خطب ومحاضرات
اللقاء الشهري [32]
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
نزول الأمطار رحمة من الله بعباده
ومما يدل على ذلك أيضاً ما ثبت في الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخل رجل المسجد يوم الجمعة والإمام يخطب، فقال: (يا رسول الله! هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله أن يغيثنا، فرفع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يديه وقال: اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا -ثلاث مرات، ما زاد على ذلك- قال
ثم إن المطر استمر أسبوعاً كاملاً، فجاء رجل من الجمعة الثانية، أو الرجل الأول وقال: (يا رسول الله! تهدم البناء، وغرق المال، فادع الله أن يمسكها عنا) فدعا النبي صلى الله عليه وسلم لكنه لم يقل: اللهم أمسكها عنا، وإنما دعا بما فيه حصول الخير واندفاع الضرر، قال: (اللهم حوالينا ولا علينا، وجعل يشير بيده إلى النواحي فما أشار إلى ناحية إلا انفرجت بإذن الله) إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يدبر السحاب، ولكن الذي يدبره هو الله عز وجل، (فدعا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ربه: اللهم حوالينا ولا علينا، فانفرج السحاب وخرج الناس يمشون في الشمس، قال: حوالينا ولا علينا، اللهم على الضراب والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر).
وإذا كان الله تعالى هو الذي ينزل الغيث، فإن الواجب علينا أن نعترف له بقلوبنا وألسنتنا بالشكر، وأنه المنعم حقاً، وأن نقوم بطاعته بجوارحنا، لأن الشكر هو القيام بطاعة المنعم.
الجمع بين الصلاتين في المطر
لكن لا يجوز التهاون في الجمع، فيجمع بدون سبب؛ لأن بعض الناس بمجرد أن يأتي المطر يقول: هذا مطر نجمع، وهذا غلط كبير؛ لأن الجمع بدون سببه محرم ولا تقبل به الصلاة المجموعة إلى ما قبلها أو ما بعدها، فمثلاً: لو جمع العشاء إلى المغرب بدون سبب صحت صلاة المغرب ولم تصح صلاة العشاء؛ لأنها صارت قبل وقتها في حال لا يجوز فيه الجمع، وقد قال الله تبارك وتعالى في الكتاب العزيز: إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً [النساء:103] أي: محدودة بوقت، الفجر من كذا إلى كذا، والظهر من كذا إلى كذا، والعصر من كذا إلى كذا، والمغرب من كذا إلى كذا، والعشاء من كذا إلى كذا، محدد، وبين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تلك الأوقات، فمن صلى الصلاة في غير وقتها بغير حجة شرعية فهو آثم، والصلاة التي صليت في غير وقتها باطلة، فإذا جمع الإنسان بمجرد نزول المطر الذي ليس فيه مشقة وليس بالأرض وحل ولا مناقع من الماء فإن صلاته العشاء لا تصح، ويجب عليه أن يعيدها، فإذا شك الإنسان هل هذا المطر مبيح للجمع أم ليس بمبيح فما الواجب؟
الواجب ترك الجمع؛ لأن الأصل وجوب فعل الصلاة في وقتها، ولا يجوز العدول عن هذا الأصل إلا بدليل شرعي، فإذا شك الإنسان قال: هذا المطر لا أدري أيبيح الجمع لي أم لا؟
قلنا: لا تجمع، حتى تتيقن أن هذا المطر يبيح الجمع أو يغلب على ظنك أيضاً، لأنه إذا غلب على الظن كفى.
فإن قال قائل: أرأيتم لو صلوا المغرب وليس هناك مطر، ثم نزل المطر بعد أن تفرق الناس؟
قلنا: إذا شق عليهم الحضور إلى العشاء فليصل كل واحد في بيته ولا حرج، لكن في هذه الحالة إذا كان الإنسان معه رجال فليصلوا جماعة في البيت لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كان أكثر فهو أحب إلى الله) فالأمر والحمد لله واسع، لكن لا بد من تحقق العذر الذي يبيح الجمع، وإلا أقدم الإنسان على أمرٍ لا يحل له.
حكم من أدرك جماعة يصلون العشاء قبل أن يصلي المغرب
فهنا احتمالات ثلاثة، والأخير هو أولاها أن تدخل معهم بنية المغرب وإن كانوا يصلون العشاء.
ولكن إذا دخلت في أول ركعة فإنه إذا قام الإمام إلى الرابعة فقد انتهت صلاتك، يجب أن تجلس وتقرأ التشهد وتسلم، ثم تدخل مع الإمام فيما بقي من صلاة العشاء إن أدركته.
فإن دخلت معه في الركعة الثانية فماذا تصنع؟
تتابعه وتسلم معه؛ لأنك تكون قد صليت ثلاثاً.
فإن دخلت معه في الركعة الثالثة تتابعه، وإذا سلم تقوم وتأتي بركعة واحدة؛ لأن صلاته ثلاث وإن كانت صلاة الإمام أربعاً لكن صلاته ثلاث.
فإذا دخل معه في الثالثة أدرك مع الإمام ركعتين فإذا سلم الإمام أتى بركعة، وإن دخل في الرابعة أتى بركعتين.
قد يشكل على الإنسان أنه بمتابعة إمامه إذا دخل معه في الثانية اختلت الصلاة، يكون تشهد في أول ركعة ولم يتشهد في الركعة الثانية؟
نقول: لا حرج؛ لأنه تشهد تبعاً لإمامه وترك التشهد تبعاً لإمامه، ولهذا نظائر، أرأيت لو دخلت معه في صلاة الظهر وهو يصلي الظهر ودخلت معه في الركعة الثانية؟!
