خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/157"> الشيخ سلمان العودة . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/157?sub=4"> شرح بلوغ المرام
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة التطوع - حديث 394-398
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
أحاديث هذه الليلة.
عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( الوتر حق على كل مسلم، من أحب أن يوتر بخمس فليفعل، ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل، ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل ) رواه الأربعة إلا الترمذي، وصححه ابن حبان، ورجح النسائي وقفه.
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: ( ليس الوتر بحتم كهيئة مكتوبة، ولكن سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ) رواه الترمذي وحسنه، والنسائي والحاكم وصححه.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام في شهر رمضان، ثم انتظروه من القابلة فلم يخرج، وقال: إني خشيت أن يكتب عليكم الوتر )، رواه ابن حبان.
وعن خارجة بن حذافة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم، قلنا: وما هي يا رسول الله؟ قال: الوتر، ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر )، رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الحاكم .
وروى أحمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده نحوه ].
حديث أبي أيوب رضي الله عنه، وقد سبق ذكر الحديث فيما مضى، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( الوتر حق على كل مسلم، من أحب أن يوتر بخمس فليفعل، ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل، ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل )، قال المصنف رحمه الله تعالى: رواه الأربعة إلا الترمذي، وصححه ابن حبان، ورجح النسائي وقفه.
تخريج الحديث
وقد رواه أيضاً غير من ذكر المصنف، فرواه الدارمي في سننه، والطحاوي في شرح معاني الآثار، والطبراني، والطيالسي، والبيهقي، والحاكم، كما أشار إلى ذلك غير واحد، بل هو موجود في المستدرك في (1/302)، وكذلك رواه جماعة، كـابن حبان في صحيحه، كما في الإحسان المطبوع، وأشار إلى ذلك المصنف أيضاً في قوله: وصححه ابن حبان .
والحديث روي من طرق كثيرة:
فرواه من سبق أن ذكرتهم، رووه من طرق عن محمد بن شهاب الزهري قال: أخبرني عطاء بن يزيد الليثي عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الوتر حق على كل مسلم )، وهو بهذا مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأسانيده جيدة، وهو عند من ذكرت.
ورواه آخرون أيضاً موقوفاً على أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، لم يبلغ به النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كما هو موجود في مصنف عبد الرزاق، وهو أيضاً في سنن النسائي كذلك، يعني: في إحدى الروايات، ورواه الطحاوي والحاكم .. وغيرهم عن ابن شهاب أيضاً نفسه عن عطاء عن أبي أيوب من قوله موقوفاً عليه .
وقد رجح جماعة من أهل العلم الموقوف على المرفوع، كما أشار المصنف إلى ذلك بقوله: ورجح النسائي وقفه، أنه موقوف على أبي أيوب، وقد وافق النسائي على هذا جماعة الأئمة المحدثين، فإن أكثرهم كـأبي حاتم الرازي والبيهقي والذهلي .. وغيرهم رجحوا الموقوف على المرفوع، ومثل ذلك الدارقطني في علله، فإنه رجح الموقوف، وكأن صنيع المصنف هنا يدل على اختياره لذلك، فإنه نقل قول النسائي، ورجح النسائي وقفه، ولم يعلق عليه، مما يدل على أنه يقره، بل إنه صرح بذلك كما في التلخيص، فإنه قال: وهو الصواب، يعني: أنه موقوف على أبي أيوب رضي الله عنه.
شواهد الحديث
منها: حديث بريدة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الوتر حق، فمن لم يوتر فليس منا )، وقد ذكره المصنف، وسيأتي في الدرس القادم إن شاء الله تعالى، ويأتي تخريجه هناك أيضاً، والكلام على إسناده، ولكن لا بأس أن نشير الآن إلى أن إسناده ضعيف، وأنه لا يصلح لتقوية المرفوع؛ لأن فيه أبا المنيب العتكي، وقد تكلم فيه غير واحد، تكلم فيه النسائي وابن حبان والعقيلي .. وغيرهم .
ومن شواهد الحديث أيضاً: حديث آخر أشار إليه المصنف، كما سيأتي في الدرس القادم: عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من لم يوتر فليس منا )، وهو حديث ضعيف الإسناد، منقطع كما سوف يأتي.
وعلى كل حال فالحديث صحيح موقوفاً على أبي أيوب رضي الله عنه، وهو إن كان موقوفاً عليه إلا أن له حكم المرفوع؛ وذلك لأنه لا يدخل في باب الاجتهاد، وليس من قبيل الرأي، فإن قوله رضي الله عنه: ( الوتر حق على كل مسلم، فمن أحب أن يوتر بخمس أو بثلاث أو بواحدة )، هذا يدخل في باب التعبدات، والتعبد المحض مبناه على التوقيف، كما هو متقرر معروف، فلم يكن أبو أيوب رضي الله عنه ليفتي بذلك من قبل نفسه، لولا أن عنده فيه خبراً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وفي الحديث والأحاديث التي بعده -وهي متفرقة ساقها المصنف- مسألة وهي: حكم الوتر.
