شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 304-306


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً وعملاً يا أرحم الراحمين.

اللهم إنا نعوذ بك من تحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك.

الحديث الأول: وهو قول المصنف رحمه الله تعالى: [ وعنه رضي الله عنه ]، يعني: صحابي الحديث السابق وهو أبو هريرة رضي الله عنه.

[ قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من قراءة أم القرآن، رفع صوته وقال: آمين )، قال رواه الدارقطني وصححه وحسنه، والحاكم وصححه ].

تخريج الحديث

هذا الحديث من رواية أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، وقد رواه الدارقطني، كما ذكر المصنف في سننه كتاب الصلاة، باب التأمين في الصلاة بعد الفاتحة والجهر به، أي: بها، يعني: بهذه الكلمة، كما ذكر المصنف رحمه الله، وقال الدارقطني عقب روايته: هذا إسناد حسن، وقد أشار المصنف رحمه الله إلى هذا قال: [ رواه الدارقطني وحسنه ]، فإن الدارقطني قال عقب روايته: هذا إسناد حسن، وكذلك رواه الحاكم في مستدركه، وقال: هذا حديث صحيح، وقد روى أبو داود نحوه، ولذلك نسبه بعض أهل العلم أيضاً من حديث أبي هريرة، نسبوه لـأبي داود فإن أبا داود رحمه الله روى في سننه عن أبي هريرة رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تلا (( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ ))[الفاتحة:7]، قال: آمين، حتى يسمعه من يليه من الصف الأول )، وهذا الحديث هو بمعنى حديث الباب، ولهذا نسب بعض أهل العلم حديث أبي هريرة رضي الله عنه، هذا إلى أبي داود في سننه .

معاني ألفاظ الحديث

وقوله: (إذا فرغ من قراءة أم القرآن)، يعني: سورة الفاتحة في الصلاة الجهرية، وهذا ظاهر من قوله: (رفع صوته)، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يرفع صوته إلا في الجهرية.

وقوله: (رفع صوته وقال: آمين)، كلمة: (آمين) فيها: ثلاث لغات، والمشهور منها لغتان، المشهور من (آمين) لغتان:

اللغة الأولى: هي اللغة المشهورة وهي (آمين) بالمد، وهي أشهر اللغات، والشاهد لها من قول العرب قول القائل:

يا رب لا تسلبني حبها أبداً ويرحم الله عبداً قال آمينا

فهذه هي اللغة الأولى.

أما اللغة الثانية: فهي لغة القصر أن يقول: (أمين) بدون مد، والشاهد لها من كلام العرب، قول القائل:

تباعد مني فطحل إذ دعوته أمين فزاد الله ما بيننا بعدا

فقوله: (أمين) يعني: اللهم آمين، (أمين فزاد الله ما بيننا بعداً)، وفيها لغات أخرى، لكنها لغات ضعيفة أو غير مشهورة، فهاتان أشهر اللغات فيها.

و(آمين) اسم فعل، فهو كقولهم: صه .. ونحوها من أسماء الأفعال، وهي مبنية على الفتح بإجماعهم، فإذا أراد أن يصل آمين بما بعدها قال: آمينَ أو أمينَ.

ومعناها: اللهم استجب، هذا مذهب الجمهور، وتوجد أقوال أخرى قريبة من هذا المعنى.

وقيل: المعنى: اللهم أمنا بخير.

وقيل: إن (آمين) اسم من أسماء الله جل وعلا، فكأن الذي يقول: (آمين) يقول: يا الله مثلاً.

لكن المشهور: الأول أن معنى (آمين): اللهم استجب، وهذا ظاهر معروف.

