شرح ألفية ابن مالك [3]


الحلقة مفرغة

تعريف المعرب والمبني

قال المؤلف رحمه الله: [المعرب والمبني]

هذا عنوان لهذا الباب، وبدأ بالمعرب لشرفه، ثم أتى بالمبني لأن مرتبته دون المعرب، ولأن المبني أقل من المعرب والمعرب أكثر.

وقد بين المؤلف رحمه الله في هذا الباب ما هو المعرب والمبني من الأسماء والأفعال والحروف.

أما الأسماء فقسمها إلى قسمين، قال: [والاسم منه معرب ومبني].

منه معرب: مبتدأ وخبر، المبتدأ: معرب، والخبر: منه.

(ومبني): الواو حرف عطف.

مبني: مبتدأ خبره محذوف، والتقدير: ومنه مبني؛ لأنك لو قلت: منه معرب ومبني جمعت بين الضدين، ولكن الواقع أن منه معرباً ومنه مبنياً.

ونظير هذا التعبير قوله تعالى: فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ [هود:105] فلا يصح أن تقول: سعيد معطوفة على شقي، بل تقول: سعيد: مبتدأ خبره محذوف، أي: ومنهم سعيد.

ما هو المعرب؟

المعرب: ما يتغير آخره بحسب العوامل، مثل زيد، تقول: قام زيد، ضربت زيداً، مررت بزيد، فتجد أن آخره تغير بحسب العوامل.

وسمي معرباً؛ لأنه يفصح عن المعنى، وذلك أنه إذا تغيرت الحركات فهم المعنى.

والمبني: هو ما لزم حالاً واحدة.

وإن شئت فقل: ما لا يتغير آخره باختلاف العوامل، يعني: قد يتغير لكن لا لاختلاف العوامل، فمثل (حيث) يقال فيها: حيثُ وحيثَ وحيثِ وحوث، لكن هذا الاختلاف ليس من أجل اختلاف العامل، بل هو اختلاف لغة.

فالمبني إذاً تعريفه: ما لا يتغير آخره باختلاف العوامل، بل هو باق على ما هو عليه، لكن ما سبب البناء؟

أنا أقول ولست بنحوي: سبب البناء وروده عن العرب، أي أن العرب جعلوا هذه الكلمة مبنية لم يغيروها باختلاف العوامل، والكلمة الأخرى معربة يغيرونها باختلاف العوامل.

فالحاكم في الألفاظ إعراباً وبناء هو ما سمع عن العرب، لكن مع ذلك التمس أهل الفن -أعني النحويين- عللاً للبناء، واختلفوا في هذه العلل، وأكثرهم على ما قال ابن مالك :

[لشبه من الحروف مدني]

أي سبب بناء الأسماء قربها من الحروف في الشبه، والحروف مبنية، فما قاربها شبهاً من الأسماء أعطي حكمها، هكذا ذهب المؤلف رحمه الله وأكثر النحويين.

أما أنا ولست بنحوي فأقول: منه مبني لسماع ذلك عن العرب، وانتهى.

والشبه أنواع، يقول: (لشبه من الحروف مدني) أي: مقرب، أما الشبه البعيد فلا عبرة به، لكن الشبه المقرب يجعل الكلمة مبنية.

معنى الشبه الوضعي في بناء الضمائر

قال رحمه الله: [كالشبه الوضعي في اسمي جئتنا].

الشبه الوضعي يعني أنه وضع على حرف أو حرفين، فهذا شبه وضعي؛ لأن أصل الحروف إما حرف وإما حرفان، وقد تكون ثلاثة، وقد تكون أربعة مثل كلا وهلا، لكن الأكثر الغالب أن الحروف مركبة من حرفين، فما شابهها من الأسماء كان مبنياً للشبه الوضعي؛ وقوله: (الوضعي) مأخوذ من الوضع.

وقوله: (في اسمي جئتنا) اسما جئتنا هما التاء فاعل، ونا مفعول به، فالتاء على حرف، ونا على حرفين.

نأخذ من هذا المثال أن جميع الضمائر التي في محل الرفع والتي في محل النصب والتي في محل الجر مبنية، وهذه قاعدة.

