شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 732-733


الحلقة مفرغة

عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي ركباً بالروحاء، فقال: من القوم؟ قالوا: المسلمون، قالوا: من أنت؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرفعت إليه امرأة صبياً فقالت: يا رسول الله! ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر) رواه مسلم.

تخريج الحديث

الحديث رواه مسلم في كتاب الحج، باب حج الصبي، ورواه أيضاً أبو داود والنسائي وابن خزيمة والبيهقي وابن أبي شيبة وغيرهم، كلهم في الحج، باب حج الصبي، وأخرجه الإمام أحمد في المسند أيضاً، ومالك في الموطأ.

معاني ألفاظ الحديث

ألفاظ الحديث:

قوله: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي ركباً )، الركب هم جماعة، والمفرد راكب، والجماعة ركب، وقيل: إن الركب أقله عشرة، ولكن في الحديث: ( الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب )، فهذا دليل على أن أقل الركب ثلاثة لغة وشرعاً.

و(الروحاء) ( لقي ركباً بالروحاء )، هو موضع على مسافة أربعين ميلاً أو ستٍ وثلاثين ميلاً من المدينة النبوية، وهو موضع معروف، فسأل هؤلاء القوم النبي صلى الله عليه وسلم: ( من أنت؟ )، وهذا دليل على أنهم ما عرفوه، إما لأنه كان بليل، أو لأنه كان بعيداً منهم بحيث لا يرونه، وأما سؤال النبي صلى الله عليه وسلم لهم فهذا السؤال على سبيل الاطمئنان، أن لا يكون هؤلاء القوم أعداءً أو مقاتلين أو ما أشبه ذلك، فسألهم: ( من القوم؟ فقالوا: المسلمون )، نحن مسلمون، وكانوا ذاهبين إلى الحج، ولهذا رفعت إليه المرأة هذا الصبي.

قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( نعم، ولكِ أجر )، يعني: له حج ولك أجر، الأجر الذي وعدها به النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إما لحجها بهذا الصبي، فله حج ولها أجر، وإما بسبب رعايتها له وقيامها عليه كما هو معروف من شأن الأم، وإما بسبب سؤالها وتفقهها في هذه المسألة واغتنامها لهذه الفرصة، بل لعل الأجر لهذه الأشياء الثلاث كلها: لرعايتها لصبيها، ولحجها به، ولسؤالها عن الأحكام.

حكم حج الصبي وأقوال العلماء فيه

الحديث فيه مسألة حكم حج الصبي، وقد أجمع العلماء على أنه لا يجب الحج على الصبي ولا على المجنون.

ولذلك من شروط الحج: البلوغ.

ومن شروط الحج: العقل.

ومن شروط الحج: الإسلام، فلابد أن يسلم.

ومن شروط الحج: الاستطاعة، كما هو معروف.

ثم اختلفوا بعد ذلك، بعدما أجمعوا على أن الحج لا يجب على الصبي ولا على المجنون، اختلفوا في مسألة انعقاد الحج، فالجمهور يقولون: إن حج الصبي ينعقد وهو صحيح، وله به أجر يثاب عليه، يعني: أن الصبي يحرم ويؤجر وحجه صحيح، وإن كان هذا الحج لا يجزئه عن حج الفريضة، فإذا بلغ وجب عليه حج آخر باتفاقهم، وكذلك المجنون لو أنه حج وهو مجنون ثم عقل بعد الحج، وكذلك القن، العبد الرقيق إذا حج ثم أعتق وجب عليه حج آخر عند الجمهور أيضاً.

إذاً: القول الأول: أن حجه صحيح ومنعقد وإن كان لا يجزئه عن حجة الإسلام، وهذا مذهب الشافعي ومالك وأحمد وداود وسائر الفقهاء، وجمهور العلماء كما ذكره ابن عبد البر قال: عن سائر الفقهاء وجمهور العلماء من كل بلد وفي كل قرن وزمان أن ذلك صحيح.

ودليلهم حديث ابن عباس -حديث الباب- فهو حديث صريح صحيح في المسألة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أفتى أن له حجاً، وأن لأمه أجراً، فهذا دليل للجمهور.

