اللقاء الشهري [62]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فهذا هو اللقاء الشهري الذي يتم في هذا المسجد الجامع الكبير في مدينة عنيزة كل شهر مرة، إلا أن يحول دون ذلك مانع، وهذه الليلة هي الخامسة من شهر ذي القعدة عام (1419هـ).

ونحن في أوسط أشهر الحج؛ لأن أشهر الحج ثلاثة: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة، فنحن في أوسط الشهور الثلاثة شرفها الله عز وجل، لذلك رأيت أن من المناسب أن نتكلم عن الحج وما يتعلق به، فنقول:

أولاً: منزلة الحج من الدين الإسلامي.

ثانياً: حكم الحج.

ثالثاً: متى فرض الحج.

منزلة الحج في الدين الإسلامي

أما منـزلة الحج من الدين الإسلامي: فهو أحد أركان الإسلام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام) فمنـزلته من الإسلام منـزلة عالية، فهو أحد أركانه ومبانيه العظام.

حكم الحج

أما حكمه: فإنه فرضٌ بإجماع المسلمين المستند إلى الكتاب والسنة، أي: أن فرضه ثبت بالكتاب العزيز، وبالسنة النبوية، وبإجماع المسلمين.

أما الكتاب: فقال الله عز وجل: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ [آل عمران:97].

وأما السنة: فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيها الناس! إن الله قد كتب عليكم الحج فحجوا. فقام رجل هو الأقرع بن حابس، فقال: يا رسول الله! أفي كل عام؟ -أي: أفرض الله ذلك كل عام؟- قال: لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم، الحج مرة فما زاد فهو تطوع).

وأجمع المسلمون على فرضية الحج واشتهر ذلك بينهم، وكان ذلك من المسلَّمات في الدين الإسلامي، حتى إن أهل العلم قالوا: من أنكر فرضية الحج فهو كافر؛ لأن هذا مما علم بالضرورة من دين الإسلام، فالمسلمون كلهم يقولون: إن الحج ركن من أركان الإسلام.

وهل يجب الحج على الإنسان فوراً أو على التراخي؟

الجواب: يجب فوراً، أي: من حين أن تتم شروط وجوب الحج فإنه يجب أن يؤديه الإنسان ولا يتأخر، لأن واجبات الإنسان على الفور، فإن الإسلام لا يدري ما يعرض له، فقد يكون فقيراً بعد الغنى، ويكون سقيماً بعد الصحة، ويكون ميتاً بعد الحياة، إذاً: متى تمت الشروط فبادر ولا تتأخر.

شروط وجوب الحج

والشروط خمسة:

الإسلام وضده الكفر.

والعقل وضده الجنون.

والبلوغ وضده الصغر.

والحرية وضدها الرق.

والاستطاعة وضدها العجز.

الأول: الإسلام وضده الكفر .. فالكافر لا يجب عليه الحج، ولهذا لو وجدنا كافراً لا نقول له: حج، بل نقول له: أسلم أولاً ثم حج.

الثاني: العقل وضده الجنون .. فلو فرض أن إنساناً منذ صغره كان مجنوناً، عنده أموال كثيرة لكنه مجنون، فلا حج عليه ولا يُحج عنه؛ لأنه غير عاقل، فإذا وجدنا أحداً متخلفاً في العقل منذ صغره وعنده مال وعنده أب يمكن يحج به، فإنه لا يجب عليه الحج لعدم العقل.

الثالث: البلوغ وضده الصغر .. فلو مات قبل أن يبلغ فإنه لا يحج عنه، لا يجب الحج عنه، لأنه صغير، حتى لو فرض أن هذا الصغير عنده أموال كثيرة ومات فإنه لا يحج عنه منها؛ لأنه لم يجب عليه الحج، والبلوغ يحصل بالنسبة للرجال بواحد من أمور ثلاثة:

الأول: أن يتم له خمس عشرة سنة.

الثاني: أن تنبت عانته.

الثالث: أن ينـزل المني بشهوة أو احتلاماً.

أما في النساء فتزيد المرأة علامة رابعة وهي: الحيض، فإذا حاضت ولو لم يكن لها إلا عشر سنوات فهي بالغ.

الشرط الرابع: الحرية وضدها الرق .. فالرقيق المملوك لا حج عليه؛ لأنه ليس له مال فإن ماله لسيده.

الخامس: الاستطاعة .. وهو الشرط الذي ذكره الله في القرآن وجاءت به السنة أيضاً: مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران:97] أي: من قدر أن يحج، أما من لم يقدر فلا حج عليه، ولكن إن كان ذا مال فإنه يقيم من يحج عنه، أي: ينيب من يحج عنه ما لم يرجُ أن يقدر في المستقبل فلا ينيب عنه من يحج عنه، وإذا زال العجز وجب عليه أن يحج بنفسه. مثال ذلك: رجل عنده مال كثير لكن فيه مرض لا يرجى برؤه، أو كِبر والكِبر لا يرجى زواله، فهل يلزمه أن ينيب من يحج عنه؟ نعم يلزمه، لأنه قادر بماله فيلزمه أن يقيم من يحج عنه.

