينهم.

إذاً: سعد بن عبادة من خيرة الأنصار، فقد أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.

[فقال له: ( فأين أنت يا سعد ؟! قال: أنا من قومي. قال: فاجمع قومك لي. فجمعهم فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما حديث بلغني عنكم؟ ألم آتكم ضلالاً فهداكم الله بي؟ وفقراء فأغناكم الله بي؟ وأعداءً فألف الله بين قلوبكم بي؟ قالوا: بلى يا رسول الله، ولله ولرسوله المن والفضل. فقال: ألا تجيبوني؟ قالوا: بماذا نجيبك؟ فقال: والله! لو شئتم لقلتم فصدقتم: أتيتنا مكذباً فصدقناك، ومخذولاً فنصرناك، وطريداً فآويناك، وعائلاً فواسيناك)] لا إله إلا الله! يعلمهم عن نفسه.

ثم قال: [(أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة من الدنيا)] واللعاعة: ورقة من الشجر الأخضر لا تزن شيئاً [( تألفت بها قوماً ليسلموا ووكلتم إلى إسلامكم، والذي نفسي بيده! لولا الهجرة لكنت امرءاً من الأنصار، ولو سلك الناس شعباً وسلكت الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار، اللهم! ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار، فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم بالدموع. وقالوا: رضينا برسول الله قسماً وحظاً وتفرقوا فعادوا إلى رحالهم )] من يطيق موقفاً مثل هذا.. من يقدر عليه؟

هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي جهله العالم ولم يعرفه!

قال: [وغاب مالك] ما حضر، وهو الذي قاد المعركة ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم [وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مالك بن عوف قائد الحرب الخاسرة] أين هو؟ [فقيل: إنه بالطائف] ما استطاع أن يسلم ويأتي [فقال: ( أخبروه أنه إذا أتاني مسلماً رددت عليه أهله وماله )] يعني: إذا أتاني وقد أسلم قلبه ووجهه لله رددت عليه أهله وماله [فأخبروه فجاء سراً] في خفية لأنه متكبر [فأسلم وحسن إسلامه، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم أهله وماله، ومائة بعير] والمائة بعير دية إنسان [واستعمله على قومه] ولاه ولاية قومه، فهو الأمير عليهم؛ لِما عرف من قوته وإسلامه وصدقه، فالرسول صلى الله عليه وسلم حكيم، بل أستاذ الحكمة ومعلمها، وقد قال تعالى: وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [البقرة:129].

قال: [وعلى من أسلم من تلك القبائل] أيضاً [وكان له عمل مشكور حيث ضيق على المشركين بالإغارة عليهم حتى أسلموا] فقد عرف الرسول صلى الله عليه وسلم أن الرجل فيه خير [وقال شعراً يمدح فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا نصه:

ما إن رأيت ولا سمعت بمثلـه في الناس كلهم بمثل محمد

أوفى وأعطى للجزيل إذا اجتدي ومتى تشأ يخبرك عما في غد] أي: في شئون الغيب، يخبرك عما في غد بتعليم الله عز وجل له.

[وإذا الكتيبة عردت أنيابها بالسمهري وضرب كل مهند

فكأنه ليث على أشباله وسط الهباءة خادر في مرصد].

والهباءة: الغبار. والخادر: الأسد في عرينه.

قال: [مطالبة النبي الكريم] من يطالبه بالمال؟ إنهم المقاتلون.

[ولما رد النبي صلى الله عليه وسلم السبايا] إلى أهلها [ركب على بعيره] صلى الله عليه وسلم [فأتبعه الناس يقولون: يا رسول الله! اقسم علينا الفيء] لما أرسل السبي وحوله إلى أهله ركب بعيره وإذا بالناس وراءه [حتى اضطروه إلى شجرة من شدة الزحام عليه، فلصق رداؤه بأغصان شجرة] وهذا طبعنا!

إذا لم نربَّ ونهذب -والله- لن يكون إلا هذا! ما هذا التكالب والطمع؟ ما إن ركب بغلته عائداً حتى مشوا قائلين: أعطنا ..! اقسم لنا يا رسول الله ..! حتى ألجئوه إلى شجرة التصق رداؤه بها.

من يصبر صبر رسول الله؟ ولو كان غيره لقال: يا عسكر خذوه!

[فقال: ( ردوا علي ردائي أيها الناس، فوالله لو كان لي عدد شجر تهامة نعم )] أي: إبل وبقر وغنم [( لقسمته عليكم، ثم لا تجدوني بخيلاً ولا جباناً ولا كذاباً )] إي والله وهو كذلك، والله ما بخل ولا جبن ولا كذب [ثم رفع وبرة من سنام بعير] والوبر شعر البعير (صوفه) [وقال: ( ليس لي من فيئكم ولا هذه الوبرة إلا الخمس، وهو مردود عليكم )] أي: تلك الأموال الطائلة كلها ليس له منها إلا الخمس أعطاه الله إياه، قال تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ [الأنفال:41] وهو مردود على فقرائهم ومساكينهم.

موقف عظيم هذا، من يذكره ولا ينساه؟!

قال: [ثم أعطى المؤلفة قلوبهم -وهم أشراف الناس- يتألفهم على الإسلام] حتى يستقروا عليه فلا يرتدوا [فأعطى أبا سفيان بن حرب ومعاوية ابنه، وأعطى حكيم بن حزام ، والعلاء بن جارية الثقفي ، والحارث بن هشام وصفوان بن أمية ، وسهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى ، وعيينة بن حصن ، والأقرع بن حابس ، ومالك بن عوف النصري ، أعطى كل واحد منهم مائة بعير] كل واحد أعطاه مائة بعير [وأعطى دون المائة رجالاً آخرين، وأعطى عباس بن مرداس أباعر، فسخطها، فزاده حتى رضي].




استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة اسٌتمع
هذا الحبيب يا محب 115 4082 استماع
هذا الحبيب يا محب 111 4079 استماع
هذا الحبيب يا محب 47 3818 استماع
هذا الحبيب يا محب 7 3811 استماع
هذا الحبيب يا محب 126 3692 استماع
هذا الحبيب يا محب 102 3680 استماع
هذا الحبيب يا محب 9 3648 استماع
هذا الحبيب يا محب 32 3572 استماع
هذا الحبيب يا محب 99 3487 استماع
هذا الحبيب يا محب 48 3469 استماع