اللقاء الشهري [57]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإنه يسرنا -ولله الحمد- إقبال الناس على العلم تحصيلاً وتأصيلاً وتفريعاً، ليس هنا في عنيزة ولكن حتى في غيرها، فقد رأينا إقبال الناس العظيم على تلقي العلم في المسجد الحرام وفي كل مكان، وهذا يبشر بخير، فنسأل الله تعالى أن يزيدنا وإياكم علماً نافعاً وعملاً صالحاً.

في هذه الليلة اقترح علينا بعض الناس أن يكون هذا اللقاء في ما يتعلق بالبيع والشراء والإجارة والاستئجار والوقف وغيرها، حسب ما يسمح به الوقت من المعاملات، وهذا اقتراح جيد؛ وذلك لأن العلم الشرعي منه ما هو فرض عين ومنه ما هو فرض كفاية، فلا يخرج العلم عن أحد الفرضين: إما فرض عين، وإما فرض كفاية.

فرض العين على كل من يحتاج إلى معرفة ما يريد أن يفعله من العبادات، فمثلاً: إذا كنت تريد أن تصلي فلا بد أن تعلم ماذا تقول في صلاتك، وماذا تفعل في صلاتك، وكيف صلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى تعبد الله على بصيرة.

إذا أردت أن تزكي وعندك مال فلا بد أن تعرف ما هي الأموال الزكوية وما مقدار زكاتها وإلى أين تصرف؟ لا بد من هذا؛ لئلا تترك الزكاة وأنت لا تعلم أو تترك زكاة مالٍ قد بلغ النصاب، أو تصرف الزكاة في غير محلها.

كذلك الحج، إذا أردت أن تحج وتعتمر لا بد أن تفهم كيف العمرة وكيف الحج حتى تعبد الله على بصيرة.

أما ما لا يحتاج الإنسان إليه كرجل فقير هل يحتاج الفقير أن يتعلم أحكام الزكاة؟ لا يحتاج؛ لأنه ليس عنده مال، ولهذا قد نقول لزيد من الناس: يجب أن تتعلم أحكام الزكاة ولعمرو لا يجب؛ لأن زيداً عنده مال وعمراً ليس عنده مال، لكن تعلم الشريعة عموماً فرض كفاية؛ ولذلك نهنئ طلبة العلم الذين يدرسون علم الشريعة بأنهم قائمون بفرض من فروض الله، ولا شك أن للفرض أجره العظيم قال الله تعالى في الحديث القدسي: (ما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه) ولذلك لو سألك سائل: ركعتا الفجر -يعني: ركعتا صلاة الفجر- أو ركعتان تتهجدهما في الليل أيهما أفضل؟ الأول لأنه فرض والثاني نفل، لكن الله قال: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه).

أحكام البيع والشراء هل تلزم كل أحد؟ قد نقول: لا، وقد نقول: بلى. أليس كل واحد منا يشتري خبزاً، ويشتري إداماً، ويشتري ثوباً، ويشتري سيارة ممن أغناه الله؟ إذاً لا بد أن نعرف، الآن كل إنسان منا ممكن يذهب إلى البقال ويشتري أغراضاً للبيت، لا بد أن يعرف، لو أن البقال كتب على اللوحة: كل خبزة بريال، مثلاً، فهل يجوز هذا البيع لو أخذت خبزة ووضعت ريالاً؟ يجوز، ألم تعلموا أن بعض العلماء يقول: هذا حرام؛ لأن ما فيه صيغة، ما فيه بعت ولا اشتريت، لكن القول الصحيح أنه حلال، إذاً لا بد أن نعرف.

البيع والشراء والإجارة والتأجيل والاستئجار والوقت وما أشبهها.. كلها من نعم الله على العباد، لولا حل البيع لوقع الناس في حرج، أنا محتاج إلى لباس ومعي دراهم واللباس عند صاحب الدكان، لولا أن البيع جائز فكيف أتوصل إلى اللباس؟

الجواب: لا يمكن، اللهم إلا بالقتال.

صاحب الدكان محتاج إلى الدراهم يريد أن يصفي البضاعة حتى يشتري بضاعة أخرى؛ لولا هذا لم يتيسر له أن يصفي البضاعة.

إذاً فإباحة البيع من نعم الله عز وجل على العباد، قال الله تعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا [البقرة:275]لكن البيع له شروط وله موانع، له شروط لا يصح إلا بها، وله موانع تمنع صحته مع وجود الشروط.

من شروط البيع: أن يكون البائع مالكاً للمبيع أو له عليه ولاية

فمن الشروط: أن يكون البائع مالكاً للشيء أو له عليه ولاية، يعني: أنه لا بد أن يقع البيع من مالك أو من يقوم مقامه.

