شرح العقيدة الطحاوية [88]


الحلقة مفرغة

نحمد الله أن جعلنا مسلمين، وجعلنا متحابين في ذات الله، نحب أهل الخير متقدِّمهم ومتأخرهم، ونعترف لهم بالفضل، ونعترف لهم بالسبق إلى الخير، ونمتثل قول الله تعالى: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلَّاً [الحشر:10] أي: حقداً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10].

ولا شك أن هذا وصف المؤمنين في كل زمان، فهم يعترفون لمن سبقهم من أهل الإيمان بالفضل والخير، ولا شك أن أفضل مَن سبق وأول مَن سبق هم أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم، فنحبهم من كل قلوبنا، وهذا وصف أهل السنة، يقول شيخ الإسلام في عقيدته:

حب الصحابة كلهم لي مذهب ومودة القربى بها أتوسلُ

ولكلهم فضل وقدر ساطع لكنَّما الصديق منهم أفضلُ

نحبهم لأنهم السابقون إلى الخيرات، ونحبهم لأنهم حفظوا على الأمة دينها وشريعتها، ونحبهم لفضلهم وشرفهم، ونحبهم لقرابة أكثرهم -سيما الخلفاء الراشدون- من النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت في الحديث أن العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم ذكر له أن بعض قريش يجفو بني هاشم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده! لا يؤمنون حتى يحبوكم لله ولقرابتي)، فجعل المحبة لله مقدمةً ثم المحبة لقرابته أي: قربهم منه كعمه وبني عمه ونحوهم.

ومعلوم أننا ما أحببناهم لمجرد القرابة، فقد كان هناك من هو أقرب منهم كـ أبي لهب وأبي طالب وغيرهما ممن ماتوا على الكفر، ومع ذلك نمقتهم ونبرأ من أعمالهم، هذه هي عقيدتنا، أما من آمن به ولو كان بعيداً من نسبه، وصدَّقه واتبعه؛ فإنه محبوب إلى كل مسلم تقي من أهل السنة والجماعة.

ومحبتنا للصحابة لا تصل إلى الغلو كعادة الذين يغلون في بعض الصالحين، فالرافضة أوصلهم الحب لآل البيت إلى الغلو بحيث اعتقدوا في أئمتهم الاثني عشر نوعاً من الألوهية، وأعطوهم شيئاً من التصرف في الكون، وصاروا يطلبون منهم ما لا يقدر عليه إلَّا الله، ويصفونهم بأوصاف لا يستحقها إلَّا الله.

أما أهل السنة فأحبوا الصحابة، وأحبوا قبلهم نبيهم صلى الله عليه وسلم، ولم يغلوا في أحد منهم، ولم يعطوه شيئاً من حق الله، بل اعتقدوا أنهم بشر، وأنهم مخلوقون، وأن فضلهم إنما هو بالأعمال الصالحة، وأن محبتهم إنما تحمل على اتباعهم، وعلى العمل بمثل أعمالهم، وهكذا محبة كل مؤمن، فإذا أحببنا الأئمة ودعاة الخير ومشايخنا وعلماء الأمة فهذه المحبة تحمل المحب على أن يقتدي بالمحبوب، وعلى أن يحرص على أن يفعل كأفعاله، وبذلك يكون صادق المحبة، فأما أن تحمله محبته على أن يعطيه شيئاً من حق الله، فإن هذا غلو وإطراء داخل في فعل النصارى، وهو منهي عنه، قال صلى الله عليه وسلم: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله) وصفة العبودية للنبي صلى الله عليه وسلم صفة شرف، وكذلك صفة العبودية للصحابة صفة فضل وشرف، وكذا صفة العبودية لنا صفة شرف، فأنت تفرح إذا نُسِبت إلى أنك عبدٌ لله، وكذا أنبياء الله، قال تعالى: لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ [النساء:172] لا يستنكفون أي: لا يأنفون ولا يتكبرون عن العبودية، فكذا الصحابة لا يتكبرون عن العبودية، وكذا أقارب النبي صلى الله عليه وسلم لا يتكبرون عن العبودية، بل يفتخرون بها، وهذا هو الواجب في اعتقادنا نحوهم.

