شرح سنن أبي داود [357]


الحلقة مفرغة

شرح أثر: ( كتب إبليس المجوسية لأهل فارس)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في أخذ الجزية من المجوس.

حدثنا أحمد بن سنان الواسطي حدثنا محمد بن بلال عن عمران القطان عن أبي جمرة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: إن أهل فارس لما مات نبيهم كتب لهم إبليس المجوسية ].

يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب أخذ الجزية من المجوس، المجوس هم الذين يعبدون النار، وأورد أبو داود رحمه الله أحاديث تتعلق بأخذ الجزية منهم، وأورد أولاً هذا الأثر عن ابن عباس قال: إن أهل فارس لما مات نبيهم كتب لهم إبليس المجوسية يعني: أنه جعلهم يتركون ما كان عليه نبيهم، وانتقلوا إلى المجوسية التي هي عبادة النار، وهذا أثر موقوف على ابن عباس ، ويحتمل أن يكون أخذه من النبي صلى الله عليه وسلم فيكون مرفوعاً، ويحتمل أن يكون مأخوذاً من كتب أهل الكتاب ومن أخبار بني إسرائيل، ومن أهل العلم من قال: المجوس كانوا على دين نبي ثم تحولوا من ذلك الدين إلى المجوسية، ومن أهل العلم من قال: أخذ الجزية من المجوس إنما هو أخذ من الكفار، والجزية تؤخذ من أهل الكتاب ومن غير أهل الكتاب.

تراجم رجال إسناد أثر: ( كتب إبليس المجوسية لأهل فارس)

قوله: [ حدثنا أحمد بن سنان الواسطي ].

أحمد بن سنان الواسطي ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي في مسند مالك وابن ماجة .

[ حدثنا محمد بن بلال ].

محمد بن بلال وهو صدوق يغرب، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود وابن ماجة .

[ عن عمران القطان ].

هو عمران بن داور القطان وهو صدوق يهم، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.

[ عن أبي جمرة ].

هو نصر بن عمران الضبعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عباس ].

عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو جمرة هذا مشهور بكنيته، وهو الذي كان ابن عباس رضي الله عنه اتخذه من أجل أن يبلغ عنه الحديث، وقال: هل أجعل لك شيئاً من مالي على أن تبلغ عني الناس، وقالوا: هذا حجة في اتخاذ المحدث للمستملي الذي يبلغ كلامه للناس.

وفي الرواة الذين يروون عن ابن عباس أبو حمزة القصاب ، وهو راوي حديث ابن عباس في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب منه أن يدعو معاوية ، فذهب إليه فوجده يأكل، فتأخر فقال: (لا أشبع الله بطنه) وأبو حمزة القصاب لفظه قريب من لفظ أبي جمرة ؛ ولهذا يكون بينهما الاشتباه والالتباس والتصحيف، فـأبو جمرة هو نصر بن عمران ، وهو كثير الرواية عن ابن عباس ، وأبو حمزة القصاب هو من الرواة عن ابن عباس .

شرح حديث: (أخذ الجزية من مجوس هجر)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد بن مسرهد عن سفيان عن عمرو بن دينار أنه سمع بجالة يحدث عمرو بن أوس وأبا الشعثاء قال: كنت كاتباً لـجزء بن معاوية عم الأحنف بن قيس إذ جاءنا كتاب عمر رضي الله عنه قبل موته بسنة: اقتلوا كل ساحر، وفرقوا بين كل ذي محرم من المجوس، وانهوهم عن الزمزمة، فقتلنا في يوم ثلاثة سواحر، وفرقنا بين كل رجل من المجوس وحريمه في كتاب الله، وصنع طعاماً كثيراً فدعاهم فعرض السيف على فخذه فأكلوا ولم يزمزموا، وألقوا وقر بغل أو بغلين من الورق، ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخذها من مجوس هجر) ].

