شرح بلوغ المرام - كتاب الزكاة - باب صدقة التطوع - حديث 651-657


الحلقة مفرغة

بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

رقم هذا الدرس من دروس بلوغ المرام (211) والتاريخ هو يوم الأحد ليلة الإثنين السابع عشر من جمادى الآخرة من سنة (1428هـ).

عندنا باب صدقة التطوع، فقد انتهينا أمس من صدقة الفطر، وتعرضنا لكل ما يتعلق بها من أحكام من حيث وجوبها ومقدار ما يخرج، ولمن تخرج، ووقت إخراج الصدقة.. إلى غير ذلك.. وتعجيل الصدقة، كل هذه الأشياء عرضنا لها بالأمس.

أما اليوم فعندنا باب: صدقة التطوع، وهو يستوعب إن شاء الله درس اليوم ودرس الغد أيضاً، فالحديث رقم: (631) هو حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله -فذكر الحديث وفيه-: ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه )، والحديث متفق عليه.

تخريج الحديث

أولاً: ما يتعلق بتخريجه: فإن الحديث رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما في كتاب الزكاة.

وهنا أحب أن أذكر لكم فائدة عابرة: أن صحيح البخاري رحمه الله قد بوبه البخاري بكتبه وأبوابه تبويباً دقيقاً مفصلاً، أما صحيح مسلم فـمسلم بوب الكتب.. العناوين الرئيسة: أبواب الصلاة، أبواب الإيمان، أبواب الزكاة، ولكنه لم يفصل داخل ذلك، الأبواب لم يفصلها مسلم وإنما بوبها غيره من أهل العلم، الإمام النووي وضع أبواباً، المازري، كل من شرح صحيح مسلم وضع عناوين الأبواب من عنده باجتهاده هو، ولكن مسلماً لم يضع أبواباً تفصيلية، فإذا قيل -مثلاً-: هذا الحديث رواه مسلم في كتاب الزكاة -مثلاً- باب إخفاء الصدقة، فهنا باب إخفاء الصدقة ليس من مسلم نفسه وإنما من النووي، فهو الذي وضع هذا الباب.

هذا الحديث أيضاً أخرجه الترمذي في جامعه في كتاب الزهد، والنسائي في سننه أيضاً في القضاء، وأحمد وابن خزيمة وابن حبان والبيهقي وغيرهم.

معاني ألفاظ الحديث

ما يتعلق بألفاظ الحديث:

في قوله صلى الله عليه وسلم: ( سبعة يظلهم الله )، أي: سبعة أصناف من الناس، وليس المقصود سبعة أفراد، يعني: سبعة أنواع، وقد يكون النوع الواحد فيه من لا يعلمه إلا الله من العدد الذين تحققوا بهذه الصفة.

وقوله: ( يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله )، قيل: في ظل العرش. وقيل: في ظلٍ منسوب إلى الله تبارك وتعالى، كأن يكون في ظل عمله الصالح، أو يكون هناك ظل مخصص لكل فئة من هذه الفئات وصنف من هذه الأصناف، وهذا ليس من التأويل؛ لأن البعض قد يقول: لماذا لا نقول: يظلهم الله في ظله، ويكون ظل الله؟

فنقول: هذا ليس من التأويل؛ لأن الظل ليس له تعلق بذات الله تبارك وتعالى، فالمقصود ظل العرش أو ظل يخلقه الله حيث شاء.

وقوله: ( يوم لا ظل إلا ظله )، أي: يوم القيامة؛ وذلك للإشارة إلى أن يوم القيامة الشمس تدنو من الناس ولا يكون لهم ملتجأ ولا وزر ولا ظل إلا من شاء الله تعالى بأن يستظل بظل العرش أو بظل عمله، كما سوف يأتي بعد قليل.

وطبعاً الحديث فيه أشياء كثيرة جداً لا تتعلق بهذا الباب، لكن نقتصر منها على قوله: ( ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمنيه )، هكذا رواية الحديث في جميع كتب السنة، إلا أن مسلماً رحمه الله ذكره بلفظ: ( حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله )، وهذا ذكر أهل العلم: أنه قلب للعبارة، فهذا من قلب اللفظ؛ لأن النفقة إنما تكون باليمين وليست بالشمال، فالصواب: ( حتى لا تعلم شماله )، والشمال: هي اليد اليسرى.