سوف تجلس في الركعة الأولى ولا تجلس في الركعة الثانية، لكن كل هذا من أجل متابعة الإمام، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه).
فإن قال الإنسان: يشكل عليَّ إذا دخلت معه في الركعة الأولى وهو يريد صلاة المغرب والإمام يصلي العشاء ثم جلس في الثالثة وانفرد عن الإمام يشكل عليه لماذا ينفرد؟
قلنا: هذا الانفراد لعذر، وهو أن صلاته تمت، فلا بد أن ينفرد، وله نظير في الشرع، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في صلاة الخوف كان يصلي بأصحابه، بطائفة أول الصلاة، ثم تكمل صلاتها وتنصرف، وتأتي الأخرى وتدرك النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الصلاة.
ثم إن العلماء رحمهم الله قالوا: لو أن الإنسان دخل مع الإمام وفي أثناء الصلاة حُصِرَ ببول أو غائط أو ريح، ولا يستطيع أن يكمل مع الإمام قال العلماء: له أن ينفرد عن إمامه، ويكمل وينصرف، ونقول: الأمر واسع، انوِ الانفراد وأكمل صلاتك خفيفة واقض حاجتك، هذا انفراد لعذر، والأعذار ليست كغير الأعذار فهذا عذر حسي، والذي جلس ليتشهد ويسلم في صلاة المغرب عذر شرعي.
وخلاصة القول في هذا اللقاء: أولاً: أنه يجب علينا أن نشكر الله سبحانه وتعالى على ما أنعم به علينا من هذه الأمطار، وأن نسأل الله أن يجعل فيها بركة.
ثانياً: لا يجوز لنا أن نتساهل في الجمع، ولكن إذا وجد سبب الجمع فالأفضل الجمع؛ اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
فإننا نشكر الله سبحانه وتعالى على ما منَّ به على هذه المنطقة من السيول التي كانت، والتي نرجو الله سبحانه وتعالى أن تكون صيباً نافعاً ينفع الله به البلاد والعباد، هذه الأمطار التي يرسلها الله عز وجل على العباد تسير -بإذن الله- سيراً حثيثاً أو بطيئاً على حسب ما تقتضيه حكمة الله عز وجل، وليس بخافٍ علينا ما جرى في قصة الرجل الذي سمع صوتاً من السحاب يقول: اسق حديقة فلان -حديقته أي: بستانه- لما سمع هذا الصوت تعجب! كيف يؤمر السحاب أن يسقي حديقة فلان؟! فجاء يتبع السحاب حتى أمطرت في أرضٍ انبعث منها وادٍ صب في هذه الحديقة فأرواها، فقال الرجل الذي سمع الصوت لصاحب الحديقة: ما الذي تصنع في حديقتك؟ قال له: ما شأنك بها؟ قال: إني سمعت صوتاً من السحاب يقول: اسق حديقة فلان -لحديقتك هذه- فقال: أما وقد قلت هذا، فإنني أقسمها أثلاثاً، ثلث أجعله في نفقتها، وثلث نفقة لي ولأهلي، وثلث أتصدق به، فانظر كيف كان سقي هذه الحديقة بإرادة الله عز وجل.
ومما يدل على ذلك أيضاً ما ثبت في الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخل رجل المسجد يوم الجمعة والإمام يخطب، فقال: (يا رسول الله! هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله أن يغيثنا، فرفع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يديه وقال: اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا -ثلاث مرات، ما زاد على ذلك- قال
ثم إن المطر استمر أسبوعاً كاملاً، فجاء رجل من الجمعة الثانية، أو الرجل الأول وقال: (يا رسول الله! تهدم البناء، وغرق المال، فادع الله أن يمسكها عنا) فدعا النبي صلى الله عليه وسلم لكنه لم يقل: اللهم أمسكها عنا، وإنما دعا بما فيه حصول الخير واندفاع الضرر، قال: (اللهم حوالينا ولا علينا، وجعل يشير بيده إلى النواحي فما أشار إلى ناحية إلا انفرجت بإذن الله) إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يدبر السحاب، ولكن الذي يدبره هو الله عز وجل، (فدعا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ربه: اللهم حوالينا ولا علينا، فانفرج السحاب وخرج الناس يمشون في الشمس، قال: حوالينا ولا علينا، اللهم على الضراب والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر).
وإذا كان الله تعالى هو الذي ينزل الغيث، فإن الواجب علينا أن نعترف له بقلوبنا وألسنتنا بالشكر، وأنه المنعم حقاً، وأن نقوم بطاعته بجوارحنا، لأن الشكر هو القيام بطاعة المنعم.
استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
اللقاء الشهري [24] | 3292 استماع |
اللقاء الشهري [34] | 3026 استماع |
اللقاء الشهري [41]رقم2 | 3002 استماع |
اللقاء الشهري [25] | 2941 استماع |
اللقاء الشهري [29] | 2937 استماع |
اللقاء الشهري [58] | 2837 استماع |
اللقاء الشهري [33] | 2805 استماع |
اللقاء الشهري [60] | 2786 استماع |
اللقاء الشهري [7]1،2 | 2672 استماع |
اللقاء الشهري [50] | 2647 استماع |