شرح عمدة الأحكام [18]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله: [عن زيد بن أرقم قال: كنا نتكلم في الصلاة، يكلم الرجل منا صاحبه، وهو إلى جنبه في الصلاة، حتى نزلت: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238]، فأمنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام.

عن عبد الله بن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما عن رسول الله أنه قال: (إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة؛ فإن شدة الحر من فيح جهنم)].

الكلام الخارج عن أذكار الصلاة ومصلحتها يبطلها

حديث زيد دليل على أن الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس؛ وذلك لأن الصلاة عبادة، فكانوا أول ما فرضت الصلاة كأنهم يحتاجون أن يتسامح معهم؛ لكونهم حديثي عهد بالإسلام، فرخص لهم في أن يكلم أحدهم صاحبه في حاجته أو يرد عليه أو نحو ذلك، ثم بعدما عقلوا وبعدما فهموا نهوا عن الكلام في الصلاة، ففي هذا الحديث دليل على النهي.

وهذه الآية في سورة البقرة: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238]، فالقيام لله معناه الوقوف في العبادة، والقنوت: هو دوام الطاعة، ولكن يفهم من القنوت الخشوع، والخشوع يستلزم الإقبال على الصلاة، وأن التكلم في نفس الصلاة فيه شيء من المنافات للقنوت؛ فلأجل ذلك أمروا بالسكوت ونهوا عن الكلام.

والكلام الذي نهوا عنه هو الكلام الذي يكون خارجاً عن الصلاة ولا يتعلق بمصلحتها، ومعلوم أن الصلاة ليس فيها سكوت مطلق، بل الإنسان لا يسكت إلا إذا كان خلف الإمام والإمام يقرأ، فإنه يسكت ويستمع لقراءته، أما في غير ذلك فإنه يقرأ، ففي حالة القيام يقرأ الإمام والمنفرد السورة والفاتحة، وكذلك المأموم في السرية يقرأ، وكذلك في الركوع كل منهم يسبح، يقول: (سبحان ربي العظيم)، أو يثني على الله، وفي السجود يسبح، وفي جلسته بين السجدتين يدعو، وفي التشهد يتشهد، وفي الرفع بعد الركوع يأتي بالثناء على الله تعالى، فليس في الصلاة سكوت بل فيها كلام، ولكنه مناجاة بين العبد وربه.

فالكلام الذي نهوا عنه هو الكلام الذي كان يجهر بعضهم لبعض به، فيأمر أحدهم صاحبه بحاجته، ويكلم خادمه، ويردون السلام بالكلام ونحو ذلك، ثم نهوا عن ذلك وأمروا أن يتركوا الكلام الذي لا صلة له بالصلاة.

العفو عن الكلام في الصلاة لمصلحتها

ثم قد يحتاجون إلى أن يتكلموا لمصلحة الصلاة، كما إذا سها إمامهم ولم يجدوا بداً من أن يفتحوا عليه، ففي هذه الحال لهم أن يكلموه بقدر الحاجة لا أكثر، وذلك إذا لم يفهم فيتكلمون معه بقدر الحاجة، كما تقدم في حديث ذي اليدين: ( أنه صلى الله عليه وسلم لما صلى ركعتين وانصرف واعتقد أن الصلاة قد تمت، فتكلم معه ذو اليدين فقال: أنسيت أم قصرت الصلاة؟ فقال: لم أنس ولم تقصر، فقال: بلى قد نسيت، فقال: أكما يقول ذو اليدين؟ فقالوا: نعم)، كل هذا كلام ليس من جنس الصلاة، ولكنه من مصلحتها، فللمأمومين أن يكلموا إمامهم إذا سها ولم يفهم إلا بإيضاح ذلك.

أما من تكلم ساهياً أو جاهلاً فإنه يعذر؛ وذلك لحديث معاوية بن الحكم السلمي لما أسلم وكان جاهلاً بالصلاة وصلى معهم؛ يقول: (فعطس رجل فقلت: يرحمك الله -يعني: وهو في الصلاة- فنظر الناس إليّ -يعني: استنكاراً- فقلت: واثكل أمياه، ما لكم تنظرون إليّ؟! فجعلوا يضربون أفخاذهم يسكتونني، فسكت، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم استدعاني يقول: فوالذي نفسي بيده ما رأيت معلماً أحسن منه، فوالله ما كهرني ولا زجرني، ولكنه قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو الذكر والدعاء وقراءة القرآن)، فهذا هو الذي يشرع في الصلاة، وهو ذكر الله سبحانه وتعالى ودعاؤه وقراءة كلامه، أما الكلام العادي الذي بين الناس فإنه لا يجوز التكلم به.