( ما تنفق يمينه ) وهي اليد اليمنى التي يكون بها العطاء وتكون بها الصدقة، أما ما وقع في صحيح مسلم فهو انقلاب اللفظ، سواءً كان هذا الانقلاب على الإمام مسلم نفسه أو على بعض رواة الصحيح الذين رووا الحديث عن الإمام مسلم , وإلا فإن رواة الحديث في مسلم هم رواته في غيره، فالأقرب أن هذا قد يكون انقلب على من دون الإمام مسلم من الرواة.

فوائد الحديث

في الحديث فوائد كثيرة جداً، ويمكن لأي واحد أن يستخرج منه على الأقل سبع فوائد هذه ظاهرة فيمن يظلهم الله في ظله. - فضيلة الشاب الذي نشأ في عبادة الله. - فضيلة إخفاء الصدقة. - فضيلة التعلق بالمساجد. - فضيلة الإمام العادل. إلى غير ذلك من الفضائل الموجودة في الحديث. ولكن من الفوائد المهمة: فائدة الإسرار بالصدقة وأنها أفضل من إعلانها، وهذه المسألة تحتاج إلى شيء من التفصيل: فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر هنا: ( رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه )، وهذا بظاهره دليل على أن المشروع في الصدقة هو إخفاؤها. وقوله: ( لا تعلم شماله ما تنفق يمينه )، معناه: لو أن الشمال خُلق فيها إحساس خاص وكأنها شخص آخر لم تعلم بما جرى من اليمين، وبعضهم حمله على أن المقصود لو أن شخصاً إلى شماله لم يعلم ما أنفق هذا الإنسان بيمينه، أو لو كان عنده أكثر من وكيل فتصدق عن طريق وكيل بمال لم يعلم الوكيل الآخر بهذه الصدقة، والمقصود: المبالغة في الإخفاء وتحري ذلك. والله سبحانه وتعالى يقول في القرآن الكريم: (( إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ))[البقرة:271]، ولهذا قال بعض أهل العلم: إن المشروع هو إخفاء الصدقة سواء كانت فريضة أو نافلة لهذا الحديث وللآية الكريمة. وذهب آخرون إلى أن المشروع إخفاء صدقة التطوع، أما الفريضة فإن المشروع إظهارها؛ لئلا يُتهم بأنه جحد الزكاة أو لم يؤدها. وقال بعضهم: لأنه أصلاً يدفعها للإمام بواسطة السعاة، وهذا لابد أن يكون ظاهراً معلناً، وقيل غير ذلك. وخلاصة ما يمكن ذكره في هذا الباب مع الاختلاف الكبير بين أقوال أهل العلم أن نقول: إن الصحيح في مسألة الصدقة -سواء كانت زكاة مفروضة أو صدقة تطوع- أن الإسرار والإظهار لها يختلف بحسب الأحوال، فقد يوجد ما يدعو إلى إظهار الصدقة، مثل: أن يكون في ذلك حث للناس على الاقتداء به وعلى التبرع، أو يظهرها حتى لا يتمكن أحد من سرقتها أو التلاعب أو العبث بها، أو لغير ذلك من الاعتبارات والمقاصد الشرعية، فإذا وجدت هذه الاعتبارات كان إظهارها أفضل من إخفائها هذه حالة. الحالة الثانية: أن يكون هناك ما يدعو إلى إخفائها، مثل: أن يخاف على نفسه الرياء، فإن العبد إذا خاف على نفسه الرياء بالعمل استحب له إخفاؤه أياً كان هذا العمل، سواء كان صدقة أو صلاة أو قرآناً أو غير ذلك، فإذا خاف العبد على نفسه من الرياء كان الأفضل في حقه أن يخفيها، وكذلك إذا كان إظهارها يترتب عليه مفاسد، مثل: أن يتهمه الناس بأن قصده السمعة والقيل والقال، أو أن يكون في إظهارها خدشاً لإنسانية ونفسية المحاويج والمساكين والفقراء، أو أن يكون في إظهارها حصول مشكلة عائلية عند أولاده أو إخوانه أو قرابته أو غيرهم، أنه لماذا يكون التفريط بهذا المال؟ ولماذا تخرج هذا المال؟ فحينئذ يكون إخفاؤها أولى. الحالة الثالثة: أن يكون الأمر مستوياً ليس هناك مضرة من الإظهار وليس هناك مضرة من الإسرار، كما أنه ليس هناك منفعة ظاهرة في الإعلان أو الإخفاء، فحينئذ ماذا نقول؟ نقول: إن إخفاءها أولى؛ لأن الأصل إخفاء الأعمال. إذاً: فيما يتعلق بالصدقة الأصل هو إخفاؤها، وهذا هو الذي جاء في القرآن الكريم بقوله: (( وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ))[البقرة:271]، وكذلك في الحديث: ( تصدق بصدقة فأخفاها )، سواء كانت فريضة أو نافلة، زكاة فريضة أو صدقة تطوع، لكن إذا وجد ما يدعو إلى إظهارها كان الإظهار أفضل، ومن ذلك حديث جرير بن عبد الله

