أرشيف المقالات

هدية أغلى من الذهب

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .
الجواهر السبع للنجاح في الحياة
هدية أغلى من الذهب

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا وحبيبنا محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم.
 
قبل أن تتسلم الهدية:
اعلم - أخي الكريم، أختي الكريمة - أنِّي أريد لك كل الخير، وأنِّي أحب أن أراك تنعم بالسعادة في الدنيا، وذلك بأن يُبارك الله في عمرك وصحتك، ويرزقك الرزق الحسن الكريم، الذي فيه كل الراحة والطُّمَأنينة، وأريد لك السعادة أيضًا يومَ القيامة؛ حيث تنعم برضا الرحمن، وتشرب من حوض النبي محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - شَرْبَةً لا تظمأ بعدها أبدًا، قل: آمين.
 
مكونات الهدية:
هذه الهدية عبارة عن عقد مُكَوَّن من سبع جواهر، كل جوهرة تساوي مليارات من القطع الذهبية، بل أكثر من ذلك، بل تساوي الدُّنيا وما فيها، وهذا ليس ضربًا من الخيال، بل هي الحقيقة كل الحقيقة، وستلاحظ من خلال ما سنذكره فيما بعد أنَّها تساوي الدُّنيا مضاعفة، وستُحِسُّ بعد نهايتك من قراءة هذه الوصية الغالية براحةٍ وسَعادة ما شعرت بها في حياتك، إنَّها السعادة الحقيقية؛ لأنَّك بكل بساطة عشت وقتًا مع الومضات الإيمانية، والإيمان ما هو إلا نور يقذفه الله في قلوب عباده المؤمنين والمؤمنات؛ ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]، فاللهم اجعلنا منهم.
 
هدية أغلى من الذهب:
نبدأ بِحَول الله بذكر الجواهر السبع جوهرةً جوهرةً؛ حتى يرتسم العقد أمامَك، وما عليك بعد ذلك إلا التزين به مثلما يفعل الأبطال، وأنت بطلٌ حَقًّا؛ لأنَّك ستتغلب على ثلاثةِ مصارعين مُحترفين هم: النفس، والشيطان، والهوى.
 
الجوهرة الأولى: الصلاة في وقتها:
هي الصلاة التي بها ينوِّر الله قلبك، ويُبيِّض بها وجهك، وينور بها أيضًا طريقك، فتسعد في الدُّنيا والآخرة؛ ولهذا قال ابنُ القيم مُبيِّنًا أهميةَ الصلاة وفضائلها الجليلة: "الصلاة مجلبة للرِّزق، حافظة للصِّحة، دافعة للأذى، مطردة للأدواء، مُقوية للقلب، مبيضة للوجه، مفرحة للنفس، مذهبة للكَسَل، منشطة للجوارح، ممدة للقوى، شارحة للصدر، مُغَذِّية للروح، منورة للقلب، حافظة للنعمة، دافعة للنِّقمة، جالبة للبركة، مبعدة من الشيطان، مقربة من الرحمن"[1].
 
الجوهرة الثانية: ذِكْر الله:
ذِكْر الله في كل حين؛ قال الله - سبحانه وتعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 41 - 43]، وقال تعالى: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة: 152]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ ﴾ إلى أن قال سبحانه: ﴿ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 35]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ ﴾ [آل عمران: 190 - 191]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الأنفال: 45]، وقال تعالى: ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ﴾ [البقرة: 200]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [المنافقون: 9]، وقال تعالى: ﴿ رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾ [النور: 37]، وقال تعالى: ﴿ وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ ﴾ [الأعراف: 205]، وقال تعالى: ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الجمعة: 10].
 
فما أظنك أخي بعد هذا لا تُحِبُّ ذِكْرَ الله - تعالى - ففيه الفلاحُ والراحة والطُّمأنينة، بل إنَّ السعادة الكاملة في ذكر الله - تعالى - ولا ترتاح النفسُ راحةً حقيقية إلا عندما نذكره - سبحانه - فيُذْهب الله ما نجد من حزن وضيق وكرب، مثلما كان حال نبي الله يونس - عليه السَّلام - وهو في بطن الحوت، وفي القصة عِبَر وعِظَات يشعر بها كلُّ مؤمن يحب الخير لنفسه ولغيره.
 
الجوهرة الثالثة: الخلق الحسن:
في الخلق الحسن منافِعُ لا يدركها إلاَّ مَن تَحلى بالصفات الحسنة والمعاملة الطيبة، فكل الناس يُحبون صاحبَ الأخلاق الحسنة، بل يصل بهم الأمر أنْ يُفضلوه على أنفسهم، ويَجعلونه في منزلةٍ عظيمة، كيف لا وقد قال ربُّنا واصِفًا نبيَّه الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، فهو النبي الذي قال فيه أصحابُ السير: "ما غضب رسول الله قطُّ"، "ما أخلف رسول الله عهدًا قطُّ"، "ما انتقم رسول الله لنفسه قط"، "ما ضرب رسول الله امرأة قطُّ"، "ما كذب رسول الله قطُّ".
وقبل البَعْثة كان الصادق الأمين، وبعد البعثة تصفه أمُّنا عائشة، فتقول: "كان خلقه القرآن"؛ أخرجه أحمد (25302) إسناده صحيح على شرط الشيخين.
 
