شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 347-349


الحلقة مفرغة

اللهم لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما تحب وترضى، نحمدك وأنت للحمد أهل، ونشكرك ونثني عليك الخير كله، ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك، ونصلي ونسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد خاتم رسلك، وأفضل أنبيائك، الذي حمل الرسالة، وأدى الأمانة، وكشف الله تعالى به الغمة، فجزاه الله تعالى عنا خير ما جزى نبياً عن أمته، ثم رضوان الله تبارك وتعالى على أصحابه الكرام الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

عندنا الآن الحصة الأخيرة، نحمد الله تعالى ونسأله التوفيق والقبول، ومما يتعلق بصفة الصلاة هذه الأحاديث الثلاثة.

الحديث الأول منها: حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( صلوا كما رأيتموني أصلي )، يقول المصنف: رواه البخاري .

تخريج الحديث

وقد سبق أن سرد المصنف أو ذكر جزءاً آخر من هذا الحديث، تذكرون في أي باب؟ حديث مالك بن الحويرث سبق أن مر معنا أكثر من مرة، لكن أشهر وأوضح موضع في الأذان؛ لأن قوله: ( فليؤذن لكم أحدكم )، وقد سرد المصنف أن هناك منه جزءاً المتعلق بالأذان، وقال: أخرجه السبعة، والغريب أنه هنا رحمه الله اقتصر على عزو الحديث للبخاري .

وعلى كل حال: الحديث رواه البخاري في صحيحه في تسعة مواضع:

منها: في كتاب الأذان، باب إذا استووا في القراءة فليؤمهم أكبرهم.

وهنا أيضاً في كتاب الأذان، باب المكث بين السجدتين، وأول موضع خرج البخاري فيه هذا الحديث هو أيضاً في كتاب الأذان باب من قال: ليؤذن في السفر مؤذن واحد.

وقد رواه مسلم أيضاً في صحيحه، في كتاب المساجد، باب الأحق بالإمامة، ورواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد ؛ ولهذا قال المصنف كما سبق في باب الأذان، قال: أخرجه السبعة، وأيضاً رواه غير هؤلاء كثير.

فالحديث من الأحاديث المشهورة المتداولة، ويشبهه في هذا حديث المسيء صلاته، فإنه يذكر بمناسبات كثيرة، وقلَّ أحد من أهل العلم إلا ذكره واستشهد به أو خرجه.

وعلى سبيل المثال: فممن خرج الحديث أيضاً البخاري نفسه في كتاب الأدب المفرد، والبيهقي في السنن، والطبراني في معجمه الكبير، والدارقطني، وابن خزيمة، وابن حبان، وأبو عوانة في مستخرجه، والحاكم، والدارمي، والشافعي، والطحاوي، والبغوي، وابن أبي شيبة .. وغيرهم.

وكل هؤلاء رووا الحديث عن أبي قلابة، عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه، قال: ( أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده نحواً من عشرين ليلة )، وفي رواية: ( فأقمنا عنده عشرين ليلة، فظن أنا قد اشتقنا إلى أهلنا )، وفي رواية: ( فظن أنا قد اشتهينا أهلنا، وسألنا عمن تركنا؟ فأخبرناه، فقال صلى الله عليه وسلم وكان رقيقاً رحيماً -وفي رواية: رفيقاً بالفاء- فقال: ارجعوا إلى أهلكم فعلموهم ومروهم، وصلوا )، وفي رواية: ( وصلوا كما رأيتموني أصلي )، وهي المقصودة بحديث الباب ( فإذا حضرت الصلاة، فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم )، وهذا أحد المواضع، التي ذكر المصنف فيها هذا الحديث، وإلا فقد سبق أنه ذكره مرتين، مع أن الحديث جدير أيضاً أن يعاد في باب قادم، وهو: باب الإمامة من كتاب الصلاة؛ لقوله: ( وليؤمكم أكبركم )، ولكن المصنف لم يذكره في باب الإمامة، اكتفاء بذكره هاهنا، وذكر الشاهد منه؛ فلذلك لم يعد رحمه الله تعالى ذكره.

قوله هنا: ( صلوا كما رأيتموني أصلي )، هذا ذكرت أنه ليس في جميع الروايات، ولكنه في بعض الروايات، أما في بعضها الآخر، كما في الصحيح نفسه أيضاً فيما روى، قال: ( علموهم ومروهم وصلوا ) ولم يقل: ( كما رأيتموني أصلي )، لكنها ثابتة أيضاً في روايات أخرى.

