شرح عمدة الأحكام [8]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كتاب الصلاة، باب المواقيت.

عن أبي عمرو الشيباني واسمه سعد بن إياس قال: حدثني صاحب هذه الدار، وأشار بيده إلى دار عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: (أي الأعمال أحب إلى الله عزوجل؟ قال: الصلاة على وقتها، قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قال: حدثني بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو استزدته لزادني).

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الفجر فيشهد معه نساء من المؤمنات متلفعات بمرطهن، ثم يرجعن إلى بيوتهن ما يعرفهن أحد من الغلس)].

هذا مبدأ كتاب الصلاة وهو المقصد الأصلي، فإن ما تقدم من الطهارة، والوضوء، وإزالة النجاسة، والاغتسال، والتيمم، والطهارة من الحيض، وما أشبه ذلك، كل ذلك وسيلة إلى فعل الصلاة، فإنها هي العبادة المطلوبة، وإن كان العبد قد يثاب على الطهارة إذا احتسب؛ لقوله عليه الصلاة والسلام فيما يمحو الله به الخطايا: (إسباغ الوضوء على المكاره)، فهو مما يكفر الله به الخطايا ويرفع به الدرجات، ولكن الطهارة وسيلة إلى الصلاة وشرط من شروطها.

فضل الصلاة

الصلاة تطلق على الدعاء، قال الله تعالى: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ [التوبة:103] يعني: دعاءك، هكذا أصلها في اللغة، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم فيمن دعي إلى طعام: (إن كان مفطراً فليأكل، ومن كان صائماً فليصلِ) يعني: فليدعُ.

وسميت هذه الصلاة عبادة لاشتمالها على الدعاء؛ لأن المصلي يدعو في صلاته إما دعاء عبادة وإما دعاء مسألة:

دعاء المسألة أن يسأل ربه أن يغفر له وأن يدخله الجنة وأن ينجيه من عذابه ومن النار، ودعاء العبادة كونه يرغب في هذه العبادة؛ لأجل آثارها، فيركع لأجل الثواب، ويرفع لأجل الثواب، ويحضر ويقوم ويقعد وغير ذلك من الأفعال لأجل أن يثاب عليها، فلسان حاله داعٍ، فكأنه يقول: أتيت إلى مساجدك وإلى بيوتك -يارب- لترحمني، أنا أقوم لك وأقعد، وأركع لك وأسجد، وأخضع وأتواضع بين يديك؛ لأجل أن أحصل على ثوابك وأسلم من أليم عقابك، فهو في الحقيقة داعٍ حتى ولو لم يكن في صلاته سؤال، بل فيها ذكر وقراءة ونحو ذلك، فالصلاة كلها دعاء.

شرعت هذه الصلاة لأجل إقامة ذكر الله، وذلك أن العبد كلما غفل قسا قلبه، فإذا ذكر ربه لان قلبه، ولا شك أن الصلاة تذكر بالله سبحانه فتلين بها القلوب القاسية، وكلما طالت الغفلة صعبت الطاعة، فإذا تخلل تلك الغفلة عبادة وذكر سهلت الطاعة.

معلوم أن العبد الذي دائماً في غفلة مشتغل بدنياه .. مقبل على لهوه وسهوه .. مكب على شهوات بطنه وفرجه، لا يهمه إلا ما تهواه نفسه، ويقطع بذلك أكثر زمانه، فإذا دعي إلى طاعة رأى لها صعوبة، وإذا دعي إلى عبادة استثقلها، بخلاف العبد الذي قد عوّد نفسه الطاعة فإنه يجدها خفيفة .. يجدها سهلة، بل يتلذذ بها كما يتلذذ أهل الشهوات بشهواتهم، فهناك من يتلذذون بالتهجد الذي هو صلاة الليل كما يتلذذ الذين يسهرون ليلهم على خمورهم وعلى شهواتهم البهيمية المحرمة أو المباحة، ولا شك أن هذه لذة دينية.

هذا من الحكمة في شرعية هذه الصلاة، وقد ذُكر لها مؤكدات كثيرة، وأسباب تدل على شرعيتها، حتى عدها بعضهم عشرة يطول بنا المقام لو فصلناها، وذُكرت لها حكم ومصالح تفوق العد، ولو ألفت فيها المؤلفات ما اتسعت لها.

