خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/142"> الشيخ ابو بكر الجزائري . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/142?sub=55">
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
الإمام العادل
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحابته أجمعين، أما بعد:
فيا معشر الأبناء والإخوان! أحييكم جميعاً بتحية الإسلام: السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
حديثنا مع الأبناء والإخوان جعل له عنوان: (تحت ظل العرش)، وفي هذا ورد حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند الإمامين البخاري ومسلم ، وعند الإمام مالك في موطئه.. وعند غيرهم من رواة الحديث ومخرجيه.
هذا الحديث الجليل يرويه البخاري بسنده المتصل عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله تعالى، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وافترقا عليه، ورجل دعته -أي: طلبته- امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه ).
هذا الحديث من أصح الأحاديث فنستعين الله تعالى على شرحه فقرة بعد أخرى، وفي جلسات مقبلة إن شاء الله، وحسبنا ما يفتح الله به في هذه الليلة أن نتحدث عن أول الرجال.
معاشر الأبناء! إننا ميتون، وإننا والله بعد الموت لمبعوثون، وإننا سنبعث بغير اختيار منا، ولا بإرادة تطلب منا، وإننا نبعث على صعيد واحد، على أرض بيضاء لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً، إنها أرض المعاد.
إن الشمس تدنو من أهل الموقف ونحن منهم، فيتصبب العرق حتى يصبح كالأنهار الجارية، فوالله إن منهم -أي: من أهل الموقف- من يلجمه العرق إلجاماً، ويتفاوتون فيه حسب أعمالهم في هذه الدار، ويتفاوتون حسب إيمانهم وصالح أعمالهم في هذه الحياة، وإن الشمس لتدنو حتى تكون على مسافة الميل، وأبو هريرة راوي الحديث يقول: لا أدري هل الميل الذي هو ثلاثة فراسخ، أم الميل الذي هو ألفا ذراع، أو الميل الذي تكتحل به المرأة؟
هذا الدنو يسبب حراً لا يمكننا أن نتصوره إلا إذا علمنا أن الشمس اليوم -وهي كوكب نهاري مضيء ملتهب تستمد هذه الأرض منه حرارتها وضوءها- كما قال المختصون من علماء الفلك والكون: لو تدنو الشمس دنواً ما على ما هي عليه، لاحترق كل شيء قابل للاحتراق على وجه الأرض، مع أن المسافة بعيدة لا تقدر بالأميال، فكيف إذا كانت بمسافة الميل فوق رءوس العباد؟ من ذا الذي لا يطلب ظلاً يستظل به؟
إن عرفتم هذا وقد حدثتكم بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثبت في دواوين هذه الملة فليس بالأغاليط ولا بأحاديث القصاص، إن الذي سمعتم والله لكما سمعتم، حينئذ يطلب كل إنسان أن يكون تحت ظل يستظل به من حر الموقف، هنا يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن سبعة من هذه الأمة من أفرادها يظلهم الله عز وجل في هذا اليوم في ظله؛ حيث لا ظل إلا ذاك الظل الإلهي.
لا بأس أن أستطرد فأذكر أن قوم شعيب عليه السلام لما استوجبوا العقوبة وتهيئوا لنقمة الله؛ لأنهم عبدوا غير الله، واستحلوا ما حرم الله، وسخروا من نبي الله، وفي القرآن قصتهم مفصلة، لما أراد الله عز وجل أن يعذبهم أرسل عليهم حراً، فارتفعت درجة الحرارة إلى قدر لا يطاق، وقد يرينا الله ذلك من وقت لوقت تذكرة، كما حصل في السنة الماضية في ألمانيا وبريطانيا وفرنسا فضلاً عن بلاد العرب الصحراوية، خرج الناس من البيوت، وصاحوا من شدة الحر، حين ارتفعت نسبة الحرارة إلى قدر معين.
فقوم شعيب وهم أصحاب الأيكة أخذهم عذاب يوم الظلة، إنه كان عذاب يوم عظيم، ارتفعت درجة الحرارة فكادوا يموتون، وأرسل الله تعالى سحباً سوداء وأخذت تدنو من ديارهم، فما إن شاهدوها حتى فزعوا إليها يستظلون بها، فتجمعوا بنسائهم ورجالهم وأطفالهم؛ يطلبون الظل، فانقضت عليهم الصاعقة فأتت عليهم أجمعين: فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [الشعراء:189] ففي ذلك الموقف تكون البشرية كلها واقفة حفاة عراة غرلاً، لا يتقون الحر بشيء.
هناك من أراد الله إكرامهم، ذكر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مجموعة منهم، سبعة ذكروا في هذا الحديث.
وآخرون ذكروا في أحاديث مفرقة من بينهم: (التاجر الصدوق الأمين..) الذي لا يعرف الكذب، ولا ينفق أو يروج بضاعته بالكذب، (الأمين) في معاملاته مع إخوانه، هذا أحد الذين يكرمون بهذا الإكرام.