وهو في صحيح مسلم

: ( أن قوماً جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم عراة مجتابي النمار متقلدي العباء عامتهم من مضر أو كلهم من مضر، فتمعر وجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لما رأى بهم من الفقر والفاقة، ودعا الناس إلى الصدقة، وقال: تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من صاع بره، من صاع تمره، حتى قال صلى الله عليه وسلم: ولو بشق تمره. فجاء رجل بصرة كادت يده تعجز عنها وكأنها من الذهب أو الفضة، وجاء آخر بعد من تمر، فتهلل وجه النبي صلى الله عليه وسلم حتى كأنه مذهبة )، كأنه ذهب، وفي رواية: ( حتى كأنه مدهنة )، يعني: كأنه مدهون بالدهن من إشراقه وفرحه صلى الله عليه وسلم بهذا العطاء، ثم قال صلى الله عليه وسلم: ( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ) . فأثنى على أولئك الذين أظهروا الصدقة؛ لأنهم سنوا سنة حسنة، وشجعوا غيرهم على العطاء. إذاً: هذه هي القاعدة فيما يتعلق بإظهار وإخفاء الصدقة. ‏

أولاً: ما يتعلق بتخريجه: فإن الحديث رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما في كتاب الزكاة.

وهنا أحب أن أذكر لكم فائدة عابرة: أن صحيح البخاري رحمه الله قد بوبه البخاري بكتبه وأبوابه تبويباً دقيقاً مفصلاً، أما صحيح مسلم فـمسلم بوب الكتب.. العناوين الرئيسة: أبواب الصلاة، أبواب الإيمان، أبواب الزكاة، ولكنه لم يفصل داخل ذلك، الأبواب لم يفصلها مسلم وإنما بوبها غيره من أهل العلم، الإمام النووي وضع أبواباً، المازري، كل من شرح صحيح مسلم وضع عناوين الأبواب من عنده باجتهاده هو، ولكن مسلماً لم يضع أبواباً تفصيلية، فإذا قيل -مثلاً-: هذا الحديث رواه مسلم في كتاب الزكاة -مثلاً- باب إخفاء الصدقة، فهنا باب إخفاء الصدقة ليس من مسلم نفسه وإنما من النووي، فهو الذي وضع هذا الباب.

هذا الحديث أيضاً أخرجه الترمذي في جامعه في كتاب الزهد، والنسائي في سننه أيضاً في القضاء، وأحمد وابن خزيمة وابن حبان والبيهقي وغيرهم.

ما يتعلق بألفاظ الحديث:

في قوله صلى الله عليه وسلم: ( سبعة يظلهم الله )، أي: سبعة أصناف من الناس، وليس المقصود سبعة أفراد، يعني: سبعة أنواع، وقد يكون النوع الواحد فيه من لا يعلمه إلا الله من العدد الذين تحققوا بهذه الصفة.

وقوله: ( يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله )، قيل: في ظل العرش. وقيل: في ظلٍ منسوب إلى الله تبارك وتعالى، كأن يكون في ظل عمله الصالح، أو يكون هناك ظل مخصص لكل فئة من هذه الفئات وصنف من هذه الأصناف، وهذا ليس من التأويل؛ لأن البعض قد يقول: لماذا لا نقول: يظلهم الله في ظله، ويكون ظل الله؟

فنقول: هذا ليس من التأويل؛ لأن الظل ليس له تعلق بذات الله تبارك وتعالى، فالمقصود ظل العرش أو ظل يخلقه الله حيث شاء.