وأخذنا أن الضمائر المرفوعة مبنية من التاء؛ لأن التاء فاعل، وأخذنا أن الضمائر المنصوبة والمجرورة مبينة من (نا)؛ لأن (نا) تصلح للنصب وللجر.

فإذاً: كل الضمائر مبنية: ضمائر الرفع، وضمائر النصب، وضمائر الجر؛ المتصلة والمنفصلة، وإن كان المؤلف رحمه الله لم يذكر المنفصلة لكن ذكرها أهل العلم بالنحو.

فكلما وجدت ضميراً فهو مبني؛ لكن سبب بناء الأسماء هو الشبه الوضعي، وأيضاً ما سيذكره.

معنى الشبه المعنوي في بناء متى والإشارة

قوله: [والمعنوي في متى وفي هنا]

أي: شبه المعنى في (متى) وفي (هنا) فمتى تشبه الحرف في المعنى لا في الوضع؛ لأن متى حروفها ثلاثة؛ لكنها تشبه الحرف في المعنى، إذ إن (متى) تصلح أن تكون شرطاً، وتصلح أن تكون استفهاماً، والشرط قد وضع له حرف دال عليه، والاستفهام قد وضع له حرف دال عليه، فإذا جعلناها شرطية فهي تشبه في المعنى إن الشرطية، وإذا جعلناها استفهامية فهي تشبه في المعنى همزة الاستفهام.

وإن شئت فقل: تشبه (هل)، وهي إلى (هل) أقرب من الهمزة؛ لأن (هل) موضوعة على حرفين، ومتى على ثلاثة أحرف، فهي إلى هل أقرب منها إلى الهمزة؛ لكنهم جعلوها مشبهة للهمزة في المعنى؛ لأن الأصل في أدوات الاستفهام هي الهمزة.

قوله: (وفي هنا):

(هنا) إشارة إلى المكان، ولا يوجد حرف يشبه اسم الإشارة في المعنى، لكن على فرض أن العرب وضعوا حرفاً للإشارة نقول: اسم الإشارة مشبه لهذا الحرف الذي يفرض أن العرب وضعته.

وهذه العلل عليلة، يعني: عندما لم تجدوا ما قلتم فرضتم على العرب أن يضعوا حرفاً للإشارة لكنهم ما وضعوا، فمعناه أن العرب آثمون لأنهم تركوا الواجب، أو غافلون لأنهم لم يجدوا حرفاً.

وقد قال بعض النحويين: إن العرب وضعوا أل التي للعهد الذكري حرفاً للإشارة بمنزلة اسم الإشارة، قال تعالى: كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ [المزمل:15-16] كأنه قال: فعصى فرعون هذا الرسول المذكور.

فأل التي للعهد الذكري تشير إلى المذكور، وهي حرف.

ولكني لو أحلف أن العرب ما طرأ ببالهم هذا ما حنثت، أعني قولهم: إن العرب فكروا فما وجدوا حرفاً يوضع للإشارة إلا أل التي للعهد الذكري.

ونحن نقول: إن المرجع في البناء والإعراب السماع ونستريح، فنقول: ما سمع عن العرب مبنياً فهو مبني، وما سمع معرباً فهو معرب.

معنى النيابة عن الفعل بلا تؤثر في بناء أسماء الأفعال

قوله: [وكنيابة عن الفعل بلا

تأثر]

الثالث: الشبه النيابي، ويعني: أن يشبه الحرف في النيابة، وذلك في العمل بلا تأثر بالعوامل؛ لأن الحرف يعمل ولا يتأثر، فهو يعمل ولا يعمل فيه، ففي -مثلاً- تعمل الجر؛ ولكن لا يعمل فيها، فلو قلت مثلاً: جلست في المسجد، تقول: جلست: فعل وفاعل وفي: حرف جر، والمسجد: مجرور بفي، ففي عملت ولم يعمل فيها.

فما شابه الحرف من هذه الناحية -أي: صار يعمل ولا يعمل فيه- فهو مبني، فجميع أسماء الأفعال مبنية.