أورد أبو داود حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر، وهذا هو الشاهد للترجمة من جهة أخذ الجزية من المجوس، وأن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخذ الجزية من مجوس هجر، وهذا يدلنا على مشروعية أخذ الجزية من المجوس، ومن أهل العلم من قال: إنهم ألحقوا بأهل الكتاب لأنه كان لهم دين وكتاب، ومنهم من يقول: إنهم كفار يعبدون النار، والرسول صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية منهم، فدل على أن الجزية تؤخذ من غير أهل الكتاب، فتؤخذ من العرب والعجم، ويدل عليه حديث بريدة بن الحصيب الطويل الذي في صحيح مسلم وفي أوله: (كان إذا أمر أميراً أوصاه بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيراً، وقال: اغزوا باسم الله) إلى آخر الحديث، وفيه: (وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى الإسلام فإن أبوا فاطلب منهم الجزية فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم) وهذا يدل على مشروعية أخذ الجزية من عموم الكفار، وأن الأمر ليس مقصوراً على أهل الكتاب.

قوله: (اقتلوا كل ساحر) هذا فيه بيان أن الساحر حده أن يقتل.

وقوله: (وفرقوا بين كل ذي محرم من المجوس) يعني: إذا كان المجوسي متزوجاً بقريبته كبنته أو أخته أو عمته أو خالته أو ما إلى ذلك مما هو موجود عند المجوس؛ فإنه يفرق بينهم، ولا يقر هذا الزواج.

قوله: (وانهوهم عن الزمزمة) قالوا: إن الزمزمة هي كلام بينهم وبين أنفسهم عندما يجلسون للأكل، فكان المجوسي يكلم نفسه عند الأكل فنهاهم عن ذلك.

قوله: [ فقتلنا في يوم ثلاثة سواحر، وفرقنا بين كل رجل من المجوس وحريمه في كتاب الله ].

يعني: أنهم نفذوا ما جاء في كتاب عمر ، وأنهم في يوم واحد قتلوا ثلاثة من السحرة، وفرقوا بين كل رجل من المجوس وبين حريمه في كتاب الله، يعني: على ما هو محرم في كتاب الله من المحارم، فإذا كان المجوسي تزوج بأخته أو ابنته أو عمته أو خالته أو من هي محرم من محارمه فإنهم فرقوا بين هذا الرجل وبين من هو محرم لها.

قوله: [ وصنع طعاماً كثيراً فدعاهم فعرض السيف على فخذه ].

يعني: جعل السيف على فخذه مهدداً لهم، حتى لا تحصل منهم الزمزمة، فأكلوا ولم يزمزموا خوفاً من السيف.

قوله: [ وألقوا وقر بغل أو بغلين من الورق ].

الوقر: هو الحمل الذي يكون على البغل أو الحمار، ويكون طرفاه على جانب الحمار أو البغل.

قال في الشرح: يريد أخلة من الورق يأكلون بها يعني: يستعملونها في الأكل، فإما أن تكون أخلة أو وسيلة يؤكل بها كالملاعق أو ما إلى ذلك، والأخلة جمع خلال، والخلال هو الذي تخلل به الأسنان، ولعلها كانت مصنوعة من الورق.

وقال في النهاية: الوقر بكسر الواو: الحمل، وأكثر ما يستعمل في حمل البغل والحمار يريد حمل بغل أو بغلين أخلة -جمع خلال- ما تخلل به الأسنان من الفضة، كانوا يأكلون بها الطعام فأعطوها ليمكنوا بها من عادتهم في الزمزمة.

وآنية الذهب والفضة لا يجوز استعمالهما في الأكل، لكن لعل المقصود أنه خلال مثل الشوك الذي يغمز به الطعام الذي يراد أكله.

قوله: [ ولم يكن عمر رضي الله عنه أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخذها من مجوس هجر) ].

هذا الحديث فيه أخذ الجزية من المجوس، وأن عمر رضي الله عنه وأرضاه لم يكن يأخذها حتى بلغه هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه، وهجر من أعمال البحرين.

تراجم رجال إسناد حديث: (أخذ الجزية من مجوس هجر)

قوله: [ حدثنا مسدد بن مسرهد ].

مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ عن سفيان ].

سفيان بن عيينة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عمرو بن دينار ].

عمرو بن دينار المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن بجالة ].

بجالة بن عبدة وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ عن عمر عن عبد الرحمن بن عوف ].

