خطب ومحاضرات
الحج مدرسة وموقف
الحلقة مفرغة
الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، أحمده سبحانه حمداً لا يُحدَّ، وأشكره شكراً لا يُعدَّ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا صاحبة ولا ولد، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله المبعوث إلى الأبيض والأحمر والأسود، صلى الله وسلم وبارك عليه، هدى بإذن ربه إلى السبيل الأقوم، والمنهج الأرشد، وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان واقتفى أثرهم وجد واجتهد.
أما بعــد:
أيها الناس: أوصيكم ونفسي بتقوى الله، جدوا في طلب الخيرات، واغتنموا أوقاتكم في الأعمال الصالحات.
أيها الحاج الكريم: ها أنت تخطو خطواتك إلى هذه الأرض الطيبة الطاهرة المقدسة، خطوات وئيدة مهيبة، تَقبَّلَ الله حجك، وغفرَ ذنبك، وشكر سعيَك، إنها أرض الإسلام الأولى، لقد كانت ميداناً لأروع حوادث التاريخ، وأخلد ملاحم الإنسانية، هذه الأرض المباركة بكعبتها ومسجدها، وشعائرها ومشاعرها، تروي تاريخاً طويلا، زاخراً بألوان الجهاد، وصور البطولات، ومصارع الشهداء، وجميل الانتصارات، يتردد في أجوائها وأصدائها نداء محمد صلى الله عليه وسلم حين انبثق معه نور الإسلام، فتغيرت معالم التاريخ، وقفزت الإنسانية إلى أسمى آفاقها.
هل تعيش -أيها الحاج! حفظك الله- هذه المشاعر والأحاسيس؟
وهل ملكت عليك روحك وقلبك ونفسك وجسدك؟
هل أدركت أن الحج ركن جديد من أركان التواصل، ورباط وثيق بين الماضي والحاضر والمستقبل؟
إنه شاهد التاريخ، ونور العقيدة، وبرهان الإيمان.
إنه الركن والرباط الذي يجعلك تقف موقف الناظر المتأمل والمحاسب والمقارن.
الحج مدرسة، والحج موقف، يا ترى! هل تحسن المقارنة؟ وهل تتقن الموازنة؟
ها هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه يكتب لأمرائه وولاته أن يوافوه بالموسم ليبحث شئون الأقاليم وأمور الرعية؛ ليتحقق من بسط العدل، ويطمئن على وصول الحق. هذا موقف.
وفي مقابله يقف رجلٌ من ساسة الغرب صارخاً في قومه، بل في العلية من قومه ليقول: إن العقبة الكئود أمام الاستقرار والتمكن من الإسلام وأهل الإسلام وديار الإسلام، شيئان لا بد من القضاء عليهما مهما كلَّفنا الأمر، أولهما: هذا الكتاب، ويعني به القرآن العظيم، وسكت قليلاً ثم اتجه نحو المشرق قائلا: وهذه، وأشار بيده نحو الكعبة، ألا شُلَّت يمينه.
أيها الحاج رعاك الله: وأنت تقف موقف المتأمل، كم حاول الأعداء تمزيق الأمة؟! كم اصطنعوا من فواصل؟! وكم افتعلوا من الحواجز جغرافياً، وقومياً، وحزبياً، وسياسياً، ومذهبياً، وطائفياً؟!
لقد قطَّعوا الأسباب، وحرّموا التواصل، وفصلوا الحاضر عن الماضي المجيد، وأظلموا الطريق نحو المستقبل المأمول.
نعم! لقد حاولوا إطفاء جذوة الدين الموحد، وقتل اللغة المشتركة، وطمس التاريخ المجيد، ولقد قطعوا -أخزاهم الله- في تحقيق مآربهم شوطاً بعيداً.
وما دمت في موقف الاعتبار، ودروس الحج، فإن أمامك صورتين بائستين تجمع لك ذلك كله، إنها صورة من إخوانك في فلسطين ، وصورة من إخوانك في البوسنة والهرسك .
فلسطين جرح ينزف
نعم! إن الأعمال التي يُمارسها بنو صهيون وغلاتهم في الخليل والقدس وغزة وكل الأرض المحتلة أعمال مجانين، إذا ما قيست بمقياس العقل، وهي أعمال مجرمين إذا ما قورنت بميزان العدل، وهي همجية إذا عُرِضَت على معايير الإنسانية، وهي قبل ذلك وبعده عدوان صارخ وبغي وإثم إذا ما قيست بمقياس الدين والحق .. هذه صورة.
