شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الحيض - حديث 151-157


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

فننتقل إلى حديث حمنة بنت جحش، وقد سبق شرح حديثها في المجلس السابق، وأشير إلى ما في حديث حمنة باختصار، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أرشدها إلى أن تتحيض ستة أيام، أو سبعة أيام في علم الله، ثم تغتسل وتصلي، وإن استطاعت أن تؤخر الظهر، وتعجل العصر، وتجمع بينهما في غسل واحد، وتؤخر المغرب وتعجل العشاء وتجمع بينهما في غسل واحد، وتغتسل للفجر فعلت، وهذا أعجب إلى النبي صلى الله عليه وسلم .

تخريج الحديث

وحديث حمنة فيه مسألة تتعلق بإسناده، ذكرتها وأشير إليها باختصار: وهي أن العلماء اختلفوا في تصحيحه، فصححه طائفة من العلماء كثيرة، على رأسهم البخاري والإمام أحمد والترمذي، حيث قال كل منهم: هذا حديث حسن صحيح، وصححه كذلك ابن العربي والشوكاني، وحسنه الألباني .

وضعفه آخرون، منهم أبو حاتم، كما نقل ابنه أنه وهنه، ولم يقو إسناده، وكذلك الإمام أحمد في رواية أبي داود أنه قال: في النفس منه شيء، وكأنه يومئ إلى تضعيفه، وممن ضعفه أيضاً ابن حزم، حيث أعله بالانقطاع.. في علماء آخرين.

وسبب اختلافهم في تضعيف الحديث أو تصحيحه: هو أن الحديث مداره على عبد الله بن محمد بن عقيل، وقد اختلف فيه، فمن العلماء من ضعفه، كـعلي بن المديني، وابن معين، وابن خزيمة، وابن حبان .. وغيرهم، ومن العلماء من وثقه، حيث احتج به الإمام أحمد، والحميدي، وإسحاق، وقال فيه الترمذي : إنه صدوق، وقال الذهبي في الميزان: حديثه لا ينزل عن رتبة الحسن، وهذا والله تعالى أعلم أعدل الأقوال في عبد الله بن محمد بن عقيل أنه صدوق، وحديثه حسن، وبناءً على ذلك أن الراجح أن حديث حمنة حديث حسن .

فوائد الحديث

وحديثها فيه فوائد سبقت منها: رد المستحاضة التي ليس لها عادة ولا تمييز إلى عادة غالب النساء، حيث تتحيض ستة أيام أو سبعة، ثم تغتسل وتصلي.

وفيه: وجوب الغسل من المحيض، وهذا معروف بالقرآن والسنة.

وفيه: أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة، وهذا الذي ذهب إليه جمهور العلماء، وسيأتي الإشارة إليه في الحديث الذي بعد هذا.

وفيه: جواز الجمع بين الصلاتين للحاجة وللمرض، أن المريض له أن يجمع بين الصلاتين، فيجمع بين الظهر والعصر، ويجمع بين المغرب والعشاء؛ وذلك لأن المستحاضة ذات عذر ومرض، فأجاز لها الرسول صلى الله عليه وسلم في الجمع بين الصلاتين.

وفيه: أنه يستحب للمستحاضة، إذا جمعت بين الصلاتين، أن تغتسل للظهر والعصر غسلاً واحداً، وتغتسل للمغرب والعشاء غسلاً واحداً، وتغتسل للفجر، هذا أظهر ما في حديث حمنة .

وفيه: أنه يجب عليها أن تتلجم، يعني: أن تضع على فرجها شيئاً يمنع خروج الدم، إلا إذا كان الدم أكثر من ذلك، بحيث لا تستطيع أن تمنعه، فإنها تصلي ولو خرج الدم منها، وقطر على الحصير، وهكذا أصحاب الأعذار، كمن به سلس، أياً كان هذا السلس، فإنه يجب عليه أن يضع على فرجه ما يمنع خروج النجاسة، وانتشارها على بدنه وثيابه ومصلاه، ثم يتوضأ لكل صلاة .