و ينبغي أن أشير إلى رواية ذكرها ابن المنذر وهي: ( الوتر حق، وليس بواجب )، لكن زيادة: ( وليس بواجب )، هذه غريبة.
والحديث كما ذكر المصنف رواه أبو داود في سننه في كتاب الصلاة، باب كم الوتر، ورواه النسائي أيضاً في كتاب الوتر، باب كيف الوتر، ورواه ابن ماجه في الصلاة، باب ما جاء في الوتر، ورواه أحمد في مسنده، وهؤلاء هم الأربعة، رواه أحمد في المسند في (5/418).
وقد رواه أيضاً غير من ذكر المصنف، فرواه الدارمي في سننه، والطحاوي في شرح معاني الآثار، والطبراني، والطيالسي، والبيهقي، والحاكم، كما أشار إلى ذلك غير واحد، بل هو موجود في المستدرك في (1/302)، وكذلك رواه جماعة، كـابن حبان في صحيحه، كما في الإحسان المطبوع، وأشار إلى ذلك المصنف أيضاً في قوله: وصححه ابن حبان .
والحديث روي من طرق كثيرة:
فرواه من سبق أن ذكرتهم، رووه من طرق عن محمد بن شهاب الزهري قال: أخبرني عطاء بن يزيد الليثي عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الوتر حق على كل مسلم )، وهو بهذا مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأسانيده جيدة، وهو عند من ذكرت.
ورواه آخرون أيضاً موقوفاً على أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، لم يبلغ به النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كما هو موجود في مصنف عبد الرزاق، وهو أيضاً في سنن النسائي كذلك، يعني: في إحدى الروايات، ورواه الطحاوي والحاكم .. وغيرهم عن ابن شهاب أيضاً نفسه عن عطاء عن أبي أيوب من قوله موقوفاً عليه .
وقد رجح جماعة من أهل العلم الموقوف على المرفوع، كما أشار المصنف إلى ذلك بقوله: ورجح النسائي وقفه، أنه موقوف على أبي أيوب، وقد وافق النسائي على هذا جماعة الأئمة المحدثين، فإن أكثرهم كـأبي حاتم الرازي والبيهقي والذهلي .. وغيرهم رجحوا الموقوف على المرفوع، ومثل ذلك الدارقطني في علله، فإنه رجح الموقوف، وكأن صنيع المصنف هنا يدل على اختياره لذلك، فإنه نقل قول النسائي، ورجح النسائي وقفه، ولم يعلق عليه، مما يدل على أنه يقره، بل إنه صرح بذلك كما في التلخيص، فإنه قال: وهو الصواب، يعني: أنه موقوف على أبي أيوب رضي الله عنه.
وللحديث شواهد لعله سيأتي شيء منها، لكن نذكرها بالمناسبة:
منها: حديث بريدة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الوتر حق، فمن لم يوتر فليس منا )، وقد ذكره المصنف، وسيأتي في الدرس القادم إن شاء الله تعالى، ويأتي تخريجه هناك أيضاً، والكلام على إسناده، ولكن لا بأس أن نشير الآن إلى أن إسناده ضعيف، وأنه لا يصلح لتقوية المرفوع؛ لأن فيه أبا المنيب العتكي، وقد تكلم فيه غير واحد، تكلم فيه النسائي وابن حبان والعقيلي .. وغيرهم .
ومن شواهد الحديث أيضاً: حديث آخر أشار إليه المصنف، كما سيأتي في الدرس القادم: عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من لم يوتر فليس منا )، وهو حديث ضعيف الإسناد، منقطع كما سوف يأتي.
وعلى كل حال فالحديث صحيح موقوفاً على أبي أيوب رضي الله عنه، وهو إن كان موقوفاً عليه إلا أن له حكم المرفوع؛ وذلك لأنه لا يدخل في باب الاجتهاد، وليس من قبيل الرأي، فإن قوله رضي الله عنه: ( الوتر حق على كل مسلم، فمن أحب أن يوتر بخمس أو بثلاث أو بواحدة )، هذا يدخل في باب التعبدات، والتعبد المحض مبناه على التوقيف، كما هو متقرر معروف، فلم يكن أبو أيوب رضي الله عنه ليفتي بذلك من قبل نفسه، لولا أن عنده فيه خبراً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وفي الحديث والأحاديث التي بعده -وهي متفرقة ساقها المصنف- مسألة وهي: حكم الوتر.
و ينبغي أن أشير إلى رواية ذكرها ابن المنذر وهي: ( الوتر حق، وليس بواجب )، لكن زيادة: ( وليس بواجب )، هذه غريبة.
في الحديث مسألة: حكم الوتر.
وهذه المسألة فيها قولان مشهوران:
القول الأول: استحباب الوتر وأدلته
واستدل هؤلاء بأدلة كثيرة جداً منها:
حديث الأعرابي وهو مشهور في الصحيحين، من حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، ومن حديث غيره، وفيه قوله: ( هل عليَّ غيرها؟ قال: لا )، لما قال: ( خمس صلوات كتبهن الله في كل يوم وليلة، قال: هل عليَّ غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع )، وفي آخر الحديث قال: ( لا أزيد على هذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أفلح إن صدق، أو دخل الجنة إن صدق )، وقد ذكر بعض أهل العلم: أن هذا الحكم -يعني: عدم وجوب الوتر- يؤخذ من هذا الحديث من أربعة مواضع هي:
الأولى: قوله: ( خمس صلوات )، فإنه نص على أن المفروض خمس صلوات لا غير، فهذا هو الموضع الأول.