هذا ما يتعلق بالألفاظ في حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

هذا الحديث من رواية أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، وقد رواه الدارقطني، كما ذكر المصنف في سننه كتاب الصلاة، باب التأمين في الصلاة بعد الفاتحة والجهر به، أي: بها، يعني: بهذه الكلمة، كما ذكر المصنف رحمه الله، وقال الدارقطني عقب روايته: هذا إسناد حسن، وقد أشار المصنف رحمه الله إلى هذا قال: [ رواه الدارقطني وحسنه ]، فإن الدارقطني قال عقب روايته: هذا إسناد حسن، وكذلك رواه الحاكم في مستدركه، وقال: هذا حديث صحيح، وقد روى أبو داود نحوه، ولذلك نسبه بعض أهل العلم أيضاً من حديث أبي هريرة، نسبوه لـأبي داود فإن أبا داود رحمه الله روى في سننه عن أبي هريرة رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تلا (( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ ))[الفاتحة:7]، قال: آمين، حتى يسمعه من يليه من الصف الأول )، وهذا الحديث هو بمعنى حديث الباب، ولهذا نسب بعض أهل العلم حديث أبي هريرة رضي الله عنه، هذا إلى أبي داود في سننه .

وقوله: (إذا فرغ من قراءة أم القرآن)، يعني: سورة الفاتحة في الصلاة الجهرية، وهذا ظاهر من قوله: (رفع صوته)، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يرفع صوته إلا في الجهرية.

وقوله: (رفع صوته وقال: آمين)، كلمة: (آمين) فيها: ثلاث لغات، والمشهور منها لغتان، المشهور من (آمين) لغتان:

اللغة الأولى: هي اللغة المشهورة وهي (آمين) بالمد، وهي أشهر اللغات، والشاهد لها من قول العرب قول القائل:

يا رب لا تسلبني حبها أبداً ويرحم الله عبداً قال آمينا

فهذه هي اللغة الأولى.

أما اللغة الثانية: فهي لغة القصر أن يقول: (أمين) بدون مد، والشاهد لها من كلام العرب، قول القائل:

تباعد مني فطحل إذ دعوته أمين فزاد الله ما بيننا بعدا

فقوله: (أمين) يعني: اللهم آمين، (أمين فزاد الله ما بيننا بعداً)، وفيها لغات أخرى، لكنها لغات ضعيفة أو غير مشهورة، فهاتان أشهر اللغات فيها.

و(آمين) اسم فعل، فهو كقولهم: صه .. ونحوها من أسماء الأفعال، وهي مبنية على الفتح بإجماعهم، فإذا أراد أن يصل آمين بما بعدها قال: آمينَ أو أمينَ.

ومعناها: اللهم استجب، هذا مذهب الجمهور، وتوجد أقوال أخرى قريبة من هذا المعنى.

وقيل: المعنى: اللهم أمنا بخير.

وقيل: إن (آمين) اسم من أسماء الله جل وعلا، فكأن الذي يقول: (آمين) يقول: يا الله مثلاً.

لكن المشهور: الأول أن معنى (آمين): اللهم استجب، وهذا ظاهر معروف.

هذا ما يتعلق بالألفاظ في حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

ثم قال المصنف رحمه الله: [ ولـأبي داود والترمذي من حديث وائل بن حجر نحوه ]. يعني: نحو حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقد روى حديث وائل بن حجر أبو داود في سننه، في كتاب الصلاة، باب التأمين وراء الإمام، ولفظه لأن المصنف لم يسق اللفظ، إنما قال: نحوه، يعني: نحو حديث أبي هريرة، فلفظ حديث وائل بن حجر عند أبي داود قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، قال: آمين، ورفع بها صوته ).

ثم روى أبو داود بعد هذا الحديث مباشرة بسند آخر، ولفظ آخر أيضاً، عن وائل بن حجر رضي الله عنه: ( أنه صلى ) هذا اللفظ الأول انتهينا منه.

يوجد لفظ آخر مقارب، ساقه أبو داود من حديث وائل بن حجر : ( أنه صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فجهر بآمين -يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم- وسلم عن يمينه وعن شماله. قال: حتى رأيت بياض خده عليه الصلاة والسلام )، فهو أيضاً بمعنى الحديث السابق، ولكن سنده مختلف.