الدليل الثاني أيضاً: حديث ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه، فإن في المتفق عليه أنه لما جاء للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، وقال: ( أقبلت راكباً على حمار أتان وأنا يومئذٍ قد ناهزت الاحتلام، فنزلت ثم مررت بين يدي بعض الصف فلم ينكر ذلك علي أحد وكان ذلك بـمنى )، فهذا دليل على أن ابن عباس -وهو قد قارب الاحتلام ولم يبلغ- كان قد حج مع النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك دليل على وجود جماعة من المراهقين والصبيان كانوا مع المسلمين في حجة الوداع، مع النبي عليه الصلاة والسلام.

أيضاً: حديث السائب بن يزيد يدل على هذا المعنى، قال السائب بن يزيد: حج بي أبي وأنا ابن سبع سنين، وهو أيضاً في الصحيح، فهو يدل على ما ذكرنا.

حديث جابر رضي الله عنه عند أحمد وابن ماجه وغيرهم، قال: فلبينا عن الصبيان، فهذا دليل على أنهم حجوا بالصبيان ولبوا عنهم، وأن كثيراً من الأسر حجوا بصبيانهم معهم.

فهذه الأدلة الأربعة وغيرها تدل على ما ذهب إليه جمهور أهل العلم؛ من أن حج الصبي ينعقد، وأنه يثاب عليه ولأهله أجر ما ساعدوه في ذلك أيضاً.

القول الثاني: أن حج الصبي لا ينعقد ولا يصح، وإنما هو لمجرد التدريب والتمرين، وهذا ذهب إليه أبو حنيفة واستدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( رفع القلم عن ثلاثة )، وهو حديث عند أهل السنن وقد سبق: ( فذكر الصبي حتى يبلغ )، فقال: إن هذا مرفوع عنه القلم، فكيف يحج؟

والجواب عن هذا أن يقال: إن المرفوع عنه هو قلم المؤاخذة، ولهذا الصبي تكتب له الحسنات ولا تكتب عليه السيئات مادام دون البلوغ، وقول الجمهور لا شك في هذا هو الراجح.

فوائد الحديث

من فوائد الحديث: السؤال عن الناس أو عن القوم أو عن الشخص الذي تقابله، وأن ذلك فاضل، خاصة إذا كان في الأمر ما يدعو إلى ذلك، ومن هنا سأل النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء القوم: ( من القوم؟ )، وكذلك هم سألوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وقد نأخذ من هذا الحديث: أن التعارف من مقاصد الحج، فإن هؤلاء القوم كانوا حجاجاً، وسألوا النبي عليه الصلاة والسلام عن بعض أحكام الحج.

فهكذا نقول: الحديث دليل على أن التعارف من مقاصد الحج، وإزالة الحواجز والأسوار والعنصريات التي توجد بين المسلمين بسبب الانتسابات، القبائل، انتسابهم لدول معينة، المذاهب، الألوان، وغير ذلك، فينبغي أن يكون الحج فرصة للتعارف، والتعارف سبيل لكل خير، فإذا عرفته ربما استطعت أن توصل إليه خيراً، أو تقتبس منه، أو تتعلم منه، أو تعلمه، لا تجعل في بالك أن تعلمه فقط، لا، تعلمه وتتعلم منه، حتى يكون هناك استعداد وتبادل للمنافع والخبرات، فهذا من مقاصد الحج.

من فوائد الحديث أيضاً: صحة حج الصبي الصغير.

وفيه فضل رعاية الصغار والعناية بهم وثواب الوالدين وخاصة الأم على ذلك.

وفيه السؤال عما أشكل، ولهذا سألت: ( يا رسول الله! ألهذا حج ).

وفيه أحياناً وضع المسئول أمام صورة عملية أنه أفضل، فكان المرأة بإمكانها أن تقول: ألصبي الصغير حج، فيقول: نعم، لكن هي لما رفعت هذا الصبي حتى رآه النبي صلى الله عليه وسلم، كان ذلك أبلغ في الدلالة على السؤال، وأن هذا الصبي صغير بحيث أنه يرفع؛ لأنه ربما لو قلنا: الصغير له حج، قال واحد: نعم هذا المراهق، لكن الطفل الرضيع ليس له حج، فلما رفعته بيدها، دل على أن هذا طفل صغير، ربما يكون رضيعاً أو فوق الرضيع بقليل حتى يرفع باليد، ومع ذلك أفتى النبي صلى الله عليه وسلم بأن له حجاً.