ترجمة مالك بن الحويرث

صحابي الحديث هو مالك، قدوم مالك بن الحويرث رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم كان مع قومه، كما ذكر في روايات، وقال هاهنا: ( ونحن شببة متقاربون )، فكان قدم مع قومه، وقومه هم بنو ليث بن بكر، وكان قدومهم على النبي صلى الله عليه وسلم، كما ذكر ابن سعد في الطبقات بأسانيد عدة: أنهم قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم وكان يتجهز لغزوة تبوك، وغزوة تبوك متى كانت؟

في رجب سنة تسع، فقدم على النبي صلى الله عليه وسلم في السنة التاسعة.

معاني ألفاظ الحديث

قوله: (شببة) بفتح الشين والباء أي: شباب جمع شاب.

وقوله: (متقاربون) أي: متقاربون في السن.

وقوله: (رفيقاً أو رقيقاً) بالوجهين، جاءت روايتان في البخاري وغيره: إما من الرفق، وإما أنه رقيق القلب، يحنف عليهم، ويتنبه لحاجاتهم.

وقوله: (رقيقاً) هذه ذكرها الحافظ ابن حجر بالقافين، جاءت في رواية الأصيلي للبخاري أنها بقافين (رقيقاً).

وبقية ألفاظ الأحاديث واضحة، وقد سبق شرح شيء منها.

فوائد الحديث

وفي الحديث على كل حال فوائد تتعلق بالأذان وصفته ومن يؤذن وأحكامه، وهذه سبقت، ونشير الآن إلى فوائد أخرى:

فمن فوائد الحديث: فضل الهجرة إلى الله تعالى ورسوله والرحلة في طلب العلم، كما حصل لـمالك بن الحويرث وأصحابه رضي الله تعالى عنهم، وقد كانت الرحلة في طلب الحديث من شأن المتقدمين، حتى صنف فيها الخطيب البغدادي كتاباً نفيساً اسمه: الرحلة في طلب الحديث، وذكر فيه فضل الرحلة ومن ارتحلوا، وفوائد تتعلق بهذا الباب.

ومن فوائد الحديث أيضاً: أنه لا ينبغي للإنسان خاصة طالب العلم، والمقبل على الله، والناسك والداعية أن يتشبع بما ليس فيه، وما لم يكن له فيه نية ولا قصد، وهذا يؤخذ من قول مالك بن الحويرث رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( رأى أنا قد اشتقنا إلى أهلينا، فسألنا عمن تركنا، فقال: ارجعوا إلى أهليكم، فعلموهم، ومروهم، وصلوا )، وكان يستطيع أن يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم علم حاجة أهلنا إلى العلم والفقه، وغلبة الجهل عليهم وبعدهم، فأمرنا أن نعود إليهم ونعلمهم، ولكنه رضي الله عنه ذكر الحقيقة كاملة، فقال: ( إن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أنا قد اشتقنا إلى أهلنا فقال: ارجعوا، وسألنا عمن تركنا وراءنا )، وهم شببة متقاربون كما ذكر، فكانت دواعي الحال أن يؤمروا بالرجوع إلى أهليهم؛ رفقاً بهم وبأهلهم، وتأليفاً أيضاً لأهلهم، ونشراً للخير، ولكنه بدأ بذكر الأمر الأول، وهو: ( أنه رأى صلى الله عليه وسلم حاجتهم، واشتياقهم إلى أهليهم ).

ومع ذلك لما كانت نياتهم صالحة، ومقاصدهم سليمة، صادف ذلك خيراً كثيراً لهم في الدين، فرجعوا وعلموهم، ونشر الله تعالى علم مالك ليس في أهله فقط، بل في الأمة كلها، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فقلّ إنسان يدرس صفة الصلاة، إلا ويعرف حديث مالك بن الحويرث رضي الله تعالى عنه، وهذا كما قال الإمام أحمد في الحرص على طلب الحديث، وفي التحريض على طلب الحديث قال: [ هو حظ وافق حقاً ]. يعني: طلب الحديث فيه خير، وفيه بر، وفيه مصلحة، ولكنه حق أيضاً، فهو دين ودنيا، يطلب الإنسان الدين فتأتيه الدنيا، تبعاً لذلك.

ومن أهم فوائد حديث الباب حديث مالك بن الحويرث ما يتعلق بصفة الصلاة؛ ولذلك ساقه المصنف هنا في قوله: ( صلوا كما رأيتموني أصلي )، وذلك: أن قوله: ( صلوا كما رأيتموني أصلي )، دليل لجماعة من أهل العلم، على أن كل ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم من صفة الصلاة، فالأصل فيه أنه واجب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأن نصلي كما رأيناه يصلي.

