أحداث الساعة


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله، فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:

معشر الأبناء والإخوة الحضور، أحييكم جميعاً بتحية الإسلام، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إن الأحداث التي جرت وتجري في هذه الأيام عبارة عن حصاد بذر فلاحه تم منذ سنين، بل منذ قرون.

إذاً: فلنستعرض تلك الأسباب والعوامل التي أنتجت هذا الحصاد المرير؛ ليعلم الأبناء والإخوان أن الدين الإسلامي -وهو الدين الحق الذي لا يقبل الله ديناً سواه- وضعه الله وشرعه، من أجل إكمال الإنسانية وإسعادها، فهو ليس ديناً خاصاً بأمة من الأمم، ولا بشعب من الشعوب، إذ نبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته عامة، فقد أُرسل صلى الله عليه وسلم للأبيض والأسود: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف:158]، وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ [سبأ:28].

محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو صاحب هذه الرسالة، وما إن انتشر نور الهدى في ربوع هذه الجزيرة بعد جهاد مرير، كانت مدته ثلاثاً وعشرين سنة، عاشها أبو القاسم -فداه أبي وأمي- جهاداً متواصلاً؛ ثلاث عشرة سنة قضاها بمكة، وكان الجهاد باللسان دون السنان، وما إن انتقل بإذن الله إلى المدينة دار هجرته حتى أذن الله له ولأصحابه بالجهاد بالسنان: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ [الحج:39]، فخاض صلى الله عليه وسلم معارك دامية، لا أشك في أنكم تستحضرونها في أذهانكم، فقد شارك في سبع عشرة غزوة بنفسه، وما إن قبضه الله حتى لم يبق في هذه الجزيرة من لا يعبد الله، اللهم إلا بقايا بني النضير في خيبر وتيماء وفدك، وقد عهد إلى أصحابه أن يجلوهم عن الجزيرة، فقال هذه الكلمة الباقية: ( لا يجتمع دينان في الجزيرة )، أي: لا تسمحوا بأن يجتمع في جزيرة الإسلام جزيرة العرب دينان، بل ليس فيها حق البقاء إلا للإسلام، وآية التوبة تعلم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عليهم أن يوسعوا رقعة الإسلام، كلما فتحوا داراً انتقلوا إلى الدار التي وراءها، وهذا هو إذن الله وأمره وتعليمه، فقد قال تعالى في سورة التوبة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [التوبة:123]، ومعنى هذا: لما طابت الجزيرة وطهرت كان من يليها من الجنوب في ذلك الوقت الأحباش، ومن يليها من الشرق الفرس والهند والسند، ومن يليها من الغرب فلسطين ومصر وشمال إفريقيا، ومن يليها من الشمال الشام وبلاد الروم.

فكانوا كما أراد الله لهم وفتحوا بلداً أصبح جيرانهم كافرين قاتلوهم حتى يدخلوا في دين الله، ثم انتقلوا إلى من وراءهم، وفي خلال خمس وعشرين سنة وصل نور الإسلام وعدله وهدايته ورحمته شرقاً إلى ما وراء نهر السند، وغرباً إلى بحر الظلمات المعروف الآن بالأطلنطي، وشرق العدو بريقه، وكشر العدو عن نابه، وقالوا: إلى متى؟ لابد من محاربة هذا العدو، أو لابد من إطفاء هذا النور.

دور المجوس في الكيد للإسلام والمسلمين

ما إن سقط عرش كسرى على عهد عمر حتى تكون حزب وطني من الساسانيين من أهل فارس، يعمل في الظلام كالأحزاب الوطنية في بلاد استعمر أو حكمه غير أهل البلاد.

هذا الحزب المجوسي أول رصاصة أطلقها في جسم الإسلام هو قتله عمر رضي الله عنه في محراب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو لؤلؤة عبد المغيرة بن شعبة وبإجماع المؤرخين أنه مجوسي، وليس منافقاً، بل كان مجوسياً معلناً مجوسيته.