الثانية: قال: ( هل عليَّ غيرها؟ قال: لا )، ففيه دليل على عدم وجوب الوتر، وأنه لا يجب عليه إلا الصلوات الخمس.
الثالثة: قوله: ( إلا أن تطوع )، فإنه نص في أن الوتر داخل التطوعات.
الرابعة: قول الرجل: ( لا أزيد على هذا، ومع ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: أفلح إن صدق، أو دخل الجنة إن صدق )، ففي هذا بيان على أنه لا يأثم بترك الوتر، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليه عدم الزيادة على الخمس.
فذلك كله دليل على أنه لا يجب في ذمة الإنسان من الصلوات، إلا الصلوات الخمس، إلا ما وجب بسبب على ما هو معروف هذا دليل.
الدليل الثاني: حديث ابن عباس في قصة معاذ، حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وأمره: ( أن يأمرهم بأن يشهدوا بأن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ثم يُعْلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة.. ) .. إلى آخر الحديث، والحديث متفق عليه أيضاً، وهو يدل على أن الواجب خمس صلوات، وذلك أن هؤلاء القوم كانوا حدثاء عهد بإسلام، فمن المقطوع به أنه ما داموا يجهلون التوحيد، ويجهلون وجوب الصلوات الخمس فهم لغيرها أجهل، فلو كان الوتر واجباً عليهم لأوجبه النبي صلى الله عليه وسلم، وأمر معاذاً أن يبلغهم به.
قال الإمام النووي رحمه الله: وهذا من أقوى الأدلة، فإن بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن كان في آخر حياته صلى الله عليه وسلم، قبيل موته بقليل، فلو كان الوتر وجب بعد ذلك لبينه وأمرهم به، فلما لم يأمرهم به، دل على أن ذلك ليس بواجب.
أيضاً من الأدلة: حديث ابن حبان الذي ساقه المصنف عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام في شهر رمضان، ثم انتظروه من القابلة فلم يخرج، وقال: إني خشيت أن يكتب عليكم الوتر ) (يكتب) يعني: يفرض، والحديث فيه ضعف كما سيأتي، ولو صح لكان دليلاً ظاهراً على عدم وجوب الوتر؛ لأنه خشي أن يكتب، فدل على أنه لم يكتب.
الدليل الرابع: قول علي رضي الله عنه: ( ليس الوتر بحتم كهيئة المكتوبة، ولكنه سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم )، وهو أثر لا بأس بإسناده كما سوف يأتي، وقد جاء عن جماعة من الصحابة غير علي بن أبي طالب رضي الله عنه نحو هذا الكلام، وهو موقوف، ولكنه أيضاً يمكن أن يقال: إنه لا يقال من قبيل الرأي، وإنما يظهر أنهم أخذوا بسنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الدليل الخامس: ما أخرجه الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الوتر على راحلته، غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة )، فهذا دليل على أن الوتر ليس بواجب؛ ولهذا كان يصليه على الراحلة، قِبَل أي وجهٍ توجهت به، ولو إلى غير القبلة، فإذا كانت المكتوبة نزل فصلى، مع أنه عليه الصلاة والسلام كان ينزل أحياناً فيوتر على الأرض، ولا تعارض بين هذا وذاك، فهو يفعل هذا حيناً وهذا حيناً.
الدليل السادس: حديث الباب: حديث أبي أيوب رضي الله عنه: ( الوتر حق على كل مسلم )، فأما زيادة: ( وليس بواجب )، فلا نحتج بها، لكن نحتج بأصل الحديث أو الأثر؛ وذلك لأن قوله: (حق)، هذا ليس صريحاً في الوجوب، فإن السنة حق أيضاً والمستحب حق، وقوله: ( فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل، ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل، ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل )، هذا دليل على أن الإنسان مخير بين هذه الأشياء.
ويفهم منه أيضاً: أن أصل الوتر ليس بواجب محتم، فإن الواجب المحتم يكون محدداً، كما هي الحال بالنسبة للصلوات المكتوبات.. ونحوها، ومثل أيضاً: فروض الصيام والصدقة والحج.. وغيرها. هذه بعض الأدلة.
أيضاً من الأدلة المشهورة: حديث عبادة وقد سبق معنا، رواه أهل السنن وسنده صحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( خمس صلوات كتبهن الله على العباد، من أتمهن كان له عند الله تعالى عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يحافظ عليهن لم يكن له عند الله تعالى عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له )، فذكر أن الذي كتبه الله تعالى على العباد هو خمس صلوات لا غير.
هذه أهم الأدلة التي استدلوا بها على عدم الوجوب.