وقد مر بنا في هذه العقيدة قول أهل السنة في الصحابة وفي الخلفاء، وأن أفضلهم: الخلفاء الأربعة، وأفضل الصحابة: أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم علي ، وأنهم هم الخلفاء الراشدون، وتكلم العلماء في خلافتهم فقالوا: إن الخليفة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر ، ثم بعده عمر ، ثم عثمان ، ثم علي، ومن طعن في خلافة واحد من هؤلاء فهو أضل من حمار أهله كما قال ذلك شيخ الإسلام في العقيدة الواسطية.

وكذلك تكلموا في فضلهم، فاتفقوا على فضل الشيخين أبي بكر وعمر ، واختلفوا في عثمان وعلي أيهما أفضل؟

فقدم قوم عثمان وربعوا بـ علي ، أي: جعلوه هو الرابع في الفضل، وقدم قوم علياً ، وقوم توقفوا، هكذا ذكر شيخ الإسلام في الواسطية، وذكر أن مسألة التقديم بين عثمان وعلي ليست من المسائل التي يُضَلَّل مَن خالف فيها، وإنما التي يُضَلَِّل فيها مسألة الخلافة، فهناك فرق بين مسألة الخلافة ومسألة الفضل، فقد اتفق أهل السنة على أنهم مرتبون في الخلافة، واتفقوا على أن ترتيبهم في الفضل أن يقدم أبو بكر ثم عمر ، واختلفوا هل علي يلي عمر في الفضل ثم عثمان بعده أو بالعكس؟

وأكثر العلماء على أن ترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة، وهذا هو الذي نعتقده؛ وذلك لأنهم لا يتفقون على خطأ، وقد اتفقوا على تقديم عثمان في الخلافة، فدل ذلك على أهليته وأفضليته.

اتباع الخلفاء الراشدين

قال الشارح رحمنا الله تعالى وإياه: [(وهم الخلفاء الراشدون والأئمة المهديون)

تقدم الحديث الثابت في السنن وصححه الترمذي عن العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله! كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا؟ فقال: (أوصيكم بالسمع والطاعة، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعَضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة) وترتيب الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين في الفضل كترتيبهم في الخلافة، ولـ أبي بكر وعمر رضي الله عنهما من المزية أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا باتباع سنة الخلفاء الراشدين، ولم يأمرنا بالاقتداء في الأفعال إلا بـ أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فقال: (اقتدوا باللذَين من بعدي: أبي بكر وعمر )، وفرق بين اتباع سنتهم والاقتداء بهم، فحال أبي بكر وعمر فوق حال عثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين، وقد روي عن أبي حنيفة تقديم علي على عثمان ، ولكن ظاهر مذهبه تقديم عثمان على علي ، وعلى هذا عامة أهل السنة، وتقدم قول عبد الرحمن بن عوف لـ علي رضي الله عنهما: إني قد نظرت في أمر الناس فلم أرهم يعدلون بـ عثمان . وقال أيوب السختياني : من لم يقدم عثمان على علي فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار. وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي: أفضل أمة النبي صلى الله عليه وسلم بعده: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان].

قد ذكرنا أن هؤلاء هم الخلفاء الراشدون، سماهم بذلك النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم خَلَفوه، وواحدهم خليفة، والخليفة هو الذي يخلف مَن بعده بخير، وقد سمى الله آدم خليفة بقوله: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً [البقرة:30]؛ لأنه -كما قيل- خلفٌ عمن قبله، فكل من تولى أمراً هاماً وناب عمن قبله فهو خلف عنه، فـ أبو بكر اتفقوا على تسميته خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانوا ينادونه بذلك، ولما تولى عمر دعوه بقولهم: يا خليفة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأى أن هذا شيء يطول فقال: أنتم المؤمنون وأنا أميركم، فاتفقوا على تسميته أمير المؤمنين ؛ ولكنه في الحقيقة خليفة ، فهو أول من سمي بأمير المؤمنين .