وحديث حمنة فيه مسألة تتعلق بإسناده، ذكرتها وأشير إليها باختصار: وهي أن العلماء اختلفوا في تصحيحه، فصححه طائفة من العلماء كثيرة، على رأسهم البخاري والإمام أحمد والترمذي، حيث قال كل منهم: هذا حديث حسن صحيح، وصححه كذلك ابن العربي والشوكاني، وحسنه الألباني .

وضعفه آخرون، منهم أبو حاتم، كما نقل ابنه أنه وهنه، ولم يقو إسناده، وكذلك الإمام أحمد في رواية أبي داود أنه قال: في النفس منه شيء، وكأنه يومئ إلى تضعيفه، وممن ضعفه أيضاً ابن حزم، حيث أعله بالانقطاع.. في علماء آخرين.

وسبب اختلافهم في تضعيف الحديث أو تصحيحه: هو أن الحديث مداره على عبد الله بن محمد بن عقيل، وقد اختلف فيه، فمن العلماء من ضعفه، كـعلي بن المديني، وابن معين، وابن خزيمة، وابن حبان .. وغيرهم، ومن العلماء من وثقه، حيث احتج به الإمام أحمد، والحميدي، وإسحاق، وقال فيه الترمذي : إنه صدوق، وقال الذهبي في الميزان: حديثه لا ينزل عن رتبة الحسن، وهذا والله تعالى أعلم أعدل الأقوال في عبد الله بن محمد بن عقيل أنه صدوق، وحديثه حسن، وبناءً على ذلك أن الراجح أن حديث حمنة حديث حسن .

وحديثها فيه فوائد سبقت منها: رد المستحاضة التي ليس لها عادة ولا تمييز إلى عادة غالب النساء، حيث تتحيض ستة أيام أو سبعة، ثم تغتسل وتصلي.

وفيه: وجوب الغسل من المحيض، وهذا معروف بالقرآن والسنة.

وفيه: أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة، وهذا الذي ذهب إليه جمهور العلماء، وسيأتي الإشارة إليه في الحديث الذي بعد هذا.

وفيه: جواز الجمع بين الصلاتين للحاجة وللمرض، أن المريض له أن يجمع بين الصلاتين، فيجمع بين الظهر والعصر، ويجمع بين المغرب والعشاء؛ وذلك لأن المستحاضة ذات عذر ومرض، فأجاز لها الرسول صلى الله عليه وسلم في الجمع بين الصلاتين.

وفيه: أنه يستحب للمستحاضة، إذا جمعت بين الصلاتين، أن تغتسل للظهر والعصر غسلاً واحداً، وتغتسل للمغرب والعشاء غسلاً واحداً، وتغتسل للفجر، هذا أظهر ما في حديث حمنة .

وفيه: أنه يجب عليها أن تتلجم، يعني: أن تضع على فرجها شيئاً يمنع خروج الدم، إلا إذا كان الدم أكثر من ذلك، بحيث لا تستطيع أن تمنعه، فإنها تصلي ولو خرج الدم منها، وقطر على الحصير، وهكذا أصحاب الأعذار، كمن به سلس، أياً كان هذا السلس، فإنه يجب عليه أن يضع على فرجه ما يمنع خروج النجاسة، وانتشارها على بدنه وثيابه ومصلاه، ثم يتوضأ لكل صلاة .

أما الحديث الذي بعده وهو حديث عائشة وقد مضى معنا حديث عائشة ومضى شيء منه وهو في قصة أم حبيبة بنت جحش رضي الله عنها، حيث: ( شكت إلى النبي صلى الله عليه وسلم الدم. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك، ثم اغتسلي، فكانت تغتسل لكل صلاة )، والحديث رواه مسلم .

وفي رواية للبخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: ( وتوضئي لكل صلاة ).

معاني ألفاظ الحديث

إنَّ المنهج في الدعوة إلى الله والذي أمر الله به رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم وأمرنا أن نقتدي به، هو كما قال عز وجل على لسان نبيه ((قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ))[يوسف:108].