وينبغي أن يذكر أيضاً قبل أن ننتقل إلى القول الثاني: أن هناك أدلة ولكنها ضعيفة، وهي نص في عدم وجوب الوتر، ومن أشهرها: ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( ثلاث هن عليَّ فرض وهن لكم تطوع، وذكر: الوتر والنحر وصلاة الضحى أو ركعتا الضحى )، وهذا الحديث روي عن ابن عباس رضي الله عنه عند البيهقي وغيره، وفيه أبو جناب الكلبي وهو ضعيف مدلس، فالحديث لا يحتج به.
وهناك أحاديث تدور في هذا الفلك ولكنها ضعيفة جداً. هذا هو القول الأول.
القول الثاني: وجوب الوتر وأدلته
فالفرض عندهم ما ثبت بالقرآن الكريم مثلاً، أو بدليل قطعي متواتر من السنة النبوية، وأما الواجب فهو ما ثبت عندهم بدون ذلك؛ فلذلك أبو حنيفة رحمه الله قال: الوتر واجب وليس بفرض، بل هناك رواية عن أبي حنيفة : أن الوتر فرض أيضاً، وهذه تشكل على قاعدته، وقال ابن المنذر : لا أعلم أحداً وافق أبا حنيفة على هذا. يعني: على القول بوجوب الوتر.
وأما أدلة أبي حنيفة رحمه الله ومن وافقه على ذلك فهي عديدة:
منها: حديث الباب، حديث أبي أيوب رضي الله عنه موقوفاً أو مرفوعاً، وقد أُخذ ذلك من قوله: ( الوتر حق على كل مسلم )، فقالوا: إن معنى قوله: (حق) أي: واجب لازم، فظاهره يدل على وجوب الوتر، هذا دليل.
الدليل الثاني: ( الوتر حق، فمن لم يوتر فليس منا )، وهذا من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه، وسوف يأتي تخريجه إن شاء الله في الدرس القادم، وهو بمعنى حديث الباب: ( الوتر حق، فمن لم يوتر فليس منا ).
والدليل الثالث: قوله صلى الله عليه وسلم: ( أوتروا يا أهل القرآن، فإن الله وتر يحب الوتر )، وهذا الحديث صحيح جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق عديدة:
منها: عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه رواه الخمسة، وسوف يأتي فهو من أحاديث بلوغ المرام.
أيضاً جاء هذا المعنى: ( أوتروا يا أهل القرآن فإن الله وتر ) عند أبي داود وابن ماجه والطبراني .. وغيرهم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
وكذلك جاء عن أبي سعيد الخدري، لكن ليس بهذا اللفظ وإنما بلفظ: ( أوتروا قبل أن تصبحوا )، وهذا اللفظ عن أبي سعيد هو موجود في صحيح مسلم وغيره، ففيه الأمر بالوتر: (أوتروا).
وهذه الأحاديث تنقسم إلى قسمين:
منها: ما يحمل على أنه أمر استحباب وندب، لا أمر إيجاب وإلزام، وذلك مثل قوله: ( أوتروا يا أهل القرآن، فإن الله وتر يحب الوتر )، فإن ظاهره أنه ليس للوجوب، وإنما صرف عن الوجوب بالأدلة السابقة، والقرائن التي مضت في أدلة القول الأول. فهذا جواب.
ومنها: ما يمكن أن يحمل كما ذكر طائفة من أهل العلم، وهذا من اللطائف: أن المقصود به بطائفة معينة من الأمة، وليست الأمة كلها، كما قال بعضهم: إن الوتر واجب على أهل القرآن، يعني من؟ على حفاظ القرآن، وهذا يصلح أن يذكر قولاً ثالثًا لكنه قول ليس بالمشهور، فقالوا: إن المقصود بذلك أهل القرآن الذين يحفظونه؛ لأن في صلاتهم الوتر تعهداً للقرآن، ومحافظة عليه، ولأنهم يطالبون بما لا يطالب به غيرهم، حيث إن الله تعالى مَنَّ عليهم باستدراج النبوة بين جنبيهم بحفظ هذا القرآن، غير أنه لا يوحى إليهم، وهذه نعمة عظيمة أن يحفظ الإنسان القرآن، قال الله تعالى: بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ [العنكبوت:49].
ومن هذه الأحاديث ما يمكن أن يحمل -وهذا هو الوجه الثالث- أن يحمل ذلك على أن المقصود تحديد الوقت، وليس الأمر بالوتر أمر إيجاب، مثل: حديث أبي سعيد في قوله: ( أوتروا قبل أن تصبحوا )، ومثل أيضاً: حديث ابن عمر عند الحاكم والبيهقي : ( أوتروا قبل الفجر )، فإن المقصود به حينئذٍ تحديد وقت الوتر، وأنه يكون قبل الفجر أو قبل الصبح، فكأن قوله: ( أوتروا قبل أن تصبحوا ) بمنزلة قوله: لا توتروا بعد أن تصبحوا، فالمقصود به تحديد وقت الوتر، والله تعالى أعلم.
ومن الأدلة أيضاً: حديث أبي هريرة، وهو شاهد لحديث بريدة، وقد ساقه المصنف وضعفه: ( الوتر حق )، أيضاً.