وقوله: ( يوم لا ظل إلا ظله )، أي: يوم القيامة؛ وذلك للإشارة إلى أن يوم القيامة الشمس تدنو من الناس ولا يكون لهم ملتجأ ولا وزر ولا ظل إلا من شاء الله تعالى بأن يستظل بظل العرش أو بظل عمله، كما سوف يأتي بعد قليل.

وطبعاً الحديث فيه أشياء كثيرة جداً لا تتعلق بهذا الباب، لكن نقتصر منها على قوله: ( ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمنيه )، هكذا رواية الحديث في جميع كتب السنة، إلا أن مسلماً رحمه الله ذكره بلفظ: ( حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله )، وهذا ذكر أهل العلم: أنه قلب للعبارة، فهذا من قلب اللفظ؛ لأن النفقة إنما تكون باليمين وليست بالشمال، فالصواب: ( حتى لا تعلم شماله )، والشمال: هي اليد اليسرى.

( ما تنفق يمينه ) وهي اليد اليمنى التي يكون بها العطاء وتكون بها الصدقة، أما ما وقع في صحيح مسلم فهو انقلاب اللفظ، سواءً كان هذا الانقلاب على الإمام مسلم نفسه أو على بعض رواة الصحيح الذين رووا الحديث عن الإمام مسلم , وإلا فإن رواة الحديث في مسلم هم رواته في غيره، فالأقرب أن هذا قد يكون انقلب على من دون الإمام مسلم من الرواة.

في الحديث فوائد كثيرة جداً، ويمكن لأي واحد أن يستخرج منه على الأقل سبع فوائد هذه ظاهرة فيمن يظلهم الله في ظله. - فضيلة الشاب الذي نشأ في عبادة الله. - فضيلة إخفاء الصدقة. - فضيلة التعلق بالمساجد. - فضيلة الإمام العادل. إلى غير ذلك من الفضائل الموجودة في الحديث. ولكن من الفوائد المهمة: فائدة الإسرار بالصدقة وأنها أفضل من إعلانها، وهذه المسألة تحتاج إلى شيء من التفصيل: فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر هنا: ( رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه )، وهذا بظاهره دليل على أن المشروع في الصدقة هو إخفاؤها. وقوله: ( لا تعلم شماله ما تنفق يمينه )، معناه: لو أن الشمال خُلق فيها إحساس خاص وكأنها شخص آخر لم تعلم بما جرى من اليمين، وبعضهم حمله على أن المقصود لو أن شخصاً إلى شماله لم يعلم ما أنفق هذا الإنسان بيمينه، أو لو كان عنده أكثر من وكيل فتصدق عن طريق وكيل بمال لم يعلم الوكيل الآخر بهذه الصدقة، والمقصود: المبالغة في الإخفاء وتحري ذلك. والله سبحانه وتعالى يقول في القرآن الكريم: (( إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ))[البقرة:271]، ولهذا قال بعض أهل العلم: إن المشروع هو إخفاء الصدقة سواء كانت فريضة أو نافلة لهذا الحديث وللآية الكريمة. وذهب آخرون إلى أن المشروع إخفاء صدقة التطوع، أما الفريضة فإن المشروع إظهارها؛ لئلا يُتهم بأنه جحد الزكاة أو لم يؤدها. وقال بعضهم: لأنه أصلاً يدفعها للإمام بواسطة السعاة، وهذا لابد أن يكون ظاهراً معلناً، وقيل غير ذلك. وخلاصة ما يمكن ذكره في هذا الباب مع الاختلاف الكبير بين أقوال أهل العلم أن نقول: إن الصحيح في مسألة الصدقة -سواء كانت زكاة مفروضة أو صدقة تطوع- أن الإسرار والإظهار لها يختلف بحسب الأحوال، فقد يوجد ما يدعو إلى إظهار الصدقة، مثل: أن يكون في ذلك حث للناس على الاقتداء به وعلى التبرع، أو يظهرها حتى لا يتمكن أحد من سرقتها أو التلاعب أو العبث بها، أو لغير ذلك من الاعتبارات والمقاصد الشرعية، فإذا وجدت هذه الاعتبارات كان إظهارها أفضل من إخفائها هذه حالة. الحالة الثانية: أن يكون هناك ما يدعو إلى إخفائها، مثل: أن يخاف على نفسه الرياء، فإن العبد إذا خاف على نفسه الرياء بالعمل استحب له إخفاؤه أياً كان هذا العمل، سواء كان صدقة أو صلاة أو قرآناً أو غير ذلك، فإذا خاف العبد على نفسه من الرياء كان الأفضل في حقه أن يخفيها، وكذلك إذا كان إظهارها يترتب عليه مفاسد، مثل: أن يتهمه الناس بأن قصده السمعة والقيل والقال، أو أن يكون في إظهارها خدشاً لإنسانية ونفسية المحاويج والمساكين والفقراء، أو أن يكون في إظهارها حصول مشكلة عائلية عند أولاده أو إخوانه أو قرابته أو غيرهم، أنه لماذا يكون التفريط بهذا المال؟ ولماذا تخرج هذا المال؟ فحينئذ يكون إخفاؤها أولى. الحالة الثالثة: أن يكون الأمر مستوياً ليس هناك مضرة من الإظهار وليس هناك مضرة من الإسرار، كما أنه ليس هناك منفعة ظاهرة في الإعلان أو الإخفاء، فحينئذ ماذا نقول؟ نقول: إن إخفاءها أولى؛ لأن الأصل إخفاء الأعمال. إذاً: فيما يتعلق بالصدقة الأصل هو إخفاؤها، وهذا هو الذي جاء في القرآن الكريم بقوله: (( وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ))[البقرة:271]، وكذلك في الحديث: ( تصدق بصدقة فأخفاها )، سواء كانت فريضة أو نافلة، زكاة فريضة أو صدقة تطوع، لكن إذا وجد ما يدعو إلى إظهارها كان الإظهار أفضل، ومن ذلك حديث جرير بن عبد الله