ونحن نتكلم على هذه الأحاديث التي ذكرت، ومن طلب التوسع فيها وجده.

الحكمة في توقيت الصلوات

من حكمة الله سبحانه أن فرق هذه الصلوات على اليوم والليلة، ولم يجعلها في ساعة واحدة، ولا متوالية في وقت من الأوقات، بل جعلها متفرقة: فبعضها أول الليل كالمغرب والعشاء، وبعضها أول النهار كالفجر، وبعضها وسط النهار كالظهر والعصر.

والحكمة في ذلك: أن يكون العبد دائماً على صلة بالعبادة؛ فلا يبعد عهده بالعبادة، كلما اشتغل بشهواته وبدنياه في وقت من الأوقات، وأحس بشيء من القسوة دخل عليه وقت من هذه الأوقات فقام إلى عبادة من العبادات تصقل قلبه وتجلو همه وغمه، وتلين طبعه، وتذكره بربه، وتذكره بالوقوف بين يديه، فيحضر فيها قلبه ويخشع ويخضع ويتواضع، ويدعو ربه سراً وجهراً، ويذكره بعد تلك الغفلة، ويتلو كلامه ويخضع إليه، فينصرف منها وقد ازداد عبادة وقد تذكر الله وعظم قدر ربه في قلبه، هذه من الحكم.

وأيضاً: فإن ذلك لأجل تخفيفها، فلو أمروا بأن يصلوا سبع عشرة ركعة متوالية في وقت لكان في ذلك شيء من الثقل، وحبس لهم عن قضاء حوائجهم، ولكن أمروا بأن يصلوا كل جزءٍِ منها في وقت، فأربع في وقت، وثلاث في وقت، وركعتان في وقت.. وهكذا.

كما أمروا أن يتقربوا بجنس هذه الصلاة حسب استطاعتهم، كما يتقربون بجنس بقية العبادات.

أدلة المواقيت من القرآن

ومواقيت الصلوات الخمس قد ذكرت في السنة موضحة، ووردت أيضاً إشارة إليها في القرآن، استنبطت من مثل قوله تعالى: وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنْ اللَّيْلِ [هود:114] فقالوا: الطرف الأول الفجر، والطرف الثاني: الظهر والعصر، أي: طرفي النهار،(وزلفاً من الليل) يعني: المغرب والعشاء، فإنهما في أول الليل.

وأخذت من قوله تعالى: أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ [الإسراء:78] (دلوك الشمس): ميلها، ويدخل فيه الظهر والعصر، و( غسق الليل): ظلمة الليل، ويدخل فيه المغرب والعشاء،( قرآن الفجر) صلاة الفجر.

وأخذت من قوله تعالى: فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ [الروم:17-18] فقيل: (حين تمسون) صلاة المغرب والعشاء، (وتصبحون) صلاة الفجر، (وعشياً) صلاة العصر، ( وحين تظهرون) صلاة الظهر، فالأوقات وجدت أدلتها في القرآن.

ولا شك أن إيقاعها في وقتها هو الأكمل والأفضل، وأن تأخيرها عن وقتها يعتبر ذنباً قد يسبب نقص أجرها، وقد يسبب العقوبة عليها، وقد فسر قوله تعالى: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:4-5]

بأنهم الذين يؤخرونها عن وقتها، يقول بعض السلف: أما إنهم لم يتركوها، ولو تركوها لكانوا كفاراً، ولكن أخروها عن وقتها؛ فتوعدهم الله تعالى بالويل، فدل على أن من شروطها إيقاعها في وقتها.

فلا يجوز تقديمها قبل الوقت، ومن قدمها لم تجزئه، فمن صلى المغرب قبل غروب الشمس، أو صلى الفجر قبل طلوع الفجر، أو صلى الظهر قبل زوال الشمس لم تقبل منه، حيث إنه لم يجعلها في وقتها، ومن أخرها حتى خرج وقتها اعتبر مفرطاً، كالذي يصلي الفجر بعدما تطلع الشمس، أو يصلي الظهر في الليل أو ما أشبه ذلك، لا شك أن هذا قد فرط وفوت الوقت الذي شرعت فيه الصلاة.