الدليل الخامس: حديث أبي سعيد الخدري، وقد مضى وسيأتي أيضاً: ( من نام عن وتره، أو نسيه، فليصله إذا ذكره، أو إذا أصبح )، فإن ظاهره قد يستدل به على أنه للوجوب؛ لأنه أمر بأن يقضى الوتر، وأداء الوتر من باب أولى، ويقال فيما يقال في الأدلة السابقة من أنه مصروف عن الوجوب بأدلة القول الأول.
أيضاً من الأدلة وهو السادس: ( اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً )، وهو في الصحيح أيضاً، فإن فيه أمراً بأن يختم الإنسان صلاته بالليل على وتر، ويقال فيما يقال فيما سبق.
الدليل السابع: حديث عائشة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غلبه على صلاة الليل نوم أو وجع، صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة )، وهو في صحيح مسلم، وقد يستدلون به، والواقع أنه لا يستدل بالفعل، لما هو متقرر عند علماء الأصول: أن الفعل المجرد لا يدل على الوجوب، ولكن قد يقال: إن هذا الفعل أضيف إليه القول.
الدليل الثامن: يوجد دليل عندنا ما ذكرته الآن: حديث خارجة بن حذافة رضي الله عنه، وهو ضمن أحاديث اليوم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم، فقالوا: وما هي يا رسول الله؟ قال: الوتر ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر )، وسيأتي تخريج هذا الحديث، المهم أن قوله: ( قد أمدكم بصلاة )، قد يفهم منه: أنها زيادة على الصلوات الخمس فرضت بعد ذلك.
طيب فهذه بعض الأدلة.
وما نقل عن الصحابة قول عن الوجوب إلا عن رجل يقال له: أبو محمد، وقد أنكر عليه عبادة، وقد لا يكون صحابياً أبو محمد هذا، فقال: كذب أبو محمد، ثم ساق الحديث الذي ذكرناه قبل: ( خمس صلوات كتبهن الله، من حافظ عليهن كان له عند الله تعالى عهد )، المهم أنه لا ينقل عن الصحابة في ذلك شيء.
باقي عندنا دليل ذكر المصنف سنده ولم يذكر لفظه، وهو حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وجده هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، ولفظ هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله زادكم صلاة، فحافظوا عليها: وهي الوتر )، فهذا الحديث حديث عمرو بن شعيب رواه أحمد، كما ذكر المصنف هنا، والطبراني، والطحاوي .. وغيرهم، وهو حديث صحيح بمجموع طرقه، وقد جاء عن غير عمرو بن شعيب، يعني: عن عبد الله بن عمرو بن العاص من غير طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بأسانيد صحيحة، والزيادة لا يلزم أن تكون مثل الأصل واجبة.
فعلى كل حال هذه أهم الأدلة، التي استدل بها من قالوا بوجوب الوتر.
وأيضاً حديث: ( من خاف ألا يقوم آخر الليل، فليوتر أوله ) يصلح أن يكون دليلاً.
وكذلك الأخ هذا في الورقة يقول: من ضمن أدلة القول الأول: حديث الإسراء والمعراج: ( هي خمس وهي خمسون ) يعني: خمس في العدد، وخمسون في الأجر، نعم، فالأدلة كثيرة جداً، إنما ما ذكرناه لأدلة القول الأول أو الثاني ربما يكون نماذج للأدلة، وإلا فاستقصاؤها وحصرها قد يكون فيه بعض الصعوبة والطول.
والراجح دون شك أن الوتر ليس بفرض واجب، ولكنه سنة مؤكدة؛ لما هو متقرر من حال الصحابة رضي الله تعالى عنهم، أنه لم ينقل عنهم ولا عن التابعين فيما أعلم قائل بالوجوب.
وكذلك: لأن الأدلة الأولى صريحة في أن الواجب بأصل الشرع هو الصلوات الخمس، وهي أدلة قوية، بل أدلة حتى من القرآن الكريم ومن السنة النبوية، فالقول بالزيادة عليها في الوجوب، يحتاج إلى أدلة صريحة ناهضة، ولا وجود لهذه الأدلة.
أما ما استدل به أصحاب القول الثاني بالوجوب وهو الإمام أبو حنيفة، فإن صرف ما صح فيها عن الوجوب ممكن بأدلة القول الأول، فتكون دليلاً على آكدية الوتر، وشدة استحبابه، وأنه لا ينبغي للإنسان التفريط فيه؛ ولهذا أنكر أهل العلم على من داوم على تركه أو فرط فيه، حتى قال الإمام أحمد فيمن ترك الوتر أياماً: إنه رجل سوء، لا ينبغي أن تقبل له شهادة.
الأول: قول الجماهير من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والتابعين ومن بعدهم، والأئمة المتبوعين: كـمالك والشافعي وأحمد، وجماعة من أصحاب الإمام أبي حنيفة، كـأبي يوسف ومحمد .. وغيرهم، كل هؤلاء ذهبوا إلى أن الوتر سنة مؤكدة ليس بحتم ولا واجب.