دور اليهود في الكيد للإسلام والمسلمين

بنو عمهم اليهود موتورون لأن عمر أجلاهم من الجزيرة جلاء كاملاً؛ وقد كانوا نزحوا إليها لعاملين:

الأول: اضطهاد النصارى الصليبيين لهم؛ لأنهم يرون اليهود قتلة إلههم، فما يطيق المسيحي أن ينظر إلى اليهودي، وكيف ينظر إليه ويفتح عينيه فيه، وهو يتمثل قاتل إلهه وصالبه، فقد كانوا يقلونهم كالسمك بالزيت، فهربوا إلى جزيرة العرب في عهد الجاهلية، والعرب جهال أميون، فلابد وأن يجد أهل الكتاب بينهم مكاناً، ودائماً العالم يسود الجاهل، هذا عامل ولكن ليس بالقوي.

العامل القوي: هو أنهم يقرءون في التوراة والإنجيل نعوت النبي محمد صلى الله عليه وسلم وصفاته، وكانوا بذلك يتطلعون إلى النبوة الجديدة، وقد كانوا يقولون: لقد أظلنا زمان نبي من الأنبياء نقاتلكم معه قتال عاد وإرم. وكانوا يقولون للعرب المشركين، إذا حدثت خصومة أو قتال يستفتحون عليهم بهذا الكلام: إن نبياً قد أظلنا زمانه، وسوف نؤمن به ونأخذ برايته ونقاتلكم معه، وفي هذا قول الله عز وجل في سورة البقرة: وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ [البقرة:89].

طلعت شمس النبوة المحمدية في مكة، وانتظر اليهود بفارغ الصبر وكلهم أذن تسمع وعين تنظر، وما إن دخل المدينة صلى الله عليه وسلم وانتصر على المشركين في بدر حتى كادوا يشرقون بريقهم، وكشروا عن أنيابهم، وأخذوا ينقضون عهودهم ومواثيقهم، فبنو قينقاع أول من نقض عهده، إذ سخروا من مؤمنة متحجبة، وضحكوا من حجابها، ولما انتصر لها مؤمن قتلوه، فحاصرهم أبو القاسم وأصحابه فاستسلموا، وتدخل ابن أبي رئيس المنافقين بوصفهم أحلافاً له في الجاهلية، فشفع لهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الكريم بن الكريم، فأعطاه إياهم، فرحلوا من المدينة إلى أذرعات بالشام، فهلكوا بوباء أنزله الله عليهم.

أما بنو النضير فمكروا بنبينا وبيتوا له القتل، وعزموا على أن يلقوا عليه حجر الرحى ليموت تحتها، وسبق الوحي الإلهي مؤامرتهم، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبعه أصحابه، وكانوا في مهمة استدعتها تلك المعاهدة التي بينهم وبينه، فحاصرهم وكتب الله عليهم الجلاء، فأجلاهم رسول الله عن المدينة. رؤساء الفتنة كـحيي بن أخطب، وغيره عادوا إلى المدينة يكيدون مع بني قريظة، وشرقوا يؤلبون العرب المشركين وغربوا يجمعون الجموع وأتوا بالأحزاب؛ لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين في دار الهجرة، وهزمهم الله شر هزيمة، وأُعْدِم بنو قريظة وكانوا قرابة السبعمائة مقاتل، وسبي النساء والأطفال، فرحمهم الله بذلك السبي، وأصبح منهم العلماء والصلحاء والصالحات والربانيات؛ هذا تدبير الله.

إذاً: اليهود أخرجوا من الجزيرة، ولذا هم يذكرون ما كانوا عليه من عزة وسلطان بين الجهال، وإذا بهم يصبحون شذاذاً هنا وهناك، فقالوا: والله لنطفئن هذا النور، ولنعملنّ على إحباط هذه الدعوة والقضاء عليها، وبحثوا عن موتور مثلهم، فوجدوا الحزب المجوسي الوطني، فتعانقوا معه، وكان يحمل راية الكفاح اليهودي عبد الله بن سبأ الصنعاني اليماني، ومن ثم تكون في رحم هذه الظلمة جنين أو شيطان التشيع.

في هذا الرحم الذي تكون من الموتورين اليهود والمجوس تخلق ما يسمى بالمذهب الشيعي، فتظاهر بالانتصار لأهل البيت، وأنهم سلبوا حقهم في الإمامة والرياسة والسيادة، وفي الباطن أرادوا إطفاء النور الإلهي، والانتقام من الإسلام والمسلمين.