تخريج الحديث وكلام أهل العلم فيه

ورواه -أعني: الحديث الأصلي حديث وائل بن حجر - الترمذي في سننه أيضاً في أبواب الصلاة، باب ما جاء في التأمين، بنحو لفظ أبي داود، قال الترمذي : وفي الباب عن أبي هريرة وعلي رضي الله عنهم، قال: وحديث وائل بن حجر حديث حسن.

والحديث رواه أيضاً -غير من ذكر المصنف - أحمد في مسنده، والدارقطني، وابن حبان، وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص : إسناده صحيح.

وكما ذكر المصنف حسنه الدارقطني، وصححه الحاكم .

أعل الحديث ابن القطان براو اسمه حجر بن عنبس، هو عن وائل رضي الله عنه، اسمه الحجر بن عنبس وقال: إنه لا يعرف، فكأنه يزعم أنه مجهول، وهذا الكلام الذي ذكره ابن القطان قد تعقب عليه، ولم يصب فيه؛ فإن حجراً هذا حجر بن عنبس : تابعي جليل معروف، وثقه ابن معين .. وغيره، بل قال بعضهم: إنه له صحبة، فهو عند بعضهم صحابي، وعند آخرين تابعي جليل معروف ثقة.

إذاً: العلة الأولى التي ضعف بها الحديث عند بعضهم: هي أن فيه حجر بن عنبس، وهو تابعي ثقة على الراجح فهذه هي العلة الأولى، وهي مردودة.

العلة الثانية: أشار إليها النووي، فإنه قال في المجموع لما ساق الحديث: إسناده صحيح، بل قال: إسناده حسن، كل رجاله ثقاة، إلا محمد بن كثير العبدي، محمد بن كثير هذا هو شيخ أبي داود هذا من عندي، أما النووي قال: إسناده حسن، كل رجاله ثقاة إلا محمد بن كثير العبدي جرحه ابن معين ووثقه غيره، قال النووي : وقد روى له البخاري في صحيحه، وكفى بذلك شرفاً وتوثيقاً له.

إذاً: محمد بن كثير أيضاً الراجح أنه ليس فيه جرحة، فهي العلة الثانية التي ضعف بها الحديث، ولم يصب من ضعفه بها، ولعله لذلك قال النووي رحمه الله والترمذي : إنه حديث حسن.

شذوذ رواية خفض الصوت بالتأمين

وقد جاء في رواية لحديث وائل أنه قال: ( وخفض بها صوته )، يعني: بقول آمين، ( وخفض بها صوته )، وهذه الرواية حكم الحافظ ابن حجر في الفتح بأنها رواية شاذة، وكذلك قال من قبله الإمام البخاري محمد بن إسماعيل في التاريخ قال: أخطأ شعبة . يعني: شعبة تفرد بقوله: (وخفض بها صوته)، قال: وإنما هي: (جهر بها) وهكذا قال الترمذي في جامعه؛ فإنه نقل كلام محمد بن إسماعيل وقوله: حديث سفيان أصح من حديث شعبة .

إذاً: الصحيح أنه جهر بها، وأما رواية: (خفض بها صوته) فقد تفرد بها شعبة، وحكم العلماء بشذوذها؛ لأنها زيادة مخالفة، مناقضة لما رواه الثقاة الأثبات، وهم أكثر وأصح، وحكم أهل العلم بأن قول شعبة (خفض بها صوته) أنه شاذ وخطأ، كما قال البخاري رحمه الله .. وغيره.

عدم نسخ الجهر بالتأمين

في حديث وائل بن حجر رد على من زعم أن هذا الحكم منسوخ، يعني: بعض أهل العلم قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم جهر بالبسملة في أول الإسلام، حتى يعلمها الناس، ثم أسر بها بعد ذلك، ففي حديث وائل بن حجر رد على من زعموا أن الجهر بالبسملة منسوخ، ما وجه الرد عليهم؟

لأن وائل بن حجر رضي الله عنه متأخر الإسلام، وهو يقول في الرواية: (إنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وصلى خلفه).

