شرح العقيدة الطحاوية [40]


الحلقة مفرغة

قال الشارح رحمه الله: [قوله: (ونرجو للمحسنين من المؤمنين أن يعفو عنهم، ويدخلهم الجنة برحمته، ولا نأمن عليهم، ولا نشهد لهم بالجنة، ونستغفر لمسيئهم، ونخاف عليهم، ولا نقنطهم).

وعلى المؤمن أن يعتقد هذا الذي قاله الشيخ رحمه الله في حق نفسه وفي حق غيره، قال تعالى: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمْ الْوَسِيلَة أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً [الإسراء:57]، وقال تعالى: فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:175]، وقال تعالى: وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ [البقرة:41]، وقال تعالى: وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ [البقرة:40]، وقال تعالى: فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي [البقرة:150] ومدح أهل الخوف فقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَة رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ [المؤمنون:57-61].

وفي المسند والترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت (قلت: يا رسول الله! وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ [المؤمنون:60] أهو الذي يزني ويشرب الخمر ويسرق؟ قال: لا يا ابنة الصديق ، ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف ألا يقبل منه) ، قال الحسن رضي الله عنه: عملوا -والله- بالطاعات، واجتهدوا فيها، وخافوا أن ترد عليهم، إن المؤمن جمع إحساناً وخشية، والمنافق جمع إساءة وأمناً. انتهى.

وقد قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَة اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:218] فتأمل كيف جعل رجاءهم مع إتيانهم بهذه الطاعات! فالرجاء إنما يكون مع الإتيان بالأسباب التي اقتضتها حكمة الله تعالى].

عقيدة أهل البدع في الخوف والرجاء

الرجاء: هو تعلق القلب برحمة الله. والخوف: وجل القلب من عذاب الله.

وهنا طائفتان منحرفتان: طائفة المرجئة غلبوا جانب الرجاء، وقالوا: لا تضر الذنوب، ومهما كثرت المعاصي فإنها لا تضر، ما دام أن الإنسان مؤمن، لا يضر عندهم ذنب.

والطائفة الثانية غلبوا جانب الخوف، ويسمون: الوعيدية: وهم الخورج والمعتزلة الذين يخلدون أصحاب الكبائر في النار، ولا يجعلون لهم توبة، ويقولون: إنهم قد لا يوفقون للتوبة، وأنهم لا يخرجون من النار، فهؤلاء غلبوا جانب الخوف.

عقيدة أهل السنة في الخوف والرجاء

أهل السنة يأمرون بالجمع بين الخوف والرجاء، أي: أن على الإنسان أن يكون جامعاً بين الخوف والرجاء، فمن العلماء من يقول: عليك أن تسوي بينهما، وقرأت لبعضهم، أنه مثل المحبة والخوف والرجاء بطائرٍ، فقال: المحبة رأس الطائر، والخوف والرجاء جناحاه، فإذا قطع رأسه مات، وإذا قطع أحد جناحيه تحسر، وإذا كمل الجناحان والرأس تم الطيران، فهكذا تكون المحبة حاملة للإنسان على العبادات، الجناح الأول الذي هو الرجاء يحمله على البعد عن اليأس وعن القنوط، ويعلق قلبه برحمة ربه.

والجناح الثاني الذي هو الخوف يحمله على البعد عن الآثام، مبعداً له عن المعاصي وعن الذنوب وعن الإصرار عليها.

فإذا تذكر سعة رحمة الله ومغفرته وفضله وجوده وإحسانه، ومحبته للتائبين من عباده، ومغفرته للذنوب جميعاً برد قلبه، ورجا رحمة ربه.

وإذا قرأ الآيات التي فيها الخوف والعقاب والألم والغضب والنار وشديد البطش ونحو ذلك فزع من المعاصي وابتعد عنها، وتاب وأقلع، وحذر من عقوبتها، فهو دائماً يقرأ هذه وهذه، ولعل هذا هو السبب في أن الله يقرن بين الخوف والرجاء في كثير من الآيات، مثل قول الله تعالى: نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ [الحجر:49-50] فالآية الأولى فيها الرحمة، حتى لا يغلب على العاصي اليأس، والآية الثانية فيها الخوف؛ حتى لا يغلب على قاسي القلب ونحوه التساهل بالمعاصي ونحوها، فخوفه يحمله على البعد عن السيئات، ورجاؤه يحمله على الإكثار من التوبة رجاء أن تقبل حسناته وأن تغفر سيئاته.