معاشر المستمعين لابد من متابعة الحديث، فسوف نتحدث -إن شاء الله- عن أحداث الساعة، ولكن لابد من وضع الأسباب أمامنا حتى لا نندهش أو نستغرب أو نتعجب لنكون على علم.

إذاً: فحسب اليهود والمجوس أن أوجدوا تلك الفتن المظلمة، فحرب صفين أو ليلة صفين كانت أصابع خفية تحركها، لا تقولوا: عمرو بن العاص ولا معاوية ولا تقولوا: أبو موسى ولا علي.

إن وراء ذلك وتحت ذلك أصابع اليهود والمجوس، ودارت رحى الفتنة، واصطلى بنارها الإسلام والمسلمون، وما حصار عثمان في منزله وحصار المدينة وفيها نساء الرسول صلى الله عليه وسلم، وفيها أصحابه إلا من تلك الفتنة التي كان وراءها أصابع المجوس واليهود.

دور النصارى الصليبيين في الكيد للإسلام والمسلمين

الصليبيون ما إن شاهدوا غرب أوروبا يستنير، والأندلس تصبح كتلة من نور، وشاهدوا النور يمزق ظلام الغرب، ظلام التكذيب والشرك، حتى ارتعدت فرائصهم واضطربت نفوسهم، وكانت الأوروبية إذا بكى طفلها تسكته بقولها: اسكت هناك عربي عند الباب، فتخيفه باسم عربي، وبحث الصليبيون ملوكاً ورؤساء كنيسة عن المخرج، فوجدوا المجوس واليهود فانضموا إليهم، فتكون بذلك ثالوث أسود.

حرب الثالوث الأسود على القرآن

انتهت دولة الراشدين بدمائها وآلامها، وانتهت دولة الأمويين، وانتهت دولة العباسيين، وانتهينا إلى التتار.

هذه الأحداث التي دامت قرابة الستمائة سنة، وكلها دامية إن شئت أقسمت لكم بالله أن العوامل والأسباب والأصابع هي الثالوث المتعاون: المجوس الذين سقط عليهم عرش كسرى، واليهود الذين ضاع أملهم، والنصارى الذين خافوا النور أن يلتهمهم، وانتهت القرون الذهبية، ثلاثمائة سنة والإسلام يُضرب، ولكن ما ضربه أحد إلا كسره الله، ودائماً راية الحق منتصرة.

دخل القرن الرابع، وبدأ الزلزال والاضطراب في أنحاء الديار الإسلامية، في الشرق والغرب والوسط والجنوب على حد سواء، وهنا عرف الثالوث -وافهموا عني واحفظوا- أن الروح التي حيي بها العرب، وأن النور الذي اهتدى به العرب فأصبحوا أئمة الخلق إنما هو القرآن الكريم والسنة النبوية؛ لأن الله تعالى قال: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا [الشورى:52]، فقررت هذه الآية أن القرآن روح: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ماذا؟ رُوحًا .

أبنائي وإخواني! هل الحياة تتم بدون روح؟ هل يمكن أن يحيا حي بدون روح؟ الجواب: مستحيل، هل يمكن لماشٍ في ظلام دامس حالك أن يهتدي بدون نور؟ والله ما كان.

عرف الثالوث هذه الحقيقة، وعرف المخططون الرؤساء أن العرب والمسلمين ما حيوا حياة العز والطهر والسيادة إلا بالقرآن، ولا اهتدوا في ظلمات الحياة حتى أصبحوا أئمة الهداية البشرية إلا بالقرآن والسنة النبوية، فماذا يفعلون؟