هؤلاء الأربعة سماهم النبي صلى الله عليه وسلم بالراشدين، وهذا دليل على أنهم على رُشْد، والرُّشْد ضد الغَي قال تعالى: قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ [البقرة:256] والرشد هو الصلاح والخير، والغي هو الغواية والضلال، فهم راشدون على رشد، نشهد لهم بذلك كما شهد لهم نبيهم صلى الله عليه وسلم.

ومن فضلهم أنه أمر باتباعهم في قوله: (عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين) أي: اتبعوها، إذا قيل: عليكم بكذا فالمعنى: خذوه، وسنتهم يعني: أعمالهم وطريقتهم التي ساروا عليها، هذه هي سنتهم، ونحن نعرف أنهم لم يبتدعوا سنة من قبل أنفسهم، بل يحرصون كل الحرص على أن يسيروا على سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولكن نسبت إليهم لأنهم أظهروها، فقيل: هذا سنة أبي بكر ، يعني: الذي رواه وأظهره، ولو لم ينسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ وذلك لأنهم لطول صحبتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم قد حفظوا منه ما لم يحفظ غيرهم، وقد عرفوا من شريعته ما لم يعرف غيرهم، فلا جرم كانت سنتهم هي سنته صلى الله عليه وسلم.

وسمعنا أنه صلى الله عليه وسلم أمر بالاقتداء بـ أبي بكر وعمر فقال: (اقتدوا باللذَين مِن بعدي: أبي بكر وعمر ) ويؤخذ من هذا صحة خلافتهما، وأنهما اللذان بعده، وقدم أبا بكر في الذكر، فدل على أنه الذي يليه، والاقتداء هو التقيد بقوله وبفعله، (اقتدوا بهما) يعني: تقبلوا ما جاءا به، وتقبلوا أعمالهما وأقوالهما وطبقوها واعتبروها من الشريعة، وهذا يُرَد به على مَن رد أقوال الصحابة سيما الخلفاء الراشدين، وقد كان كثير من الأئمة كالإمام أحمد بن حنبل رحمه الله يقدم قول الصحابة على اجتهاد مَن بعدهم، وكذلك إذا وقع بينهم اختلاف قدم قول الخلفاء الراشدين، وإذا وقع خلاف بين الخلفاء الراشدين قدم قول أبي بكر وعمر ، ولا شك أن هذا دليل على معرفته بأنهم أهل للاتباع والاقتداء.

ونأخذ من هذا أنه صلى الله عليه وسلم نص على خلافة هؤلاء وأنهم هم الخلفاء الراشدون، أما ترتيبهم في الخلافة فالخليفة الأول هو: أبو بكر يقول الكلوذاني:

قالوا فمَن بعدَ النبي خليفةً قلت الموحد قبل كل موحد

قالوا فمَن ثاني أبي بكر رضاً قلت الخلافة في الإمام الزاهد

قالوا فثالثهم فقلت مجاوباً: مَن بايع المختارُ عنه باليد

قالوا فرابعهم فقلت مجاوباً: مَن حاز دونهمُ أخوة أحمد

فهؤلاء هم الخلفاء، وهكذا ترتيبهم.

ترتيب الصحابة في الفضل

قال ابن عمر : كانوا يقولون في حياة النبي صلى الله عليه وسلم: (أفضل الأمة بعد نبيها: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ، فيبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكره)، وفي بعض الروايات: (كنا نقول والنبي صلى الله عليه وسلم حي: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ) يعني: أفضلهم وأقدمهم وأشرفهم وأولاهم هؤلاء، هذا هو القول الصحيح؛ أن ترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة، ورُوي عن أبي حنيفة أنه كان يقدم علياً على عثمان ؛ ولكن الصحيح عند أصحابه أنه يقدم -مثل جمهور الأمة- عثمان ، وسمعنا الأثر الذي يقول: (من قدم علياً على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار ) يعني: تنقَّصهم وعابهم وثلبهم، وحطَّ من شأنهم، حيث إنهم اجتمعوا على تقديم عثمان خليفةً.