الجوهرة الرابعة: الوقت هو الحياة:
الوقت هو الحياة، وقد كانت المفاهيم العظيمة عن الوقت وأهميته ماثلة للعيان دَومًا في حياة الناجحين من سلف هذه الأمة، فقد رُوي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: "ما ندمت على شيء نَدمي على يومٍ غربت شَمسُه، نقص فيه أجلي، ولم يزدد عملي"، وروي عن الحسن البصري - رحمه الله - قوله: "ما من يوم ينشق فجره إلاَّ نادى مُنادٍ من قِبَل الحق: يا ابن آدم، أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد، فتزود مني بعمل صالح، فإني لا أعود إلى يوم القيامة"، ويقول الإمام ابن قيم الجوزية - رحمه الله - في كتابه "الجواب الكافي": "فالعارف لزم وقته، فإن أضاعه ضاعت عليه مصالحه كلها، فجميع المصالح إنَّما تنشأ من الوقت، وإن ضَيَّعَه لم يستدركه أبدًا، فوقت الإنسان عمره في الحقيقة، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم، ومادة مَعيشته الضنك في العذاب الأليم، وهو يَمر أسرع من مَرِّ السحاب، فما كان من وقته لله وبالله فهو حياته وعمره، وغير ذلك ليس محسوبًا من حياته، وإن عاش فيه عاش عيش البهائم، فإذا قطع وقته في الغفلة والسهو والأماني الباطلة، وكان خير ما قطعه به النوم والبطالة، فموت هذا خير له من حياته"؛ ص 157.
 
الجوهرة الخامسة: كن كالغيث أينما وقع نفع:
المسلم دومًا ينفع غيره، بل يَحرص كُلَّ الْحِرْص على جلب الخير والسَّعادة لمن حوله؛ لأنَّه دائمًا يَتَذَكَّر قولَ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يؤمن أحدُكم حتى يُحب لأخيه ما يحب لنفسه))، وهذا ميزانُ الخير، وعاملٌ من عوامل النَّجاح في الدنيا والآخرة؛ لأنَّ الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه.
 
الجوهرة السادسة: الكنز المفقود:
إنَّ الكنز المفقود هو الذي يبحث الناسُ عنه في كل أصقاع الأرض، وتراهم يلهثون صباحَ مساءَ من أجل الحصول عليه بكل الطَّرائق والوسائل، لكن دون جدوى، ولَم يعلم هؤلاء أنَّ الكنز المفقود بداخلنا، فهو في قلوبنا، وهذه القلوب هي مستقر السعادة والراحة، ولا ترتاح هذه القلوب إلاَّ إذا تقربت من ربِّها، وتلذذت بذكره - سبحانه وتعالى - فأسعد الناس مَن كان دائمَ الصلة بالله - تعالى - يسجد بين يدي ربه ذاكرًا مناجيًا، إنَّ منبعَ السعادة في هذا الدين العظيم الذي اختاره لنا ربنا، ورضيه لنا منهاجًا وشرعة، إنَّ لذةَ السعادةِ تكمُن في الإيمان والقرب من الواحد الديَّان الرحمن الرحيم، فأَعْظِم بها من سعادة! وأكْرِم به من كنز!
 
الجوهرة السابعة: وصفة العمر:
وصفةُ العمر: اخْتَرْ لنفسك برنامَجًا تتبعه؛ حيث تُقرِّر أن تُحافظَ على الصلاة المفروضة، والنوافل، وذكر الله في كل حالٍ وحين، واقْرَأ القرآنَ الكريم، ولو حزبًا في اليوم، وقُمِ الليل ولو قليلاً، وأكثر من الصلاة على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - واجعل هذا ديدنَك في حياتك كُلِّها، فيكون هذا وسيلة تقرِّبك إلى الله، فستجد نفسَك قد تغيَّرت كثيرًا، وتقربت من الله، وابتعدت عن كثير من المعاصي ورفقاء السوء، ويجلب لك الله الصالحين، والله الموفق.
 
رجاء: لي رجاء عندك بعد أن تقرأ هذه الورقة أن تدعوَ لي بظهر الغيب، فإني مقصر ولي ذنوب كثيرة، فلا تنسَني - يا أخي - من دُعائك الصالح، عسى ربي أنْ يَغفر لنا جميعًا.



[1] ابن القيم، "الطب النبوي"، ص179.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