مثال ثانٍ: رجل عنده مال وهو عاجز عن الحج هذا العام، لكن مرضه يرجى أن يشفى منه، فهل يلزمه أن يقيم من يحج عنه، أم ينتظر إلى العام القادم؟ ينتظر إلى العام القادم، ولا يصح أن يقيم من يحج عنه؛ لأنه قادر بنفسه.

مثال ثالث: إنسان عنده مال وهو قادر ببدنه، فهل يلزمه أن يحج هذا العام، أم نقول له: لك أن تؤخره إلى العام الثاني؟ يلزمه أن يحج هذا العام، ولا يجوز أن يؤخر إلى العام الثاني؛ لأن الحج على الفور.

مثال رابع: إنسان قادر ببدنه لكن ليس عنده مال، فهل يلزمه أن يحج؟ فيه تفصيل:

إن كان يقدر أن يمشي ولا تزيد النفقة على نفقة الإقامة؛ فإنه يلزمه أن يحج، كرجل من أهل مكة ليس عنده مال، لكن يستطيع أن يخرج مع الناس إلى عرفة ويرجع، فنقول: يلزمه أن يحج؛ لأن الله قال: مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران:97] وهذا مستطيع، والحج لا يكلفه زيادة مال، فيلزمه أن يحج.

متى فرض الحج

متى فرض الحج؟

فرض الحج على القول الراجح: في السنة التاسعة أو العاشرة، ولم يفرض قبل ذلك، مع أن التوحيد فرض من أول البعثة، والصلاة فرضت قبل الهجرة، والزكاة فرضت إما قبل الهجرة وبُينت تفاصيلها بعد الهجرة، أو لم تفرض إلا بعد الهجرة، والصيام فرض بعد الهجرة، والحج تأخر إلى التاسعة أو العاشرة، والحكمة ظاهرة: لأن مكة -شرفها الله عز وجل- كانت إلى السنة الثامنة بيد المشركين، يمنعون من شاءوا، ويأذنون لمن شاءوا، حتى إنهم صدوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يتم عمرته عام الحديبية، فليس من الحكمة أن يلزم الناس أن يحجوا مع أنهم قد يردون من أثناء الطريق، فتأخر فرض الحج إلى أن فتحت مكة في السنة الثامنة.

سبب تأخير النبي صلى الله عليه وسلم للحج بعدما فرض

إذا قلنا: إنه فرض في السنة التاسعة فهل حج الرسول عليه الصلاة والسلام من حين فرض؟

لم يحج؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الحج لسببين:

الأول: أنه صلى الله عليه وسلم بقي في المدينة يتلقى وفود العرب الذين يأتون مسلمين؛ لأن العرب لما فتحت مكة وفتحت الطائف انكسرت شوكتهم، وصاروا يدخلون في دين الله أفواجاً، فبقي في المدينة يتلقى الوفود ويعلمهم الدين ثم ينصرفون. هذا سبب.

سبب آخر: في السنة التاسعة حج المسلمون والمشركون، فاختار الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم أن تكون حجته ليس فيها أخلاطٌ من المشركين، ولهذا لما حج أبو بكر رضي الله عنه في السنة التاسعة بالناس نادى المنادي: ألا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان.

إذاً أخر النبي صلى الله عليه وسلم الحج لسببين:

الأول: البقاء في المدينة لتلقي الوفود.

الثاني: ألا يكون معه أحدٌ من المشركين.

أما منـزلة الحج من الدين الإسلامي: فهو أحد أركان الإسلام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام) فمنـزلته من الإسلام منـزلة عالية، فهو أحد أركانه ومبانيه العظام.

أما حكمه: فإنه فرضٌ بإجماع المسلمين المستند إلى الكتاب والسنة، أي: أن فرضه ثبت بالكتاب العزيز، وبالسنة النبوية، وبإجماع المسلمين.

أما الكتاب: فقال الله عز وجل: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ [آل عمران:97].

وأما السنة: فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيها الناس! إن الله قد كتب عليكم الحج فحجوا. فقام رجل هو الأقرع بن حابس، فقال: يا رسول الله! أفي كل عام؟ -أي: أفرض الله ذلك كل عام؟- قال: لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم، الحج مرة فما زاد فهو تطوع).

وأجمع المسلمون على فرضية الحج واشتهر ذلك بينهم، وكان ذلك من المسلَّمات في الدين الإسلامي، حتى إن أهل العلم قالوا: من أنكر فرضية الحج فهو كافر؛ لأن هذا مما علم بالضرورة من دين الإسلام، فالمسلمون كلهم يقولون: إن الحج ركن من أركان الإسلام.

وهل يجب الحج على الإنسان فوراً أو على التراخي؟

الجواب: يجب فوراً، أي: من حين أن تتم شروط وجوب الحج فإنه يجب أن يؤديه الإنسان ولا يتأخر، لأن واجبات الإنسان على الفور، فإن الإسلام لا يدري ما يعرض له، فقد يكون فقيراً بعد الغنى، ويكون سقيماً بعد الصحة، ويكون ميتاً بعد الحياة، إذاً: متى تمت الشروط فبادر ولا تتأخر.