وأذكر من بينهم: الذي ينظر معسراً، يكون له على مؤمن دين ويكون المؤمن معسراً غير موسر، لم يجد سداداً يسدد به دينه، ويحل الأجل فيأتي صاحب الدين ويقول: أنظرتك إلى شعبان، أو إلى الحصاد، أو الجذاذ، أو موسم كذا.. حتى إذا جاء الأجل وبقي الإعسار ينظره مرة ثانية، هذا الذي ينظر المعسرين يفوز بهذه الكرامة الإلهية يوم القيامة.
ومنهم كذلك الذي يتنازل عن دَينه ويضعه بالكلية عن المدين، فلا يطالبه به، وفي القرآن: وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:280] لا سيما إذا كان المدين تقياً براً صالحاً، وابتلاه ربه بالحاجة والفقر؛ ليرفعه درجات، وليكمله، فتنازل المؤمن لأخيه عن دينه، فهذا يستحق أن يكون من هؤلاء الذين يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله.
وقد جمع هؤلاء وغيرهم الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) ونظم ذلك نظماً، واعتز به وفرح حيث وفقه الله عز وجل لجمع عدد كبير ثبت بالسنة الصحيحة.
ومنهم الذي يرسل الغازي في سبيل الله ليغزو أيام كان هناك غزو، أو أراد أن يجاهد كالمجاهدين الآن في أرض الأفغان فيرسله، فيقول: سر على بركة الله، وأنا كافل أهلك، فلا ينقص أهله شيئاً مما كان عائلهم ينفق عليهم، فيتولاه ويخلفه في أهله، ويزوده بما يحتاج إليه من عتاد، ويذهب يجاهد في سبيل الله، فهذا المرسِل معدود من الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
إذاً: فلنتحدث عن أول هؤلاء ألا وهو: الإمام العادل.
وأرجو من الأبناء الذين يلازمون هذه الحلقات أن يحفظوا هذا الحديث؛ فإنه من أجل الأحاديث.
قوله: ( سبعة يظلهم الله في ظله ) وورد في ألفاظ أخرى: ( في ظل عرشه ) والإضافة هنا للتشريف؛ إذ الله تعالى مالك كل شيء، يملك العرش ويملك ظله، والذي يكون تحت العرش في كنف الله وفي رحمة الله، لا يمسه سوء ولا يناله حر، وحسبه أنه تحت عرش الرحمن.
ونتصور أو نقدر فرحة عبد يؤويه الله ويدخله في ظله، كيف تكون فرحته؟ أليست هذه مقدمة عظمى وبشرى كبرى أنه سوف ينجو من أهوال الموقف، وسوف ينجو في عرصات القيامة من كل ما فيها، ويدخل في دار السلام؟
هذه بشرى عاجلة، فبمجرد أن يدخله الله تحت ظل عرشه يعرف أنه أصبح من أهل الجنة، والناس في الموقف لم يقض بينهم، فهذه هي البشرى العاجلة، ويأتي بعد ذلك الحساب، ثم الوزن للأعمال، ثم العبور على الصراط إلى دار السلام، فالذي يحصل على هذا الكمال في ساحات القيامة وعرصاتها اطمأن على أنه ناج من عذاب الله.
أول السبعة: هو الإمام العادل، وورد الإمام العدل أو: (إمام عدل)، والفرق بين إمام عادل وإمام عدل أن الخبر بكلمة عدل في اللغة العربية أكثر دلالة من كلمة عادل، فالعدل مصدر، فإذا قلت: إمام عدل أصبح الإمام يمثل العدل بكامله، فهو العدل، ودخل الإمام في العدل، فما أصبح للإمام وصف إلا أنه عدل، فهو أبلغ من عادل.
وصح الخبر بهذا وذاك والمعنى لا يختلف، فما هو العدل؟
العدل: هو أن يضع كل شيء في موضعه، فلا يحيف ولا يجور في قضائه وحكمه، في قسمته وتوزيعه.
وإذا نظرنا إلى الميزان الذي نزن به الأشياء والأمتعة نعرف معنى العدل، وذلك بأن تتقابل الكفتان، فلا ترجح إحداهما بالأخرى، والعدل ليس بمعنى المساواة فقط، بل أن يعطي الشخص كل مستحق ما يستحقه بلا زيادة ولا نقص، سواء قسم بين أصدقاء أو أعداء، أقرباء أو بعداء.