واستدل هؤلاء بأدلة كثيرة جداً منها:
حديث الأعرابي وهو مشهور في الصحيحين، من حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، ومن حديث غيره، وفيه قوله: ( هل عليَّ غيرها؟ قال: لا )، لما قال: ( خمس صلوات كتبهن الله في كل يوم وليلة، قال: هل عليَّ غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع )، وفي آخر الحديث قال: ( لا أزيد على هذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أفلح إن صدق، أو دخل الجنة إن صدق )، وقد ذكر بعض أهل العلم: أن هذا الحكم -يعني: عدم وجوب الوتر- يؤخذ من هذا الحديث من أربعة مواضع هي:
الأولى: قوله: ( خمس صلوات )، فإنه نص على أن المفروض خمس صلوات لا غير، فهذا هو الموضع الأول.
الثانية: قال: ( هل عليَّ غيرها؟ قال: لا )، ففيه دليل على عدم وجوب الوتر، وأنه لا يجب عليه إلا الصلوات الخمس.
الثالثة: قوله: ( إلا أن تطوع )، فإنه نص في أن الوتر داخل التطوعات.
الرابعة: قول الرجل: ( لا أزيد على هذا، ومع ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: أفلح إن صدق، أو دخل الجنة إن صدق )، ففي هذا بيان على أنه لا يأثم بترك الوتر، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليه عدم الزيادة على الخمس.
فذلك كله دليل على أنه لا يجب في ذمة الإنسان من الصلوات، إلا الصلوات الخمس، إلا ما وجب بسبب على ما هو معروف هذا دليل.
الدليل الثاني: حديث ابن عباس في قصة معاذ، حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وأمره: ( أن يأمرهم بأن يشهدوا بأن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ثم يُعْلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة.. ) .. إلى آخر الحديث، والحديث متفق عليه أيضاً، وهو يدل على أن الواجب خمس صلوات، وذلك أن هؤلاء القوم كانوا حدثاء عهد بإسلام، فمن المقطوع به أنه ما داموا يجهلون التوحيد، ويجهلون وجوب الصلوات الخمس فهم لغيرها أجهل، فلو كان الوتر واجباً عليهم لأوجبه النبي صلى الله عليه وسلم، وأمر معاذاً أن يبلغهم به.
قال الإمام النووي رحمه الله: وهذا من أقوى الأدلة، فإن بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن كان في آخر حياته صلى الله عليه وسلم، قبيل موته بقليل، فلو كان الوتر وجب بعد ذلك لبينه وأمرهم به، فلما لم يأمرهم به، دل على أن ذلك ليس بواجب.
أيضاً من الأدلة: حديث ابن حبان الذي ساقه المصنف عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام في شهر رمضان، ثم انتظروه من القابلة فلم يخرج، وقال: إني خشيت أن يكتب عليكم الوتر ) (يكتب) يعني: يفرض، والحديث فيه ضعف كما سيأتي، ولو صح لكان دليلاً ظاهراً على عدم وجوب الوتر؛ لأنه خشي أن يكتب، فدل على أنه لم يكتب.
الدليل الرابع: قول علي رضي الله عنه: ( ليس الوتر بحتم كهيئة المكتوبة، ولكنه سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم )، وهو أثر لا بأس بإسناده كما سوف يأتي، وقد جاء عن جماعة من الصحابة غير علي بن أبي طالب رضي الله عنه نحو هذا الكلام، وهو موقوف، ولكنه أيضاً يمكن أن يقال: إنه لا يقال من قبيل الرأي، وإنما يظهر أنهم أخذوا بسنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الدليل الخامس: ما أخرجه الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الوتر على راحلته، غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة )، فهذا دليل على أن الوتر ليس بواجب؛ ولهذا كان يصليه على الراحلة، قِبَل أي وجهٍ توجهت به، ولو إلى غير القبلة، فإذا كانت المكتوبة نزل فصلى، مع أنه عليه الصلاة والسلام كان ينزل أحياناً فيوتر على الأرض، ولا تعارض بين هذا وذاك، فهو يفعل هذا حيناً وهذا حيناً.
الدليل السادس: حديث الباب: حديث أبي أيوب رضي الله عنه: ( الوتر حق على كل مسلم )، فأما زيادة: ( وليس بواجب )، فلا نحتج بها، لكن نحتج بأصل الحديث أو الأثر؛ وذلك لأن قوله: (حق)، هذا ليس صريحاً في الوجوب، فإن السنة حق أيضاً والمستحب حق، وقوله: ( فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل، ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل، ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل )، هذا دليل على أن الإنسان مخير بين هذه الأشياء.
ويفهم منه أيضاً: أن أصل الوتر ليس بواجب محتم، فإن الواجب المحتم يكون محدداً، كما هي الحال بالنسبة للصلوات المكتوبات.. ونحوها، ومثل أيضاً: فروض الصيام والصدقة والحج.. وغيرها. هذه بعض الأدلة.
أيضاً من الأدلة المشهورة: حديث عبادة وقد سبق معنا، رواه أهل السنن وسنده صحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( خمس صلوات كتبهن الله على العباد، من أتمهن كان له عند الله تعالى عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يحافظ عليهن لم يكن له عند الله تعالى عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له )، فذكر أن الذي كتبه الله تعالى على العباد هو خمس صلوات لا غير.