ترجمة أم حبيبة بنت جحش

في هذا الحديث أولاً: ذكر أم حبيبة : وهي بنت جحش أخت زينب زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وأخت حمنة وقد مر ذكرها، وهذا يذكرنا بما قاله ابن عبد البر رحمه الله: إن بنات جحش الثلاث كلهن مستحاضات: زينب وحمنة وأم حبيبة، وأم حبيبة هذه كانت استحيضت سبع سنين، وهي مشهورة بذلك، واسمها غير معروف وإن كان بعضهم قال: إن اسمها حبيبة، وكنيتها أم حبيب، لكن المشهور في الرواية أن كنيتها أم حبيبة بهاء في آخرها، وكانت تحت عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأرضاه .

حكم اغتسال المستحاضة لكل صلاة

وقد اختلف أهل العلم في غسلها لكل صلاة ما حكمه؟ على أقوال:

فقيل: يجب عليها أن تغتسل لكل صلاة، يعني: المستحاضة، وهذا منقول عن جماعة من الصحابة مثل: ابن عمر، وابن الزبير، وعطاء من التابعين.. وغيرهم.

ومن حجتهم ما رواه أبو داود عن عائشة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر زينب -يعني بنت جحش - أن تغتسل لكل صلاة) . والحديث رواه أبو داود وهو ضعيف، ضعفه النووي والشوكاني .. وغيرهم، فلا حجه في هذا الحديث.

القول الثاني في مسألة الغسل: أنها تغتسل كل يوم، يعني: من الظهر إلى الظهر، وهذا ورد أيضاً عن جماعة من الصحابة، كـعائشة، وعلي بن أبي طالب وغيرهما، وليس فيه في ذلك أحاديث مرفوعة، إنما روى أبو داود عن علي رضي الله عنه أنه قال: (فاغتسلي من الظهر إلى الظهر)، وليس لهم في ذلك حجة قائمة.

القول الثالث وهو قول الجمهور، وهو المعروف عن الأئمة الأربعة وسواهم: أنه لا يجب على المستحاضة غسل إلا غسل المحيض، فتغتسل إذا انتهى حيضها وبدأت الاستحاضة، سواء كان ذلك عن طريق الأيام، أو عن طريق تمييز الدم، أو عن طريق عادة النساء، تغتسل بعد ذلك ثم تتوضأ لكل صلاة، ولا يجب عليها اغتسال غير اغتسالها من المحيض، وهذا هو قول الجمهور وهو الصحيح؛ وذلك لأن إلزام المستحاضة أن تغتسل لكل صلاة، كما كانت تفعل أم حبيبة بنت جحش فيه من المشقة والعنت العظيم، حيث تؤمر بالغسل خمس مرات في اليوم، فهذا فيه حرج عظيم عليها، والحرج مندفع كما هو معروف في الشريعة، ولا يأمرها الشارع بما فيه هذا الحرج والعنت والمشقة، وإنما يجب عليها الوضوء، وهذا مذهب الثلاثة: أحمد والشافعي وأبي حنيفة: أنه يجب عليها الوضوء لكل صلاة، أما مالك فإنه لا يلزمها حتى بالوضوء، إلا أن تحدث حدثاً آخر فيجب عليها الوضوء لذلك الحدث.

فأما حجة الجمهور في إيجاب الوضوء، فحجتهم ما ورد في رواية البخاري من قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ثم توضئي لكل صلاة، حتى يجيء ذلك الوقت )، يعني: الوقت الذي تعده حيضاً، فتقعد عن الصلاة، فأمرها بالوضوء لكل صلاة.

وأما حجة مالك، فإنه لم ير هذه اللفظة ثابتة، وقد روي أن هذا من قول عروة، وليس مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما لم تثبت هذه الزيادة عند مالك، لم يوجب عليها الوضوء لكل صلاة.

والأقرب قول الجمهور: في وجوب الوضوء عليها لكل صلاة؛ وذلك لأن الوضوء ليس فيه حرج ولا مشقة..

إنَّ المنهج في الدعوة إلى الله والذي أمر الله به رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم وأمرنا أن نقتدي به، هو كما قال عز وجل على لسان نبيه ((قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ))[يوسف:108].