ومثله: قول الله تعالى: وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ [الرعد:6] قوله: لذو مغفرة للناس على ظلمهم هذه في الرحمة، فلا تيئس من الرحمة ولا تقنط منها، وقوله: لشديد العقاب في عدم التساهل بالمعصية؛ فإن الله شديد العقاب.

ومثلها: الآية التي استشهد بها عمر رضي الله عنه لما بلغه أن قدامة بن مظعون قد يئس، وانقطع رجاؤه، وظن أنه ليس له توبة، فكتب إليه الآية التي في أول سورة غافر: غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ [غافر:3] جمع الله بين الأمرين: المغفرة، والعقاب. فقال له عمر : (لا أدري أي ذنبيك أعظم: شربك للخمر أولاً، أو يأسك من روح الله) الله تعالى يقول: إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ [يوسف:87] فأنت إذا يئست فقد بلغت هذه الرتبة، فالإنسان بين هاتين المرتبتين: بين اليأس، وبين الأمن، فلا يكون آيساً ولا يكون آمناً، الآمن: هو أن يكثر من الذنوب وكأنه آمن، والله تعالى يقول: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:99].

إذاً: المسلم يكون جامعاً بين الأمرين: بين الخوف، بحيث لا يعصي، وبين الأمن بحيث لا ييئس، الأمن الذي لا يوصله إلى التهاون بالمعاصي، يكون آمناً، ولكن ليس أمناً من مكر الله، ولكن آمنا بفضل الله، ويكون راجياً لرحمة الله.

الذين يقعون في كبائر ومعاص من زنا ومن سرقة ومن قتل ومن فواحش، كثير منهم إذا نصحته يقول: أنا قد عملت كذا وكذا، وقد شربت الخمور، وقد تركت الصلوات مدة طويلة، وقد قسا قلبي، وقد فعلت وفعلت... أنا لا تقبل توبتي، ولا تعمني الرحمة، أنا مقدم على العذاب، أنا من أهل النار كائن ما كان.

فهذا من الذين قال الله فيهم: وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ [الحجر:56] هذا هو القنوط، وهو قطع الرجاء، كأنه يقول: ما دمت فعلت الذنوب والكبائر فلا تعمني الرحمة، ولا يصلني العفو، ولا تبلغني رحمة الله، أنا مقدم على النار، أنا آيس من الرحمة ونحو ذلك، يقوله بلسانه والله أعلم بما في قلبه، ولعل السبب: أنه ألف المعاصي، وشب ونشأ عليها، وصعب عليه تركها، فلأجل ذلك اعتذر بهذا العذر الذي هو أفسد من الفعل.

فهؤلاء لا شك أنهم قد وصلوا إلى هذه الرتبة الخطرة، وهي اليأس والقنوط، أو التساهل بالمعاصي، حتى اعتقدوا أنهم مقدمون على النار، جازمون بأنهم من أهل النار.

وهناك طائفة أخرى تجدهم يكثرون من المعاصي، ويكبون عليها، وإذا نصحتهم تعلقوا بالرحمة، وقالوا: رحمة الله واسعة، الله يغفر الذنوب جميعاً، الله وسعت رحمته كل شيء، الله غفور رحيم، ويتعلقون بالرحمة، فهؤلاء آمنون، دخلوا في قول الله: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:99] فتجد أحدهم يترك العبادات، ويقترف المحرمات، ويكثر من السيئات، ولا يهاب الإقدام عليها، ويتعلق بالرحمة، فمثل هذا على طريقة المرجئة، الذين يقولون: لا يضر مع الإيمان ذنب، ويقول أحدهم:

