تفسير قوله تعالى: {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله}
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
تفسير قوله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ﴾
الحمد لله رازق الإنسان مَلَكَةَ التعبير، والممتنِّ عليه بعلم التفسير، وبسنَّة البشير النذير، عليه وعلى آله وصحبه أزكى صلوات العلي القدير، وبعد:
قال تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 281].
إعراب الآية:
واتقوا: الواو حرف استئناف، اتقوا فعل أمر مبني على حذف النون، والواو ضمير متَّصل في محل رفع فاعل.
يومًا: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
تُرجعون: فعل مضارع مبني للمجهول، مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون في آخره، والواو ضمير متَّصل مبني في محل رفع نائب فاعل.
فيه: في حرف جرٍّ، والهاء ضمير متَّصل مبني على الكسرة في محل جر اسم مجرور.
إلى: حرف جر.
الله: اسم الجلالة مجرور، وعلامة جرِّه الكسرة الظاهرة في آخره.
ثم: حرف عطف.
تُوفَّى: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع، وعلامة رفعه الضمَّة المقدَّرة على الألف، والمانع من ظهورها التعذر.
كلُّ: نائب فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمَّة الظاهرة على آخره، وهو مضاف.
نفس: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره.
ما: اسم موصول مبني في محل نصب مفعول به.
كسبت: فعل ماضي مبني على الفتح، وتاء التأنيث الساكنة لا محل لها من الإعراب، والفاعل ضمير مستتر جوازًا تقديرُه هي.
وهم: الواو حرف استئناف، هم ضمير مُنفصِل مبني في محل رفع مبتدأ.
لا: حرف نفي.
يُظلَمون: فعل مضارع مبني للمجهول، مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون في آخره، والواو ضمير متصل مبني في محل رفع نائب الفاعل، والجملة الفعلية في محل رفع خبر.
أمَرَ تعالى في هذه الآية الكريمة باتقاء عذابه وناره؛ وذلك بامتثال أوامره واجتناب نواهيه وقد نزَلَ القُرآن الكريم والسنَّة المطهَّرة لتفصيل تلك الأوامر وبيان ما تجرُّ من مصالح على الإنسان ومجتمعه ومستقبله، وتفصيل تلك النواهي وما تقتضيه من مفاسد، وفعل الأمر ﴿ اتَّقُوا ﴾ يفيد الوجوب؛ أي: يُثاب مَن امتثَله ويأثَم من تركه؛ أي: يجب على كل إنسان بعينِه تقوى الله تعالى، ويفيد أيضًا فعل الأمر المستقبل ولازمه فتح باب التوبة؛ أي: حتى الذي جهل هذه الحقيقة أو غفل عنها فبإمكانه الرجوع إلى الله وتحقيق التقوى، والتوبة هي الإقلاع عن الذنب والندم وعقد العزم على عدم الرجوع إليه قبل أن تصل الروح إلى الحلقوم أو تطلع الشمس من مغربها، ومن فوائد هذه الآية الكريمة أن الدين عند الله واحد وهو الإسلام؛ لأنه تعالى أمر به جميع الإنس والجن بقوله: ﴿ واتَّقوا ﴾؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾ [آل عمران: 19].
﴿ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ﴾؛ أي: يوم الوفاة؛ لأن هذا اليوم أشد أيام الإنسان، ففيه يَنكشِف الغيب، ويرى ملائكة الرحمة إن كان من الصالحين، وملائكة العذاب إن كان من العاصين، وقيل: يوم القيامة الذي يبعث فيه الإنسان ويُحاسب ويُجزى على عمله.
﴿ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 281]؛ أي: من كان كافرًا فمآله النار خالدًا فيها، ومن كان مسلمًا فيحاسب على عمله، فإن غلبت حسناته سيئاته دخل الجنة، وإن غلبت سيئاته حسناته دخل النار حتى يتطهَّر من ذنوبه ثم يدخل الجنة، ويُمكن أن يدخل الجنة من غير سابقة عذاب إن غفر الله له أو أذن بشفاعة فيه، وقد نفى تعالى عن نفسه الظلم في هذه الآية، وهذا من تمام الكمال والقوة والعزة والحكمة والرحمة، فأفعاله تعالى تدور بين العدل والفضل، ونعوذ بالله أن يُحاسبنا بعدله، فهذه الآية الكريمة آخر ما نزَل على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لذلك فهي وصية الله لعباده؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنها نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بتسع ليال، ووجْهُ المناسبة بينها وبين أول آية نزلت وهي: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ [العلق: 1]: أنه تعالى أمر في أول آية نزلت بطلب العلم، وأمر في آخر آية نزلت بالعمل بعدما بيَّنَ عقائد دينه وشرائعه وأحكامه، وفي هذا بيان أن الفلاح في الآخرة شرطه الجمع بين العلم النافع والعمل الصالح؛ فالعلم من غير عمل يوجب غضب الله، والعمل من غير علم يوجب وصْف الضلال، ومن ترك العلم والعمل فهو أشرُّ منهما ومن جمع بين العلم والعمل كان من المنعم عليهم؛ قال تعالى: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 6، 7].