وفيه تدريب الصغار على العبادة وقبولها منهم، ومن ذلك: ( مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين ).

ومن فوائد الحديث: أن صوت المرأة ليس بعورة، فالمرأة رفعت صوتها تسأل النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ربما لم يكن شديد القرب، وقد سمعها النبي عليه الصلاة والسلام، وسمعها أعداد وخلق من الناس، ممن كانوا معها أو كانوا مع النبي عليه الصلاة والسلام، ممن يحتاج إلى استماعهم وممن لا يحتاج إلى ذلك، لكن كان السؤال له سبباً وله حاجة، فهذا دليل على أن صوت المرأة ليس بعورة.

ومن فوائد الحديث: التسامح مع الطفل في المحظورات، بل حتى في رفض الحج لو رفضه؛ لأن الطفل ليس مكلفاً، ففيما يتعلق بالمحظورات، لو ارتكب شيئاً منها، فإنه لا يحرج عليه في ذلك كما يحرج على الكبير، ولو أنه ترك الإحرام ورفضه للخوف أو للرعب أو لغير ذلك، فهو ليس مثل الكبير أيضاً، ولذلك نقول: إن أفعال الصغير في الحج أو في العمرة تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

- قسم يفعله الصبي بنفسه، مثل: أن يقف بـعرفة مثلاً، أو يبيت بـمنى .

- وقسم يفعله والده به: مثل الطواف؛ أن يحمله والده ويطوف به.

والقسم الثالث: يفعله والده عنه؛ وذلك مثل نية النسك ؛ لأن الصغير لا يطيق النية ولا يفهمها، قد يكون رضيعاً، فهذا ينويه والده عنه. هذه ثلاثة أقسام.

الحديث رواه مسلم في كتاب الحج، باب حج الصبي، ورواه أيضاً أبو داود والنسائي وابن خزيمة والبيهقي وابن أبي شيبة وغيرهم، كلهم في الحج، باب حج الصبي، وأخرجه الإمام أحمد في المسند أيضاً، ومالك في الموطأ.

ألفاظ الحديث:

قوله: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي ركباً )، الركب هم جماعة، والمفرد راكب، والجماعة ركب، وقيل: إن الركب أقله عشرة، ولكن في الحديث: ( الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب )، فهذا دليل على أن أقل الركب ثلاثة لغة وشرعاً.

و(الروحاء) ( لقي ركباً بالروحاء )، هو موضع على مسافة أربعين ميلاً أو ستٍ وثلاثين ميلاً من المدينة النبوية، وهو موضع معروف، فسأل هؤلاء القوم النبي صلى الله عليه وسلم: ( من أنت؟ )، وهذا دليل على أنهم ما عرفوه، إما لأنه كان بليل، أو لأنه كان بعيداً منهم بحيث لا يرونه، وأما سؤال النبي صلى الله عليه وسلم لهم فهذا السؤال على سبيل الاطمئنان، أن لا يكون هؤلاء القوم أعداءً أو مقاتلين أو ما أشبه ذلك، فسألهم: ( من القوم؟ فقالوا: المسلمون )، نحن مسلمون، وكانوا ذاهبين إلى الحج، ولهذا رفعت إليه المرأة هذا الصبي.

قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( نعم، ولكِ أجر )، يعني: له حج ولك أجر، الأجر الذي وعدها به النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إما لحجها بهذا الصبي، فله حج ولها أجر، وإما بسبب رعايتها له وقيامها عليه كما هو معروف من شأن الأم، وإما بسبب سؤالها وتفقهها في هذه المسألة واغتنامها لهذه الفرصة، بل لعل الأجر لهذه الأشياء الثلاث كلها: لرعايتها لصبيها، ولحجها به، ولسؤالها عن الأحكام.