شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب سجود السهو وغيره - حديث 359


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

فعندنا أحاديث في سجود السهو، حديثان في سجود السهو: أما حديث سجود السهو الأول فهو حديث عبد الله بن جعفر مرفوعاً، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعدما يسلم ). ‏

تخريج الحديث

وهذا الحديث عزاه المصنف لـأحمد وأبي داود والنسائي، ونسب تصحيحه إلى ابن خزيمة، فقال: ولـأحمد وأبي داود والنسائي من حديث عبد الله بن جعفر مرفوعاً: ( من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعدما يسلم ) وصححه ابن خزيمة، وسأتوقف عند شرح هذا الحديث؛ لأنه يتعلق به ما سبق من مسائل سجود السهو.

فهذا الحديث رواه أبو داود، كما ذكر المصنف في سننه، في كتاب الصلاة، باب من قال بعد التسليم. يعني سجود السهو.

ورواه النسائي أيضاً في السهو، باب التحري.

ورواه أحمد في المسند في مواضع أربعة.

ورواه البيهقي في سننه، وقال: إسناده لا بأس به كما سوف يأتي.

ورواه ابن خزيمة وصححه.. وغيرهم.

وقد صحح هذا الحديث مجموعة من أهل العلم منهم: ابن خزيمة، والبيهقي قال: إسناده لا بأس به.

وكذلك من المعاصرين الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على المسند، قال في مواضع: إسناده صحيح.

وضعفه آخرون، فممن ضعف الحديث ابن التركماني، في كتابه الجوهر النقي في التعليق على سنن البيهقي، فقد تعقب البيهقي وضعف الحديث، وكذلك ضعفه الأثرم من تلاميذ الإمام أحمد، كما نقل عنه ابن قدامة في المغني أنه قال: لا يثبت هذان الحديثان، يعني: حديث عبد الله بن جعفر، وحديثاً آخر في سجود السهو.

وممن ضعفه أيضاً من المعاصرين الشيخ ناصر الدين الألباني في عدد من كتبه، مثل: ضعيف الجامع وضعيف سنن أبي داود.. وغيرهما، وكذلك ابن قدامة في المغني أشار إلى ضعف الحديث، لكنه أعله بما هو براء منه، فضعف الحديث قال: إسناده ضعيف؛ لأن فيه ابن أبي ليلى، وإسناد هذا الحديث عند أبي داود وغيره يخلو من ابن أبي ليلى فيما وقفت عليه، لكن في إسناد الحديث عدة رجال: منهم أولاً: راو اسمه عبد الله بن مسافع، وهذا مستور الحال، لم يذكر فيه عند أهل العلم جرح ولا تعديل، فهو مستور، وحديثه ضعيف ما لم يتقو بغيره، عبد الله بن مسافع، والغريب أن الشيخ أحمد شاكر رحمه الله ذكر هذا من حاله، واعتبر أن تصحيح ابن خزيمة للحديث توثيقاً له، وهذا فيه نظر؛ فإن التوثيق المبهم لا ينفع، وقد يكون ابن خزيمة صححه غافلاً عن هذا الرجل، أو صححه لشواهد.. أو لغير ذلك، فما دام لم يذكر فيه جرح ولا تعديل، فهو مستور الحال، ولا يتقوى حديثه إلا بشواهد.

وفي إسناده أيضاً رجل يقال له: عقبة أو عتبة بن محمد بن الحارث جده عثمان بن شيبة، وقد تكلم فيه بعضهم.

وفي إسناده أيضاً مصعب بن شيبة، وهذا وإن كان من رجال مسلم، أخرج له مسلم في الصحيح، ووثقه يحيى بن معين، إلا أنه متكلم فيه، فقد ضعفه الإمام أحمد وأبو حاتم والدارقطني .. وغيرهم.