فمن تكلم وهو جاهل فإنه معذور كما في قصة معاوية هذا، وأما من تكلم عامداً عالماً بالحكم فإنه تبطل صلاته.

وقد وقع في زمن أبي موسى أنه صلى مرة بأصحابه فتكلم رجل خلفه فقال: (ويحك! أقرنت الصلاة بالبر والزكاة، فلما سلم أبو موسى سأل: من الذي تكلم بهذه الكلمة؟ فسكتوا كلهم، ثم علمهم واستدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا كبر الإمام فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا) والإنصات معناه السكوت والاستماع، يعني: لا تتكلموا بشيء ليس من جنس الصلاة.

فالواجب على كل من يعرف أهمية الصلاة وحرمتها أن يخشع فيها ويحضر قلبه، وأن ينكر على من رآه متساهلاً فيها، فكما أن الكلام يبطلها فكذلك كثرة الحركات قد تكون أشد من الكلام، فتبطل بذلك.

حديث زيد دليل على أن الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس؛ وذلك لأن الصلاة عبادة، فكانوا أول ما فرضت الصلاة كأنهم يحتاجون أن يتسامح معهم؛ لكونهم حديثي عهد بالإسلام، فرخص لهم في أن يكلم أحدهم صاحبه في حاجته أو يرد عليه أو نحو ذلك، ثم بعدما عقلوا وبعدما فهموا نهوا عن الكلام في الصلاة، ففي هذا الحديث دليل على النهي.

وهذه الآية في سورة البقرة: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238]، فالقيام لله معناه الوقوف في العبادة، والقنوت: هو دوام الطاعة، ولكن يفهم من القنوت الخشوع، والخشوع يستلزم الإقبال على الصلاة، وأن التكلم في نفس الصلاة فيه شيء من المنافات للقنوت؛ فلأجل ذلك أمروا بالسكوت ونهوا عن الكلام.

والكلام الذي نهوا عنه هو الكلام الذي يكون خارجاً عن الصلاة ولا يتعلق بمصلحتها، ومعلوم أن الصلاة ليس فيها سكوت مطلق، بل الإنسان لا يسكت إلا إذا كان خلف الإمام والإمام يقرأ، فإنه يسكت ويستمع لقراءته، أما في غير ذلك فإنه يقرأ، ففي حالة القيام يقرأ الإمام والمنفرد السورة والفاتحة، وكذلك المأموم في السرية يقرأ، وكذلك في الركوع كل منهم يسبح، يقول: (سبحان ربي العظيم)، أو يثني على الله، وفي السجود يسبح، وفي جلسته بين السجدتين يدعو، وفي التشهد يتشهد، وفي الرفع بعد الركوع يأتي بالثناء على الله تعالى، فليس في الصلاة سكوت بل فيها كلام، ولكنه مناجاة بين العبد وربه.

فالكلام الذي نهوا عنه هو الكلام الذي كان يجهر بعضهم لبعض به، فيأمر أحدهم صاحبه بحاجته، ويكلم خادمه، ويردون السلام بالكلام ونحو ذلك، ثم نهوا عن ذلك وأمروا أن يتركوا الكلام الذي لا صلة له بالصلاة.

ثم قد يحتاجون إلى أن يتكلموا لمصلحة الصلاة، كما إذا سها إمامهم ولم يجدوا بداً من أن يفتحوا عليه، ففي هذه الحال لهم أن يكلموه بقدر الحاجة لا أكثر، وذلك إذا لم يفهم فيتكلمون معه بقدر الحاجة، كما تقدم في حديث ذي اليدين: ( أنه صلى الله عليه وسلم لما صلى ركعتين وانصرف واعتقد أن الصلاة قد تمت، فتكلم معه ذو اليدين فقال: أنسيت أم قصرت الصلاة؟ فقال: لم أنس ولم تقصر، فقال: بلى قد نسيت، فقال: أكما يقول ذو اليدين؟ فقالوا: نعم)، كل هذا كلام ليس من جنس الصلاة، ولكنه من مصلحتها، فللمأمومين أن يكلموا إمامهم إذا سها ولم يفهم إلا بإيضاح ذلك.