في هذا الحديث أولاً: ذكر أم حبيبة : وهي بنت جحش أخت زينب زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وأخت حمنة وقد مر ذكرها، وهذا يذكرنا بما قاله ابن عبد البر رحمه الله: إن بنات جحش الثلاث كلهن مستحاضات: زينب وحمنة وأم حبيبة، وأم حبيبة هذه كانت استحيضت سبع سنين، وهي مشهورة بذلك، واسمها غير معروف وإن كان بعضهم قال: إن اسمها حبيبة، وكنيتها أم حبيب، لكن المشهور في الرواية أن كنيتها أم حبيبة بهاء في آخرها، وكانت تحت عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأرضاه .

وقد اختلف أهل العلم في غسلها لكل صلاة ما حكمه؟ على أقوال:

فقيل: يجب عليها أن تغتسل لكل صلاة، يعني: المستحاضة، وهذا منقول عن جماعة من الصحابة مثل: ابن عمر، وابن الزبير، وعطاء من التابعين.. وغيرهم.

ومن حجتهم ما رواه أبو داود عن عائشة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر زينب -يعني بنت جحش - أن تغتسل لكل صلاة) . والحديث رواه أبو داود وهو ضعيف، ضعفه النووي والشوكاني .. وغيرهم، فلا حجه في هذا الحديث.

القول الثاني في مسألة الغسل: أنها تغتسل كل يوم، يعني: من الظهر إلى الظهر، وهذا ورد أيضاً عن جماعة من الصحابة، كـعائشة، وعلي بن أبي طالب وغيرهما، وليس فيه في ذلك أحاديث مرفوعة، إنما روى أبو داود عن علي رضي الله عنه أنه قال: (فاغتسلي من الظهر إلى الظهر)، وليس لهم في ذلك حجة قائمة.

القول الثالث وهو قول الجمهور، وهو المعروف عن الأئمة الأربعة وسواهم: أنه لا يجب على المستحاضة غسل إلا غسل المحيض، فتغتسل إذا انتهى حيضها وبدأت الاستحاضة، سواء كان ذلك عن طريق الأيام، أو عن طريق تمييز الدم، أو عن طريق عادة النساء، تغتسل بعد ذلك ثم تتوضأ لكل صلاة، ولا يجب عليها اغتسال غير اغتسالها من المحيض، وهذا هو قول الجمهور وهو الصحيح؛ وذلك لأن إلزام المستحاضة أن تغتسل لكل صلاة، كما كانت تفعل أم حبيبة بنت جحش فيه من المشقة والعنت العظيم، حيث تؤمر بالغسل خمس مرات في اليوم، فهذا فيه حرج عظيم عليها، والحرج مندفع كما هو معروف في الشريعة، ولا يأمرها الشارع بما فيه هذا الحرج والعنت والمشقة، وإنما يجب عليها الوضوء، وهذا مذهب الثلاثة: أحمد والشافعي وأبي حنيفة: أنه يجب عليها الوضوء لكل صلاة، أما مالك فإنه لا يلزمها حتى بالوضوء، إلا أن تحدث حدثاً آخر فيجب عليها الوضوء لذلك الحدث.

فأما حجة الجمهور في إيجاب الوضوء، فحجتهم ما ورد في رواية البخاري من قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ثم توضئي لكل صلاة، حتى يجيء ذلك الوقت )، يعني: الوقت الذي تعده حيضاً، فتقعد عن الصلاة، فأمرها بالوضوء لكل صلاة.

وأما حجة مالك، فإنه لم ير هذه اللفظة ثابتة، وقد روي أن هذا من قول عروة، وليس مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما لم تثبت هذه الزيادة عند مالك، لم يوجب عليها الوضوء لكل صلاة.

والأقرب قول الجمهور: في وجوب الوضوء عليها لكل صلاة؛ وذلك لأن الوضوء ليس فيه حرج ولا مشقة..

هذا الحديث حديث عائشة كان يجب أن يكون أيضاً من حصة المجلس السابق، أما بقية الأحاديث فهي الأحاديث التي نأخذها هذه الليلة إن شاء الله، وهي حديث أم عطية، وأنس، وعائشة، وابن عباس:

قال المصنف رحمه الله تعالى: وعن أم عطية رضي الله عنها قالت: ( كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئاً )، رواه البخاري وأبو داود واللفظ له.