شواهد الحديث

وبهذا يظهر أن الحديث أقرب إلى أن يكون ضعيف الإسناد، وربما يكون له شاهد غير رواية البخاري، وحديث مسلم هذا من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، لأن الآن الحديث يقول: (من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعدما يسلم) هذا من قول النبي عليه الصلاة والسلام، نريد شاهداً آخر قولياً.

هناك حديث سيأتي، وهو حديث ثوبان رضي الله عنه، سيأتي عندنا بعد أربعة أحاديث: ( لكل سهو سجدتان بعدما يسلم ) رقم الحديث ثلاثمائة واثنين وستين، عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لكل سهو سجدتان بعدما يسلم ) وحديث ثوبان هذا رواه أبو داود وابن ماجه بسند ضعيف يقول المصنف، وهو من الأحاديث القولية التي تجعل سجود السهو كله بعد السلام، فهو يشبه حديث الباب من هذا الوجه.

وحديث ثوبان هذا هو الآخر ضعيف، ضعفه المصنف كما قال: بسند ضعيف هنا، وفي غير هذا الموضع أيضاً، وقال البيهقي في كتاب المعرفة : (تفرد به إسماعيل بن عياش وليس بالقوي)، يعني: حديث ثوبان تفرد به إسماعيل بن عياش وليس بالقوي.

أقول: خاصة في روايته عن الحجازيين.

وكذلك قال النووي في المجموع قال: الحديث ضعيف ظاهر الضعف، وسيأتي مزيد من الكلام عليه إن شاء الله في الدرس القادم.

المهم أن حديث ثوبان ضعيف، وحديث الباب ضعيف، فربما يقال: إن أحدهما يشد الآخر ويقويه.

معاني ألفاظ الحديث

حديث الباب عن عبد الله بن جعفر مرفوعاً: ( من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعدما يسلم ) يحمل هذا الحديث والله أعلم عند من صححه بذاته أو بشاهده، يحمل على الشك الذي ترجح أحد طرفيه، جمعاً بينه وبين الأحاديث الأخرى، الأحاديث الأخرى مثل حديث من؟

مثل: حديث ابن مسعود في التحري، وقد سبق معنا.

حديث أبي سعيد فيه البناء على اليقين.

نعم. رواية البخاري مثل: حديث ابن مسعود وفيها التصريح بأن السجود بعد السلام، وكذلك رواية مسلم فإنه سجد بعد السلام والكلام، فإذا قلنا بأن حديث الباب محمول على الشك الذي ترجح أحد طرفيه، فمعناه: أنه يتكلم عن التحري، من شك وتحرى وبنى على ما ترجح لديه، فإن السجود في حقه حينئذ يكون بعد السلام، وبهذا الفهم هل يكون في حديث الباب إشكال؟ ليس فيه إشكال؛ لأنه هو مثل حديث ابن مسعود في البناء على غالب الظن، والسجود بعد السلام، كما قررناه في الأسبوع الماضي.

وقولنا: على هذا المعنى، يكون شاهداً له، يعني: يكون دالاً على أن هذا معناه، فربما يعتبر شاهداً بهذا المعنى، لكن هذا لا نستطيع أن نجزم بأنه شاهد؛ لأنه تحكم، فلا يمكن أن نجزم أن ما فهمناه نحن من الحديث هو معناه، وإنما نقول: إن هذا الحديث يدل أو يحمل على ممن ترجح لديه شيء، فبنى على غالب ظنه استناداً إلى حديث ابن مسعود، فبالطريقة هذه لا يكون هناك تعارض، بل يكون هناك انسجام بين حديث الباب وحديث ابن مسعود رضي الله عنه الذي سبق، والذي فيه قوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا شك أحدكم في صلاته ) فقد سماه شكاً، ثم قال: ( فليتحر الصواب، وليتم ما عليه، ثم ليسجد سجدتين ) وفي رواية البخاري : ( فليتم، ثم يسلم، ثم يسجد سجدتين ) وفي رواية مسلم : ( أنه صلى الله عليه وسلم سجد سجدتي السهو بعد السلام والكلام ) .