أما من تكلم ساهياً أو جاهلاً فإنه يعذر؛ وذلك لحديث معاوية بن الحكم السلمي لما أسلم وكان جاهلاً بالصلاة وصلى معهم؛ يقول: (فعطس رجل فقلت: يرحمك الله -يعني: وهو في الصلاة- فنظر الناس إليّ -يعني: استنكاراً- فقلت: واثكل أمياه، ما لكم تنظرون إليّ؟! فجعلوا يضربون أفخاذهم يسكتونني، فسكت، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم استدعاني يقول: فوالذي نفسي بيده ما رأيت معلماً أحسن منه، فوالله ما كهرني ولا زجرني، ولكنه قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو الذكر والدعاء وقراءة القرآن)، فهذا هو الذي يشرع في الصلاة، وهو ذكر الله سبحانه وتعالى ودعاؤه وقراءة كلامه، أما الكلام العادي الذي بين الناس فإنه لا يجوز التكلم به.

فمن تكلم وهو جاهل فإنه معذور كما في قصة معاوية هذا، وأما من تكلم عامداً عالماً بالحكم فإنه تبطل صلاته.

وقد وقع في زمن أبي موسى أنه صلى مرة بأصحابه فتكلم رجل خلفه فقال: (ويحك! أقرنت الصلاة بالبر والزكاة، فلما سلم أبو موسى سأل: من الذي تكلم بهذه الكلمة؟ فسكتوا كلهم، ثم علمهم واستدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا كبر الإمام فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا) والإنصات معناه السكوت والاستماع، يعني: لا تتكلموا بشيء ليس من جنس الصلاة.

فالواجب على كل من يعرف أهمية الصلاة وحرمتها أن يخشع فيها ويحضر قلبه، وأن ينكر على من رآه متساهلاً فيها، فكما أن الكلام يبطلها فكذلك كثرة الحركات قد تكون أشد من الكلام، فتبطل بذلك.

أما الحديث الذي بعده فيقول صلى الله عليه وسلم: (إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة -أو فأبردوا بالصلاة- فإن شدة الحر من فيح جهنم)، يعني بذلك صلاة الظهر.

هذا الحديث يتعلق بالمواقيت، وهو أن الصلاة إذا كان في شدة الحر فإنها تؤخر إلى أن تنكسر شدة الحر، ولعل السبب في ذلك هو الإقبال على الصلاة، فإنهم إذا كانوا في حر شديد لم يقبلوا عليها ولم يخشعوا فيها، والمطلوب الخشوع، وهو لب الصلاة وروحها.

كانوا يصلون في المسجد وقد تكون دورهم بعيدة، قد يكون بين بعضهم وبين المسجد نحو أكثر من كيلو، وكانوا يأتون على أرجلهم مع شدة الحر وشدة الرمضاء، والمسجد أيضاً ليس فيه مكيفات، وليس فيه مراوح كهربائية، بل فيه حر شديد وعرق فهم عند أدائهم للصلاة قد يلاقون هذا الحر الشديد، فلا يقبلون على صلاتهم، ولا يطمئنون فيها، ويتمنون أن ينصرفوا؛ لما يجدون من التعب ومن المشقة، فلهذا الغرض أمرهم بأن يبردوا بالصلاة.

وقد روي: (أنه عليه الصلاة والسلام كان يبرد بالصلاة حتى في السفر)، وذكروا: (أنه كان مرة في سفر فأراد بلال أن يؤذن فقال: أبرد، ثم أراد أن يؤذن فقال: أبرد؛ حتى رأوا فيء التلول)، والتلول: هي كثب الرمل المجتمع، ومفردها تل، قوله: (حتى رأوا فيئها) أي: رأوا لها ظلاً، وذلك لا يكون إلا بعد أن تزول الشمس وتمشي كثيراً؛ فيكون ذلك سبباً لخفة الحر وحصول الإبراد.