وعن أنس رضي الله عنه: ( أن اليهود كانت إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اصنعوا كل شيء إلا النكاح )، رواه مسلم .

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني فأتزر، فيباشرني وأنا حائض )، متفق عليه.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما: ( عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض، قال: يتصدق بدينار، أو بنصف دينار ) رواه الخمسة وصححه الحاكم وابن القطان، ورجح غيرهما وقفه.

الشيخ: الحديث الأول: حديث أم عطية رضي الله عنها أنها قالت: ( كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً )، رواه البخاري وأبو داود واللفظ له.

ترجمة أم عطية

أم عطية : هي نسيبة بنت كعب المازنية، وهي من كبار الصحابيات، بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت تخرج معه في القتال، تسقي الجرحى، وتداويهم، وتمرضهم.

ولها ذكر كثير في الصحيحين.. وغيرهما، منه ذكرها في حديث بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ماتت، فكانت أم عطية فيمن يغسلها.

ومنها: ذكر أم عطية في أنه تصدق عليها بشاة، فأهدت لـعائشة رضي الله عنها شيئاً منها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( هل عندكم شيء، قالت: لا، إلا ما بعثت به أم عطية فقال لها: هاتيه فقد بلغت محلها ). ولها ذكر في الصحيحين في مواضع كثيرة غير هذين.

واسمها: نسيبة بنت كعب المازنية، وقيل: غير ذلك.

تخريج الحديث

قالت: ( كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً )، الحديث رواه البخاري، في باب الصفرة والكدرة في غير أيام الحيض.

ولفظ البخاري : ( كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئاً )، يعني: بدون قولها: (بعد الطهر)، والكلمة هذه (بعد الطهر)، كلمة مهمة؛ لأنه يتغير بزوالها المعنى، ينقص نقصاً واضحاً كما هو ظاهر، فرواية البخاري : ( كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئاً )، وليس فيه قوله: (بعد الطهر)، ولكن البخاري أشار من خلال الترجمة إلى أن المعنى بعد الطهر وإن كان لم يرفق رواية: (بعد الطهر).

والحديث رواه أبو داود بزيادة: (بعد الطهر)، ورواه أيضاً الحاكم والبيهقي والدارمي .. وغيرهم وسنده صحيح.

قال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.

وقال النووي في المجموع : إسناده صحيح على شرط البخاري .

وقال الشيخ الألباني في إرواء الغليل مثل ذلك.

والحديث له طرق عديدة تثبته، وإن كان فيه عنعنة قتادة في قوله: (بعد الطهر) .

معاني ألفاظ الحديث

حديث أم عطية رضي الله عنها فيه: ذكر الصفرة والكدرة، فما هو المقصود بهما؟

المقصود بالصفرة والكدرة: أن يخرج من رحم المرأة ماء مثل الصديد، تعلوه صفرة أو كدرة، وليس يشبه شيئاً من الدماء المعروفة، ماء مثل الصديد تعلوه الصفرة، أو تعلوه الكدرة، ولا يشبهه شيئاً من الدماء المعروفة، هذا معنى الصفرة والكدرة .

حكم الصفرة والكدرة التي تخرج من المرأة وأقوال العلماء فيها

وقد اختلف العلماء في حكم الصفرة والكدرة التي تخرج من المرأة: هل تعد حيضاً أم لا تعد حيضاً؟

القول الأول: الصفرة والكدرة حيض إن اتصلا بالحيض وإلا فلا وأدلته

فالرأي الأول في المسألة: أن الصفرة والكدرة إن كانت متصلة بالحيض، فهي حيض، وإن كانت في غير أيام الحيض، فلا تعد حيضاً. هذا القول الأول، يعني: لا يعطون الصفرة والكدرة حكماً مطلقاً، فيقولون: هي حيض أو ليست بحيض، بل يفصلون، فيقولون: إن كانت الصفرة والكدرة التي رأتها المرأة متصلة بالحيض، فحكمها حكم حيض، وإن كانت في غير أيام الحيض، فليست بحيض، وهذا القول نسبه البغوي إلى أكثر العلماء، ونص عليه الإمام أحمد، وذكر ابن قدامة في المغني أنه مذهب مالك وربيعة والشافعي .. وغيرهم، وهو رأي الليث والأوزاعي وإسحاق .. وسواهم. ولكن من مراجعة كتاب المجموع للنووي يتضح أن الأصح من مذهب الشافعية أنهم يقولون: الصفرة والكدرة في زمن الإمكان حيض، وليس في زمن الحيض، وهناك فرق بين قولنا: الصفرة والكدرة في زمن الإمكان حيض، وبين قولنا: الصفرة والكدرة في زمن الحيض حيض.