والإمام -يا معاشر الأبناء- في عرف الشرع يراد به صاحب الإمامة العظمى: وهو خليفة المسلمين وإمامهم، وذكر الرسول صلى الله عليه وسلم له قبل غيره يدل على شرف الإمامة وعلو مكانها وسمو مرتبتها، وهذا أمر لا يختلف فيه اثنان، فالذي أهله الله تعالى لحكم عباده وإنفاذ أحكامه فيهم ورزقه العدل وثبته على ذلك، فأصبح نائباً عن الله تعالى في توزيع الخير وقسمته، هذا منصب عظيم، وحسبه أنه منصب واحد لا يتعدد، غير أن العدل من حيث هو لا يقصر على الإمام فقط، فأهل العدل من سائر الناس ينالون هذه الفضيلة، ويفوزون بهذا الكمال وإن لم يكونوا ولاة ولا قضاة؛ إذ جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين ) (إن المقسطين) بمعنى: أهل العدل، العادلين في أحكامهم، والقسط: العدل: (إن المقسطين عند الله يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين)؛ لأن الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
ثم يقول: ( الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا ).
فمن هنا عرف أهل العلم أن الإمام العادل لا يختص بهذه الفضيلة وحده، بل كل من ولي أمراً من أمور المسلمين وعدل فيهم ولم يحف بينهم ولم يجر عليهم ينال هذا الفضل، ويكون أهلاً لأن يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للذين يعدلون في حكمهم: وهذا يتناول الإمام الأعظم ويتناول الولاة والقضاة من المسئولين الذين تسند إليهم مهام يتكفلون بالقيام بها، فإذا عدلوا كانوا أهلاً لهذه الكرامة الإلهية.
وقوله: (وأهليهم) فالرجل يعدل بين نسائه إن كان له نسوة، والرجل يعدل بين أولاده إن تعددوا، والرجل يعدل بين أقربائه في الصلة، فكل هؤلاء يفوزون بهذا الفضل، ويعطون هذه الكرامة يوم القيامة؛ لأنهم عدلوا، وهذا الذي ذهب إليه أهل العلم، فلا يقولن قائل: هذه المكرمة فاز بها الإمام الأعظم، ولا يكون إلا واحداً! ومن يطمع في هذا؟ فالجواب فضل الله واسع، ومن طلب وجد، فالذي يعدل فيما ولي من أمور الناس وإن كان مدير مدرسة أو ناظراً فيها، ففي استطاعته أن يعدل بين طلاب المدرسة، وبين فراشيها وموظفيها.
قد يعدل الرجل في قسمة مال أسند إليه تقسيمه، كأن يكون ناظراً على وقف، فلا نحرم هذه الكرامة ما دمنا نعدل في كل شيء أصبحنا ولاة فيه، أما القاضي العادل فلا تسأل، فإن منزلته -كما يعلم الأبناء والإخوان- قد بشر بها الرسول صلى الله عليه وسلم، وما ذاك إلا لأنه عدل؛ إذ عرف أحكام الله فحكم بها، ولم يحف ولم يجر فيها: ( القضاة ثلاثة: قاضيان في النار، وقاض في الجنة ).
كيف كان في الجنة؟ كيف يبشر بها ويصدر هذا الحكم في الدنيا قبل الآخرة؟
الجواب: لأنه كان إماماً عدلاً، لم تغره الحياة ولم يتأثر بقرابة ولا نسب، ولم يتأثر بأي اعتبار من اعتبارات الناس، ويقف بين يديه الخصمان، فيحكم بينهما بالعدل بعد أن عرف الحق، وأعانه الله على الحكم به.
إذاً: ففي هذا الحديث الشريف ( إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين: الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوه ) هذا عمم لنا الفضل ووسع لنا دائرته، وأصبح كل واحد منا يرجو أن يكون ممن يظلهم الله في ظله؛ لأنه ما من أحد إلا وولي شيئاً، ومن لم يل شيئاً ولي زوجته وأولاده.
ونذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم عرض عليه أحد أصحابه قسمة قسمها على أولاده، فلم يسو بينهم، فقال صلى الله عليه وسلم للصاحب: ( أشهد على هذا غيري؛ فإني لا أشهد على جور ) وخطب الناس فقال: ( اعدلوا بين أولادكم ).. ( سووا في العطية بين أولادكم ).
فالذي يقسم ماله بين أولاده بالسوية وبالعدل يدخل -إذن الله- في هذه الفضيلة، ويصبح ممن يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
هذا ولنعلم أيضاً أن الإمام العادل قد جاءت الأحاديث تذكر له فضيلته وتشيد بكرامته، من ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم في رواية الترمذي الحسنة: (أحب الناس إلى الله وأقربهم منه مجلساً إمام عادل) والذي يبشر بأن الله يحبه، وأنه يجلسه أقرب مجلس منه، فهل بعد هذا الخير من خير؟ وهل بعد هذا الكمال من كمال؟ وما ذاك إلا أنه وقف موقفاً قلّ من يستطيعه، وضع الله بين يديه أموال الناس ودماءهم وقال: اقسم وأعط واعدل ولا تجر، فقسم بالعدل، وأعطى بالعدل، وحكم بالعدل.
فلا يقف هذا الموقف ويثبت فيه إلا من أهلّه الله عز وجل لكرامته.