هذه أهم الأدلة التي استدلوا بها على عدم الوجوب.
وينبغي أن يذكر أيضاً قبل أن ننتقل إلى القول الثاني: أن هناك أدلة ولكنها ضعيفة، وهي نص في عدم وجوب الوتر، ومن أشهرها: ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( ثلاث هن عليَّ فرض وهن لكم تطوع، وذكر: الوتر والنحر وصلاة الضحى أو ركعتا الضحى )، وهذا الحديث روي عن ابن عباس رضي الله عنه عند البيهقي وغيره، وفيه أبو جناب الكلبي وهو ضعيف مدلس، فالحديث لا يحتج به.
وهناك أحاديث تدور في هذا الفلك ولكنها ضعيفة جداً. هذا هو القول الأول.
أما القول الثاني: فهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى وخالفه فيه كما ذكرت صاحباه، حيث قال: إن الوتر واجب، ولكنه ليس بفرض، الفرق بين الفرض والواجب عند الأصوليين من الحنفية أن الفرض ما ثبت بالدليل القطعي، وأما الواجب فهو ما ثبت بغير ذلك.
فالفرض عندهم ما ثبت بالقرآن الكريم مثلاً، أو بدليل قطعي متواتر من السنة النبوية، وأما الواجب فهو ما ثبت عندهم بدون ذلك؛ فلذلك أبو حنيفة رحمه الله قال: الوتر واجب وليس بفرض، بل هناك رواية عن أبي حنيفة : أن الوتر فرض أيضاً، وهذه تشكل على قاعدته، وقال ابن المنذر : لا أعلم أحداً وافق أبا حنيفة على هذا. يعني: على القول بوجوب الوتر.
وأما أدلة أبي حنيفة رحمه الله ومن وافقه على ذلك فهي عديدة:
منها: حديث الباب، حديث أبي أيوب رضي الله عنه موقوفاً أو مرفوعاً، وقد أُخذ ذلك من قوله: ( الوتر حق على كل مسلم )، فقالوا: إن معنى قوله: (حق) أي: واجب لازم، فظاهره يدل على وجوب الوتر، هذا دليل.
الدليل الثاني: ( الوتر حق، فمن لم يوتر فليس منا )، وهذا من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه، وسوف يأتي تخريجه إن شاء الله في الدرس القادم، وهو بمعنى حديث الباب: ( الوتر حق، فمن لم يوتر فليس منا ).
والدليل الثالث: قوله صلى الله عليه وسلم: ( أوتروا يا أهل القرآن، فإن الله وتر يحب الوتر )، وهذا الحديث صحيح جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق عديدة:
منها: عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه رواه الخمسة، وسوف يأتي فهو من أحاديث بلوغ المرام.
أيضاً جاء هذا المعنى: ( أوتروا يا أهل القرآن فإن الله وتر ) عند أبي داود وابن ماجه والطبراني .. وغيرهم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
وكذلك جاء عن أبي سعيد الخدري، لكن ليس بهذا اللفظ وإنما بلفظ: ( أوتروا قبل أن تصبحوا )، وهذا اللفظ عن أبي سعيد هو موجود في صحيح مسلم وغيره، ففيه الأمر بالوتر: (أوتروا).
وهذه الأحاديث تنقسم إلى قسمين:
منها: ما يحمل على أنه أمر استحباب وندب، لا أمر إيجاب وإلزام، وذلك مثل قوله: ( أوتروا يا أهل القرآن، فإن الله وتر يحب الوتر )، فإن ظاهره أنه ليس للوجوب، وإنما صرف عن الوجوب بالأدلة السابقة، والقرائن التي مضت في أدلة القول الأول. فهذا جواب.
ومنها: ما يمكن أن يحمل كما ذكر طائفة من أهل العلم، وهذا من اللطائف: أن المقصود به بطائفة معينة من الأمة، وليست الأمة كلها، كما قال بعضهم: إن الوتر واجب على أهل القرآن، يعني من؟ على حفاظ القرآن، وهذا يصلح أن يذكر قولاً ثالثًا لكنه قول ليس بالمشهور، فقالوا: إن المقصود بذلك أهل القرآن الذين يحفظونه؛ لأن في صلاتهم الوتر تعهداً للقرآن، ومحافظة عليه، ولأنهم يطالبون بما لا يطالب به غيرهم، حيث إن الله تعالى مَنَّ عليهم باستدراج النبوة بين جنبيهم بحفظ هذا القرآن، غير أنه لا يوحى إليهم، وهذه نعمة عظيمة أن يحفظ الإنسان القرآن، قال الله تعالى: بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ [العنكبوت:49].
ومن هذه الأحاديث ما يمكن أن يحمل -وهذا هو الوجه الثالث- أن يحمل ذلك على أن المقصود تحديد الوقت، وليس الأمر بالوتر أمر إيجاب، مثل: حديث أبي سعيد في قوله: ( أوتروا قبل أن تصبحوا )، ومثل أيضاً: حديث ابن عمر عند الحاكم والبيهقي : ( أوتروا قبل الفجر )، فإن المقصود به حينئذٍ تحديد وقت الوتر، وأنه يكون قبل الفجر أو قبل الصبح، فكأن قوله: ( أوتروا قبل أن تصبحوا ) بمنزلة قوله: لا توتروا بعد أن تصبحوا، فالمقصود به تحديد وقت الوتر، والله تعالى أعلم.