وسمعنا أيضاً أن عبد الرحمن بن عوف لما أخذ البيعة لـ عثمان قال لـ علي : إني نظرتُ في أمر الناس فلم أرهم يعدلون بـ عثمان أحداً.

وهذا يدل على أن الصحابة في ذلك الوقت يعرفون قدر عثمان ويفضلونه.

وقد ذكرنا فيما سبق متى حدث التشيُّع، وأنه أكثر ما حدث في العراق، ولا شك أن أكثر من يذكر فضائل علي أهل العراق، ولكثرة ما يروى عنه من أحاديث وآثار في العراق فمَن يسمعها يعتقد فضله على عثمان ، فلعل أبا حنيفة بسبب كثرة سماعه من يطري علياً ، ويزيد من قدره، ويصفه بما ليس فيه، قال: إنه أفضل من عثمان ، وإن كان القول الصحيح عن أبي حنيفة أنه يفضل عثمان كسائر أئمة السنة.

وقد ذكر ابن كثير في التاريخ في ترجمة سفيان الثوري -وهو من أهل العراق- أنه كان يميل إلى تفضيل علي على عثمان ، ولعل ذلك لم يثبت عنه، وإذا رُوِي عنه شيء من ذلك فلعله كان يكثر من ذكر فضائل علي -لكونها منتشرة- في العراق، وكان أهل العراق في زمن الثوري قد ظهر فيهم شيء من الغلو ومحبة علي ، وصاروا يبالغون في ذكر ما ينقلون عنه، ويتناقلون أحاديث قد يكون بعضها مكذوباً، ويكثرون في مجالسهم من ذكرها، فلعلها التي أثرت في أبي حنيفة وسفيان الثوري ، وإلَّا فهما إمامان من أئمة أهل السنة.

العشرة المبشرون بالجنة

قال الشارح رحمه الله: [(وأن العشرة الذين سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبشرهم بالجنة نشهد لهم بالجنة على ما شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله الحق وهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح وهو أمين هذه الأمة رضي الله عنهم أجمعين).

تقدم ذكر بعض فضائل الخلفاء الأربعة، ومن فضائل الستة الباقين من العشرة رضي الله عنهم أجمعين: ما رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها: أَرِق رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقال: (ليت رجلاً صالحاً من أصحابي يحرسني الليلة. قالت: وسمعنا صوت السلاح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من هذا؟ فقال سعد بن أبي وقاص : يا رسول الله! جئت أحرسك. وفي لفظ آخر: وقع في نفسي خوف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت أحرسه، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نام).

وفي الصحيحين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع لـ سعد بن أبي وقاص أبويه يوم أحد فقال: (ارمِ فداك أبي وأمي).

وفي صحيح مسلم عن قيس بن أبي حازم قال: (رأيت يد طلحة التي وَقَى بها النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد قد شلت)!

وفيه أيضاً عن أبي عثمان النهدي قال: (لم يبقَ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض تلك الأيام التي قاتل فيها النبي صلى الله عليه وسلم غير طلحة وسعد ).

وفي الصحيحين واللفظ لـ مسلم عن جابر بن عبد الله قال: ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس يوم الخندق، فانتدب الزبير، ثم ندبهم فانتدب الزبير ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لكل نبي حواري، وحواريي الزبير ).

وفيهما أيضاً عن الزبير رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من يأتي بني قريظة فيأتيني بخبرهم؟ فانطلقت فلما رجعت جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه فقال: فداك أبي وأمي).

وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لكل أمة أميناً وإن أميننا -أيتها الأمة-: أبو عبيدة بن الجراح).

وفي الصحيحين عن حذيفة بن اليمان قال: جاء أهل نجران إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله ابعث إلينا رجلاً أميناً. فقال: (لأبعثن إليكم رجلاً أميناً حق أمين. قال: فاستشرف لها الناس. قال: فبعث أبا عبيدة بن الجراح ).

وعن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال: أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أني سمعته يقول: (عشرة في الجنة: النبي في الجنة، وأبو بكر في الجنة، وطلحة في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وسعد بن مالك في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، ولو شئتُ لسميت العاشر. قال: فقالوا: مَن هو؟ قال: سعيد بن زيد . وقال لَمَشْهد رجل منهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يغبر منه وجهه خير من عمل أحدكم ولو عُمِّر عمر نوح) رواه أبو داوُد وابن ماجة والترمذي وصححه، ورواه الترمذي عن عبد الرحمن بن عوف .

وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعلي في الجنة، وعثمان في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير بن العوام في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة) رواه الإمام أحمد في مسنده، ورواه أبو بكر بن أبي خيثمة وقدم فيه عثمان على علي رضي الله عنهما.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير ، فتحركت الصخرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اهدأ! فما عليك إلا نبي أو صدِّيق أو شهيد) رواه مسلم والترمذي وغيرهما، ورُوِي من طرق ..]

هؤلاء الستة الباقون من العشرة، وأفضل الصحابة بعد الخلفاء الأربعة هم الستة الباقون من العشرة، وقد جمعهم ابن أبي داوُد في عقيدته في بيت واحد فقال:

سعيد وسعد وابن عوف وطلحة وعامر فهر والزبير المُمَدَّح

فضل سعيد بن زيد

العشرة المبشرون بالجنة كلهم من قريش، فـ سعيد بن زيد هو ابن عمرو بن نفيل ، وأبوه زيد كان ممن وحد الله تعالى في الجاهلية، وترك عبادة الأصنام، وترك الأكل مما أُهلَّ به لغير الله، وشهد له النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يُبعث يوم القيامة أمةً وحده، وهو ابن عم عمر بن الخطاب بن نفيل، وقد شهد النبي عليه الصلاة والسلام لـ سعيد بأنه من أهل الجنة، فهو من هؤلاء العشرة.

فضل عبد الرحمن بن عوف

عبد الرحمن بن عوف من بني زهرة، وهم أخوال النبي صلى الله عليه وسلم، فإن أمه صلى الله عليه وسلم من بني زهرة، وعبد الرحمن أسلم قديماً بدعوة أبي بكر ، فإن أبا بكر كان على صلة بكثير ممن أسلم، فكلمهم وبين لهم الآيات والمعجزات التي أتى بها النبي صلى الله عليه وسلم، فبادروا إلى الإسلام، وكان اسمه عبد عمرو ثم لما أسلم سمى نفسه: عبد الرحمن ، فكان بعض قريش يدعونه: يا عبد عمرو فلا يجيبهم، فإذا دُعي بـ عبد الرحمن أجاب مَن دعاه.

وقد تقدم أنه من الذين جعلهم عمر من أهل الشورى، وأخبر بأن النبي صلى الله عليه وسلم مات وهو عنهم راضٍ، وهم عثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن ، فهؤلاء الستة جعل عمر الأمرَ شورى فيهم، وهو من الذين بشرهم النبي عليه الصلاة والسلام بالجنة في هذه الأحاديث التي عدَّ فيها عشرة بأنهم من أهل الجنة.

ومن فضله: أنه من ضمن الذين كانوا على جبل أحد لما ارتجف وتحرك، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اسكن! فما عليك إلا نبي أو صدِّيق أو شهيد) فهو من الشهداء، والشهيد ليس خاصاً بمن قتل في سبيل الله، فقد قال الله تعالى: فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