تنبيه حول طريقة الدعوة إلى بعض العبادات
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
تنبيه حول طريقة الدعوة إلى بعض العباداتالحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فمع قرب شهر رمضان - بلغنا الله إياه ونحن والأمة كلها في أتم الصحة، وقد انحسر البلاء – أقول: عند قربه وفي أثنائه ربما كثرت رسائل توجيهية نجد فيها بعض المبالغات فيما يخص جانب العبادات؛ كالصلاة وختم القرآن وغيرهما.
من الأمثلة على ذلك: رسالة تذكر أن أحد العباد كان أربعين سنة يصلي الفجر بوضوء العشاء، وهذا العمل إما أنه مخالف للسنة أو أن صاحبه قد تكون لديه مشكلة صحية، وإلا فكيف يخالف المسلم هديَ النبي صلى الله عليه وسلم بعدم النوم في الليل مطلقًا؟ وكيف يخالف سنة أفضلية الوضوء لكل صلاة؟
ورسالة أخرى تذكُر أن فلانًا العابد كان يصلي طوال الليل في سطح منزله، فلما توفي قالت بنت الجيران: أين الأسطوانة - أي: العمود - الذي كان ببيت جيراننا؟ وقد ظنته عمودًا؛ لأنها تراه طوال الليل واقفًا.
ومثل رسالة تذكر عددًا كبيرًا من الركعات في الليلة الواحدة، يصل إلى ألف ركعة أو أكثر، ورسالة رابعة تذكر عدد ختمات أحدهم للقرآن يوميًّا، وأنه يصل إلى عشرين ختمة أو خمس عشرة ختمة، وهكذا.
وهنا أحب أن أذكر إخواني بعدم مناسبة إرسال مثل هذه الرسائل للناس للأسباب الآتية:
أولًا: مخالفتها للهدي النبوي؛ حيث إن هذه العبادات بهذه الأعداد الكبيرة لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم أحرص الأمة على الخير وعلى الدعوة إليه.
ثانيًا: ولأنها لم تثبت عن الصحابة رضوان الله عليهم، وإنما هي روايات عن بعض التابعين والعباد، والخير كله في هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وفي هدي خلفائه الراشدين وبقية صحابته رضوان الله عليهم.
ثالثًا: ولأن الوعظ الصحيح ينبغي أن يدعم بعلم صحيح، لا بمعلومات تدغدغ عواطف البعض، بينما قد تصيب البعض الآخر بإحباط شديد عندما يرَون البون الشاسع بينهم وبين العبَّاد السابقين.
رابعًا: ويستغنى عنها بما ثبت من عبادات النبي صلى الله عليه وسلم، وما ثبت في روايات صحيحة من عبادات الصحابة، وكذلك عبادات التابعين الثابتة عنهم، والتي ليس فيها مخالفات للسنة النبوية ولا مبالغات.
خامسًا: أذكر الجميع بقوله سبحانه: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21]، وبقوله صلى الله عليه وسلم عن أبي نجيح العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: ((وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظةً وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن تأمَّر عليكم عبد؛ فإنه من يعِشْ منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة))؛ [رواه أبو داود والترمذي].
حفظكم الله، ورزقكم اتباع السنة، وأعاذكم من البدع والمبالغات، وبلغكم رمضان ووفقكم لصيامه وقيامه إيمانًا واحتسابًا.
وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.