الحديث التالي ورقمه: (632) وهو حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ( كل امرئٍ في ظل صدقته -في بعض الألفاظ: يوم القيامة- حتى يفصل بين الناس ) رواه ابن حبان والحاكم.

تخريج الحديث

أولاً: فيما يتعلق بالتخريج، فقد رواه ابن حبان في صحيحه وهو مطبوع باسم الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان في نحو ثمانية عشر مجلداً أو يزيد، كما رواه الحاكم في مستدركه، وقال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي على ذلك، فقد صحح الحديث إذاً ابن حبان والحاكم والذهبي، وكذلك رواه أحمد في المسند وسنده حسن.

أولاً: فيما يتعلق بالتخريج، فقد رواه ابن حبان في صحيحه وهو مطبوع باسم الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان في نحو ثمانية عشر مجلداً أو يزيد، كما رواه الحاكم في مستدركه، وقال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي على ذلك، فقد صحح الحديث إذاً ابن حبان والحاكم والذهبي، وكذلك رواه أحمد في المسند وسنده حسن.

الحديث الذي بعده ورقمه: (633) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ( أيما مسلم كسا مسلماً ثوباً على عري كساه الله من خضر الجنة، وأيما مسلم أطعم مسلماً على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، وأيما مسلم سقى مسلماً على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم ).

تخريج الحديث

رواه أبو داود وفي إسناده لين.

فحديث أبي سعيد رضي الله عنه فيه ما يتعلق أولاً بتخريجه.

فقد رواه أبو داود كما ذكر المصنف في كتاب الزكاة، وقد رواه الترمذي أيضاً، والمصنف لم يشر إلى هذا، فهذا مما فاته، فالحديث قد خرّجه الترمذي في جامعه في كتاب صفة القيامة، وقال الترمذي : هذا حديث غريب، وهذا تضعيف للحديث، فإن الترمذي -رحمه الله- وكثيراً من المتقدمين كـأبي نعيم وأئمة الحديث إذا قالوا: هذا حديث غريب، فالغالب أنهم يعنون أنه ضعيف، فالغرابة عندهم مظنة ضعف الحديث، والترمذي قال: هذا حديث غريب، ولم يقل: حسن غريب أو صحيح غريب، وإنما قال: هذا حديث غريب، فغرابته تدل على ضعفه.

ثم قال الترمذي : وقد جاء هذا الحديث عن عطية عن أبي سعيد موقوفاً وهو أصح، فـالترمذي -رحمه الله- أعل الحديث بأنه لا يصح مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو من طريق عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري موقوفاً على أبي سعيد .