لو أنني استوليت على حقيبتك -حقيبة الدراسة- وبعتها على واحد أيجوز البيع؟ لا يجوز، لأني لست مالكاً ولا قائماً مقام المالك.

لو علمت أنك تريد أن تبيع هذه السلعة فبعتها بناءً على ما أعتقده من أنك تريد بيعها، ولما أخبرتك أجزتني وقلت: جزاك الله خيراً، أنا أبحث عن أحد يشتريها. هل يصح البيع أو لا يصح؟

شرط البيع أن يكون من مالك أو من يقوم مقامه، وأنا لست بمالك ولا أقوم مقامك لأنك ما وكلتني، وهذه المسألة اختلف فيها العلماء، منهم من قال بالجواز، ومنهم من قال لا يجوز.

مثال آخر: رجل أعرف أنه يريد أن يبيع سيارته، ومتأكد من ذلك، فمر بي رجل وقال: هل تعرف أحداً عنده سيارة؟ قلت: نعم، هذه السيارة، والرجل لم يوكلني فاشتراها بثمن مثلها ونقد الثمن وأخذ السيارة وانصرف، هل يجوز أو لا يجوز؟ ننظر، هو لا بد أن يكون من مالك أو من يقوم مقامه، وأنا لست مالكاً ولا قائماً مقام المالك لكن بعض العلماء يقول: إن ذلك جائز وإن لم يوكلني صاحب السيارة، إذا أجازني فقد حصل المطلوب، وهذا القول هو الصحيح، لكن لو لم يجزني وقال: لماذا بعتها؟ أنا ما وكلتك، وأنا كنت أريد بيعها لكني عدلت عن هذا. فما الحكم؟ فالبيع غير صحيح قولاً واحداً.

الآن تورطت وبعت على الرجل، فماذا أصنع؟ أبحث عن الرجل في أي مكان وأسترد السيارة وأعطيه فلوسه، فإن عجزت فعلي الضمان لصاحب السيارة، فلو قدر أني بعتها بعشرة آلاف وهي تساوي عشرين ألفاً أضمن له عشرين ألفاً أو لا؟ نعم أضمن له عشرين ألفاً لكن عشرة آلاف معي أسلمها له وأزيده عشرة آلاف.

فمن الشروط: أن يكون البائع مالكاً للشيء أو له عليه ولاية، يعني: أنه لا بد أن يقع البيع من مالك أو من يقوم مقامه.

لو أنني استوليت على حقيبتك -حقيبة الدراسة- وبعتها على واحد أيجوز البيع؟ لا يجوز، لأني لست مالكاً ولا قائماً مقام المالك.

لو علمت أنك تريد أن تبيع هذه السلعة فبعتها بناءً على ما أعتقده من أنك تريد بيعها، ولما أخبرتك أجزتني وقلت: جزاك الله خيراً، أنا أبحث عن أحد يشتريها. هل يصح البيع أو لا يصح؟

شرط البيع أن يكون من مالك أو من يقوم مقامه، وأنا لست بمالك ولا أقوم مقامك لأنك ما وكلتني، وهذه المسألة اختلف فيها العلماء، منهم من قال بالجواز، ومنهم من قال لا يجوز.

مثال آخر: رجل أعرف أنه يريد أن يبيع سيارته، ومتأكد من ذلك، فمر بي رجل وقال: هل تعرف أحداً عنده سيارة؟ قلت: نعم، هذه السيارة، والرجل لم يوكلني فاشتراها بثمن مثلها ونقد الثمن وأخذ السيارة وانصرف، هل يجوز أو لا يجوز؟ ننظر، هو لا بد أن يكون من مالك أو من يقوم مقامه، وأنا لست مالكاً ولا قائماً مقام المالك لكن بعض العلماء يقول: إن ذلك جائز وإن لم يوكلني صاحب السيارة، إذا أجازني فقد حصل المطلوب، وهذا القول هو الصحيح، لكن لو لم يجزني وقال: لماذا بعتها؟ أنا ما وكلتك، وأنا كنت أريد بيعها لكني عدلت عن هذا. فما الحكم؟ فالبيع غير صحيح قولاً واحداً.

الآن تورطت وبعت على الرجل، فماذا أصنع؟ أبحث عن الرجل في أي مكان وأسترد السيارة وأعطيه فلوسه، فإن عجزت فعلي الضمان لصاحب السيارة، فلو قدر أني بعتها بعشرة آلاف وهي تساوي عشرين ألفاً أضمن له عشرين ألفاً أو لا؟ نعم أضمن له عشرين ألفاً لكن عشرة آلاف معي أسلمها له وأزيده عشرة آلاف.