وفي الحديث: ( ثلاثة إجلالهم من إجلال الله تعالى: الإمام العادل.. ) ثلاثة من الناس من أجلهم وعظمهم وأكبر شأنهم، واحترم مقامهم يكون كأنما فعل ذلك مع الله عز وجل، أولهم: الإمام المقسط العادل، هو ظل الله في الأرض بواسطته يرفع الظلم، بواسطته يأمن الناس على أموالهم وأعراضهم وأبدانهم، وبواسطته يصل كل حق إلى مستحقه.
هذا الذي نصبه الله عز وجل ليؤدي هذا عن الله فهو خليفته في أرضه، فقطعاً إجلاله وإعظامه وإكباره واحترامه من إكبار الله وإعظامه وإجلاله، هذا أمر لا نشك فيه.
ومن هنا أهل العلم مجمعون على أنه لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يستهتر بإمام المسلمين أو يستخف به، أو يحقر من شأنه، فضلاً عن أن يسبه أو يشتمه؛ لأن هذا معناه: أنه لم يجل الله، ولم يحترم ربه، ولم يكبر مولاه عز وجل الذي أناب هذا المخلوق.
أقول: قال أهل العلم: حتى لو كان الإمام ظالماً يجب أن تبقى تلك القدسية وذلك الاحترام الذي بواسطته تصدر الأحكام وتنفذ في الناس؛ لأنه إذا كان الإمام يقول والناس يضحكون، ويأمر وينهى والناس يستهترون ويستخفون، فهل يستتب أمر؟ هل تكمل حياة؟ هل يستريح المواطنون؟ ما هي إلا الفوضى ثم الدمار والخراب.
فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( ثلاثة إجلالهم من إجلال الله: الإمام العادل، وذو الشيبة المسلم ).
سبحان الله! ذو الشيبة المسلم لم يجل ويكبر ويحترم من أجل شيبته؟ فما قيمة هذه الشيبة حتى يجل صاحبها؟
الغافلون لا يعرفون، والذاكرون يعرفون، أتدرون لم؟ لأن هذا العبد خدم مولاه وأفنى عمره في خدمته، فاستحق الإكبار والإجلال؛ لأنه خدم سيده ستين أو سبعين سنة، أفنى عمره في خدمة مولاه، فإذا لم يجد التقدير من العبيد الآخرين، فهؤلاء العبيد لا يجلون ربهم ولا يكبرونه.
ومن الأمثلة المقربة: إذا خدم الرجل الجندية واستمر مخلصاً فيها مؤدياً لواجباته قائماً بالمسئولية، فإذا بلغ حداً من الخدمة يحال على المعاش؛ فحسبه ما قدم للدولة، وأنظمة التقاعد مطلقاً تحمل هذا المعنى، فهذا شخص أفنى شبابه في خدمة الدولة، فلما شاخ وبدا ضعفه وابيض شعره، وآن أوان رحيله، أليس من الإهانة أو الإجحاف أو الظلم أن يهمل ويضيع! فالواجب إذاً أن يكرم.
وهذا ينبغي أن يكون خلقاً لنا، فنوقر دائماً من شاب في ديننا وفي خدمة ربنا، وفي الحديث الصحيح: (ليس منا من لم يوقر كبيرنا) لم يقول الرسول صلى الله عليه وسلم هذا؟
لأن هذا الكبير خدم الله في الدين سبعين سنة، صامها وقامها وجاهد فيها، وأنت ابن الثلاثين متى تصل إلى هذه المكانة؟ فعلى الأقل توقر هذا الكبير وتعظّمه.
وهذا الحديث الذي نتناوله صريح في هذا: (ثلاثة إجلالهم من إجلال الله: الإمام المقسط -أعني العادل- وذو الشيبة المسلم) أما ذو شيبة كافر مشرك فلا يستحق التوقير ولا التعظيم؛ لأنه عاش ثمانين سنة فاسقاً عن أمر ربه، خارجاً عن خدمة سيده، أهذا يستحق التوقير؟! إنه يستحق التحقير والإهانة.
فلهذا قال عليه الصلاة والسلام: ( ذو الشيبة المسلم ) الذي أسلم لله قلبه ووجهه وجوارحه فخدمه دهراً طويلاً حتى شاب شعر وجهه.
والثالث: ( الحامل للقرآن -حافظ القرآن- غير الجافي عنه ولا الغالي فيه )، لم حامل القرآن إجلاله من إجلال الرحمن؟
وكذلك إكباره وتعظيمه، والحفاوة به؟
الجواب معاشر الأبناء والإخوان: حسبه أن الله استودعه كتابه، فهو يحفظ كتاب الله في صدره، فما بالك برجل ائتمنه الله على كتابه، بدل أن يحفظه في خزانة بيته والتي بالإمكان أن تحرق أو تسرق، أو ينزل عليها مطر فيضيع الكتاب استودعه في صدره؛ يحيا به ويموت به.