إذاً: هو يحكي أمراً سمعه، فهذا رد على من ادعى أن هذا الحكم منسوخ.

حكم التأمين بعد الفراغ من قراءة الفاتحة

في الحديثين مسألة، بل مسائل:

المسألة الأول منها: حكم التأمين، وفي هذه المسألة ثلاثة أقول:

القول الأول: أن التأمين واجب، وهذا نسب لأهل الظاهر، ولبعض أهل العلم قالوا: أخذاً بظاهر هذه الأحاديث والأحاديث الأخرى، التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيها بأن يقول الإنسان: آمين، كما سيأتي ذكر هذه الأحاديث، فقالوا: بناءً على ذلك فإن التأمين واجب، وهذا القول لم يقل به إلا أفراد وآحاد من أهل العلم، ولذلك يتجاوز كثير من أهل العلم ذكره ضمن مسألة الخلاف.

القول الثاني: أن التأمين سنة للجميع، للإمام والمأموم والمنفرد، والقائم والقاعد، والرجل والمرأة .. وغيرهم. فهو سنة بكل حال ولكل مصل، وهذا القول هو مذهب ابن عمر رضي الله عنه، وابن الزبير، والثوري، وعطاء، ومذهب جماعة من الأئمة المتبوعين، كـالشافعي، وإسحاق، وأصحاب الرأي أبي حنيفة وأصحابه، والإمام أحمد .. وغيرهم، ولهم بذلك أدلة كثيرة منها أو من أشهرها: قول أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إذا أمن الإمام فأمنوا؛ فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه )، وهذا الحديث رواه الشيخان ومالك .. وغيرهم عن أبي هريرة رضي الله عنه، وسيأتي الإشارة إليه، ودلالة الحديث على التأمين ظاهرة، فإنه قال: ( إذا أمن الإمام فأمنوا )، فدل على أن الإمام يؤمن أو لا؟ يؤمن، والمأموم يؤمن أو لا؟ يؤمن، فغيرهم كذلك.

ومن أدلتهم ما سيأتي بعد قليل في ذكر الخلاف في الجهر بالبسملة، هل يجهر بها أو لا يجهر بها؟ فنرجئ الكلام أو سرد تلك الأدلة إلى ما بعد قليل.

إذاً: القول الأول: أنها واجبة، أعني: مسألة التأمين أنها واجبة.

القول الثاني: أنها سنة للجميع.

القول الثالث: ذهب أصحاب الإمام مالك : إلى أنه لا يسن للإمام أن يؤمن، أما الإمام مالك نفسه فله في المسألة أو عنه في المسألة روايتان:

الرواية الأولى: قال: لا يسن مطلقاً، يعني: لا يسن للإمام أن يؤمن مطلقاً، لا في السرية ولا في الجهرية، أما الرواية الثانية عن الإمام مالك قال: لا يسن له أن يؤمن في الجهرية.

إذاً: مالك عنه روايتان: قال: الأولى: لا يؤمن مطلقاً، والثانية: لا يؤمن في الجهرية، وأصحاب مالك كذلك منهم من رجح هذا، ومنهم من رجح هذا، لكن المشهور عن المالكية أنه لا يشرع للإمام أن يؤمن.

ما هي حجة مالك ومن وافقه على ترك التأمين للإمام؟ حجتهم: ما رواه مالك نفسه رحمه الله في موطئه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا قال الإمام: وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، فقولوا: آمين، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ). فقال: إن قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا قال الإمام: وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، فقولوا: آمين )، دليل على أن قول: آمين للمأموم، كأن الإمام يقول: وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، والمأموم يقول: آمين، فإنه مثل قوله: ( وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد )، فيقول الإمام: سمع الله لمن حمده، ويقول المأموم: ربنا ولك الحمد، يعني: لا يقول مثل الإمام: سمع الله لمن حمده، وسيأتي الخلاف أيضاً في مسألة التسميع، وحديث أبي هريرة بهذا اللفظ الذي سقته: ( إذا قال الإمام: وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، فقولوا: آمين )، هو أيضاً رواه البخاري ورواه مسلم بلفظ مقارب، ورواه مالك في الموطأ، ورواه أيضاً أبو داود والترمذي .. وغيرهم.