فيه الأخذ بالكتابة، وفيه أن عمر أخذ بما جاء عن عبد الرحمن بن عوف في أخذ الجزية من المجوس، وعمر رضي الله عنه هو أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (جاء رجل من الأسبذيين إلى رسول الله..)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن مسكين اليمامي حدثنا يحيى بن حسان حدثنا هشيم أخبرنا داود بن أبي هند عن قشير بن عمرو عن بجالة بن عبدة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (جاء رجل من الأسبذيِّين من أهل البحرين -وهم مجوس أهل هجر- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمكث عنده، ثم خرج فسألته ما قضى الله ورسوله فيكم؟ قال: شر، قلت: مه؟ قال: الإسلام أو القتل، قال: وقال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: قبل منهم الجزية، قال ابن عباس رضي الله عنهما: فأخذ الناس بقول عبد الرحمن بن عوف وتركوا ما سمعت أنا من الأسبذي) ].

أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنه: أنه جاء رجل من الأسبذيين -وهم من مجوس البحرين- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمكث عنده، ثم خرج فسألته: ما قضى الله ورسوله فيكم؟ أي: سأل الأسبذي المجوسي، فقال: شر، إما الإسلام وإما القتل، يعني: لا توجد جزية، إما الإسلام أو القتل، وقال عبد الرحمن بن عوف : (قبل منهم الجزية) يعني: روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قبل منهم الجزية، قال: فأخذ الناس بما جاء عن عبد الرحمن وتركوا ما سمعته من الأسبذي، ومعنى هذا أنها تأخذ منهم الجزية، وأن ما جاء عن الأسبذي المجوسي لا يعول عليه، بل المعول على ما أخبر به عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ منهم الجزية.

وهذا الحديث فيه رجل ضعيف، وهو قشير ، ولكن ما يتعلق بأخذ الجزية عنهم ثابت.

تراجم رجال إسناد حديث: (جاء رجل من الأسبذيين إلى رسول الله..)

قوله: [ حدثنا محمد بن مسكين اليمامي ].

محمد بن مسكين اليمامي هو ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .

[ حدثنا يحيى بن حسان ].

يحيى بن حسان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

[ حدثنا هشيم ].

هشيم بن بشير الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا داود بن أبي هند ].

داود بن أبي هند وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن قشير بن عمرو ].

قشير بن عمرو وهو مستور، أي: مجهول الحال، أخرج له أبو داود .

[ عن بجالة بن عبدة عن ابن عباس ].

مر ذكرهما.

من تؤخذ منهم الجزية؟

الجزية تؤخذ من جميع الكفار سواء كان عندهم كتاب أو ليس عندهم كتاب، لحديث بريدة بن الحصيب الذي في صحيح مسلم ، فإنه عام، ولفظه: (كان إذا أمر أميراً على جيش أوصاه بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيراً وقال: اغزوا باسم الله، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى الإسلام، فإن أبوا فخذ منهم الجزية وإلا فاستعن بالله وقاتلهم)، ولا يفرق بين العربي والعجمي كذلك، وأما قول الخطابي : وبامتناع عمر من أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر، دليل على أن رأي الصحابة أنه لا تقبل الجزية من كل مشرك كما ذهب إليه الأوزاعي ، وإنما تقبل من أهل الكتاب؛ فنقول: لعل هذا كان في أول الأمر قبل أن يعرفوا الأحاديث الدالة على ذلك.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في أخذ الجزية من المجوس.

حدثنا أحمد بن سنان الواسطي حدثنا محمد بن بلال عن عمران القطان عن أبي جمرة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: إن أهل فارس لما مات نبيهم كتب لهم إبليس المجوسية ].

يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب أخذ الجزية من المجوس، المجوس هم الذين يعبدون النار، وأورد أبو داود رحمه الله أحاديث تتعلق بأخذ الجزية منهم، وأورد أولاً هذا الأثر عن ابن عباس قال: إن أهل فارس لما مات نبيهم كتب لهم إبليس المجوسية يعني: أنه جعلهم يتركون ما كان عليه نبيهم، وانتقلوا إلى المجوسية التي هي عبادة النار، وهذا أثر موقوف على ابن عباس ، ويحتمل أن يكون أخذه من النبي صلى الله عليه وسلم فيكون مرفوعاً، ويحتمل أن يكون مأخوذاً من كتب أهل الكتاب ومن أخبار بني إسرائيل، ومن أهل العلم من قال: المجوس كانوا على دين نبي ثم تحولوا من ذلك الدين إلى المجوسية، ومن أهل العلم من قال: أخذ الجزية من المجوس إنما هو أخذ من الكفار، والجزية تؤخذ من أهل الكتاب ومن غير أهل الكتاب.