فهذا الذي يحمل كتاب الله ويحفظه وهو غير غال ولا جاف بل مستقيم يجب أن يجل وأن يعظم ويكبر من شأنه، وذلك لأنك إنما تكبر الله وتجله وتعظمه.
ومما يذكر في هذا ما نسمع في أخبار السياسة حيث يقولون: فلان حامل لأختام الملكة، فلمجرد أنه حامل الختم الذي تختم به ملكة بريطانيا يصبح شخصية يحتفى بها وتعظم وتجل، وما الذي فعل حامل الأختام التي توقع بها الملكة الصكوك والمرسومات؟! فكيف إذاً بحامل أختام الرب! حامل كلام الله؟ ويجهل المسلمون هذه الحقيقة ويهملون شأن الكتاب وأهل الكتاب، كأن الرسول صلى الله عليه وسلم ينظر إلى هذه الأوضاع.
لقد أصبح بعض أهل القرآن يعيشون على كتابة الحروز والرقى والتمائم، أو يعيشون على القراءة على الأموات، فلا يعرفه الناس إلا إذا مات الميت يدعونه: تعال يا شيخ اقرأ القرآن؛ لأنهم لا قيمة لهم في مجتمعات المسلمين، ومنذ أكثر من ثمانمائة سنة أبعد أهل القرآن، ونسي المسلمون، ولعل هذا من الذنوب التي أخذت بها أمة الإسلام اليوم.
الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( ثلاثة إجلالهم من إجلال الله ) كما نجل السلطان نجل حامل القرآن أيضاً، ونوقر له كلامه، ونعرف أنه يحمل كتاب الله في صدره.
معاشر الأبناء! حسبنا ما قلنا؛ لأننا مطالبون بحفظه إن شاء الله، وما أعظم فرحتنا أن نحفظ لرسولنا صلى الله عليه وسلم كذا حديثاً من أحاديثه، وهي من جوامع الكلم، وهي العلم الحق والمعرفة التي لا تفوقها معرفة، ومن الخسارة أن يعيش عبد الله وينتمي إلى رسول الله وأنه من أمته ولا يحفظ له حديثاً واحداً، والله إنه لعيب ومعرة كبيرة، وهو يحفظ من شئون الدنيا الخير الكثير ولا يحفظ لرسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً واحداً! مع أن الترغيب وارد فيمن يحفظ أربعين حديثاً يحشر يوم القيامة في زمرة العلماء.
إذاً: سنواصل شرح هذا الحديث في مقبل الأيام إن شاء الله، روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله تعالى، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وافترقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه ).
هذا الحديث الشريف ضم سبعة أشخاص أو سبع شخصيات ممتازة في أمة الإسلام، وإنا والله لراجون أن نكون واحداً من بينهم، والرجاء كبير، إن لم نكن الأول فالثاني، فإن لم نكن الثاني فالثالث، أو الرابع، أو الخامس، ومن فاته أن يكون واحداً من السبعة فلا خير فيه.
الإمام العادل: ذكرت للأبناء أن هذا المنصب ليس لواحد لا يتعدد، فلهذا لا نحزن؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم بشرنا بأن الذي يعدل في أهله، ويعدل فيما ولي من أمرٍ يعطى هذا، فلا نحزن، فالذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا، بل من يلي أدنى مسألة فيعدل فيها يعطى هذه الكرامة، ويصبح من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله هذا أولاً.
ثانياً: يجب أن نجل الإمام ونكبره، وليس معنى هذا أننا نطيعه في معصية الله: ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق )، (إنما الطاعة في المعروف ) فلو أن إماماً قال لك: لا تصل، لا حق له في الطاعة، ولو قال لك: اشرب خمراً، لا حق له في الطاعة، ولو قال لك: افعل فاحشة، لا حق له في الطاعة، وإن أكرهت بالحديد والنار، فأتيت المعصية خوفاً من العذاب، وعدم قدرة على تحمله، والنفس مطمئنة بالإيمان، والقلب منشرح به، فلا حرج ولا عقوبة من الله؛ لأن الله قال: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا [النحل:106].
وقد سردنا الأحاديث المرغبة في هذا منها: حديث: ( أحب الناس إلى الله، وأقربهم مجلساً منه: إمام عادل ) ( ثلاثة إجلالهم من إجلال الله ) تعظيمهم كالتعظيم لله، بل هو جزء منه: ( الإمام المقسط، ذو الشيبة المسلم، حامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه ).
هذا والله تعالى أسأل أن يجعلنا من هؤلاء السبعة.
صفات الإمام العادل
الجواب: نبدأ بإمام الأئمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم تر الدنيا إماماً أعدل من محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أذكر لك أنه كان يقسم بين نسائه ويعدل، ومع هذا يخاف ويناجي ربه ويقول: يا رب هذا قسمي فيما أقدر عليه فلا تلمني فيما لا أقدر عليه ثم يقول: رب! القلوب بيدك تقلبها كيف تشاء، هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك؛ لأن القلوب بيد الله.