هذا الفرق يتضح من خلال المثال التالي: عندنا امرأة حاضت دماً أسود لمدة خمسة أيام، ثم طهرت، هذا يعتبر حيضاً ما فيه إشكال، طهرت لمدة خمسة عشر يوماً ثم رأت صفرة لمدة خمسة أيام ثم طهرت، هذه الأيام الخمسة التي رأت فيها الصفرة هل تعد عند الجمهور حيضاً أم لا تعد حيضاً؟

عند الجمهور، يعني: منصوص الإمام أحمد ومالك وربيعة والليث والذين ذكرتهم، أصحاب القول الأول لا تعد حيضاً؛ لأنها ليست في زمن الحيض، ولا متصلة به لا قبله ولا بعده، فليست حيضاً، بل تعد استحاضة هذا ظاهر قولهم.

لكن عند الشافعية على حسب ما قرره النووي تعد حيضاً؛ لأنه في زمن الإمكان، بمعنى: أنه من الممكن أن تكون حيضاً فتكون حيضاً؛ وذلك لأن بينها وبين الطهر خمسة عشر يوماً فأقل الطهر عندهم خمسة عشر يوماً فيقولون: ما دامت طهرت بعد الحيض الأول ثم مكثت خمسة عشر يوماً، ثم رأت الصفرة، فهذه الصفرة يجوز أن تكون حيضاً، فتعد حيضاً عندهم، هذا الذي رجحه النووي من مذهب الشافعية.

لا يهم كثيراً ماذا يكون مذهب الشافعي، المهم أن نعرف الأقوال ونميز بينها، ثم نعرف القول الراجح.

فنعود إلى القول الأول، القول الأول: أن الصفرة والكدرة إن كانت متصلة بالحيض، فهي حيض، وإن كانت في غير أيام الحيض فهي طهر لا تعد حيضاً، بل تصوم فيها المرأة وتصلي.

وحجة أصحاب هذا القول وهم الجمهور: حديث أم عطية، وهو قولها: (كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً )، فدل على أن الصفرة والكدرة إذا كانت متصلة بالحيض، فهي حيض، حكمها حكم الحيض.

وقولها: (كنا لا نعده)، يعني: في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا عند أكثر العلماء من باب المرفوع حكماً، أي له حكم المرفوع؛ لأن المعروف أن هذا يطلع عليه النبي صلى الله عليه وسلم فيقره، ولم تكن المؤمنات لتفتات على الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر، وهو بين أظهرهن، إلا ويسألنه عن حكم الله ورسوله في هذه المسألة، فالراجح أن هذا من باب المرفوع حكماً، له حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

القول الثاني: الصفرة والكدرة حيض إن سبقها حيض وإلا فلا وأدلته

القول الثاني: أن الصفرة والكدرة إن كان سبقها حيض، فهي حيض، وإلا فليست بحيض، إن كان سبقها حيض قل أو كثر، فهي حيض، وإلا فليست بحيض، وهذا مذهب أبي ثور، وروي نحوه عن أبي يوسف، وداود الظاهري، واختاره ابن المنذر .. وغيرهم، قالوا: إن سبق الصفرة والكدرة حيض ألحقت به، وإن لم يسبقها حيض فهي طهر، ولا أعرف لهم دليلاً في ذلك.

القول الثالث: الصفرة والكدرة حيضاً في زمن الحيض وغيره وأدلته

القول الثالث: أن الصفرة والكدرة حيض، أياً كان، سواء كانت في زمن الحيض أو في غيره، فكل صفرة أو كدرة تراها المرأة فهو حيض، وهذا القول منسوب للإمام مالك، ذكره ابن رشد في بداية المجتهد عن المدونة، وكذلك نسبه ابن حزم في المحلى للإمام مالك : أن كل صفرة أو كدرة فهي حيض، والمشهور عن الإمام مالك القول الأول.