واستدلالهم بهذا الحديث بهذا اللفظ وإن كان سائغاً، إلا أنه مدفوع بأن الحديث له ألفاظ أخرى، وينبغي حمل بعض الألفاظ على بعض، فإن اللفظ الآخر للحديث كما سقته قبل قليل: ( إذا أمن الإمام فأمنوا ).

وهذا حجة عليهم في أن الإمام يؤمن كما يؤمن المأموم، والألفاظ ينبغي ألا يضرب بعضها ببعض، أو يؤخذ من بعضها ويترك البعض الآخر، بل أن يفهم بعضها على ضوء البعض الآخر، ويحمل بعضها على بعض.

كما تمسك بعض المالكية بحديث أبي هريرة رضي الله عنه للإمام: [ لا تسبقني بآمين ]، وهذا اللفظ عن أبي هريرة رضي الله عنه رواه البخاري تعليقاً في الأذان، في صفة الصلاة كما سيأتي، ورواه أيضاً عبد الرزاق .. وغيرهما، وسيأتي الإشارة إلى روايات أخرى له، ولكن بهذا اللفظ أن أبا هريرة قال للإمام: [ لا تسبقني بآمين ]، قالوا: فإن قول أبي هريرة : [ لا تسبقني بأمين ]، معناه: لا تنازعني فيها، يعني: لا تقل: آمين كما أقول أنا، فكأنه قال: إن وظيفة الإمام هي القراءة، وقول: وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، أما وظيفة المأموم فهي أن يقول: آمين، فكأنه يقول للإمام: لا تنازعني على لفظة (آمين) فتقولها أنت كما أقولها أنا، وهذا الاستدلال ليس بجيد؛ لأن قول أبي هريرة : [ لا تسبقني بآمين ]، ظاهر في عدم سبق الإمام بها، كأنه يريد أن يوافقه عليها؛ لأنه جاء في الحديث: ( من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ).

وجاء حديث أبي هريرة مرفوعاً، يعني: من قول أبي هريرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعني: أن أبا هريرة قال: ( يا رسول الله لا تسبقني بآمين )، وكأن أبا هريرة رضي الله عنه كان يتأخر في الإقامة، ثم تسوية الصف .. أو ما شابه ذلك، فيشرع النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً في الصلاة، وربما قرأ حتى (آمين)، فكأن أبا هريرة رضي الله عنه التمس من رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يسبقه بقول: (آمين)، حتى يصل ويؤمِّن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه الصيغة من قول أبي هريرة : ( يا رسول الله! لا تسبقني بآمين )، رواها أبو داود في سننه، وقال الحافظ في فتح الباري : رجاله ثقات، لكن قيل: إن أبا عثمان -وهو الراوي عن أبي هريرة - لم يلق بلالاً، نعم هي في رواية عن بلال رضي الله عنه، وفي رواية أخرى عن أبي هريرة، فـأبو عثمان في رواية بلال عند أبي داود، وقيل: إنه لم يلقه، ورجح أيضاً الدارقطني المرسل، يعني: جاء في رواية (أن أبا هريرة )، أو (أن بلالاً ) مرسلاً فرجح الدارقطني المرسل.

إذاً: فالراجح في المسألة الأولى: وهي مسألة حكم التأمين أنه يستحب للإمام والمأموم والمنفرد أن يؤمنوا جهراً في الجهرية، وسراً في السرية؛ لمجموع الأدلة السابقة.

وربما يقول بعضكم: ما هي الصوارف عن الوجوب؟

فنقول: الصوارف عن الوجوب أمور: لعل منها قوله: ( إذا قال الإمام: وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، فقولوا: آمين )، فدل هذا على أنه لا يجب على الإمام أن يؤمِّن، وإذا لم يجب على الإمام، فإن الأصل عدم وجوبه أيضاً على غيره، فيؤخذ من هذا اللفظ عدم الوجوب، وإن كان يؤخذ منه استحباب أن يقوله الإمام والمأموم، وأن يجهروا به كما سوف يأتي.