لعلكم تذكرون من عدل عمر ما يغنيكم عن الخبر، حتى أصبح عمر مضرب المثل، ودون عمر الحفيد عمر بن عبد العزيز فإن ابنة له كانت قد فقدت أحد خرصيها، فجاءت إلى أبيها وقالت له: يا أبتاه! أعطني من هذا المال -مال المسلمين- ما أجعل منه في أذني هذه، فأتاها بجمرة وقال: أي بنيتي! إن استطعت أن تضعي هذه الجمرة في أذنك فسوف أعطيك، فصاحت ورجعت عن مطالبته.
أما صفات الإمام العادل فحسبنا أن نقول: إنه ينفذ أحكام الله، فيسوي في إنفاذها بين الغني والفقير، والشريف والوضيع، من قامت عليه الحجة وثبت عليه القضاء لا يقول: هذا وزير ولا هذا شريف ولا هذا مواطن أو غير مواطن، وينفذ حكم الله؛ لأن العدل شيء والتقوى شيء، فقد يكون الإمام عادلاً ولا يشهد صلاة الجماعة، وقد يكون عادلاً ويشرب الخمر، حصل هذا في أئمة المسلمين؛ إذ العصمة للأنبياء، فالعدل هو توزيع الخير بين المسلمين، ومتى قسم مالاً عدل بين الناس، ومتى ثبت قضاء أو حكم أنفذه في الأبيض والأسود، والوضيع والشريف على حد سواء.. هذا هو العدل.
حكم السفر إلى بلاد الكفار والإقامة بين ظهرانيهم بحجة طلب العلم الدنيوي
الجواب: رأيي في هذا الموضوع أظهرته عشرات المرات بالقول والكتابة، وما زلت أقول: على المسئولين في بلاد المسلمين في الشرق والغرب على حد سواء أن يعرفوا أن العيش بين الكافرين لا يصح بحال إلا في حال الضرورة، إلا إذا اضطر المسلم، أما أن يعايش الكافرين والمشركين ويجلس معهم ويبيت ويظل أعواماً، فهذا والله لا يجوز إلا من ضرورة، وفي الحديث: (لا تتراءى نارهما)، فمن هنا إذا عرفنا هذا وقد قعد الزمان بنا واحتجنا إليهم بسبب ذنوبنا؛ حيث وقعنا فريسة في أيدي الغرب والغربيين، عالة عليهم حتى في إبرة الخيط، فإذا أردنا أن نبتعث بعثة فعلينا أولاً أن نختار أصحابها اختياراً قائماً على العلم، ثم نلزمهم بالزي الإسلامي سواء كانوا يدرسون في لندن، أو باريس، أو نيويورك.. أو في غيرها، من المدينة أو من دمشق أو من كراتشي؛ فيخرجون بالزي الإسلامي إلزاماً، وأعني بالزي الإسلامي:
أولاً: اللحية، فلا يحلقون لحاهم؛ حماية لهم.
والعمامة، أو الطربوش، أو الثوب..؛ حتى يتميزوا فلا يختلطوا بغيرهم ممن ليس منهم.
قبل وجود جماعة التبليغ ما كان يستطيع مسلم أن يدخل أوروبا في ثيابه، كان هذا قبل خمسين سنة، واسألوا العمال وحدثوهم.
وكان الرجل يضعف إلى حد كبير، كيف يدخل بعمامته أو ثوبه إلى باريس أو لندن؟ فجاء هؤلاء من الهند فأيقظوا الهمم، وأصبحنا نعيش في قلب عواصم أوروبا بالعمامة والمشلح محترمين، والقضية والله ما هي إلا شجاعة ساعة فقط.
ثم يوضع هؤلاء الطلاب في البلد التي يدرسون فيها تحت رعاية كاملة: في الفندق والباص والمنزل، ويكون معهم المؤذن والإمام والحارس والطباخ، ولا نوسع، فبعثاتنا كثيرة لا نستطيع سدها، لكن على قدر الكساء نمد أرجلنا، وإذا قدرنا على بعثة تتكون من مائة طالب حسبنا ذلك، فلا نبعث بمائتين ونضيعهم، بل نكتفي بالمائة فيعيشون في مناعة، فيدخلون الفصل محترمين في زيهم وشكلهم وعقائدهم، يتلقون المعرفة ويعودون إلى منازلهم حيث تقام الصلاة ويدرس كلام الله وسنة رسول الله، ويأكلون الحلال ويسمعون الحلال، فيذهبون في خير ويعودون في خير، فإذا وصلوا أناروا بلادنا، وعلمونا ما نحن في حاجة إليه، هذا هو الواجب.