فكثر ما استطعت من الخطايا إذا كان القدوم على كريم

لا شك أن مثل هذا قد أمن مكر الله، وتهاون بعقوبة الله، ونقول له: لا تأمن أن يأتيك الأجل وأنت على هذا التفريط، وأنت متساهل بحدود الله وبحقوقه، لا تأمن أن هذه المعاصي تطمس قلبك وتقسيه وتحول بينه وبين المعرفة، وتحول بينه وبين التلذذ بالطاعة؛ فتبقى طريداً شريداً والعياذ بالله! إذا أتاك الأجل وأنت على هذه الذنوب مصر عليها فماذا تكون حيلتك؟ هل لك استطاعة في الصبر على النار؟ هل تصبر على عذاب الله ولو لحظة؟ حتى نار الدنيا لو عذبت بها ماذا يكون صبرك في نار الدنيا؟ فكيف بنار الآخرة؟! تذكر أنه قد يعذبك حيث استهنت بحقوقه وبحدوده، وأقدمت على هذه المعاصي، وتهاونت بنظر الله عز وجل، وتهاونت بعقابه، فلا تأمن أن يعاقبك على هذا، ولو كنت موحداً ولو كنت مؤمناً ونحو ذلك، لا تتهاون بحدود الله ولا بعقابه.

وعلى كل حال: فقد ظهر لنا ذم هاتين الطريقتين:-

طريقة المرجئة: الذين يبيحون المعاصي ويكثرون منها ويحلونها، ويغلبون جانب الرجاء.

وطريقة الخوارج والمعتزلة: الذين يكفرون بالذنوب، ويحرمون العاصي من المغفرة في الآخرة، ونحو ذلك.

الطريقة الوسط بينهما: هي أن يكون المسلم خائفاً راجياً، كما جمع الله بينهما في هذه الآية التي في سورة الإسراء، وهي قوله تعالى: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ [الإسراء:57] (يرجون) (يخافون) فجمعوا بين رجاء الرحمة حتى تبرد قلوبهم عن اليأس، وخوف العذاب حتى لا يأمنوا من مكر الله، حتى يحملهم الرجاء على إحسان الظن بالله، ويحملهم الخوف على الحذر من سخط الله، وعن البعد عن معاصيه من صغائر وكبائر، ويحملهم على الأعمال الصالحة التي تقربهم إلى الله، هذا وجه الجمع بين الخوف والرجاء.

عقيدة المسلم في الخوف والرجاء في حق نفسه وغيره

من عقيدة المسلمين الخوف والرجاء؛ الخوف من عذاب الله، والرجاء برحمة الله، ونتيجة هذا أن الإنسان لا يأمن من عذاب الله ومن مكره، ولا ييئس من روح الله ولا يقنط من رحمته، بل يجمع بينهما، ويكون ذلك في نفسه وكذلك في غيره، ففي نفسه يخاف، يقول: إنني مذنب، وإنني مقصر، وأخاف على نفسي من عذاب الله، وأخاف من مقته، ولكن لا يحمله هذا الخوف على القنوط، بل يضيف إلى الخوف الرجاء.

وقد ذكر العلماء أنه في حالة الصحة يغلب جانب الخوف؛ حتى يدفعه إلى استقلال أعماله فيستكثر ويتوب، وأما عند الاحتضار وفي حالة المرض فالأولى أن يغلب جانب الرجاء، ورد في حديث: (لا يموت أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه) رجاء أنه إذا مات وهو على تلك الحال أن يتغشاه الله برحمته، ويصدق عليه الحديث: (أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء) ، فإذا مات وهو على ذلك رجي له أن يعمه الله تعالى برحمته.

هذا بالنسبة إلى الإنسان في نفسه، يكون خائفاً راجياً، يحمله الخوف على أن يحتقر أعماله، ويحمله الرجاء على أن يعلق قلبه بربه، وعلى ألا ينقطع رجاؤه، ولا يقنط من رحمته.

كذلك في حق غيره، تخاف عليه وترجو له، فتقول: فلان توفي وهو على الإسلام، نخاف عليه من العذاب، ونرجو له الثواب، أو نرجو للمحسنين، ونخاف على المسيئين.

فالمحسنون الذين يظهر من أعمالهم الصالحة أنهم من أهل الخير، ترجو لهم الثواب، وترجو لهم الجنة، وترجو لهم المغفرة، وتأمل أن يكونوا من أهل الخير، وأن يكونوا من أهل الطواعية، وأن يحظوا بالثواب.