تحديد موضع سجود السهو وأقوال العلماء فيه

في هذا الحديث حديث عبد الله بن جعفر رضي الله عنه، والأحاديث السابقة قبله، كحديث ابن مسعود، وحديث وأبي سعيد، وحديث عمران بن حصين، وحديث أبي هريرة، وحديث عبد الله ابن بحينة في جميع هذه الأحاديث مسألة، مسألة: سجود السهو وموضع السجود، هل يكون قبل السلام أو بعد السلام؟

وينبغي أن يعلم قبل الدخول في الأقوال: أن الخلاف إنما هو في الأفضل من أحوال المصلي، هل الأفضل له أن يسجد قبل السلام، أو الأفضل أن يسجد بعد السلام؟ وإلا فقد نقل صاحب الحاوي وغيره أنه لا خلاف بين الفقهاء -يعني كما قال النووي يعني: جميع العلماء- أن سجود السهو جائز قبل السلام وبعده، ولكن اختلفوا في الأفضل والأولى والمسنون من ذلك، ومثل هذا الكلام أيضاً نقله الإمام ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد، في هديه صلى الله عليه وسلم في سجود السهو، عن الإمام الحافظ أبي عمر ابن عبد البر، فإنه رحمه الله لما ذكر مذهب الإمام مالك في سجود السهو، قال بعدما نقل قوله قال: ولو سجد أحد عنده -يعني: عند مالك - بخلاف ذلك، فجعل السجود كله قبل السلام، أو كله بعد السلام، لم يكن عليه شيء؛ لأن ذلك عنده من باب قضاء القاضي باجتهاده، ولأن الآثار اختلفت في ذلك، والسلف اختلفوا فيه.

إذاً الخلاف إنما هو في الأفضل والأولى، وهذا هو الجدير بمن تأمل النصوص؛ لأن النصوص ليس فيها حد حاسم ونص واضح، يمكن إلزام الناس به، بأن يقال لهم: السجود هنا قبل السلام وهنا بعده، وإنما النصوص مختلفة في أفعال النبي صلى الله عليه وسلم وأقواله، وقد سردها الإمام ابن القيم سرداً جيداً في زاد المعاد، في الموضع المشار إليه.

المهم النصوص مختلفة قولية وفعلية، فحمل الناس على شيء معين فيها فيه بعد، وإنما الأولى أن يكون ذلك على سبيل الاستحباب والأفضلية، لا على سبيل الحتم والإيجاب.

أما الأقوال في المسألة فهي كثيرة، اقتصرت منها على الأقوال المشهورة وهي تقريباً أربعة أقوال: ‏

القول الأول: السجود للسهو قبل السلام مطلقاً وأدلته

الأول: أن الأولى أن يسجد للسهو قبل السلام دائماً، أن سجود السهو قبل السلام دائماً، سواء كان في النقص أو في زيادة.. أو في غير ذلك، وهذا مذهب الإمام الشافعي المشهور عنه في القديم والجديد، كما ذكر ذلك الشافعي، وبه قال جماعة من الصحابة والتابعين والسلف، فهو مذهب أبي هريرة على ما ذكره غير واحد، وسعيد بن المسيب والزهري وربيعة والأوزاعي والليث ومكحول ويحيى بن سعيد الأنصاري، وهو أيضاً رواية في مذهب الإمام أحمد، كما ذكره ابن قدامة وغيره: أن السجود كله للسهو قبل السلام.

وأدلة هذا القول ظاهرة، اذكروها لنا بوركتم، أدلة القول بأن سجود السهو قبل السلام، سواء كان عن زيادة أو نقص؟

حديث أبي سعيد الخدري، وقد سبق أنه قال: ( ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم ) والحديث رواه مسلم . فهم حملوا قوله: (وليسجد سجدتين قبل أن يسلم) في حديث أبي سعيد على كل سجود سهو، سواء كان لزيادة أو لنقص. هذا واحد.