وهنا سؤال: أيها أسهل: أن نقول للناس أسماء الأفعال مبنية، أم أن نقول: ما شابه الحرف في كونه يعمل ولا يعمل فيه فهو مبني.

أم نقول كما قال ابن مالك: إن ما ناب عن الفعل بلا تأثر فهو مبني؟

فيحصل عندنا ثلاث جمل:

الأولى: جميع أسماء الأفعال مبنية.

الثانية: ما شابه الحرف في كونه يعمل ولا يعمل فيه مبني.

الثالثة: ما ناب عن الفعل بلا تأثر بالعوامل فهو مبني.

وأسهلها هي الأولى، إذاً نقول: جميع أسماء الأفعال مبنية.

قوله: (وكنيابة عن الفعل بلا تأثر) يعني: أن يعمل ولا يعمل فيه، وخرج بذلك المصدر النائب عن فعله، فإنه ينوب عن الفعل ولكن بتأثر، مثل أن تقول: ضرباً زيداً، بمعنى: اضرب زيداً، فكلمة (ضرباً) هنا غير مبنية مع أنها تنوب عن الفعل؛ لكنها تتأثر بالعوامل، فلذلك لم تكن مبنية.

وأمثلة ذلك أن تقول: يعجبني ضَرْبُ زيد عمراً، وتقول: أنكرت ضَرْبَ زيد عمراً، وتقول: عجبت من ضَرْبِ زيد عمراً، فتجد كلمة (ضَرْب) تتأثر بالعوامل، إذاً فلا تدخل بل تخرج بقول ابن مالك رحمه الله: (عن الفعل بلا تأثر).

معنى الشبه الافتقاري في بناء الموصولات

الشبه الرابع: الافتقار.

قال ابن مالك:

[وكافتقار أصلا]

يعني أن يشبه الاسم الحرف في الافتقار الأصلي، ويشير بذلك إلى الأسماء الموصولة.

ولو قال ابن مالك أو غيره من العلماء: والأسماء الموصولة لكان أوضح من أن يقولوا: وما شابه الحرف في افتقار أصلي؛ لأن الأسماء الموصولة كلها مبنية.

وقوله: (أصلا) احترز به عما إذا كان الافتقار عارضاً؛ فإنه لا يوجب البناء.

مثال العارض: افتقار الصفة للصفة، تقول: مررت برجل يشكو ألماً في رجله، تريد أن تبين حال الرجل فلابد أن تقول: يشكو ألماً في رجله، لكن هذا الافتقار عارض، ولو أردت ألا تبين وقلت: مررت برجل، لاستقام الكلام.

كذلك أيضاً لابد أن يكون الافتقار إلى جملة أو شبهها، فإن كان الافتقار إلى مفرد لم تكن الكلمة مبنية، مثل كلمة (سبحان)، فهي مفتقرة إلى الإضافة؛ لأنها دائماً تأتي مضافة لا مفردة، ومع ذلك هي معربة؛ لأن افتقارها إلى غير جملة لا إلى جملة.

تعديد الأسماء المبنية

والحاصل أن الأسماء المبنية ستة:

أولاً: الضمائر، وهي مأخوذة من قول المؤلف: (في اسمي جئتنا).

ثانياً: أسماء الشرط، وهي مأخوذة من قوله: (متى).

ثالثاً: أسماء الاستفهام، وهي مأخوذة من قوله: (متى).

رابعاً: أسماء الإشارة، وهي مأخوذة من قوله: (هنا).

خامساً: أسماء الأفعال، وهي مأخوذة من قوله: (وكنيابة عن الفعل بلا تأثر).

سادساً: الأسماء الموصولة، وهي مأخوذة من قوله: (وكافتقار أصلا).

وخلاصة الدرس: أن الأسماء تنقسم إلى قسمين معربة ومبنية، والأصل الإعراب لا البناء.

والدليل على أن الأصل الإعراب أنه لا يحتاج إلى شرط، والمبني يحتاج إلى شرط.

فالمعرب ما يتغير آخره باختلاف العوامل، والمبني ما لا يتغير آخره باختلاف العوامل.

المبني من الأسماء ستة أبواب ذكرها ابن مالك : الضمائر، أسماء الشرط، أسماء الاستفهام، أسماء الإشارة، أسماء الأفعال، الأسماء الموصولة.