والمسيئون الذين ماتوا وهم على إساءة، أو باقون وهم على إساءتهم وعلى سيئاتهم، تقول: نخشى عليهم أن يقعوا في العذاب، أو أن يدركهم عذاب الله ونقمته.

ذكر ذلك العلماء حتى في كتب الأحكام، في آخر الجنائز من كتب الفقهاء يقولون: نرجو للمحسنين الذين ماتوا وهم من أهل الإيمان والإحسان، نرجو لهم الخير، ولكن لا نجزم بأنهم من أهل الجنة، ولكن نرجو ونغلب جانب الرجاء، ونخاف على المسيئين الذين ماتوا وهو مصرون على بعض السيئات، أو من أهل الإساءة ومن أهل التقصير في الأعمال نخاف عليهم، ولكن لا نجزم لهم بالنار، ولا نجزم لهم بدخول العذاب، وإنما نخشى عليهم.

وأما الذين قد ستروا أنفسهم، ولم يظهر لنا منهم هذا وهذا، ولكنهم في الظاهر مسلمون، ومن أهل السنة ومن أهل الخير، فهؤلاء لا يجوز أن نظن بهم ظناً سيئاً، بل يستحب أن يظن بهم الظن الحسن، يستحب أن يحسن الظن بالمسلم الذي ظاهره الإسلام، ولم يبدُ لنا منه ما يوجب سوء الظن، فنقول: نحسن الظن به، ونرجو له الخير في حياته وبعد مماته.

الجمع بين الخوف والرجاء

المسلم يجمع بين الخوف والرجاء، والأدلة على ذلك كثيرة، ومنها الأدلة التي فيها أن الإنسان دائماً يكون خائفاً راجياً، منها: أن الله كلما ذكر الجنة ذكر النار، كلما ذكر عذابه ذكر ثوابه، مثل قوله: إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ [الانفطار:13-14] آيتان متتابعتان، ذكر النعيم حتى يرجو المسلم، ويدفعه الرجاء على الطلب، ثم ذكر بعده الجحيم حتى يخشى وحتى يخاف، ويدفعه الخوف على الابتعاد عن أسباب دخول الجحيم، وهكذا في الكثير من السور، كلما ذكر الله أهل الجنة ذكر أهل النار، أو بالعكس، مثل قوله: إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا [النبأ:21] ، قال بعد ذلك: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا [النبأ:31] ، ومثل قوله: فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا [النازعات:37-38] قال بعد ذلك: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى [النازعات:40] كثيراً ما يذكر الله تعالى ثواب هؤلاء، وعقاب هؤلاء؛ ليكون المؤمن خائفاً راجياً، سواء في نفسه، أو في بني جنسه.

متعلقات الخوف

الخوف يتعلق بالخوف من بطش الله وعذابه، إذا قيل: خفِ الله، ألا تخاف الله؟ قد تقول: كيف أخافه؟

فيقال: تخاف من أن يغضب، تخاف من أن يعاقب، تخاف من أن يبطش بك، فإنه شديد العقاب لمن عصاه، ولمن خرج عن طاعته.

قد يتعلق الخوف بالعذاب، فيقال: أما تخاف العذاب؟ أما تخاف النار؟ أما تخاف عقاب الله؟

قد يتعلق الخوف بالأهوال، فيقال مثلاً: أما تخاف أهوال القيامة؟ أما تخاف هول المطلع؟ الكل بمعنى واحد، إذا قيل: خف الله، وخف النار، وخف هول المطلع، النتيجة واحدة، وهي: أن من خاف فإنه يهتم لما خاف منه، ويبتعد عنه.

وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً للخوف بالخوف الحسي في الدنيا، في حديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة) وهذا قلنا: إنه مثل حسي، يعني: أن الخوف في الدنيا قد يكون خوفاً حسياً، مثلاً: إنسان سافر وحده على قدميه، وضرب طريقاً بعيداً، وهذا الطريق فيه مخاوف، فيه قطاع طريق، وفيه سباع، وفيه هوام، وهو وحده، وليس معه أسلحة يدفع بها هؤلاء القطاع، فماذا يفعل؟

لا شك أنه في حالة سيره يكون حذراً غاية الحذر، ولا شك أنه يسير في الوقت الذي يهدأ الناس فيه، ويغفلون فيه، يتحين الوقت الذي يكون قطاع الطريق فيه غافلين أو نائمين أو مشتغلين بحاجتهم، أو نحو ذلك، فلذلك قال: (من خاف أدلج -الدلجة: هي السير بالليل- ومن أدلج بلغ المنزل).

في القديم كان الإنسان يقطع المسافات الطويلة على الأرجل وعلى الرواحل في أيام، لكن مع وجود الخوف في الطريق فإنه يسير في الليل خمس ساعات أو عشر ساعات في غفلة الناس، وإذا جاء النهار كمن واختفى حتى يظلم الليل عليه، حتى لا يتعرض له أحد، يمضي عليه يومان أو ثلاثة أيام وإذا هو قد قطع هذه المسافة حتى يبلغ منزله الذي قصده (ومن أدلج بلغ المنزل).

كذلك أيضاً: من خاف من الله تعالى فإنه يهرب من أسباب عذابه، من خاف من النار هرب منها، من خاف من عذاب الله هرب من أسبابه، كما أن من رجا شيئاً طلبه.

علامة الخوف والرجاء

الرجاء الصادق له علامة، وهي: صدق الطلب وصدق المواصلة، فإذا قلت لإنسان: أما ترجو ربك؟ فيقول: أنا أرجوه، ألا ترجو رحمة الله؟ ألا ترجو ثوابه وجنته؟ فيقول: بلى، أنا راجٍ له. لابد أن تقول له: أين علامة الرجاء؟ علامة صدق الرجاء: هو الطلب، من رجا شيئاً طلبه، إذا كنت ترجو الجنة فلابد أن تبذل لها ثمناً، وثمنها هو الحسنات والأعمال الصالحة، فأما من يقول: أنا أرجو ثواب الله وأرجو رحمته وأرجو جنته، ولكنه لا يقدم لها ثمناً، فإنه لا تحصل له هذه الجنة، فهي غالية، ليست رخيصة، ولابد لها من ثمن.

يا سلعة الرحمن لست رخيصة بل أنت غالية على الكسلان

كذلك نقول لمن يقول: إني أخاف النار، نقول له: أما تخاف النار؟ فإن قال: بلى؛ أخاف النار، نقول له: أين علامة الخوف؟ لابد للخوف من علامة، فعلامة ذلك: أن تهرب من أسباب دخولها، وهي السيئات، وتبتعد عنها، فإذا ابتعدت عن السيئات، وتركت المخالفات، ولازمت الطاعات حق الملازمة، يصدق عليك أنك من الخائفين حقاً، فإذا قلت: أنا خائف من العذاب، وأنت مع ذلك تكثر من الذنوب، وتكثر من السيئات، ولا تخاف من عاقبتها، فلست بصادق حينئذٍ.

تذكر -عبد الله!- أن الجنة قد أخرج منها أبونا آدم بذنب واحد، قال بعض السلف: (آدم أخرج من الجنة بذنب واحد، وأنتم تعملون الذنوب وتكثرون منها، وترجون بها دخول الجنة!).

وقال في ذلك بعضهم:

يا ناظراً يرنو بعيني راقد ومشاهد للأمر غير مشاهد

تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي درج الجنان بها وفوز العابد

ونسيت أن الله أخرج آدم منها إلى الدنيا بذنب واحد

لا شك أن الخوف قليل في قلوبنا، وكذلك الرجاء غير محقق في صدورنا، والله المستعان!

حقيقة الرجاء ومتعلقاته

قال المصنف رحمنا الله تعالى وإياه:

[وقد قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَة اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:218]. فتأمل كيف جعل رجاءهم مع إيمانهم بهذه الطاعات، فالرجاء إنما يكون مع الإتيان بالأسباب التي اقتضتها حكمة الله تعالى، وشرعه وقدرته وثوابه وكرامته.