إذاً من شروط البيع يا إخواني أن يكون ماذا؟ من مالك أو من يقوم مقامه. فمن الذي يقوم مقام المالك؟ يقوم مقام المالك الوكيل، والوصي، والناظر، والولي، فهم أربعة: الوكيل، الثاني: الوصي، الثالث: الناظر، الرابع: الولي.

من الذين يقومون مقام المالك في البيع الوكيل؟

الوكيل: هو الذي يتصرف لحي بإذنه، مثل أن أقول: يا فلان! خذ سيارتي هذه بعها، هذا وكيل؛ لأنه يتصرف عني وأنا حي بإذني، فهو وكيل، هل جاءت السنة بجواز تصرف الوكيل؟ نعم. وكل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رجلاً وهو عروة بن الجعد أن يشتري له أضحية بدينار، فاشترى اثنتين بالدينار، ثم باع واحدة بدينار، ورجع إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بشاة ودينار. انظر إلى هذا التصرف الطيب! اشترى بالدينار شاتين لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (اشتر أضحية) اشترى شاتين، وجدهما رخيصتين فاشتراهما ثم باع واحدة بدينار وأتى بالشاة والدينار.

أتدرون ماذا قال له الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ قال: (اللهم بارك له في بيعه وشرائه) مكافأة عظيمة، فكان -يقول الراوي عنه- فكان لو اشترى تراباً لربح منه ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم له؛ إذاً الوكالة جائزة.

ووكل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أبا هريرة رضي الله عنه على صدقة الفطر في رمضان؛ لأن الناس يجمعون صدقة الفطر عند رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويتصدق بها، في ليلة من الليالي -اسمع القصة العجيبة!- في ليلة من الليالي جاء شخص بصفة رجل فأخذ من الطعام، فأمسكه أبو هريرة وقال: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فقال: إنه ذو عيال وإنه فقير، فرحمه أبو هريرة وأطلقه، في الصباح غدا أبو هريرة -يعني: ذهب- إلى الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الغدوة في الصباح فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما فعل أسيرك البارحة؟) ما الذي أعلم الرسول؟ الله عز وجل، قال: (يا رسول الله! إنه قال: إنه ذو حاجة وذو عيال فأطلقته، فقال: إنه كذبك وسيعود) أي: كذب عليك، وسيعود، يقول: (فعلمت أنه سيعود لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه سيعود، فجعلت أرصده فجاء وأخذ من الطعام فأمسكه أبو هريرة وقال: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فادعى الحاجة والفقر والعيال فأطلقه. ثم غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأخبره، فقال: إنه كذبك وسيعود) فجعل يترصد له في الليلة الثالثة، فجاء وأمسكه وقال: لا بد أن أرفعك إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إذا تكرر الشيء ثلاث مرات انتهى، فقال له: ألا أدلك على آية في كتاب الله إذا قرأتها لم يزل عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح. قال: نعم، قال: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255] ثم غدا رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأخبره، فقال: (صدقك وهو كذوب) -صدقك: يعني أخبرك بالصدق، وهو كذوب: يعني الشيطان- ثم قال له: (يا أبا هريرة أتدري من تناجي منذ ثلاث ليال، قال: الله ورسوله أعلم. قال: ذلك شيطان).

الشاهد من هذا: أن الرسول وكل على حفظ صدقة الفطر وأجاز تصرف أبي هريرة رضي الله عنه ونفذه، مما يدل على أن القول الراجح: أن الإنسان إذا تصرف في مال غيره وأجازه الغير فالتصرف صحيح.

من الذين يقومون مقام المالك الوصي؟

الثاني: الوصي وهو النائب عن الإنسان بعد موته، بأن يقول: أوصيت بخمس مالي للفقراء والوصي فلان، هذا ناب عن المالك بعد مماته، وبهذه المناسبة أود أن أنبه إخواني الذين يكتبون الوصايا ألا يكتبوا الوكيل بعد موت فلان، هذا غلط، لأن الوكالة إذا مات الموكل انفسخت، بل يقول بدلاً من الوكيل فلان يقول: الوصي فلان.

من الذين يقومون مقام المالك الناظر؟

الثالث: الناظر، وهو الوكيل على الوقف، كإنسان أوقف عمارة قال: هذه وقف ريعها للفقراء، أيقول: والوكيل عليها فلان أو والناظر عليها فلان؟ أقول: والناظر عليها فلان، ولا أقول: الوكيل؛ وهذه -أيضاً- مما يغلط فيها كثير من الكتاب الذين يكتبون الأوقاف يقول: الوكيل على هذا الوقف.. هذا غلط، بل يقال: الناظر على هذا الوقف؛ لأن الناظر له استقلال أكثر من الوكيل.