الصلاة على وقتها أفضل الأعمال

في هذا الحديث: أن ابن مسعود سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ فأخبره بأن أفضلها الصلاة على وقتها، أي: إذا صليت في وقتها، وكملت شروطها وصفاتها فهي أفضل الأعمال، يعني: بالنسبة إلى من طولب بالأعمال الصالحة، فإن أداء هذه الصلاة خير الأعمال وأفضلها، سيما إذا كملت صفاتها وهيآتها، قال: أي الأعمال أفضل؟ قال: (الصلاة على وقتها).

وورد في بعض الروايات: (الصلاة في أول وقتها) ومعناها تفضيل أول الوقت، ولكن أكثر الروايات على أن المراد الصلاة في وقتها، ومعلوم أن تقديمها في أول الوقت دليل على المحبة لها، ودليل على الهيبة، ودليل على الإقبال عليها؛ بحيث إنه لم يتوانَ ولم يتأخر، بل حينما أحس بدخول وقتها بادر وأتى بهذه الصلاة.

واستثني من ذلك صلاة العشاء كما سيأتي، فالأفضل تأخيرها، وصلاة الظهر في شدة الحر، يعني: إذا كان هناك حر مزعج شديد، فيشرع تأخيرها إلى وقت الإبراد، أي: إلى أن تذهب تلك الشدة، ويخف الحر، وهذا أفضل حتى تحصل الطمأنينة، أما بقية الصلوات فتقديمها أفضل من تأخيرها.

فضل بر الوالدين والجهاد في سبيل الله

ابن مسعود سأل عن أفضل الأعمال، فدل على أنها الصلاة على وقتها أو في وقتها، ثم سأله عما يلي ذلك من الفضل فأخبره ببر الوالدين؛ وذلك لعظم حق الوالدين فهو قرين حق الله تعالى كما في قوله تعالى: أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ [لقمان:14]؛ ولأن الوالدين لهما حق على ولديهما بإيجاده وبتربيته وبرعايته وحضانته ونحو ذلك، فعليه أن يبرهما ويؤدي حقهما.

ثم سأل بعد ذلك عن العبادة الثالثة التي تلي بر الوالدين فدله على الجهاد في سبيل الله، يعني: قتال الكفار؛ وذلك لأنه ذروة سنام الإسلام؛ ولأنه سبب في إعلاء كلمة الله تعالى وإظهار دينه، وإعزاز المسلمين وإذلال المشركين، وفيه غير ذلك من المصالح.

الصلاة تطلق على الدعاء، قال الله تعالى: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ [التوبة:103] يعني: دعاءك، هكذا أصلها في اللغة، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم فيمن دعي إلى طعام: (إن كان مفطراً فليأكل، ومن كان صائماً فليصلِ) يعني: فليدعُ.

وسميت هذه الصلاة عبادة لاشتمالها على الدعاء؛ لأن المصلي يدعو في صلاته إما دعاء عبادة وإما دعاء مسألة:

دعاء المسألة أن يسأل ربه أن يغفر له وأن يدخله الجنة وأن ينجيه من عذابه ومن النار، ودعاء العبادة كونه يرغب في هذه العبادة؛ لأجل آثارها، فيركع لأجل الثواب، ويرفع لأجل الثواب، ويحضر ويقوم ويقعد وغير ذلك من الأفعال لأجل أن يثاب عليها، فلسان حاله داعٍ، فكأنه يقول: أتيت إلى مساجدك وإلى بيوتك -يارب- لترحمني، أنا أقوم لك وأقعد، وأركع لك وأسجد، وأخضع وأتواضع بين يديك؛ لأجل أن أحصل على ثوابك وأسلم من أليم عقابك، فهو في الحقيقة داعٍ حتى ولو لم يكن في صلاته سؤال، بل فيها ذكر وقراءة ونحو ذلك، فالصلاة كلها دعاء.

شرعت هذه الصلاة لأجل إقامة ذكر الله، وذلك أن العبد كلما غفل قسا قلبه، فإذا ذكر ربه لان قلبه، ولا شك أن الصلاة تذكر بالله سبحانه فتلين بها القلوب القاسية، وكلما طالت الغفلة صعبت الطاعة، فإذا تخلل تلك الغفلة عبادة وذكر سهلت الطاعة.