ولو أن رجلاً له أرض يؤمل أن يعود عليه من مغلها ما ينفعه، فأهملها ولم يحرثها ولم يبذرها، ورجا أنه يأتي من مغلها مثل ما يأتي من حرث وزرع وتعاهد الأرض؛ لعده الناس من أسفه السفهاء، وكذا لو رجا وحسن ظنه أن يجيئه ولد من غير جماع أو يصير أعلم أهل زمانه من غير طلب العلم وحرص تام وأمثال ذلك.

فكذلك من حسن ظنه، وقوي رجاؤه في الفوز بالدرجات العلى، والنعيم المقيم من غير طاعة ولا تقرب إلى الله تعالى بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه.

ومما ينبغي أن يعلم أن من رجا شيئاً، استلزم رجاؤه أموراً:

أحدها: محبة ما يرجوه.

الثاني: خوفه من فواته.

الثالث: سعيه في تحصيله بحسب الإمكان.

وأما رجاء لا يقارنه شيء من ذلك، فهو من باب الأماني، والرجاء شيء والأماني شيء آخر.

فكل راج خائف، والسائر على الطريق إذا خاف أسرع السير مخافة الفوات.

وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، فالمشرك لا ترجى له المغفرة؛ لأن الله نفى عنه المغفرة، وما سواه من الذنوب في مشيئة الله، إن شاء الله غفر له وإن شاء عذبه.

وفي معجم الطبراني: (الدواوين عند الله يوم القيامة ثلاثة دواوين: ديوان لا يغفر الله منه شيئاً، وهو الشرك بالله، ثم قرأ: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ، وديوان لا يترك الله منه شيئاً، وهو: مظالم العباد بعضهم بعضاً، وديوان لا يعبأ الله به، وهو: ظلم العبد نفسه بينه وبين ربه).

وقد اختلفت عبارات العلماء في الفرق بين الكبائر والصغائر، وستأتي الإشارة إلى ذلك عند قول الشيخ رحمه الله: (وأهل الكبائر من أمة محمد في النار لا يخلدون), ولكن ثم أمر ينبغي التفطن له، وهو: أن الكبيرة قد يقترن بها من الحياء والخوف والاستعظام لها ما يلحقها بالصغائر، وقد يقترن بالصغيرة من قلة الحياء، وعدم المبالاة، وترك الخوف والاستهانة بها ما يلحقها بالكبائر، وهذا أمر مرجعه إلى ما يقوم بالقلب، وهو قدر زائد على مجرد الفعل، والإنسان يعرف ذلك من نفسه وغيره].

سمعنا أن الرجاء هو محبة الشيء وطلبه، وترك أضداده، أو ترك ما يعوق عنه.

أما متعلق الرجاء، فإنه قد يتعلق بالله تعالى، وقد يتعلق بثوابه، وقد يتعلق ببعض خلقه، فيقال مثلاً: أنت ترجو ربك. ويقال: هذا يرجو رحمة الله. ويقال: هذا يرجو الجنة، رجاء الشيء محبته والأمل في أن يحصل له.

سمعنا أنه لابد لمن رجا أن يعمل، وضرب الشارح لذلك أمثلة، قال: لو كان إنسان له أرض وأهملها، وقال: أنا أرجو أن يكون لها ثمرة، وأن يكون لها بذرة، مثل الذي حرث أرضه أو غرسها أو بنى فيها. فهل يكون هذا محقاً؟ يقول الشارح: لعده الناس سفيهاً، كيف ترجو ثمرتها وقد أهملتها؟! إذا كنت ترجو منها ثمراً، إذا كنت ترجو منها غلة فلابد أن تفعل السبب الذي تحصل منه الغلة، وهو الحرث والسقي والغرس والإصلاح أو البناء والحفر وما أشبه ذلك.

والأمثلة الأخرى أيضاً واضحة، يقول: كيف يرجو الإنسان الولد وهو لم يتزوج؟! أو نقول في الأشياء المحسوسة: كيف يرجو الشبع وهو لم يتناول طعاماً، أو الري وهو لم يشرب شراباً يدفع به الظمأ، أو الرزق وهو لم يطلبه ويفعل أسبابه؟! فهكذا الذي يرجو السعادة لابد أن يفعل أسبابها، والذي يرجو الجنة يبذل ثمنها، والذي يرجو رحمة الله تعالى ويرجو ثوابه يعمل سبباً يحصل به على ما رجاه، هذا ما يتعلق بالرجاء.