وقد يقال حينئذ: إنه وإن كان موقوفاً إلا إنه مما لا يقال من قبل الرأي والاجتهاد، فإنه إخبار عن أمر غيبي عن أمر أخروي، فـالترمذي يصحح الموقوف، والموقوف لا يقال من قبيل الرأي.

وقد قال النووي -رحمه الله- عن هذا الحديث: إسناده جيد، وصححه جمع، وفي سنده رجل يقال له: أبو خالد الدالاني فيه اختلاف ؛ ولذلك الحديث ليس إسناده بالقوي، ولكن في الواقع أنه ليس في متن الحديث شيء يستغرب، وإنما هو داخل على العموم في قاعدة: أن الجزاء من جنس العمل.

معاني ألفاظ الحديث

ففيه قول النبي صلى الله عليه وسلم إذا صح: ( أيما مسلم كسا مسلماً ثوباً على عري كساه الله من خضر الجنة )، وخضر الجنة: ثيابها من الحرير، كما قال سبحانه: عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ [الإنسان:21]، والسندس هو: الحرير، وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ [الإنسان:21]، فخضر الجنة: هي ثياب الجنة المصنوعة من حرير، وذلك أنه جوزي من جنس عمله.

( وأيما مسلم أطعم مسلماً على جوع أطعمه الله تعالى من ثمار الجنة، أو سقى مسلماً على ظمأ سقاه الله تعالى من الرحيق المختوم )، والرحيق هو: الشيء العذب، والمقصود به هنا: خمر الجنة، كما في قوله سبحانه: يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين:25-26].

فوائد الحديث

من فوائد الحديث:

أن من أعظم الصدقة أجراً ما وافقت محلاً يعني: أنها كانت صدقة على فقير أو على مسكين، ولا يُعارض هذا أن الصدقة إذا نواها صاحبها يؤجر عليها ولو لم تُصادف محلاً، كما في الصحيحين في قصة الإسرائيلي الذي تصدق مرة على زانية، ومرة على سارق، ومرة على تاجر، وكتبت في الصدقة المتقبلة.

ومنها: فضيلة تنويع الصدقة، من لباس أو طعام أو شراب أو غيرها.

ومنها: أن الجزاء من جنس العمل.

رواه أبو داود وفي إسناده لين.

فحديث أبي سعيد رضي الله عنه فيه ما يتعلق أولاً بتخريجه.

فقد رواه أبو داود كما ذكر المصنف في كتاب الزكاة، وقد رواه الترمذي أيضاً، والمصنف لم يشر إلى هذا، فهذا مما فاته، فالحديث قد خرّجه الترمذي في جامعه في كتاب صفة القيامة، وقال الترمذي : هذا حديث غريب، وهذا تضعيف للحديث، فإن الترمذي -رحمه الله- وكثيراً من المتقدمين كـأبي نعيم وأئمة الحديث إذا قالوا: هذا حديث غريب، فالغالب أنهم يعنون أنه ضعيف، فالغرابة عندهم مظنة ضعف الحديث، والترمذي قال: هذا حديث غريب، ولم يقل: حسن غريب أو صحيح غريب، وإنما قال: هذا حديث غريب، فغرابته تدل على ضعفه.

ثم قال الترمذي : وقد جاء هذا الحديث عن عطية عن أبي سعيد موقوفاً وهو أصح، فـالترمذي -رحمه الله- أعل الحديث بأنه لا يصح مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو من طريق عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري موقوفاً على أبي سعيد .

وقد يقال حينئذ: إنه وإن كان موقوفاً إلا إنه مما لا يقال من قبل الرأي والاجتهاد، فإنه إخبار عن أمر غيبي عن أمر أخروي، فـالترمذي يصحح الموقوف، والموقوف لا يقال من قبيل الرأي.

وقد قال النووي -رحمه الله- عن هذا الحديث: إسناده جيد، وصححه جمع، وفي سنده رجل يقال له: أبو خالد الدالاني فيه اختلاف ؛ ولذلك الحديث ليس إسناده بالقوي، ولكن في الواقع أنه ليس في متن الحديث شيء يستغرب، وإنما هو داخل على العموم في قاعدة: أن الجزاء من جنس العمل.