أصدروا فتوى تقول: تفسير القرآن صوابه خطأ، وخطؤه كفر، يعني: إن فسرت وأصبت فأنت مذنب، إذ ليس من حقك أن تقول: قال الله، وإن أخطأت فقد كفرت، وشاعت وذاعت هذه الفتيا في العالم الإسلامي، فيما وراء القرن السادس والسابع، فأصبح المسلمون لا يجتمعون على قراءة آية، ولا يقوون على أن يتدبروها في بيت الله، في أكثر بلاد المسلمين، وأصبح القرآن يحول إلى الأموات، فلا يقرأ القرآن إلا ليلة الموت والميت بين أيدينا، وقد نمدد قراءة القرآن عليه ثلاثة أيام أو ثلاث ليالٍ أو سبع فقط، فأصبح من إندونيسيا إلى المغرب لا يقرأ القرآن إلا ليلة الموت، وبذلك قتلونا، فمتنا، لأنا فقدنا الروح، والنور انتهى منا، وما إن متنا حتى تهيئوا لاستعمارنا واستغلالنا، فحكمونا من إندونيسيا إلى المغرب، وجزءوا أرضنا وتقاسموها بعد أن أصبحنا كالحيوانات.

لقد عادت الجاهلية بأتم معناها، بمجرد أن فقدنا روح الله ونور الله، ولو تسألون أجدادكم عن الجاهلية في ديارنا لكفاكم ما تسمعون في ديار أخرى؛ ترى أحدهم عبداً لكل شيء إلا الله؛ الأشجار والأحجار والأوهام، كل شيء يعبد حتى الكلاب والحمر، يموت الحمار فيأتي شحاذ فيضع عليه كومة من التراب ويجلس عنده يدعو ويصلي، ويصبح يجمع الزيارة والأموال، فعادت الجاهلية إلى ديار الإسلام وعمّ الظلام؛ لأن المسلمين ماتوا، أخذ الأعداء روحهم، وأطفئوا النور من بين أيديهم.

ومن ثم أصبحنا أهلاً لأن تحكمنا أوروبا الحضارية المتمدنة، إذ الذين دخلوا بلادنا وحكمونا من إندونيسيا إلى المغرب في ذلك الظرف كانوا أكرم وأعدل وأرحم وأصدق لهجةً منا.

لعلكم تشكون في هذا؟

انزعوا هذا الشك، أما سمعتم الله يقول: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141]، فلو كنا من المؤمنين الصادقين فهل يسلط الله علينا الأعداء.

لقد عادت الجاهلية؛ لأن القرآن أصبح لا يقرأ إلا على الأموات، فانطفأ النور ورحلت الروح فمتنا، ووصلنا إلى مستوى أن أصبح الغرب والشرق يجزمون ألا يعود الإسلام بعد اليوم، وأنهم وضعوه تحت أقدامهم وأنه لن يحكم بعد اليوم، وتمزقت الخلافة العثمانية على ما فيها من الضعف والجهل والعمى، وتلاشت، وعدنا كما بدأنا جاهلية جهلاء.

ما إن سقط عرش كسرى على عهد عمر حتى تكون حزب وطني من الساسانيين من أهل فارس، يعمل في الظلام كالأحزاب الوطنية في بلاد استعمر أو حكمه غير أهل البلاد.

هذا الحزب المجوسي أول رصاصة أطلقها في جسم الإسلام هو قتله عمر رضي الله عنه في محراب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو لؤلؤة عبد المغيرة بن شعبة وبإجماع المؤرخين أنه مجوسي، وليس منافقاً، بل كان مجوسياً معلناً مجوسيته.

بنو عمهم اليهود موتورون لأن عمر أجلاهم من الجزيرة جلاء كاملاً؛ وقد كانوا نزحوا إليها لعاملين:

الأول: اضطهاد النصارى الصليبيين لهم؛ لأنهم يرون اليهود قتلة إلههم، فما يطيق المسيحي أن ينظر إلى اليهودي، وكيف ينظر إليه ويفتح عينيه فيه، وهو يتمثل قاتل إلهه وصالبه، فقد كانوا يقلونهم كالسمك بالزيت، فهربوا إلى جزيرة العرب في عهد الجاهلية، والعرب جهال أميون، فلابد وأن يجد أهل الكتاب بينهم مكاناً، ودائماً العالم يسود الجاهل، هذا عامل ولكن ليس بالقوي.