فذهب جماعة من أهل العلم، إلى أن كل عمل عمله النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة، ونقل عنه، فإنه ينبغي أن يقال بوجوبه، ما لم يوجد صارف عن الوجوب؛ لأنه فعل والقول يتبعه: ( صلوا كما رأيتموني أصلي )، وقد تكلم الإمام الحافظ الأصولي الكبير ابن دقيق العيد في إحكام الأحكام عن هذه المسألة، بكلام محرر وجيه، خلاصته أنه يقول: إن هذا الخطاب في الحديث إنما وقع لـمالك بن الحويرث وأصحابه بأن ذكر الصلاة على الوجه الذي رأوا النبي صلى الله عليه وسلم يصليه، قال رحمه الله: نعم، يشاركهم في الحكم جميع الأمة، بشرط أن يثبت استمراره صلى الله عليه وسلم على فعل ذلك الشيء المستدل به دائماً، حتى يدخل تحت الأمر، ويكون واجباً.

إذاً: ابن دقيق العيد أضاف شرطاً لما نقول بوجوب الفعل: وهو ليس أن يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله ولو مرة واحدة، بل لابد أن يكون نقل عنه استمراره صلى الله عليه وسلم على ذلك الفعل، ومن المعلوم أن مجرد الاستمرار لذاته لا يدل على الوجوب، لكن لما أضيف عليه حديث مالك بن الحويرث : ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) دل هذا على أنه خطاب لجميع الأمة، دل على أن هذا الفعل الذي داوم عليه النبي صلى الله عليه وسلم واجب، وبعض الأفعال مقطوع باستمرار النبي صلى الله عليه وسلم عليها، أما ما لم يدل دليل على وجوبه، في تلك الصلاة التي رآها مالك بن الحويرث وأصحابه، وتعلق الأمر بإيقاع الصفة على ضوئها، فإنه لا يمكن الحكم بتناول الأمر له.

يعني: نحن لا ندري ماذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم من الصلوات، فرآه مالك بن الحويرث؟ وماذا ترك؟ فنقول: إن الأمر متعلق بتلك الصلاة التي وقع الأمر بالصلاة على مثلها، فإذا رأينا أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في تلك الصلاة بصفة ولم يتركها، عرفنا أن هذا واجب، أما ما سوى ذلك فنقول: إن فعل النبي صلى الله عليه وسلم يدل على الاستحباب، ما لم يوجد دليل إضافي على الوجوب، ولا نقول: بأن كل فعل فعله النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة واجب، إلا إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم داوم عليه واستمر.

هذا خلاصة ما قرره الإمام الحافظ ابن دقيق العيد، وهو وجيه.

يبقى هاهنا إشكال: لقد سبق معنا: أن مالك بن الحويرث ذكر قعود النبي صلى الله عليه وسلم، إذا كان في وتر من صلاته، وهو ما يسمى عند الفقهاء بجلسة الاستراحة، فكيف نخرج جلسة الاستراحة من هذا التقرير الذي قرره ابن دقيق العيد ؛ لأننا نعلم أن مالك بن الحويرث رضي الله عنه ومن معه، رأوا النبي صلى الله عليه وسلم يجلس جلسة الاستراحة.

إذاً: نقول: هذا من الصلاة التي وقع الأمر بمشابهتها: ( صلوا كما رأيتموني أصلي )، رأيناه يصلي فيجلس جلسة الاستراحة، هكذا نقل لنا مالك بن الحويرث، فما الذي أخرج جلسة الاستراحة عن الوجوب؟

عدم الاستمرار عليها، وكيف عرفنا عدم الاستمرار؟

سبق معنا ثلاثة أحاديث: حديث أبي هريرة، وحديث مالك بن الحويرث، وحديث وائل بن حجر في جلسة الاستراحة.

وذكرنا في تقرير آنذاك: أن هذه الأحاديث وغيرها جاء فيها ذكر الجلسة، وجاء فيها السكوت عنها، وجاء فيها نفيها، وقلَّ أحد لعله لم ينقل جلسة الاستراحة عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا هؤلاء، فلو كان يحافظ عليها لنقلت نقلاً مشهوراً عن الجماعة الآخرين من الصحابة.

من فوائد حديث الباب أيضاً: الاحتجاج بخبر الواحد؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل خبر مالك بن الحويرث حجة على من وراءه منه.. وكذلك أصحابه حجة على من وراءهم من أهلهم.

ومنها: رفق الرسول صلى الله عليه وسلم بأمته، ورأفته بأحوالهم، وتفقده لأمورهم.

ومنها: العناية بأمر الشباب، وما جبلوا عليه، وأن الموجه أو الشيخ أو المربي أو العالم ينبغي أن يتفطن لأحوالهم، ويراقب أمورهم، ويتعاهدهم بالعناية والرعاية، وحسن التدبير، وخاصة مراعاة ما جبلوا عليه من القوة والغريزة التي قد يحصل بسببها الضرر عليهم في دينهم أو دنياهم، فيحصل الإعفاف، ويحصل بالإعفاف تحصيل مقصد من أعظم مقاصد الشرع؛ ولذلك أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجعوا إلى أهليهم.