معلوم أن العبد الذي دائماً في غفلة مشتغل بدنياه .. مقبل على لهوه وسهوه .. مكب على شهوات بطنه وفرجه، لا يهمه إلا ما تهواه نفسه، ويقطع بذلك أكثر زمانه، فإذا دعي إلى طاعة رأى لها صعوبة، وإذا دعي إلى عبادة استثقلها، بخلاف العبد الذي قد عوّد نفسه الطاعة فإنه يجدها خفيفة .. يجدها سهلة، بل يتلذذ بها كما يتلذذ أهل الشهوات بشهواتهم، فهناك من يتلذذون بالتهجد الذي هو صلاة الليل كما يتلذذ الذين يسهرون ليلهم على خمورهم وعلى شهواتهم البهيمية المحرمة أو المباحة، ولا شك أن هذه لذة دينية.

هذا من الحكمة في شرعية هذه الصلاة، وقد ذُكر لها مؤكدات كثيرة، وأسباب تدل على شرعيتها، حتى عدها بعضهم عشرة يطول بنا المقام لو فصلناها، وذُكرت لها حكم ومصالح تفوق العد، ولو ألفت فيها المؤلفات ما اتسعت لها.

ونحن نتكلم على هذه الأحاديث التي ذكرت، ومن طلب التوسع فيها وجده.

من حكمة الله سبحانه أن فرق هذه الصلوات على اليوم والليلة، ولم يجعلها في ساعة واحدة، ولا متوالية في وقت من الأوقات، بل جعلها متفرقة: فبعضها أول الليل كالمغرب والعشاء، وبعضها أول النهار كالفجر، وبعضها وسط النهار كالظهر والعصر.

والحكمة في ذلك: أن يكون العبد دائماً على صلة بالعبادة؛ فلا يبعد عهده بالعبادة، كلما اشتغل بشهواته وبدنياه في وقت من الأوقات، وأحس بشيء من القسوة دخل عليه وقت من هذه الأوقات فقام إلى عبادة من العبادات تصقل قلبه وتجلو همه وغمه، وتلين طبعه، وتذكره بربه، وتذكره بالوقوف بين يديه، فيحضر فيها قلبه ويخشع ويخضع ويتواضع، ويدعو ربه سراً وجهراً، ويذكره بعد تلك الغفلة، ويتلو كلامه ويخضع إليه، فينصرف منها وقد ازداد عبادة وقد تذكر الله وعظم قدر ربه في قلبه، هذه من الحكم.

وأيضاً: فإن ذلك لأجل تخفيفها، فلو أمروا بأن يصلوا سبع عشرة ركعة متوالية في وقت لكان في ذلك شيء من الثقل، وحبس لهم عن قضاء حوائجهم، ولكن أمروا بأن يصلوا كل جزءٍِ منها في وقت، فأربع في وقت، وثلاث في وقت، وركعتان في وقت.. وهكذا.

كما أمروا أن يتقربوا بجنس هذه الصلاة حسب استطاعتهم، كما يتقربون بجنس بقية العبادات.

ومواقيت الصلوات الخمس قد ذكرت في السنة موضحة، ووردت أيضاً إشارة إليها في القرآن، استنبطت من مثل قوله تعالى: وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنْ اللَّيْلِ [هود:114] فقالوا: الطرف الأول الفجر، والطرف الثاني: الظهر والعصر، أي: طرفي النهار،(وزلفاً من الليل) يعني: المغرب والعشاء، فإنهما في أول الليل.

وأخذت من قوله تعالى: أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ [الإسراء:78] (دلوك الشمس): ميلها، ويدخل فيه الظهر والعصر، و( غسق الليل): ظلمة الليل، ويدخل فيه المغرب والعشاء،( قرآن الفجر) صلاة الفجر.

وأخذت من قوله تعالى: فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ [الروم:17-18] فقيل: (حين تمسون) صلاة المغرب والعشاء، (وتصبحون) صلاة الفجر، (وعشياً) صلاة العصر، ( وحين تظهرون) صلاة الظهر، فالأوقات وجدت أدلتها في القرآن.