أسباب الخوف

مؤلف المتن ذكر الخوف والرجاء، وأن الخوف على من فعل كبيرة، فنخاف على أهل الكبائر، نخاف عليهم إذا ماتوا وهم على كبائرهم، وكذلك يخاف الإنسان من عقاب الله، إذا كان قد فعل ذنباً، وهذا الخوف يحمله على ترك ذلك الذنب، سواء كان كبيراً أو صغيراً، ومعلوم أن الخوف هو الوجل والفزع الذي يحمله على أن يترك هذا الذنب ويتوب منه ويقلع عنه، ولا يعود إليه، فإذا كان كذلك فهو خوف صادق.

والذنوب التي تسبب العذاب وتوجبه كالشرك، أو تسببه ولا توجبه وهي ما دون الشرك، والذي دون الشرك من الذنوب هي إما صغائر وإما كبائر، والإصرار على الصغيرة يصيرها كبيرة؛ وذلك لأن من تهاون بذنب ولو كان صغيراً وأصر واستمر عليه، دل إصراره وتهاونه به على احتقاره للذنوب، ومن احتقر الذنوب أصبحت في نفسه عظيمة، وكونها تصبح عظيمة لا يبقى لها في قلبه قدر، فيتهاون بالذنوب، ويكثر من فعلها، وتتراكم عليه وتهلكه، كما ورد ذلك في الأحاديث.

وأكبر الذنوب وأكبر الكبائر هو الشرك، وهو يوجب دخول النار؛ لأن الله ذكر أنه لا يغفره: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ [النساء:48]، وفي الحديث أن الشرك لا يغفر، فجعل الدواوين ثلاثة: ديوان لا يغفر وهو الشرك، صاحبه لابد أن يدخل النار بقدر شركه إن كان أصغر، أو يخلد فيها إن كان أكبر، وديوان لا يعبأ الله به، وهو ظلم العبد نفسه، تقصيره في حقوق نفسه، هذا يغفره الله ولا يحاسب العبد عليه، وديوان لا يترك الله منه شيئاً، وهو مظالم العباد فيما بينهم، فالقصاص فيها لا محالة، إذا كان الإنسان عنده مظالم للخلق فلابد أن تستوفى هذه المظالم في الدار الآخرة.

والشاهد منه ذكره أكبر الظلم وهو الكفر والشرك، فإن الله سمى الشرك ظلماً حيث قال: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]، وسمى الكفر ظلماً في قوله: وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:254]؛ وذلك لأن الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، فالكافر وضع الإيمان في غير موضعه، والمشرك وضع العبادة في غير موضعها، فأصبح بذلك ظالماً، بل هو أعلى أنواع الظلم.

نحن نخاف على المذنبين، ونرجو للمحسنين، ونخاف من عذاب الله، ونرجو ثوابه، فالمسلم يجمع بين الخوف والرجاء، فمن أسباب الخوف تذكر عظمة الله عز وجل وهيبته وكبريائه، وهو أهل أن يخاف حق الخوف، ومن أسباب الخوف: تذكر العذاب الدنيوي، وما أحل الله بالعصاة، وما وقع بهم من المثلات، وذلك يسبب أن يخاف العباد من عذاب الله العاجل، الذي أنزله بمن كفر به وعصاه وبغى وتكبر.

ومن الأسباب الدافعة له أو الداعية إليه: تذكر عذاب الآخرة، وأن عذاب النار شديد، وأن هول المطلع شديد، وأن عذاب الله في الآخرة أشد وأبقى، وذلك يدفع الإنسان إلى أن يخاف أشد الخوف.

وقد مدح الله الذين يخافونه ويخشونه فقال تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28] يعني: الذين يخشونه حق خشيته هم العارفون به، العالمون بأمره ونهيه، والعالمون بعقوبته وشدة بطشه، وقد أمر الله بأن نخشاه دون غيره في قوله تعالى: فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ [المائدة:44] والخشية: شدة الخوف.