العامل القوي: هو أنهم يقرءون في التوراة والإنجيل نعوت النبي محمد صلى الله عليه وسلم وصفاته، وكانوا بذلك يتطلعون إلى النبوة الجديدة، وقد كانوا يقولون: لقد أظلنا زمان نبي من الأنبياء نقاتلكم معه قتال عاد وإرم. وكانوا يقولون للعرب المشركين، إذا حدثت خصومة أو قتال يستفتحون عليهم بهذا الكلام: إن نبياً قد أظلنا زمانه، وسوف نؤمن به ونأخذ برايته ونقاتلكم معه، وفي هذا قول الله عز وجل في سورة البقرة: وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ [البقرة:89].

طلعت شمس النبوة المحمدية في مكة، وانتظر اليهود بفارغ الصبر وكلهم أذن تسمع وعين تنظر، وما إن دخل المدينة صلى الله عليه وسلم وانتصر على المشركين في بدر حتى كادوا يشرقون بريقهم، وكشروا عن أنيابهم، وأخذوا ينقضون عهودهم ومواثيقهم، فبنو قينقاع أول من نقض عهده، إذ سخروا من مؤمنة متحجبة، وضحكوا من حجابها، ولما انتصر لها مؤمن قتلوه، فحاصرهم أبو القاسم وأصحابه فاستسلموا، وتدخل ابن أبي رئيس المنافقين بوصفهم أحلافاً له في الجاهلية، فشفع لهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الكريم بن الكريم، فأعطاه إياهم، فرحلوا من المدينة إلى أذرعات بالشام، فهلكوا بوباء أنزله الله عليهم.

أما بنو النضير فمكروا بنبينا وبيتوا له القتل، وعزموا على أن يلقوا عليه حجر الرحى ليموت تحتها، وسبق الوحي الإلهي مؤامرتهم، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبعه أصحابه، وكانوا في مهمة استدعتها تلك المعاهدة التي بينهم وبينه، فحاصرهم وكتب الله عليهم الجلاء، فأجلاهم رسول الله عن المدينة. رؤساء الفتنة كـحيي بن أخطب، وغيره عادوا إلى المدينة يكيدون مع بني قريظة، وشرقوا يؤلبون العرب المشركين وغربوا يجمعون الجموع وأتوا بالأحزاب؛ لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين في دار الهجرة، وهزمهم الله شر هزيمة، وأُعْدِم بنو قريظة وكانوا قرابة السبعمائة مقاتل، وسبي النساء والأطفال، فرحمهم الله بذلك السبي، وأصبح منهم العلماء والصلحاء والصالحات والربانيات؛ هذا تدبير الله.

إذاً: اليهود أخرجوا من الجزيرة، ولذا هم يذكرون ما كانوا عليه من عزة وسلطان بين الجهال، وإذا بهم يصبحون شذاذاً هنا وهناك، فقالوا: والله لنطفئن هذا النور، ولنعملنّ على إحباط هذه الدعوة والقضاء عليها، وبحثوا عن موتور مثلهم، فوجدوا الحزب المجوسي الوطني، فتعانقوا معه، وكان يحمل راية الكفاح اليهودي عبد الله بن سبأ الصنعاني اليماني، ومن ثم تكون في رحم هذه الظلمة جنين أو شيطان التشيع.

في هذا الرحم الذي تكون من الموتورين اليهود والمجوس تخلق ما يسمى بالمذهب الشيعي، فتظاهر بالانتصار لأهل البيت، وأنهم سلبوا حقهم في الإمامة والرياسة والسيادة، وفي الباطن أرادوا إطفاء النور الإلهي، والانتقام من الإسلام والمسلمين.

معاشر المستمعين لابد من متابعة الحديث، فسوف نتحدث -إن شاء الله- عن أحداث الساعة، ولكن لابد من وضع الأسباب أمامنا حتى لا نندهش أو نستغرب أو نتعجب لنكون على علم.

إذاً: فحسب اليهود والمجوس أن أوجدوا تلك الفتن المظلمة، فحرب صفين أو ليلة صفين كانت أصابع خفية تحركها، لا تقولوا: عمرو بن العاص ولا معاوية ولا تقولوا: أبو موسى ولا علي.