وعلة البناء فيها مشابهة الحرف، ومشابهة الحرف أنواع: الشبه الوضعي، الشبه المعنوي، الشبه الافتقاري، الشبه النيابي.

المعرب من الأسماء

ثم قال ابن مالك رحمه الله:

[ومعرب الأسماء ما قد سلما

من شبه الحرف كأرض وسما]

قال المؤلف أولاً: (المعرب والمبني) وقدم المعرب لأنه الأصل، وشرع في البناء؛ لأنه أقل من المعرب في الشرح وفي الوجود، فإذا كان أقل يكون حصره أسهل.

ويجوز أن نقول: (معرب) خبر مقدم. و(ما) في قوله (ما قد سلما) مبتدأ مؤخر.

ويجوز أن نقول: معرب: مبتدأ. وما قد سلم: خبره؛ لأنه ينظر هل يريد أن يخبر عن المعرب ما هو؟ أو أن يخبر عما سلم من مشابهة الحرف هل هو معرب أو لا؟

إن كان الثاني فـ (معرب) خبر، وإن كان الأول فـ(معرب) مبتدأ، والمعنى لا يختلف.

قوله: (ما قد سلما) بالألف، والألف هنا ليست للتثنية بل هي للإطلاق، أي: إطلاق شطر البيت.

قوله: (من شبه الحرف كأرض وسُما) هذا مقابل قوله:

(ومبني

لشبه من الحروف مدني).

فإن قال قائل: لماذا قال: (معرب الأسماء ما قد سلما) وهو مفهوم من قوله: (ومبني لشبه من الحروف)؟

والجواب عن هذا من وجهين:

الوجه الأول: أن كوننا نعرف أن معرب الأسماء ما قد سلم من شبه الحرف من الجملة السابقة إنما نعرفه عن طريق المفهوم، وهنا عرفناه عن طريق المنطوق، والدلالة بالمنطوق أقوى من الدلالة بالمفهوم.

الوجه الثاني: أنه إنما ذكر المعرب هنا للتوطئة والتمهيد لبيان أن المعرب ينقسم إلى صحيح ومعتل، ويظهر ذلك بالمثال: (كأرض وسما).

إذاً: يرى ابن مالك رحمه الله أن المعرب من الأسماء ما لم يشابه الحروف، ونحن نقول: المعرب من الأسماء ما يتغير آخره باختلاف العوامل، وهذا أوضح، فكل كلمة يختلف آخرها باختلاف العوامل فهي معربة.

وقوله: (كأرض وسما) أول ما تقرأ تظن أن الصواب: وسَما؛ لأن السماء تقابل دائماً بالأرض، وليس كذلك؛ لأن (أرض) آخرها حرف صحيح وهو الضاد، و(سُما) آخرها ألف وهو من حروف العلة، فكأن المؤلف بتغيير المثال يشير إلى أن الاسم المعرب منه صحيح ومنه معتل.

فالصحيح مثل: أرض، والمعتل مثل: سُما.

وسُما لغة في اسم، فتقول: اسم ولد فلان محمد، وتقول سما ولد فلان محمد.

إذاً: فــ(سما) بمعنى اسم، وهي لغة فيه.

ومن أمثلة الصحيح غير أرض: زيد، عمرو، مسجد، بكر، خالد، وغيرها.

ومن أمثلة المعتل غير سما: هدى، رضا، فتى، وغيرها. وسيأتي إن شاء الله أن المعتل يكون معتلاً بالواو، ومعتلاً بالألف، ومعتلاً بالياء، بكلام أوضح من هذا.

قال المؤلف رحمه الله: [المعرب والمبني]

هذا عنوان لهذا الباب، وبدأ بالمعرب لشرفه، ثم أتى بالمبني لأن مرتبته دون المعرب، ولأن المبني أقل من المعرب والمعرب أكثر.

وقد بين المؤلف رحمه الله في هذا الباب ما هو المعرب والمبني من الأسماء والأفعال والحروف.

أما الأسماء فقسمها إلى قسمين، قال: [والاسم منه معرب ومبني].