قوله: [ حدثنا أحمد بن سنان الواسطي ].

أحمد بن سنان الواسطي ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي في مسند مالك وابن ماجة .

[ حدثنا محمد بن بلال ].

محمد بن بلال وهو صدوق يغرب، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود وابن ماجة .

[ عن عمران القطان ].

هو عمران بن داور القطان وهو صدوق يهم، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.

[ عن أبي جمرة ].

هو نصر بن عمران الضبعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عباس ].

عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو جمرة هذا مشهور بكنيته، وهو الذي كان ابن عباس رضي الله عنه اتخذه من أجل أن يبلغ عنه الحديث، وقال: هل أجعل لك شيئاً من مالي على أن تبلغ عني الناس، وقالوا: هذا حجة في اتخاذ المحدث للمستملي الذي يبلغ كلامه للناس.

وفي الرواة الذين يروون عن ابن عباس أبو حمزة القصاب ، وهو راوي حديث ابن عباس في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب منه أن يدعو معاوية ، فذهب إليه فوجده يأكل، فتأخر فقال: (لا أشبع الله بطنه) وأبو حمزة القصاب لفظه قريب من لفظ أبي جمرة ؛ ولهذا يكون بينهما الاشتباه والالتباس والتصحيف، فـأبو جمرة هو نصر بن عمران ، وهو كثير الرواية عن ابن عباس ، وأبو حمزة القصاب هو من الرواة عن ابن عباس .

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد بن مسرهد عن سفيان عن عمرو بن دينار أنه سمع بجالة يحدث عمرو بن أوس وأبا الشعثاء قال: كنت كاتباً لـجزء بن معاوية عم الأحنف بن قيس إذ جاءنا كتاب عمر رضي الله عنه قبل موته بسنة: اقتلوا كل ساحر، وفرقوا بين كل ذي محرم من المجوس، وانهوهم عن الزمزمة، فقتلنا في يوم ثلاثة سواحر، وفرقنا بين كل رجل من المجوس وحريمه في كتاب الله، وصنع طعاماً كثيراً فدعاهم فعرض السيف على فخذه فأكلوا ولم يزمزموا، وألقوا وقر بغل أو بغلين من الورق، ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخذها من مجوس هجر) ].

أورد أبو داود حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر، وهذا هو الشاهد للترجمة من جهة أخذ الجزية من المجوس، وأن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخذ الجزية من مجوس هجر، وهذا يدلنا على مشروعية أخذ الجزية من المجوس، ومن أهل العلم من قال: إنهم ألحقوا بأهل الكتاب لأنه كان لهم دين وكتاب، ومنهم من يقول: إنهم كفار يعبدون النار، والرسول صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية منهم، فدل على أن الجزية تؤخذ من غير أهل الكتاب، فتؤخذ من العرب والعجم، ويدل عليه حديث بريدة بن الحصيب الطويل الذي في صحيح مسلم وفي أوله: (كان إذا أمر أميراً أوصاه بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيراً، وقال: اغزوا باسم الله) إلى آخر الحديث، وفيه: (وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى الإسلام فإن أبوا فاطلب منهم الجزية فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم) وهذا يدل على مشروعية أخذ الجزية من عموم الكفار، وأن الأمر ليس مقصوراً على أهل الكتاب.

قوله: (اقتلوا كل ساحر) هذا فيه بيان أن الساحر حده أن يقتل.

وقوله: (وفرقوا بين كل ذي محرم من المجوس) يعني: إذا كان المجوسي متزوجاً بقريبته كبنته أو أخته أو عمته أو خالته أو ما إلى ذلك مما هو موجود عند المجوس؛ فإنه يفرق بينهم، ولا يقر هذا الزواج.

قوله: (وانهوهم عن الزمزمة) قالوا: إن الزمزمة هي كلام بينهم وبين أنفسهم عندما يجلسون للأكل، فكان المجوسي يكلم نفسه عند الأكل فنهاهم عن ذلك.

قوله: [ فقتلنا في يوم ثلاثة سواحر، وفرقنا بين كل رجل من المجوس وحريمه في كتاب الله ].