ولما أهمل الناس هذا أصبح أبناء المسلمين قبل هذه السنيات الأخيرة قل من يرجع فيها مؤمناً، بل يعودون ملاحدة كفاراً، والحمد لله في ديارنا هذه لا يستطيع الملحد أن يظهر إلحاده، فيدرس في الجامعة ولا يستطيع أن ينتقد الله أو رسوله، لكن في غير المملكة يكتب الكفر على السبورة، والله كما أقول لكم: بفضل الحكم الإسلامي والدولة الإسلامية لا يستطيع الملاحدة أن يظهروا إلحادهم، لكن حيث لا حكم للإسلام يجيء الطالب ملحداً ينفث الإلحاد في طلابه وفي دائرته، لا صلاة ولا إيمان، من أضله؟ الذين بعثوه.
وكم من مرة نقول: تعالوا نبعث بعثة من أربعين طالباً، عشرون منهم نلزمهم بالالتزام الإسلامي، وعشرون نسكت عنهم، ثم يعودون بعد أربع سنوات، وفي المطار نجري عليهم اختباراً، لن نجد (5 %) فسدوا ممن التزموا بالزي والإسلام، و(5%) صلحوا واستقاموا ممن سيبناهم وأهملناهم، ووالله لن يكون؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو أستاذ الحكمة ومعلمها، فليس حكيماً فقط، بل يعلم الحكمة أيضاً قال: ( من تشبه بقوم فهو منهم ) لو تدرس التاريخ كله لن تستطيع أن تنتقد هذه الكلمة إلى يوم القيامة: ( من تشبه بقوم فهو منهم ).
فبمجرد ما يخرج الطالب ويندرج في ذلك المجتمع كيف يسلم من الزنا؟ كيف ينجو من الخمر وهو يبيت بشُبه؟ إلا إذا كانت كرامة إلهية لوليه أو دعوة له من أبيه أو أمه.
لعلي أطلت في هذا الجواب! وكلامي في هذا معروف، إما أن نحفظ أبناءنا ونرعاهم، وإلا فنحن راضون بالفساد والدمار، فلن يعودوا إلا معاول تخريب ودمار لبلاد المسلمين، وما دمرت إلا بهذا، حكمنا الفرنسيون والإيطاليون والأسبان والإنجليز وحتى هولندا العجوز والبلجيك، وما فسد المسلمون كما فسدوا يوم أن استقلوا، والواقع يشهد، لم؟ لأنهم كانوا منعزلين، كان المسلم يحافظ على زيه أمام الحاكم، فلا يتملقه بلباسه، فحفظ دينه، فلما جاءت الاستقلالات وانسلخنا أصبح مجتمعنا شيئاً آخر، والله لولا هذه الفئة القليلة المؤمنة التي ظهرت بين الشبيبة بفضل الله في العالم الإسلامي لقلنا: وُدِّع الإسلام، ونحن السبب.
حقيقة ورد اللطيف وغيره من الأوراد البدعية
الجواب: والله إنه لكذب.. والله إنه لكذب.. والله إنه لكذب وضلال وباطل.
أولاً: ورد (اللطيف) معروف عند أهل المغرب، أما أنتم فلا يوجد عندكم يا أهل المشرق، إنما يوجد هذا في تونس والجزائر والمغرب، وهذا سنده يتصل بالحافظ ابن حجر الهيتمي من كبار الخرافيين، وهو الورد الأصغر يقولونه مائة وتسعة وعشرين مرة، اذهب للزيتونة صلِّ معهم المغرب ترى ذلك، وجامع الزيتونة كان جامعة في سالف الأيام، والآن هو مسجد عظيم يصلون فيه المغرب ثم تراهم وهم في صفوفهم يأتون بهذا الورد كل ليلة: يا لطيف.. يا لطيف.. يا لطيف.. يا لطيف.. يا لطيف.. يا لطيف.. يا لطيف.. يا لطيف.. مائة وتسعة وعشرين مرة.
يذكر الشيخ رشيد رضا في تفسيره (المنار) وهو من أجل التفاسير عندنا؛ لأن الرجل مصلح وواع وسلفي، يذكر في تفسير سورة يونس أن جنرالاً فرنسياً -لما كان الفرنسيون يغزون بلاد المسلمين- دخل المغرب وكانت العاصمة مدينة فاس، فطوقها برجاله وبعث عيوناً له يتعرفون على مدى قوة العاصمة في الدفاع عن نفسها، فدخل الرجل ووجد المواطنين من إخواننا في المسجد الكبير، مسجد القرويين، يأتون باللطيف: يا لطيف.. يا لطيف.. يا لطيف.. يا لطيف.. يا لطيف.. فرجع إلى الجنرال الفرنسي، وقال: تركتهم يأتون باللطيف، فالجنرال أمر رجاله على الفور أن تستعد، فهذا أخذ مدفعه وهذا بسلاحه، وتصور الجنرال أن اللطيف هذا مدفع، فلما رأى ذلك اللعين الأوامر صدرت للجيش قال له: لا حاجة إلى هذا يا صاحب، قال الجنرال: أنت تقول: إنهم يأتون باللطيف، قال: اللطيف كلام فقط وليس مدفعاً، فقال القائد: إذاً ادخلوا فدخلوا، والجماعة يرددون اللطيف.