وحديث عبد الله ابن بحينة وقد سبق، وهو أول حديث في سجود السهو من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه ذكر في الحديث قال: ( فلما انتظر الناس تسليمه، كبر وسجد سجدتين قبل أن يسلم، ثم سلم ) والحديث أخرجه السبعة كما ذكر المصنف، فقد قالوا: إن السجود قبل السلام في هذا الموضع وفي غيره.

أيضاً من أدلتهم حديث عمران بن الحصين، من أدلتهم أيضاً حديث عمران بن الحصين الذي سبق معنا، وفي حديث عمران هذا: ( أنه صلى الله عليه وسلم صلى بهم فسها، فسجد سجدتين، ثم تشهد ثم سلم ) فهذا دليل عندهم على أن سجود السهو قبل السلام.

ولهم دليل نظري أو عقلي وهو أنهم قالوا: إن سجود السهو إتمام للصلاة، وجبر للنقص الحاصل فيها، سواء بالزيادة أو بالنقصان أو بالشك، فكان قبل السلام لا بعده كسائر أفعال الصلاة، فإن السلام ختام للصلاة، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: ( وتحليلها التسليم ) فالإنسان بسلامه يتحلل من الصلاة ويخرج منها، ويكون حلالاً عليه ما كان حراماً في الصلاة، مثل: الكلام، الأكل، الشرب، الالتفات، القيام.. إلى غير ذلك، فهو في الصلاة محرم يتحلل بالسلام، فقالوا: تحليلها التسليم، فينبغي ألا يسلم إلا بعدما ينتهي من كل أفعال الصلاة، بما في ذلك سجود السهو، هذه بعض أدلتهم.

القول الثاني: السجود للسهو بعد السلام مطلقاً وأدلته

القول الثاني في المسألة هو عكس القول الأول: أن سجود السهو كله بعد السلام، سواء كان السجود لزيادة أو نقص أو شك أو ترجيح وتحر، فإنه كله بعد السلام، وهذا مذهب أبي حنيفة، وهو منسوب إلى طائفة من الصحابة والسلف، كـعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، وابن مسعود؛ لأن هذا مقتضى حديثه، ومثله أيضاً عمار بن ياسر وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عباس رضي الله عنه وعبد الله بن الزبير وأنس بن مالك، وهو مذهب جماعة من التابعين كـالحسن البصري والنخعي وابن أبي ليلى .. وغيرهم، وهو مذهب أهل الكوفة كما ذكرت.

أدلة من قالوا بأن السجود بعد السلام:

أولاً: حديث ذي اليدين، كيف نستدل بحديث ذي اليدين على أنه بعد السلام؟ أنه صلى الله عليه وسلم بعدما أخبروه استقبل القبلة وصلى ما عليه وسلم، ثم سجد سجدتين، ثم سلم، فهذا يدل على أنه يسجد للزيادة بعد السلام.

وهل في حديث ذي اليدين زيادة أم نقص؟

طول التشهد الأول، كان هذا زيادة، فهو وإن سلم عن نقص، إلا أن سلامه الأخير الذي تبعه سجود السهو كان عن زيادة، هذا من أدلتهم.

أيضاً من الأدلة حديث ابن مسعود، فإنه صلى الله عليه وسلم قال: ( فليتحر، ثم ليسلم، ثم يسجد سجدتين ) ولفظ البخاري ومسلم سبق. فهو دليل عندهم على أنه بعد السلام كله.

ومن الأدلة أيضاً حديث عبد الله بن جعفر، حديث الباب حديث عبد الله بن جعفر : ( من شك في صلاة فليسجد سجدتين بعدما يسلم ) أن جعل السجود بعد السلام.