طرائف علمية مفيدة

قبل أن ننتقل إلى المسألة الثانية: وهي مسألة حكم الجهر بالتأمين، نفصل ببعض الطرائف العلمية العابرة، هذه فائدة في الواقع ليست طرفة علمية، وإنما هي فائدة ذكرها الأخ صالح جزاه الله خيراً، وفتح لكم الباب، فمن أحب المشاركة ببعض الطرائف لا حرج، لكن نشترط أن تصلني قبل موعد الدرس، حتى أستطيع أن أفرزها، وأعرف المناسب فيها من غير المناسب.

عمر بن عبد العزيز يسأل الله الرحمة

فيقول: ذكر الطرطوشي في كتابه الدعاء المأثور أن عمر بن عبد العزيز: (خرج في يوم الفطر إلى المصلى، فلما فرغ من صلاته، قال: اللهم ارحمني، فإنك قلت: إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف:56]، فإن لم أكن محسناً فأنا مؤمن، وقد قلت: وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا [الأحزاب:43] فارحمني، وإن لم أستوجب ذلك فأنا شيء، وقد قلت: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [الأعراف:156]، وإن لم أستحق شيئاً من ذلك فأنا مصاب حيث نفيت من رحمتك، وقد أظمأت نهاري، وأسهرت ليلي، وقد قلت: الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة:156]).

أما بعض الطرائف التي أعددتها لكم، فهي عديدة، وقد اعتمدت فيها على الإمام حمد بن محمد أبي سليمان الخطابي رحمه الله، وهو من أئمة اللغة والأدب والحديث والفقه أيضاً، وله كتب نافعة مشهورة منها: كتاب غريب الحديث في ثلاث مجلدات، ومنها: كتاب الدعاء، ومنها: كتاب معالم السنن شرح سنن أبي داود، ومنها: كتاب العزلة، وله كتب أيضاً في الأدب واللغة .. وغيرها.

سفيان بن عيينة والشيخ المصاب في مجلس التحديث

فمن الطرائف أنه ذكر عن يحيى بن حسان قال: [ كنا في مجلس سفيان بن عيينة -وهو مجلس كما تعرفون حافل- وكان سفيان رحمه الله يحدث تلاميذه. قال: إذ تزاحم جماعة من الناس على رجل ضعيف مريض فكسروه، وأصابوا يد الرجل فسقط، فكان يصيح ويقول: يا سفيان ! يا سفيان، وسفيان قد أحاط به الطلاب وهو لا يسمع، لكنه سمع الصوت من بعيد، فاقترب منه بعض الذين أصابوا ذلك الشيخ، فقال له سفيان: ماذا يقول ذلك الرجل؟ قال: يقول: زدنا في السماع، زدنا في السماع يرحمك الله، فاستمر سفيان يحدثهم؛ لأنه يحسب أنه صادق، أن الرجل يعني: أن كثر من الأحاديث، والرجل يقول: يا سفيان ! لا جعلتك في حل مما فعلوا بي، يا سفيان لا جعلتك في حل مما فعلوا بي ].

الحذر ممن يتظاهر بالتقوى والصلاح للإيقاع بالآخرين

الفائدة الثانية أو الطرفة الثانية: ذكر أيضاً عن مالك بن دينار، قال مالك في تمثيله بعض القراء غير المستقيمين على الجادة، والذين يستخدمون علمهم وقراءتهم -والعياذ بالله- فيما يضرهم ولا ينفعهم، قال: مثل هؤلاء كرجل نصب فخاً، ووضع فيه حباً، فجاء العصفور فوقع قريباً من هذا الفخ، فقال للفخ: لماذا أنت مدفون في الأرض؟ قال: من التواضع، قال: فلماذا أنت منحن؟ قال: من طول العبادة، قال: وما هذا الحب الذي بداخلك؟ قال: هذا طعام صدقة أعددتها للصائمين، فلما غربت الشمس اقترب العصفور المسكين حتى يفطر على هذا الحب، فلما اقترب منه أصابته الأحبولة، وأمسكت به وخنقته، فأدرك أن الأمر لعبة. وقال: إن كان كل العباد يخنقون مثل خنقك، فلا خير في العباد في هذا الزمان.