إيه يا بني! أين الجمهوريات الإسلامية؟ كيف سقطت وذابت ديار البخاري ؟ ضاعت بالسحر، فسدت العقائد وعاش الناس على مثل هذه الأوراد والدجل الكذب.
كيف حكم الغرب والمشركون بلاد المسلمين ثلاثمائة سنة تقريباً، وأقل منطقة حكموها خمسين سنة؟! هل دخلوا ونحن مصلحون؟! والله ما كان، ومعاذ الله وحاشى لله، لقد فسدت العقائد وعبدنا القبور والأشجار والأحجار ولم يبق للرسول صلى الله عليه وسلم قيمة بيننا، والمشايخ ارتفعوا إلى مقام الألوهية وقدسوا وأصبح الدجل منتشراً، وأنتم تعرفون أن غلاة الصوفية يقولون: لا نأخذ الدين عن الأموات، نحن نأخذ عن الله مباشرة، ومنهم من يدعي أنه يرى الله في كل ساعة، ومنهم من يقول: أنتم تزعمون أنكم ترون الله في يوم القيامة، أما نحن فنراه في الدنيا في اليقظة.
هذا هو الضلال عندنا إن سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر ثلاثاً وثلاثين مرة، كل الأوراد النبوية ما زادت على مائة فقط: ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائة مرة، من قالها حين يصبح كتب له مائة حسنة، ومحي عنه مائة سيئة، وكان كعدل عشر رقاب من ولد إسماعيل، وظل يومه كله في حرز من الشيطان حتى يمسي، ولا يأتي أحد بمثل ما أتى به من الأجر إلا من قال مثله أو زاد )، أعظم ورد هو هذا، هذا هو ما في الشريعة الإسلامية.
حكم كتابة قوله تعالى: (وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه..) عند وجع الضرس
الجواب: لا، وكيف يقول مسلم أن من كتب كذا يكون كذا؟ فهذا مما نحتاج فيه إلى خبر من رسول الله، فإذا أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فنعم، وجربوا فالتجربة أكبر برهان.
إذا كان كل من يقرأ هذه الآيات يشفى ضرسه؟! فغداً سأفتح عيادة للأضراس، إن لي عدة أشهر وهذا الفك يؤلمني، وأنا أقرأ القرآن كاملاً.
كذلك من الخرافات من يكتب: طه.. طه.. طه، حم.. حم.. حم، هذا كله خزعبلات، وبعضهم يكتب حروفاً هي أسماء الجن، فيكون شركاً وكفراً والعياذ بالله.
هذا ليس من دين محمد صلى الله عليه وسلم، فليس عندنا إلا القرآن والسنة، وليس فيهما هذا الكلام، وهذا كله من الزنادقة.
كيفية العدل بين الأولاد الطيبين والعاصين
الجواب: إذا قسم مالاً فليعدل لا محالة ما دام لم يرتد، فإذا ارتد الولد فلا يرث مسلم كافراً ولا كافر مسلماً، أما ما دام مجرد فاسق فقط ففسقه لا يحرمه حقاً أعطاه الله إياه، وغداً يتوب.
معنى حديث: (من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل..)
الجواب: الإدلاج: هو السير في الليل، والدلجة: هي الظلمة، فالذي يريد أن يصل إلى مكة أو إلى ينبع على راحلته لا يبقى حتى يصلي الصبح وبعدها يمشي، لأنه سيطلع النهار ويشتد الحر ويعجز، فيدلج في الليل، بأن يمشي أوله، فلا يطلع الفجر إلا وقد وصل منزله، وهذه كناية تعني أن من أراد دار السلام فليفني شبابه في العمل في طاعة الله ورسوله، وما هي إلا أعوام يصوم فيها النهار ويقوم الليل ويربط العصابة على بطنه جوعاً.. وهكذا، وما هي إلا سنيات يقضيها ويستريح أبداً.
(من خاف أدلج) الذي يخاف الحرمان والعقوبة ويخاف عذاب الله يدلج، كالذي يخاف اللصوص في الطريق فيمشي في الليل، فالظلام ستر ساتر، ومن أدلج بلغ المنزل بإذن الله.
(ألا إن سلعة الله غالية) نعم؛ لأن موضع سوط في الجنة -والله- لخير من الدنيا وما فيها، إذاً كم تدفع أنت؟ لو تخرج من مالك كله وتفني عمرك كله في الصلاة والصيام والجهاد ما أنت بموف ولا مكان هذا السوط، ومع هذا تعطى مثل الدنيا عشر مرات، هكذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يبين، فسلعة الله غالية.
فلهذا ابذل فيها ما استطعت أن تبذل، واحتقر دائماً عملك.