ومن الأدلة أيضاً حديث ثوبان الذي ذكرناه شاهداً لحديث عبد الله بن جعفر : ( لكل سهو سجدتان بعدما يسلم ) فهذه أهم أدلتهم.

القول الثالث: السجود للسهو عن نقص قبل السلام وعن زيادة بعد السلام وأدلته

القول الثالث: هو القول بالتفصيل، وهو مذهب الإمام مالك، فقال: إن كان السهو عن نقص فسجوده متى؟ قبل السلام في صلب الصلاة، وإن كان السهو عن زيادة فسجوده بعد السلام، وهو مذهب مالك كما أسلفت، وهو أيضاً قول في مذهب الإمام الشافعي، كما ذكره غير واحد، وهو مذهب الإمام أبي ثور، وروي عن ابن مسعود شيء شبيه بهذا، كما ذكره ابن قدامة في المغني .

وهذا القول قال به هؤلاء جمعاً بين الأدلة، فقالوا: ( سجد صلى الله عليه وسلم للسهو قبل السلام ) كما في حديث عبد الله ابن بحينة ؛ لأن صلاته فيها نقص وهو ترك التشهد الأول، وسجد للسهو بعد السلام في أحاديث أخرى؛ لأنه انصرف من صلاته بزيادة، كأن يكون صلى خمساً مثلاً، فيكون انصرف عن زيادة فسجد للسهو بعد السلام.

فهذا من حيث الأدلة النقلية أنهم جمعوا بين هذه الأدلة وتلك، ثم إنهم استدلوا بدليل آخر عقلي وهو أنهم قالوا: إن كان السجود عن نقص فينبغي أن يكون في صلب الصلاة، حتى لا ينصرف من صلاته إلا وقد أتمها، أما إن كان السجود عن زيادة، فينبغي أن يكون بعد السلام؛ لئلا يجتمع في الصلاة زيادتان.

القول الرابع: السجود للسهو قبل السلام مطلقاً إلا ما ورد النص فيه بعد السلام وأدلته

المذهب الرابع هو مذهب الإمام أحمد المشهور عنه: أن سجود السهو قبل السلام إلا في المواضع التي وردت فيها السنة أنها بعد السلام، أن سجود السهو الأصل فيه أنه قبل السلام، إلا المواضع التي وردت السنة أنها بعد السلام، فنسجد لها بعد السلام، ولذلك قال الإمام أحمد فيما رواه عنه الأثرم، قال رحمه الله: (لولا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، لرأيت السجود كله قبل السلام؛ لأنه شأن الصلاة، فيقضيه قبل السلام)، فجعل الأصل كما هو ظاهر من عبارته في السجود أنه قبل السلام، ثم لوقوفه عند النص جعل ما ورد في الأحاديث بعد السلام بعد السلام، وما سواه قبل السلام.

ثم تصرف المصنفون في تكييف مذهب الإمام أحمد، ففي المغني مثلاً قال الإمام ابن قدامة عن المواضع التي بعد السلام، لأننا اتفقنا الآن أن مذهب الإمام أحمد ما هو؟

مذهب الإمام أحمد كله قبل السلام، إلا ما ورد فيه النص أنه بعد السلام، فالأصل في السجود إذاً أنه قبل السلام، ثم تصرف المصنفون في تكييف مذهب الإمام أحمد، ففي المغني اعتبر أن الأشياء التي وردت بعد السلام حالتان: انتبه لها جيداً، حالتان:

الحالة الأولى: إذا سلم من نقص في صلاته، هكذا قال: إذا سلم من نقص في صلاته، هذا متى حصل؟

في حديث ذي اليدين ؛ لأنه سلم من نقص، ثم استدرك النقص بعد ذلك، فصار في الصلاة زيادة.

قال: أو تحرى فبنى على غالب ظنه، وما سوى ذلك يسجده قبل السلام. هذا كلام ابن قدامة، أما غيره فقالوا شيئاً آخر في مذهب الإمام أحمد، لأنكم تلاحظون أن ابن قدامة جعل الإمام أحمد بنى قواعد على الأحاديث.