إن وراء ذلك وتحت ذلك أصابع اليهود والمجوس، ودارت رحى الفتنة، واصطلى بنارها الإسلام والمسلمون، وما حصار عثمان في منزله وحصار المدينة وفيها نساء الرسول صلى الله عليه وسلم، وفيها أصحابه إلا من تلك الفتنة التي كان وراءها أصابع المجوس واليهود.

الصليبيون ما إن شاهدوا غرب أوروبا يستنير، والأندلس تصبح كتلة من نور، وشاهدوا النور يمزق ظلام الغرب، ظلام التكذيب والشرك، حتى ارتعدت فرائصهم واضطربت نفوسهم، وكانت الأوروبية إذا بكى طفلها تسكته بقولها: اسكت هناك عربي عند الباب، فتخيفه باسم عربي، وبحث الصليبيون ملوكاً ورؤساء كنيسة عن المخرج، فوجدوا المجوس واليهود فانضموا إليهم، فتكون بذلك ثالوث أسود.

انتهت دولة الراشدين بدمائها وآلامها، وانتهت دولة الأمويين، وانتهت دولة العباسيين، وانتهينا إلى التتار.

هذه الأحداث التي دامت قرابة الستمائة سنة، وكلها دامية إن شئت أقسمت لكم بالله أن العوامل والأسباب والأصابع هي الثالوث المتعاون: المجوس الذين سقط عليهم عرش كسرى، واليهود الذين ضاع أملهم، والنصارى الذين خافوا النور أن يلتهمهم، وانتهت القرون الذهبية، ثلاثمائة سنة والإسلام يُضرب، ولكن ما ضربه أحد إلا كسره الله، ودائماً راية الحق منتصرة.

دخل القرن الرابع، وبدأ الزلزال والاضطراب في أنحاء الديار الإسلامية، في الشرق والغرب والوسط والجنوب على حد سواء، وهنا عرف الثالوث -وافهموا عني واحفظوا- أن الروح التي حيي بها العرب، وأن النور الذي اهتدى به العرب فأصبحوا أئمة الخلق إنما هو القرآن الكريم والسنة النبوية؛ لأن الله تعالى قال: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا [الشورى:52]، فقررت هذه الآية أن القرآن روح: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ماذا؟ رُوحًا .

أبنائي وإخواني! هل الحياة تتم بدون روح؟ هل يمكن أن يحيا حي بدون روح؟ الجواب: مستحيل، هل يمكن لماشٍ في ظلام دامس حالك أن يهتدي بدون نور؟ والله ما كان.

عرف الثالوث هذه الحقيقة، وعرف المخططون الرؤساء أن العرب والمسلمين ما حيوا حياة العز والطهر والسيادة إلا بالقرآن، ولا اهتدوا في ظلمات الحياة حتى أصبحوا أئمة الهداية البشرية إلا بالقرآن والسنة النبوية، فماذا يفعلون؟

أصدروا فتوى تقول: تفسير القرآن صوابه خطأ، وخطؤه كفر، يعني: إن فسرت وأصبت فأنت مذنب، إذ ليس من حقك أن تقول: قال الله، وإن أخطأت فقد كفرت، وشاعت وذاعت هذه الفتيا في العالم الإسلامي، فيما وراء القرن السادس والسابع، فأصبح المسلمون لا يجتمعون على قراءة آية، ولا يقوون على أن يتدبروها في بيت الله، في أكثر بلاد المسلمين، وأصبح القرآن يحول إلى الأموات، فلا يقرأ القرآن إلا ليلة الموت والميت بين أيدينا، وقد نمدد قراءة القرآن عليه ثلاثة أيام أو ثلاث ليالٍ أو سبع فقط، فأصبح من إندونيسيا إلى المغرب لا يقرأ القرآن إلا ليلة الموت، وبذلك قتلونا، فمتنا، لأنا فقدنا الروح، والنور انتهى منا، وما إن متنا حتى تهيئوا لاستعمارنا واستغلالنا، فحكمونا من إندونيسيا إلى المغرب، وجزءوا أرضنا وتقاسموها بعد أن أصبحنا كالحيوانات.