استحباب الإبراد عند شدة الحر دون غيره

ثم أحاديث الإبراد كثيرة وقد عللت بأن شدة الحر من فيح جهنم، وعلى هذا التعليل فالحكم عام؛ لأنه إذا كان ذلك من فيح جهنم، فإن المسلمين لا يشتغلون ولا يصلون في هذا الوقت، وقد ورد أن هذا الحر الذي يكون في وسط النهار هو حر الشمس، ولكن الشمس لا بد أن الله يوقدها ويشدد حرارتها، أو أن تلك الحرارة هي من فيح النار، وفي الحديث المشهور: (اشتكت النار إلى ربها، فقالت: يا رب! أكل بعضي بعضاً، فأذن لها بنفس في الصيف ونفس في الشتاء، فأشد ما تجدون من الحر من سموم جهنم -أو من فيح جهنم- وأشد ما تجدون من البرد من زمهرير جهنم).

وإذا كان هذا من فيح جهنم؛ فإنه يسن الإبراد على كل حال، ولكن الجمهور من العلماء فهموا أن الأمر بالإبراد منوط بالعلة وبالسبب، وهو أن الحر لا يحصل معه خشوع ولا إقبال على الصلاة، بل يصلي أحدهم وهو منشغل مشتت الفكر غير مقبل على صلاته، بل يتمنى الخروج منها، فإذا زالت هذه الأسباب فلا داعي للإبراد.

أما حالتنا نحن في هذه الأزمنة وفي هذه البلاد ونحوها، فإنه ليس علينا مشقة؛ وذلك لقرب الدور من المساجد، ولأن المساجد مفروشة وفيها مراوح كهربائية ومكيفات، فلم يبق هناك ما يشق معه الجلوس والانتظار، إذاً: فلا داعي إلى الإبراد.

جواز الصلاة في شدة الحر

وعلى هذا فالغرض من الإبراد هو أن يحضر الإنسان قلبه في الصلاة، فلا يصلي وقلبه منشغل بشيء يمله أو يضجره أو نحو ذلك، ومنه الحديث الذي يذكر فيه: (أنهم كانوا يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم في شدة الحر، حتى إن أحدهم إذا سجد يفرش طرف ردائه أو كمه ويسجد عليه)، فهذا دليل على أنهم قد يصلون أحياناً في مكان شديد الحرارة.

ومعلوم أيضاً أنهم كانوا يصلون على الأرض، وقد تكون الأرض حصباء، فإذا وقعت عليها الشمس حميت تلك الحصباء، ولا تبرد إلا في قرب وقت العصر، فيضطرون إلى أن يصلوا، فلا يجد أحدهم بداً من أن يفرش طرف ردائه أو يفرش طرف كمه أو طرف عمامته ويسجد عليه، ليقي جبهته من ذلك الحر الشديد.

وأما بقية أعضاء بدنه فيصبر على الحرارة التي تصيبها كيديه وقدميه ونحو ذلك، فهذا دليل على أنه يجوز أن يصلي ولو مع شدة الحر.

لكن الأولى أن يقبل على صلاته إقبالاً كلياً، وأن يفعل فيها الأفعال التي إذا أتى بها عن رغبة وعن محبة وعن إقبال أثيب عليها.

من موانع الخشوع في الصلاة

وقد ذكروا أشياء مما يشتت على الإنسان فكره، فمنها ما تقدم من أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان)، إذاً: لا يصلي وهو يشتهي الطعام، كالصائم شديد الحاجة إلى الطعام؛ لأنه إذا صلى قبل أن يتناول شهوته من الطعام لم يقبل على صلاته، وكذلك إذا خشي أن يؤكل الطعام قبل رجوعه، فيبقى قلبه متعلقاً بذلك الأكل حال صلاته، فأمر بأن يقدم الأكل على الصلاة.

كذلك صلاته وهو يدافعه الأخبثان: البول والغائط؛ وذلك لأنه إذا صلى لم يقبل على صلاته، بل يصلي وهو في حالة ملل وضجر وفي حالة شدة، ويتشوش عليه فكره وذهنه؛ فلأجل ذلك أمر بأن يتخلى وبأن يزيل عنه هذا الخبث؛ حتى يقبل على صلاته وقلبه فارغ ليس فيه ما يكدره، فكذلك لا يصلي في حر شديد ولا يصلي في برد شديد وهو يجد ما يخفف ذلك الحر وذلك البرد، كل ذلك لأجل تحصيل الخشوع في الصلاة والإقبال عليها.