القاعدة الأولى: أنه إذا سلم عن نقص ثم أكمله فإنه يسجد بعد السلام.

والقاعدة الثانية ما هي؟ أنه إذا شك وغلب على ظنه أحد الأمرين فبنى عليه، فإنه يسجد للسهو أيضاً بعد السلام، وهذا تقعيد وتكييف للمذهب، وكأن فيه نظراً، ولذلك آخرون كما في رواية عن الإمام أحمد قالوا غير هذا، فقالوا لما سأله بعضهم: ما هي المواضع التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم بعد السلام؟ قال: سلم النبي صلى الله عليه وسلم من ركعتين، فسجد بعد السلام، -يعني: بعدما أتم ما عليه- وسلم النبي صلى الله عليه وسلم من ثلاث، فسجد بعد السلام، وفي حديث ابن مسعود في التحري أنه يسجد سجدتين بعدما يسلم.

إذاً: الإمام أحمد يرى أن المواضع التي ورد فيها -حسب هذه الرواية- السجود للسهو بعد السلام ثلاثة مواضع:

الموضع الأول: إذا سلم من ركعتين ثم أكمل، الركعتين في حديث ذي اليدين .

الموضع الثاني: إذا سلم من ثلاث، وهذا في حديث عمران بن حصين .

الموضع الثالث: إذا تحرى، إذا غلب على ظنه أحد الأمرين فبنى عليه، هذا في حديث ابن مسعود، وما سوى ذلك، فإنه يسجد للسهو قبل السلام.

انتهينا من الأقوال، هناك أقوال أخرى غير هذه: مثل من قالوا مثلاً بالتخيير، أنه مخير يسجد قبل السلام أو بعده.. إلى غير ذلك، نبقى في القول الراجح من هذه الأقوال.

الراجح والله تعالى أعلم هو القول بالتفصيل على الوجه التالي:

الأول: أنه إن سجد للسهو عن نقص، كان سجوده قبل السلام، إن سجد عن نقص، مثل: أن يترك التشهد الأول واستتم قائماً فلم يعد إليه، فإنه حينئذ يسجد للسهو قبل السلام:

أولاً: لحديث ابن بحينة .

ثانياً: لحديث أبي سعيد .

ثالثاً: حديث المغيرة .

لهذه الأحاديث الثلاثة.

ثم للنظر العقلي وهو الدليل الرابع، لئلا ينصرف من صلاته إلا وقد أتمها، وهذا القول بأن السجود عن نقص يكون قبل السلام هو مذهب مالك، وأحمد ؛ لأنه جاء فيه النص، ولأن هذا هو الأصل عنده، والشافعي، لماذا مذهب الشافعي؛ لأن السجود عند الشافعي كله قبل السلام، فهذه المسألة داخلة في ذلك، طيب هذا الأول.

من شك في صلاته ولم يدر كم صلى

المسألة الثانية: إذا شك في الصلاة لا يدري كم صلى ثلاثاً أو أربعاً؟ أو هل ركع أو لم يركع، أو سجد أو لم يسجد، ولم يترجح عنده شيء؟ فحينئذ يأخذ باليقين، فإن كان عدد ثلاث أو أربع أخذ بالأقل عدّها ثلاثاً، وإن كان شك هل فعل أو لم يفعل؟ اعتبر أنه لم يفعل؛ لأن الأصل أنه لم يفعل، فيبني على اليقين، ويطرح الشك، ويسجد للسهو سجدتين قبل السلام.

من الأدلة على هذا حديث أبي سعيد، فإنه نص في المسألة: ( فليطرح الشك، وليبن على ما استيقن، ويسجد سجدتين قبل أن يسلم ) هذا من الأدلة.