لقد عادت الجاهلية بأتم معناها، بمجرد أن فقدنا روح الله ونور الله، ولو تسألون أجدادكم عن الجاهلية في ديارنا لكفاكم ما تسمعون في ديار أخرى؛ ترى أحدهم عبداً لكل شيء إلا الله؛ الأشجار والأحجار والأوهام، كل شيء يعبد حتى الكلاب والحمر، يموت الحمار فيأتي شحاذ فيضع عليه كومة من التراب ويجلس عنده يدعو ويصلي، ويصبح يجمع الزيارة والأموال، فعادت الجاهلية إلى ديار الإسلام وعمّ الظلام؛ لأن المسلمين ماتوا، أخذ الأعداء روحهم، وأطفئوا النور من بين أيديهم.

ومن ثم أصبحنا أهلاً لأن تحكمنا أوروبا الحضارية المتمدنة، إذ الذين دخلوا بلادنا وحكمونا من إندونيسيا إلى المغرب في ذلك الظرف كانوا أكرم وأعدل وأرحم وأصدق لهجةً منا.

لعلكم تشكون في هذا؟

انزعوا هذا الشك، أما سمعتم الله يقول: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141]، فلو كنا من المؤمنين الصادقين فهل يسلط الله علينا الأعداء.

لقد عادت الجاهلية؛ لأن القرآن أصبح لا يقرأ إلا على الأموات، فانطفأ النور ورحلت الروح فمتنا، ووصلنا إلى مستوى أن أصبح الغرب والشرق يجزمون ألا يعود الإسلام بعد اليوم، وأنهم وضعوه تحت أقدامهم وأنه لن يحكم بعد اليوم، وتمزقت الخلافة العثمانية على ما فيها من الضعف والجهل والعمى، وتلاشت، وعدنا كما بدأنا جاهلية جهلاء.

شاء الله أن يقيم حجته على عباده، فقيض عبد العزيز آل سعود رحمة الله عليه في العقد الثاني من القرن العشرين، فساقه الله مع بعض رجاله ودخل مدينة الرياض، واحتلوا قصر الحاكم وكبروا، وأقام دولة الإسلام على دعائم وضعها الله عز وجل.

والله الذي لا إله غيره، ما قامت دولة وعز سلطانها وفاض خيرها، وأضاءت أنوارها الكون، وكانت أمة قاهرة إلا إذا وضعت دعائم الدولة على تلك الدعائم الغراء.

أقول هذا حالفاً لأنا عايشنا الاستقلالات كلها، من سنة خمس وأربعين في موريتانيا إلى التي في خمس وسبعين، كل الاستقلالات عاصرناها، فما استقل قطر من إندونيسيا ذات المائة مليون، ولا الباكستان ولا موريتانيا، ما استقل قطر وأقام دولته بعد استقلاله على تلك الدعائم الأربع التي وضعها الله لإقامة الدولة الإسلامية؛ لأن القرآن يقرءونه على الموتى، وإلا الآية قطعية الدلالة في سورة الحج، يقول تعالى: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ [الحج:41] أي: استقلوا وحكموا البلاد، ماذا فعلوا؟ فتحوا أندية قمار، فرفشوا، انتقموا من بعضهم، أقاموا حفلات الأغاني والفجور؟!

هذه استقلالات الدول الإسلامية، فما إن يستقل الشعب إلا وحفلات الرقص والخمر والفجور تملأ الدنيا، والذبح والقتل لكل من كانوا يكرهون ويكرهونه، وأقيمت الدولة على لا شيء من دعائم الله، حتى كلمة: (لا إله إلا الله محمد رسول الله) لا تكتب على الراية أبداً.

يقول تعالى: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ [الحج:41]، هذه أربع دعائم.

لقد كان عبد العزيز شبه أمي، والأمة كانت أمية يومئذ، لست أدري أين ذهب العلم والعلماء؟

إن من أراد أن يقيم دولة فليقمها على دعائم وضعها الله لإقامة الدولة.

كانت الحال من الضعف ما لا يتصور، ومع هذا كتب عبد العزيز في رايته: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ومعنى هذا: إن بلداً وإن أرضاً تظللها هذه الكلمة لا يعبد فيها إلا الله، وليغضب من يغضب ويسخط من يسخط، وأخذ يهدم القباب ويقطع الأشجار، وينتشل الأوثان.