يعني: أنهم نفذوا ما جاء في كتاب عمر ، وأنهم في يوم واحد قتلوا ثلاثة من السحرة، وفرقوا بين كل رجل من المجوس وبين حريمه في كتاب الله، يعني: على ما هو محرم في كتاب الله من المحارم، فإذا كان المجوسي تزوج بأخته أو ابنته أو عمته أو خالته أو من هي محرم من محارمه فإنهم فرقوا بين هذا الرجل وبين من هو محرم لها.

قوله: [ وصنع طعاماً كثيراً فدعاهم فعرض السيف على فخذه ].

يعني: جعل السيف على فخذه مهدداً لهم، حتى لا تحصل منهم الزمزمة، فأكلوا ولم يزمزموا خوفاً من السيف.

قوله: [ وألقوا وقر بغل أو بغلين من الورق ].

الوقر: هو الحمل الذي يكون على البغل أو الحمار، ويكون طرفاه على جانب الحمار أو البغل.

قال في الشرح: يريد أخلة من الورق يأكلون بها يعني: يستعملونها في الأكل، فإما أن تكون أخلة أو وسيلة يؤكل بها كالملاعق أو ما إلى ذلك، والأخلة جمع خلال، والخلال هو الذي تخلل به الأسنان، ولعلها كانت مصنوعة من الورق.

وقال في النهاية: الوقر بكسر الواو: الحمل، وأكثر ما يستعمل في حمل البغل والحمار يريد حمل بغل أو بغلين أخلة -جمع خلال- ما تخلل به الأسنان من الفضة، كانوا يأكلون بها الطعام فأعطوها ليمكنوا بها من عادتهم في الزمزمة.

وآنية الذهب والفضة لا يجوز استعمالهما في الأكل، لكن لعل المقصود أنه خلال مثل الشوك الذي يغمز به الطعام الذي يراد أكله.

قوله: [ ولم يكن عمر رضي الله عنه أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخذها من مجوس هجر) ].

هذا الحديث فيه أخذ الجزية من المجوس، وأن عمر رضي الله عنه وأرضاه لم يكن يأخذها حتى بلغه هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه، وهجر من أعمال البحرين.

قوله: [ حدثنا مسدد بن مسرهد ].

مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ عن سفيان ].

سفيان بن عيينة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عمرو بن دينار ].

عمرو بن دينار المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن بجالة ].

بجالة بن عبدة وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ عن عمر عن عبد الرحمن بن عوف ].

فيه الأخذ بالكتابة، وفيه أن عمر أخذ بما جاء عن عبد الرحمن بن عوف في أخذ الجزية من المجوس، وعمر رضي الله عنه هو أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن مسكين اليمامي حدثنا يحيى بن حسان حدثنا هشيم أخبرنا داود بن أبي هند عن قشير بن عمرو عن بجالة بن عبدة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (جاء رجل من الأسبذيِّين من أهل البحرين -وهم مجوس أهل هجر- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمكث عنده، ثم خرج فسألته ما قضى الله ورسوله فيكم؟ قال: شر، قلت: مه؟ قال: الإسلام أو القتل، قال: وقال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: قبل منهم الجزية، قال ابن عباس رضي الله عنهما: فأخذ الناس بقول عبد الرحمن بن عوف وتركوا ما سمعت أنا من الأسبذي) ].

أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنه: أنه جاء رجل من الأسبذيين -وهم من مجوس البحرين- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمكث عنده، ثم خرج فسألته: ما قضى الله ورسوله فيكم؟ أي: سأل الأسبذي المجوسي، فقال: شر، إما الإسلام وإما القتل، يعني: لا توجد جزية، إما الإسلام أو القتل، وقال عبد الرحمن بن عوف : (قبل منهم الجزية) يعني: روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قبل منهم الجزية، قال: فأخذ الناس بما جاء عن عبد الرحمن وتركوا ما سمعته من الأسبذي، ومعنى هذا أنها تأخذ منهم الجزية، وأن ما جاء عن الأسبذي المجوسي لا يعول عليه، بل المعول على ما أخبر به عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ منهم الجزية.

وهذا الحديث فيه رجل ضعيف، وهو قشير ، ولكن ما يتعلق بأخذ الجزية عنهم ثابت.