ولا شك أن إيقاعها في وقتها هو الأكمل والأفضل، وأن تأخيرها عن وقتها يعتبر ذنباً قد يسبب نقص أجرها، وقد يسبب العقوبة عليها، وقد فسر قوله تعالى: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:4-5]

بأنهم الذين يؤخرونها عن وقتها، يقول بعض السلف: أما إنهم لم يتركوها، ولو تركوها لكانوا كفاراً، ولكن أخروها عن وقتها؛ فتوعدهم الله تعالى بالويل، فدل على أن من شروطها إيقاعها في وقتها.

فلا يجوز تقديمها قبل الوقت، ومن قدمها لم تجزئه، فمن صلى المغرب قبل غروب الشمس، أو صلى الفجر قبل طلوع الفجر، أو صلى الظهر قبل زوال الشمس لم تقبل منه، حيث إنه لم يجعلها في وقتها، ومن أخرها حتى خرج وقتها اعتبر مفرطاً، كالذي يصلي الفجر بعدما تطلع الشمس، أو يصلي الظهر في الليل أو ما أشبه ذلك، لا شك أن هذا قد فرط وفوت الوقت الذي شرعت فيه الصلاة.

في هذا الحديث: أن ابن مسعود سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ فأخبره بأن أفضلها الصلاة على وقتها، أي: إذا صليت في وقتها، وكملت شروطها وصفاتها فهي أفضل الأعمال، يعني: بالنسبة إلى من طولب بالأعمال الصالحة، فإن أداء هذه الصلاة خير الأعمال وأفضلها، سيما إذا كملت صفاتها وهيآتها، قال: أي الأعمال أفضل؟ قال: (الصلاة على وقتها).

وورد في بعض الروايات: (الصلاة في أول وقتها) ومعناها تفضيل أول الوقت، ولكن أكثر الروايات على أن المراد الصلاة في وقتها، ومعلوم أن تقديمها في أول الوقت دليل على المحبة لها، ودليل على الهيبة، ودليل على الإقبال عليها؛ بحيث إنه لم يتوانَ ولم يتأخر، بل حينما أحس بدخول وقتها بادر وأتى بهذه الصلاة.

واستثني من ذلك صلاة العشاء كما سيأتي، فالأفضل تأخيرها، وصلاة الظهر في شدة الحر، يعني: إذا كان هناك حر مزعج شديد، فيشرع تأخيرها إلى وقت الإبراد، أي: إلى أن تذهب تلك الشدة، ويخف الحر، وهذا أفضل حتى تحصل الطمأنينة، أما بقية الصلوات فتقديمها أفضل من تأخيرها.

ابن مسعود سأل عن أفضل الأعمال، فدل على أنها الصلاة على وقتها أو في وقتها، ثم سأله عما يلي ذلك من الفضل فأخبره ببر الوالدين؛ وذلك لعظم حق الوالدين فهو قرين حق الله تعالى كما في قوله تعالى: أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ [لقمان:14]؛ ولأن الوالدين لهما حق على ولديهما بإيجاده وبتربيته وبرعايته وحضانته ونحو ذلك، فعليه أن يبرهما ويؤدي حقهما.

ثم سأل بعد ذلك عن العبادة الثالثة التي تلي بر الوالدين فدله على الجهاد في سبيل الله، يعني: قتال الكفار؛ وذلك لأنه ذروة سنام الإسلام؛ ولأنه سبب في إعلاء كلمة الله تعالى وإظهار دينه، وإعزاز المسلمين وإذلال المشركين، وفيه غير ذلك من المصالح.


استمع المزيد من الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح عمدة الأحكام [4] 2583 استماع
شرح عمدة الأحكام [29] 2581 استماع
شرح عمدة الأحكام [47] 2518 استماع
شرح عمدة الأحكام [36] 2501 استماع
شرح عمدة الأحكام 6 2441 استماع
شرح عمدة الأحكام 9 2369 استماع
شرح عمدة الأحكام 53 2355 استماع
شرح عمدة الأحكام [31] 2340 استماع
شرح عمدة الأحكام 7 2330 استماع
شرح عمدة الأحكام 56 2330 استماع