إن راية فيها لا إله إلا الله معناه: الأرض التي تظللها يجب ألا يعبد فيها إلا الله، وألا يتابع فيها إلا رسول الله، فلا شيخ طريقة صوفية غاشة أو ماكرة ولا خمر ولا وثنية، ليس هناك إلا الله ومحمد رسول الله.

ثانياً: أقام الصلاة، فقد أقام الصلاة في الوقت الذي لم يبق فيه من يصلي في المسلمين من إندونيسيا إلا عشر المسلمين، عجب! حتى أصبح أهل الحجاز يقولون: صلاة سعودية بلا طهارة ولا نية؛ لأن الهيئة إذا مرت والأذان يؤذن ورأت شخصاً يحاول الهرب صدوه بالقوة عن طريقه ودعوه للمسجد، فيصلي وهو جنب، فأرسلوها مثلاً: هذه صلاة سعودية بلا طهارة ولا نية.

نعم كيف منادي الرب ينادي: أن حي على الصلاة وأنت معرض مدبر وذاهب إلى أين؟!

وكان الإمام في القرى إذا صلى الصبح يقرأ قائمة بأسماء أهل القرية من غاب ومن حضر! يتعهدهم كما سبق لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسأل في المحراب: أين فلان؟ وأين فلان؟ فأقيمت الصلاة، وانتهت الخرافات فلا نقشبندية ولا قادرية، ولا عيسوية ولا عمارية، ولا غيرها، وإنما محمد فقط صلى الله عليه وسلم.

ثالثاً: أقام حدود الله، فقطع يد الساق وقتل القاتل، وجلد القاذف.

هنا منظر عاجل اسمع: حدث في يوم من الأيام أن أميراً من أمراء فرنسا من العائلة المالكة قتل رجلاً فرنسياً مواطناً في تلك الأيام، ورفعت القضية إلى المحكمة، وتداولت المحكمة القضية أسبوعاً، فما استطاع القضاة إصدار حكم على أمير بأن يقتل أو يسجن عشرين سنة أو إلى الموت، وقد أدين بالقتل العمد، حدثني بذلك شاب أيام كان هناك طالباً أو عاملاً؛ وكان حاضراً؛ لأن القضاء الفرنسي إلى الآن يفتح المجال للمتفرجين، فيحضرون أعداداً كبيرة بالآلاف إذا كانت القضية كبيرة.

لما صدر الحكم بسجن القاتل الأمير فلان أربع سنوات، قام أولياء القتيل وبأعلى أصواتهم: يحيا ابن سعود الذي يقتل القاتل، ودوت القاعة بهذه الكلمة، وعجز البوليس عن إسكات الناس، من هو ابن سعود هذا، كم يملك من جيوش؟ كم يملك من كليات؟ كم يملك من أموال؟

لقد كان يملك حفنة من الشعير هي رأس المال في تلك الأيام، من هو هذا الذي يمجد في عاصمة النور كما يقولون: يحيا ابن السعود؛ لأنه يقتل القاتل!!

وتكونت هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأول مرة في تاريخ الإسلام، ولا زالت موجودة إلى الآن، وإن من نتحدث عنه يحاول أن يطفئ هذا النور.

وجبيت الزكاة وكان في تلك الأيام صاع الشعير هو رأس المال، فلا معادن ولا أموال، ولكن أمر الله أن تجبى الزكاة فيجب أن تجبى، وأقام الله دولة الإسلام، وساد البلاد أمن لو يجحده كل أهل الدنيا لكذبوا.

لقد ساد هذه البلاد أمن ما عرفته الأرض إلا على عهد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان كلامي هذا يغضب كثيرين، وأقول لهم: اغضبوا.

كما سادها الطهر، فانتهى الزنا والعهر والتلصص والإجرام، ولا أقول: لم يقع، فعلى عهد رسول الله حصل من الغامدية وماعز ما حصل لكن ما أعنيه أن مظاهر الخبث انتهت، وأنه ما حصل طهر في العالم الإسلامي إلا على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وعهد عبد العزيز ، والعالم الإسلامي في هذه الأيام كله ظلام.