منه معرب: مبتدأ وخبر، المبتدأ: معرب، والخبر: منه.

(ومبني): الواو حرف عطف.

مبني: مبتدأ خبره محذوف، والتقدير: ومنه مبني؛ لأنك لو قلت: منه معرب ومبني جمعت بين الضدين، ولكن الواقع أن منه معرباً ومنه مبنياً.

ونظير هذا التعبير قوله تعالى: فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ [هود:105] فلا يصح أن تقول: سعيد معطوفة على شقي، بل تقول: سعيد: مبتدأ خبره محذوف، أي: ومنهم سعيد.

ما هو المعرب؟

المعرب: ما يتغير آخره بحسب العوامل، مثل زيد، تقول: قام زيد، ضربت زيداً، مررت بزيد، فتجد أن آخره تغير بحسب العوامل.

وسمي معرباً؛ لأنه يفصح عن المعنى، وذلك أنه إذا تغيرت الحركات فهم المعنى.

والمبني: هو ما لزم حالاً واحدة.

وإن شئت فقل: ما لا يتغير آخره باختلاف العوامل، يعني: قد يتغير لكن لا لاختلاف العوامل، فمثل (حيث) يقال فيها: حيثُ وحيثَ وحيثِ وحوث، لكن هذا الاختلاف ليس من أجل اختلاف العامل، بل هو اختلاف لغة.

فالمبني إذاً تعريفه: ما لا يتغير آخره باختلاف العوامل، بل هو باق على ما هو عليه، لكن ما سبب البناء؟

أنا أقول ولست بنحوي: سبب البناء وروده عن العرب، أي أن العرب جعلوا هذه الكلمة مبنية لم يغيروها باختلاف العوامل، والكلمة الأخرى معربة يغيرونها باختلاف العوامل.

فالحاكم في الألفاظ إعراباً وبناء هو ما سمع عن العرب، لكن مع ذلك التمس أهل الفن -أعني النحويين- عللاً للبناء، واختلفوا في هذه العلل، وأكثرهم على ما قال ابن مالك :

[لشبه من الحروف مدني]

أي سبب بناء الأسماء قربها من الحروف في الشبه، والحروف مبنية، فما قاربها شبهاً من الأسماء أعطي حكمها، هكذا ذهب المؤلف رحمه الله وأكثر النحويين.

أما أنا ولست بنحوي فأقول: منه مبني لسماع ذلك عن العرب، وانتهى.

والشبه أنواع، يقول: (لشبه من الحروف مدني) أي: مقرب، أما الشبه البعيد فلا عبرة به، لكن الشبه المقرب يجعل الكلمة مبنية.

قال رحمه الله: [كالشبه الوضعي في اسمي جئتنا].

الشبه الوضعي يعني أنه وضع على حرف أو حرفين، فهذا شبه وضعي؛ لأن أصل الحروف إما حرف وإما حرفان، وقد تكون ثلاثة، وقد تكون أربعة مثل كلا وهلا، لكن الأكثر الغالب أن الحروف مركبة من حرفين، فما شابهها من الأسماء كان مبنياً للشبه الوضعي؛ وقوله: (الوضعي) مأخوذ من الوضع.

وقوله: (في اسمي جئتنا) اسما جئتنا هما التاء فاعل، ونا مفعول به، فالتاء على حرف، ونا على حرفين.

نأخذ من هذا المثال أن جميع الضمائر التي في محل الرفع والتي في محل النصب والتي في محل الجر مبنية، وهذه قاعدة.

وأخذنا أن الضمائر المرفوعة مبنية من التاء؛ لأن التاء فاعل، وأخذنا أن الضمائر المنصوبة والمجرورة مبينة من (نا)؛ لأن (نا) تصلح للنصب وللجر.

فإذاً: كل الضمائر مبنية: ضمائر الرفع، وضمائر النصب، وضمائر الجر؛ المتصلة والمنفصلة، وإن كان المؤلف رحمه الله لم يذكر المنفصلة لكن ذكرها أهل العلم بالنحو.

فكلما وجدت ضميراً فهو مبني؛ لكن سبب بناء الأسماء هو الشبه الوضعي، وأيضاً ما سيذكره.