ومن الأدلة أيضاً؟ هل هناك دليل ولو عقلي؟

يعني: لماذا طلبنا أن يكون السجود هنا قبل السلام، في حالة إذا ما ترجح عنده شيء بنى على اليقين؟ الجواب: أن هذا الشيء الذي شك فيه، ولم يترجح عنده شيء، ألغى الشك وبنى على اليقين، فهذا الشك هل هو معتبر أم غير معتبر؟ غير معتبر؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: ( فليطرح الشك ) يعني: يلغيه، فإذا شك هل صلى ثلاثاً أو أربعاً، وما ترجح عنده شيء عدها ثلاثاً، هذه الرابعة هل لها اعتبار؟ ليس لها اعتبار.

إذاً: هو يعتبر شرعاً صلى كم؟ ثلاثاً، طيب، ثم أتى بالرابعة، وأراد أن يسلم، هل سلامه هنا أشبه بالكمال في الانصراف من الصلاة عن كمال، أو أشبه بالانصراف عن الصلاة عن نقص؟ أيهما أولى به؟

عن نقص، لماذا؟

طروء الشك عليه في الصلاة يعد نقصاً في صلاته، وهذا الاحتمال أن يكون صلى ركعة ونسيها، وكونه خطر في باله وإن ألغاه، إلا أنه يعتبر نقصاً في صلاته، فإذا سجد قبل أن يسلم أكمل هذا النقص، وهذا وجه قابل على كل حال للأخذ والرد.

إذاً: هاتان حالتان يسجد فيها للسهو قبل السلام: إذا سلم عن نقص، وإذا شك ولم يترجح له شيء، فطرح الشك وبنى على اليقين، وهذا أيضاً في حال الشك، يعني السجود قبل السلام يصح أن نقول: إنه مذهب الإمام مالك كما نقل عنه والشافعي والإمام أحمد وجماعة ممن ذكرنا.

الحال الثالثة: أن ينصرف من صلاته عن زيادة، كأن يزيد في الصلاة، ومثال الزيادة كما أسلفنا: لو زاد سلاماً في صلب الصلاة، أو زاد تشهداً، أو زاد ركعة خامسة في رباعية، أو رابعة في ثلاثية، أو ثالثة في ثنائية.. أو ما أشبه ذلك، فهذا حكمه أنه يسجد للسهو بعد السلام. وما أدلة هذا؟

حديث ذي اليدين، وأيضاً؟ محمد؟

رواية ابن مسعود، أحاديث الباب ربما، وهذا القول يصح أن نقول: هو مذهب أبي حنيفة؛ لأن كل السجود عنده بعد السلام، وأيضاً الإمام أحمد، ومالك، لأن السجود عنده يجعله بعد السلام، وطائفة لكن نحن نتكلم عن الأئمة المشهورين الأربعة المتبوعين، طيب. والأدلة ذكرناها وأهمها حديث ذي اليدين.

الحال الرابعة: هي أن يشك في صلاته ويتحرى، يترجح له أحد الأمرين فيبني عليه، فإنه حينئذ يسجد للسهو بعد السلام، لو شك هل صلى ثلاثاً أو أربعاً وترجح عنده أنها أربع، فإنه يعتبرها أربعاً فعلاً، ويسجد للسهو بعد السلام، أو شك هل هو ركع أم لم يركع، وغلب على ظنه أنه قد ركع فعلاً، فيعتبر أنه قد ركع، ويسجد للسهو بعد السلام. وأهم دليل لهذه الحالة هو حديث ابن مسعود، فإنه نص في هذه المسألة، وربما يأخذ بأحاديث الباب أيضاً: حديث عبد الله بن جعفر، وحديث ثوبان، ويحملان على هذا، فيكون سجوده حينئذ بعدما تحرى، وأخذ بما غلب على ظنه، يكون بعد السلام.

فيتلخص من هذا: أن هناك حالتين قبل السلام وحالتين بعده، وهذا القول يمكن أن ينسب إجمالاً للإمام مالك وأحم