البوسنة والهرسك وآلام المسلمين فيها
سُئل أحد أصحاب القرار في دولة كبرى هل ستسمح دولتك بسقوط مدينة قراجدة في أيدي الصرب؟
فكان الجواب: إننا لن نتدخل من أجل منع حدوث ذلك. ولفظاعة الجواب، وشناعة المنطق، سألوا زميلة وقد كان أكثر نفوذاً منه، سألوه عن رأيه في إجابة صاحبه، فقال: إنها إجابة مُرضية.
أما متحدثهم الرسمي! فقد فتح الله عليه بهذا التصريح: إن نواصي الصرب غير واضحة عندي، ولكنهم يواصلون الهجوم والقصف، ولا أعرف ماذا سيفعلون، فلست خبيراً بنواياهم!
ما هذه البراءة؟! بل ما هذه الوقاحة ؟! أما المنظمة الدولية، وقد نصبت مظلة للحق والعدل والإنصاف كما يقولون! فيقول قائلها: من الواضح أن ما يحدث في البوسنة مهم، ويُثير القلق، لكنني لا أعتقد أنه يجب المبالغة في الآثار الاستراتيجية لما يحدث.
ما أرخص دماء البشر أمام الغايات الاستراتيجية! بل ما أرخص دماء المسلمين أمام شعارهم الدولي المنافق: (حقوق الإنسان!).
أما الصورة من فلسطين فحال اليهودي الآثم مع عصبته حين قتل المصلين الصائمين، الركع السجود في جامع الخليل في فجر الجمعة من رمضان في فلسطين المحتلة، وقد قال حُكَّام صهيون: "إنه مجنون، ومن كان مجنوناً فليس بمجرم" .
نعم! إن الأعمال التي يُمارسها بنو صهيون وغلاتهم في الخليل والقدس وغزة وكل الأرض المحتلة أعمال مجانين، إذا ما قيست بمقياس العقل، وهي أعمال مجرمين إذا ما قورنت بميزان العدل، وهي همجية إذا عُرِضَت على معايير الإنسانية، وهي قبل ذلك وبعده عدوان صارخ وبغي وإثم إذا ما قيست بمقياس الدين والحق .. هذه صورة.
أما الصورة من البوسنة -والبوسنة كلها مآسٍ- الصورة التي تُجسِّد شريعة الغاب، وقانون الاستبداد، شريعة وقانون، يكون الغاصب فيها مالكاً، والمعتدي مدافعاً، والمجرم محقاً، إنها صورة قراجدة التي افترسها الصرب المجرمون على مسمع العالم وبصره في دوله الكبرى ومنظمته المتهالكة.
سُئل أحد أصحاب القرار في دولة كبرى هل ستسمح دولتك بسقوط مدينة قراجدة في أيدي الصرب؟
فكان الجواب: إننا لن نتدخل من أجل منع حدوث ذلك. ولفظاعة الجواب، وشناعة المنطق، سألوا زميلة وقد كان أكثر نفوذاً منه، سألوه عن رأيه في إجابة صاحبه، فقال: إنها إجابة مُرضية.
أما متحدثهم الرسمي! فقد فتح الله عليه بهذا التصريح: إن نواصي الصرب غير واضحة عندي، ولكنهم يواصلون الهجوم والقصف، ولا أعرف ماذا سيفعلون، فلست خبيراً بنواياهم!
ما هذه البراءة؟! بل ما هذه الوقاحة ؟! أما المنظمة الدولية، وقد نصبت مظلة للحق والعدل والإنصاف كما يقولون! فيقول قائلها: من الواضح أن ما يحدث في البوسنة مهم، ويُثير القلق، لكنني لا أعتقد أنه يجب المبالغة في الآثار الاستراتيجية لما يحدث.
ما أرخص دماء البشر أمام الغايات الاستراتيجية! بل ما أرخص دماء المسلمين أمام شعارهم الدولي المنافق: (حقوق الإنسان!).
استمع المزيد من الشيخ صالح بن حميد - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
حق الطريق وآداب المرور | 3701 استماع |
وسائل الإعلام والاتصال بين النقد الهادف والنقد الهادم | 3092 استماع |
اللغة .. عنوان سيادة الأمة | 3073 استماع |
الطلاق وآثاره | 3020 استماع |
لعلكم تتقون | 3005 استماع |
الماء سر الحياة | 2961 استماع |
من أسس العمل الصالح | 2937 استماع |
الزموا سفينة النجاة | 2886 استماع |
قضية البوسنة والهرسك.. المشكلة والحل | 2875 استماع |
بين السلام وإباء الضيم | 2855 استماع |