وكذلك أمرنا أن نخافه وألا نخاف غيره، وأخبرنا بأن الشيطان يخوفنا بأعدائنا، يقول الله تعالى: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ [آل عمران:175] الشيطان يخوف بأوليائه، يعني: يعظم أولياءه في نفوس المؤمنين، ويوقع في نفوسهم أن الكفار أهل قوة وأهل نجدة وأهل عدد وأهل معرفة وأهل خبرة، وعندهم.. وعندهم... فاخشوهم وخافوهم، فعند ذلك يضعف خوف الله في قلب العبد، ويعظم خوفه من الإنسان، ولا شك أن هذا هو أعلى مقصد للشيطان؛ فلذلك قال: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ) أي: يخوفكم أولياءه، (فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ).

والأسباب التي تدفع إلى الخوف كثيرة، نكتفي منها بهذه.

أسباب الرجاء

الأسباب التي تدفع إلى الرجاء: كون الإنسان يرجو رحمة الله، ويعلق قلبه بربه، ويثق بأنه سيعينه وينصره، وأنه سينجيه من كيد عدوه، ويثق بأنه سبحانه أهل أن يرحم عبده، وأن يتجاوز عن سيئاته.

والأسباب في ذلك كثيرة، فمنها: تذكر واسع الرحمة؛ لأن من أسماء الله تعالى: الرحمن، الرحيم، وقد وصف نفسه بأنه أرحم الرحمين، ومقتضى هذه الرحمة أن يرحمهم وأن يعلق آمالهم برحمته، ولا ييئسوا من فضله ومن عطائه.

ومن الأسباب التي تدفع العبد إلى أن يرجوه وحده: تذكر أنه سبحانه قد غفر للعباد المذنبين، وكفر عنهم السيئات، ومحا عنهم الزلات، وهو أهل التقوى وأهل المغفرة، وهو واسع الفضل وواسع الرحمة، وقد خلق الرحمة مائة جزء، أنزل منها جزءاً يتراحم بها الخلق فيما بينهم، ويوم القيامة يكمل المائة فيرحم بها عباده، كل جزء منها طباق ما بين السماء والأرض.

كذلك من الأسباب الدافعة للرجاء: أن يتذكر أن الله تعالى يغفر الذنوب لمن استغفره، ويفرح بتوبة التائب، ويحب التوابين، ويحب المتطهرين، ويقبل على عباده إذا أقبلوا إليه، وفي الحديث القدسي: (ومن تقرب إلى شبراً تقربت منه ذراعاً) وذلك كله دليل على أنه واسع الرحمة فيرجوه العباد.

ومن الأسباب التي تدفع العبد إلى الرجاء: تذكره مضاعفة الله للحسنات، فإنه يضاعفها بأضعاف كثيرة، فالحسنة بعشرة أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، والسيئة بمثلها، وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بأن الله كتب على نفسه الرحمة، وأنه كتب كتاباً عنده على العرش: (إن رحمتي تغلب غضبي) .

فهذه بعض الأسباب التي لأجلها يجمع العبد بين الخوف والرجاء، فرجاؤه يكون حاملاً له على تعلق قلبه بربه، وفعل الطاعات التي يستأهل بها لأن ينال واسع الرحمة والثواب، وخوفه يدفعه إلى الهرب عن المحرمات وعن المعاصي؛ حتى ينجو من أسباب العذاب، فإذا جمع بين الخوف والرجاء اعتدل أمره، وأصبح بذلك من المؤمنين، فلا أمن ولا يأس، الأمن: هو فعل المذنبين الذين يصرون على الذنوب ويأمنون، أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:99]، واليأس: هو قطع الرجاء، يَا بَنِيَ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ [يوسف:87] ، بل الأمر بينهما.

قد ذكرنا أنه يستحب في حال الصحة تغليب الخوف؛ حتى يحتقر أعماله فيكثر من الحسنات، وفي حالة المرض يغلب جانب الرجاء؛ حتى يفد ويقدم على ربه وهو يحسن الظن به، وبذلك يعمل الحسنات ويهرب من السيئات).