وإذا اضطر إلى ذلك وخاف فوت الوقت، فإنه يصلي ويتقي الحر بما يستطيع من طرف عمامته الذي يسجد عليها أو طرف كمه أو طرف ثوبه أو نحو ذلك.

ثم أحاديث الإبراد كثيرة وقد عللت بأن شدة الحر من فيح جهنم، وعلى هذا التعليل فالحكم عام؛ لأنه إذا كان ذلك من فيح جهنم، فإن المسلمين لا يشتغلون ولا يصلون في هذا الوقت، وقد ورد أن هذا الحر الذي يكون في وسط النهار هو حر الشمس، ولكن الشمس لا بد أن الله يوقدها ويشدد حرارتها، أو أن تلك الحرارة هي من فيح النار، وفي الحديث المشهور: (اشتكت النار إلى ربها، فقالت: يا رب! أكل بعضي بعضاً، فأذن لها بنفس في الصيف ونفس في الشتاء، فأشد ما تجدون من الحر من سموم جهنم -أو من فيح جهنم- وأشد ما تجدون من البرد من زمهرير جهنم).

وإذا كان هذا من فيح جهنم؛ فإنه يسن الإبراد على كل حال، ولكن الجمهور من العلماء فهموا أن الأمر بالإبراد منوط بالعلة وبالسبب، وهو أن الحر لا يحصل معه خشوع ولا إقبال على الصلاة، بل يصلي أحدهم وهو منشغل مشتت الفكر غير مقبل على صلاته، بل يتمنى الخروج منها، فإذا زالت هذه الأسباب فلا داعي للإبراد.

أما حالتنا نحن في هذه الأزمنة وفي هذه البلاد ونحوها، فإنه ليس علينا مشقة؛ وذلك لقرب الدور من المساجد، ولأن المساجد مفروشة وفيها مراوح كهربائية ومكيفات، فلم يبق هناك ما يشق معه الجلوس والانتظار، إذاً: فلا داعي إلى الإبراد.

وعلى هذا فالغرض من الإبراد هو أن يحضر الإنسان قلبه في الصلاة، فلا يصلي وقلبه منشغل بشيء يمله أو يضجره أو نحو ذلك، ومنه الحديث الذي يذكر فيه: (أنهم كانوا يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم في شدة الحر، حتى إن أحدهم إذا سجد يفرش طرف ردائه أو كمه ويسجد عليه)، فهذا دليل على أنهم قد يصلون أحياناً في مكان شديد الحرارة.

ومعلوم أيضاً أنهم كانوا يصلون على الأرض، وقد تكون الأرض حصباء، فإذا وقعت عليها الشمس حميت تلك الحصباء، ولا تبرد إلا في قرب وقت العصر، فيضطرون إلى أن يصلوا، فلا يجد أحدهم بداً من أن يفرش طرف ردائه أو يفرش طرف كمه أو طرف عمامته ويسجد عليه، ليقي جبهته من ذلك الحر الشديد.

وأما بقية أعضاء بدنه فيصبر على الحرارة التي تصيبها كيديه وقدميه ونحو ذلك، فهذا دليل على أنه يجوز أن يصلي ولو مع شدة الحر.

لكن الأولى أن يقبل على صلاته إقبالاً كلياً، وأن يفعل فيها الأفعال التي إذا أتى بها عن رغبة وعن محبة وعن إقبال أثيب عليها.




استمع المزيد من الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح عمدة الأحكام [4] 2577 استماع
شرح عمدة الأحكام [29] 2575 استماع
شرح عمدة الأحكام [47] 2511 استماع
شرح عمدة الأحكام [36] 2497 استماع
شرح عمدة الأحكام 6 2435 استماع
شرح عمدة الأحكام 9 2366 استماع
شرح عمدة الأحكام 53 2351 استماع
شرح عمدة الأحكام [31] 2329 استماع
شرح عمدة الأحكام 7 2327 استماع
شرح عمدة الأحكام 56 2323 استماع