من الذين يقومون مقام المالك الولي؟

الرابع: الولي، وهو مفوض من قبل الشرع، وهو الولي على السفيه، ولي على الصغار وعلى المجانين وما أشبه ذلك، هذا يسمى ولياً.

فالولي على مال اليتيم الصغير الذي لم يبلغ أو المجنون أو السفيه له التصرف والبيع والشراء؛ لأنه نائب مناب المالك.

فصار الذين يصح أن يبيعوا نيابةً عن المالك أربعة: الوكيل، والوصي، والناظر، والولي. المهم لا بد أن يكون البيع من مالك أو من يقوم مقامه.

لو أن رجلاً سرق شيئاً وباعه هل يصح البيع؟ لا يصح البيع؛ لأن السارق ليس مالكاً ولا قائماً مقام المالك.

لو أن شخصاً غصب أرضاً يعرف أن هذه الأرض لجاره فاستولى عليها ثم باعها، أيصح البيع؟

لا يصح، لأنه ليس مالكاً.

لو أن شخصاً وجد شيئاً ثميناً كالحلي في السوق، وكتمه وباعه، أيصح بيعه أو لا يصح؟

لا يصح؛ لأنه ليس من مالك ولا من يقوم مقام المالك.

الوكيل: هو الذي يتصرف لحي بإذنه، مثل أن أقول: يا فلان! خذ سيارتي هذه بعها، هذا وكيل؛ لأنه يتصرف عني وأنا حي بإذني، فهو وكيل، هل جاءت السنة بجواز تصرف الوكيل؟ نعم. وكل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رجلاً وهو عروة بن الجعد أن يشتري له أضحية بدينار، فاشترى اثنتين بالدينار، ثم باع واحدة بدينار، ورجع إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بشاة ودينار. انظر إلى هذا التصرف الطيب! اشترى بالدينار شاتين لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (اشتر أضحية) اشترى شاتين، وجدهما رخيصتين فاشتراهما ثم باع واحدة بدينار وأتى بالشاة والدينار.

أتدرون ماذا قال له الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ قال: (اللهم بارك له في بيعه وشرائه) مكافأة عظيمة، فكان -يقول الراوي عنه- فكان لو اشترى تراباً لربح منه ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم له؛ إذاً الوكالة جائزة.

ووكل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أبا هريرة رضي الله عنه على صدقة الفطر في رمضان؛ لأن الناس يجمعون صدقة الفطر عند رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويتصدق بها، في ليلة من الليالي -اسمع القصة العجيبة!- في ليلة من الليالي جاء شخص بصفة رجل فأخذ من الطعام، فأمسكه أبو هريرة وقال: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فقال: إنه ذو عيال وإنه فقير، فرحمه أبو هريرة وأطلقه، في الصباح غدا أبو هريرة -يعني: ذهب- إلى الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الغدوة في الصباح فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما فعل أسيرك البارحة؟) ما الذي أعلم الرسول؟ الله عز وجل، قال: (يا رسول الله! إنه قال: إنه ذو حاجة وذو عيال فأطلقته، فقال: إنه كذبك وسيعود) أي: كذب عليك، وسيعود، يقول: (فعلمت أنه سيعود لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه سيعود، فجعلت أرصده فجاء وأخذ من الطعام فأمسكه أبو هريرة وقال: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فادعى الحاجة والفقر والعيال فأطلقه. ثم غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأخبره، فقال: إنه كذبك وسيعود) فجعل يترصد له في الليلة الثالثة، فجاء وأمسكه وقال: لا بد أن أرفعك إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إذا تكرر الشيء ثلاث مرات انتهى، فقال له: ألا أدلك على آية في كتاب الله إذا قرأتها لم يزل عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح. قال: نعم، قال: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255] ثم غدا رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأخبره، فقال: (صدقك وهو كذوب) -صدقك: يعني أخبرك بالصدق، وهو كذوب: يعني الشيطان- ثم قال له: (يا أبا هريرة أتدري من تناجي منذ ثلاث ليال، قال: الله ورسوله أعلم. قال: ذلك شيطان).

الشاهد من هذا: أن الرسول وكل على حفظ صدقة الفطر وأجاز تصرف أبي هريرة رضي الله عنه ونفذه، مما يدل على أن القول الراجح: أن الإنسان إذا تصرف في مال غيره وأجازه الغير فالتصرف صحيح.