ومن الأدلة أيضاً: حديث أبي هريرة، وهو شاهد لحديث بريدة، وقد ساقه المصنف وضعفه: ( الوتر حق )، أيضاً.
الدليل الخامس: حديث أبي سعيد الخدري، وقد مضى وسيأتي أيضاً: ( من نام عن وتره، أو نسيه، فليصله إذا ذكره، أو إذا أصبح )، فإن ظاهره قد يستدل به على أنه للوجوب؛ لأنه أمر بأن يقضى الوتر، وأداء الوتر من باب أولى، ويقال فيما يقال في الأدلة السابقة من أنه مصروف عن الوجوب بأدلة القول الأول.
أيضاً من الأدلة وهو السادس: ( اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً )، وهو في الصحيح أيضاً، فإن فيه أمراً بأن يختم الإنسان صلاته بالليل على وتر، ويقال فيما يقال فيما سبق.
الدليل السابع: حديث عائشة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غلبه على صلاة الليل نوم أو وجع، صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة )، وهو في صحيح مسلم، وقد يستدلون به، والواقع أنه لا يستدل بالفعل، لما هو متقرر عند علماء الأصول: أن الفعل المجرد لا يدل على الوجوب، ولكن قد يقال: إن هذا الفعل أضيف إليه القول.
الدليل الثامن: يوجد دليل عندنا ما ذكرته الآن: حديث خارجة بن حذافة رضي الله عنه، وهو ضمن أحاديث اليوم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم، فقالوا: وما هي يا رسول الله؟ قال: الوتر ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر )، وسيأتي تخريج هذا الحديث، المهم أن قوله: ( قد أمدكم بصلاة )، قد يفهم منه: أنها زيادة على الصلوات الخمس فرضت بعد ذلك.
طيب فهذه بعض الأدلة.
وما نقل عن الصحابة قول عن الوجوب إلا عن رجل يقال له: أبو محمد، وقد أنكر عليه عبادة، وقد لا يكون صحابياً أبو محمد هذا، فقال: كذب أبو محمد، ثم ساق الحديث الذي ذكرناه قبل: ( خمس صلوات كتبهن الله، من حافظ عليهن كان له عند الله تعالى عهد )، المهم أنه لا ينقل عن الصحابة في ذلك شيء.
باقي عندنا دليل ذكر المصنف سنده ولم يذكر لفظه، وهو حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وجده هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، ولفظ هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله زادكم صلاة، فحافظوا عليها: وهي الوتر )، فهذا الحديث حديث عمرو بن شعيب رواه أحمد، كما ذكر المصنف هنا، والطبراني، والطحاوي .. وغيرهم، وهو حديث صحيح بمجموع طرقه، وقد جاء عن غير عمرو بن شعيب، يعني: عن عبد الله بن عمرو بن العاص من غير طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بأسانيد صحيحة، والزيادة لا يلزم أن تكون مثل الأصل واجبة.
فعلى كل حال هذه أهم الأدلة، التي استدل بها من قالوا بوجوب الوتر.
وأيضاً حديث: ( من خاف ألا يقوم آخر الليل، فليوتر أوله ) يصلح أن يكون دليلاً.
وكذلك الأخ هذا في الورقة يقول: من ضمن أدلة القول الأول: حديث الإسراء والمعراج: ( هي خمس وهي خمسون ) يعني: خمس في العدد، وخمسون في الأجر، نعم، فالأدلة كثيرة جداً، إنما ما ذكرناه لأدلة القول الأول أو الثاني ربما يكون نماذج للأدلة، وإلا فاستقصاؤها وحصرها قد يكون فيه بعض الصعوبة والطول.
والراجح دون شك أن الوتر ليس بفرض واجب، ولكنه سنة مؤكدة؛ لما هو متقرر من حال الصحابة رضي الله تعالى عنهم، أنه لم ينقل عنهم ولا عن التابعين فيما أعلم قائل بالوجوب.
وكذلك: لأن الأدلة الأولى صريحة في أن الواجب بأصل الشرع هو الصلوات الخمس، وهي أدلة قوية، بل أدلة حتى من القرآن الكريم ومن السنة النبوية، فالقول بالزيادة عليها في الوجوب، يحتاج إلى أدلة صريحة ناهضة، ولا وجود لهذه الأدلة.
أما ما استدل به أصحاب القول الثاني بالوجوب وهو الإمام أبو حنيفة، فإن صرف ما صح فيها عن الوجوب ممكن بأدلة القول الأول، فتكون دليلاً على آكدية الوتر، وشدة استحبابه، وأنه لا ينبغي للإنسان التفريط فيه؛ ولهذا أنكر أهل العلم على من داوم على تركه أو فرط فيه، حتى قال الإمام أحمد فيمن ترك الوتر أياماً: إنه رجل سوء، لا ينبغي أن تقبل له شهادة.