كما أن فيه بيان الواجب المنوط بالقادرين، وخاصة من الشباب في التعليم، ونشر الدعوة، كما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك: ( فارجعوا إلى أهليكم، فعلموهم ومروهم، وصلوا كما رأيتموني أصلي )، وأن من تعلم شيئاً ينبغي أن يعلمه للناس قولاً وفعلاً.

فقوله: ( مروهم ) هذا بالقول، ( وعلموهم ) بالقول والفعل، ( وصلوا كما رأيتموني أصلي ) هذا قول أو فعل؟

هذا فعل، يصلون لأنفسهم وللناس أيضاً، يعلمونهم كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي.

وقد سبق أن سرد المصنف أو ذكر جزءاً آخر من هذا الحديث، تذكرون في أي باب؟ حديث مالك بن الحويرث سبق أن مر معنا أكثر من مرة، لكن أشهر وأوضح موضع في الأذان؛ لأن قوله: ( فليؤذن لكم أحدكم )، وقد سرد المصنف أن هناك منه جزءاً المتعلق بالأذان، وقال: أخرجه السبعة، والغريب أنه هنا رحمه الله اقتصر على عزو الحديث للبخاري .

وعلى كل حال: الحديث رواه البخاري في صحيحه في تسعة مواضع:

منها: في كتاب الأذان، باب إذا استووا في القراءة فليؤمهم أكبرهم.

وهنا أيضاً في كتاب الأذان، باب المكث بين السجدتين، وأول موضع خرج البخاري فيه هذا الحديث هو أيضاً في كتاب الأذان باب من قال: ليؤذن في السفر مؤذن واحد.

وقد رواه مسلم أيضاً في صحيحه، في كتاب المساجد، باب الأحق بالإمامة، ورواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد ؛ ولهذا قال المصنف كما سبق في باب الأذان، قال: أخرجه السبعة، وأيضاً رواه غير هؤلاء كثير.

فالحديث من الأحاديث المشهورة المتداولة، ويشبهه في هذا حديث المسيء صلاته، فإنه يذكر بمناسبات كثيرة، وقلَّ أحد من أهل العلم إلا ذكره واستشهد به أو خرجه.

وعلى سبيل المثال: فممن خرج الحديث أيضاً البخاري نفسه في كتاب الأدب المفرد، والبيهقي في السنن، والطبراني في معجمه الكبير، والدارقطني، وابن خزيمة، وابن حبان، وأبو عوانة في مستخرجه، والحاكم، والدارمي، والشافعي، والطحاوي، والبغوي، وابن أبي شيبة .. وغيرهم.

وكل هؤلاء رووا الحديث عن أبي قلابة، عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه، قال: ( أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده نحواً من عشرين ليلة )، وفي رواية: ( فأقمنا عنده عشرين ليلة، فظن أنا قد اشتقنا إلى أهلنا )، وفي رواية: ( فظن أنا قد اشتهينا أهلنا، وسألنا عمن تركنا؟ فأخبرناه، فقال صلى الله عليه وسلم وكان رقيقاً رحيماً -وفي رواية: رفيقاً بالفاء- فقال: ارجعوا إلى أهلكم فعلموهم ومروهم، وصلوا )، وفي رواية: ( وصلوا كما رأيتموني أصلي )، وهي المقصودة بحديث الباب ( فإذا حضرت الصلاة، فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم )، وهذا أحد المواضع، التي ذكر المصنف فيها هذا الحديث، وإلا فقد سبق أنه ذكره مرتين، مع أن الحديث جدير أيضاً أن يعاد في باب قادم، وهو: باب الإمامة من كتاب الصلاة؛ لقوله: ( وليؤمكم أكبركم )، ولكن المصنف لم يذكره في باب الإمامة، اكتفاء بذكره هاهنا، وذكر الشاهد منه؛ فلذلك لم يعد رحمه الله تعالى ذكره.

قوله هنا: ( صلوا كما رأيتموني أصلي )، هذا ذكرت أنه ليس في جميع الروايات، ولكنه في بعض الروايات، أما في بعضها الآخر، كما في الصحيح نفسه أيضاً فيما روى، قال: ( علموهم ومروهم وصلوا ) ولم يقل: ( كما رأيتموني أصلي )، لكنها ثابتة أيضاً في روايات أخرى.

صحابي الحديث هو مالك، قدوم مالك بن الحويرث رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم كان مع قومه، كما ذكر في روايات، وقال هاهنا: ( ونحن شببة متقاربون )، فكان قدم مع قومه، وقومه هم بنو ليث بن بكر، وكان قدومهم على النبي صلى الله عليه وسلم، كما ذكر ابن سعد في الطبقات بأسانيد عدة: أنهم قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم وكان يتجهز لغزوة تبوك، وغزوة تبوك متى كانت؟

في رجب سنة تسع، فقدم على النبي صلى الله عليه وسلم في السنة التاسعة.