القول الرابع: الصفرة والكدرة لا تعد حيضاً لا في زمن الحيض ولا في غيره وأدلته

القول الرابع: أن الصفرة والكدرة ليست حيضاً، ولا تعد حيضاً، لا إن كانت متصلة بالحيض، ولا إن كانت منفصلة عنه، بل قالوا: الصفرة والكدرة لا تسمى دماً، ولا تعد حيضاً، بل هي من ضمن ما تبقيه الرحم من الأشياء الأخرى فلا تعد حيضاً، وهذا مذهب الإمام ابن حزم كما هو ظاهر جداً في كتاب المحلى، وحجته قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( دم الحيض دم أسود يعرف )، كما سبق من حديث عائشة .

فقال: ما سوى ذلك الدم المعروف فليس بحيض، سواء كان صفرة أو كدرة أو غيرهم. هذه أربعة أقوال في مسألة الصفرة والكدرة.

والأقرب والراجح منها والله تبارك وتعالى أعلم: هو القول الأول، ولعله يصح أن ينسب للجمهور: أن الصفرة والكدرة إن كانت متصلة بالحيض، فهي حيض، وإن لم تكن متصلة به، فلا تعد حيضاً، بل هي طهر، ولكن يجب على من تصيبها الصفرة والكدرة أن تغتسل لكل صلاة، كما هو معروف مما سبق.

ملخص لأقوال العلماء في حكم الصفرة والكدرة

ويمكن أن نقول من خلال العرض السابق: إن الأقوال خمسة أيضاً؛ لأن قول الشافعية أن الصفرة والكدرة في زمن الإمكان حيض، فربما نستطيع أن نقول: إن الأقوال خمسة:

القول الأول: وهو مذهب الجمهور كما ذكره البغوي وغيره، وابن قدامة في المغني : أن الصفرة والكدرة إن كانت متصلة بالحيض، في زمنه ووقته، فهي حيض، وإن كانت في غير ذلك، فليست بحيض، وهذا هو الراجح، لحديث أم عطية : ( كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً ).

القول الثاني: وهو قول الشافعية أن الصفرة والكدرة في زمن الإمكان حيض، أما في غير زمن الإمكان فليست بحيض، يعني: في الزمن الذي لا يمكن أن تكون حائضاً فيه، كما لو رأت الصفرة -مثلاً- بعد ثلاثة أيام من الطهر مثلاً.

القول الثالث: أن الصفرة والكدرة إن كانت بعد رؤية الحيض، فهي حيض، وإن كانت قبل رؤية الحيض فليست بحيض.

القول الرابع: أن الصفرة والكدرة حيض مطلقاً.

القول الخامس: أن الصفرة والكدرة ليست بحيض مطلقاً.

والراجح: هو القول الأول؛ لحديث أم عطية.

والقول الخامس قول ابن حزم أنه لا يعد الصفرة والكدرة شيئاً، قد يستدل له برواية في البخاري، في حديث أم عطية : ( كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئاً )، وقد جاء نحوه عن عائشة، واستدل ابن حزم فعلاً برواية عائشة : ( كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئاً ).. أو نحوه.

ولكن الظاهر من خلال الروايات الكثيرة عند أبي داود والدارمي والبيهقي والحاكم .. وغيرهم، ومن صنيع البخاري أيضاً: أن الصحيح عن أم عطية كانت تقول: ( كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً )، ويرجحه رواية عائشة التي ذكرها البخاري تعليقاً، ورواها أصحاب السنن: ( أن النساء كن يبعثن إليها بالدرجة من الكرسف -يعني: القطن أو غيره- من الليل، -يعني: ينظرن هل طهرن أم لا؟!- فكانت تقول لهن: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء فإنها قد تكون الصفرة والكدرة )، فدل على أن الصفرة والكدرة إذا كانت متصلة بالحيض فحكمها حكمه .