أبو ثور والرجل المتزهد

ومن الطرائف التي ذكرها، وهي طرائف لا تخلو من فوائد أيضاً، قال بعض أهل العلم: إنه كان رجل يختلف معنا إلى مجلس الإمام أبي ثور، وهو أيضاً من الأئمة كان شافعياً، ثم استقل وأصبح إماماً متبوعاً صاحب مذهب، فيقول: كان رجل يختلف معنا إلى مجلس أبي ثور، وكان وقوراً حسن الهيئة، فإذا رآه أبو ثور تحفظ في حديثه، وكف رجله وانقبض في كلامه، خشية من هذا الرجل وتوقيراً له، قال: فانقطع هذا الرجل عن مجلس أبي ثور زماناً، ثم رآه بعد ذلك جاء وقد تغيرت هيئته، ونحل بدنه، واصفر لونه، وشحب وجهه، وقد غطى عينه بشيء من الشمع، فنظر إليه أبو ثور، فلما انتهى المجلس، قال: أليس هذا الرجل الذي كنت أعرفه؟ قالوا: بلى. قال: هاتوه، فلما جاءوا به، قال: أين أنت رحمك الله؟ قال: يا هذا قد رزقني الله تعالى الإنابة إليه، فأقبلت على العبادة، وتركت ما أنتم فيه، وذكر أنه عرف جماعة من الصوفية، وانقطع معهم إلى ذكر الله تعالى، والعبادة فيما يزعم. قال: وما هذا الذي أراه على عينك من الشمع؟ قال: نظرت إلى الدنيا فإذا بها لا تستحق أن أنظر إليها بعيني، ثم نظرت فإذا إحدى عيني تقوم مقام الأخرى، أستطيع أن أنظر بها إلى طريقي، وأقوم بها بعملي، فغطيت هذه الأخرى، حتى لا أمد عيني إلى هذه الدنيا، كما قال الله تعالى: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ [طه:131]، يعني: إذا مد عيناً واحدة ما فيه مانع، إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ [طه:131]، هذه من عندي على كل حال، لكن الرجل حري أن يقول مثلها أو أشد منها، فقال له أبو ثور: ومنذ كم وأنت على مثل هذا؟ قال: منذ شهر أو شهرين، قال أما علمت يا مسكين! أن عليك طهارة شهرين، وصلاة شهرين؛ لأن هذا الموضع الذي عليه الشمع ما أصابه الماء، وبناءً عليه يجب عليك أن تعيد الغسل والوضوء والصلاة .. وغير ذلك، ثم قال: انظروا للشيطان كيف أخرجه من مجالس العلم، ثم أوصله إلى ما أوصله إليه، فوكل الإمام أبو ثور به رجلاً يعلمه، ويقوم عليه.

الأعرابي وجاره البخيل

ونختم بقصة أعرابي كان في الكوفة وكان بجواره رجل، قد اتخذه هذا الأعرابي من عدده للنوائب، وظن أنه من أخلص الناس له، فلما نزلت بهذا الأعرابي نازلة، جاء إلى هذا الرجل فوجده أبعد مما كان، فانكفأ هذا الأعرابي وهو يقلب كفيه، ويقول؛ لأن الرجل كان حسن اللسان، ذرب اللسان بالكلام الحسن المعسول، فانقلب هذا الأعرابي وهو يقول:

إذا كان ود المرء ليس بزائد على مرحباً أو كيف أنت وحالكا

أو القول إني وامق لك مشفق وأفعاله تبدي لنا غير ذلكا

لسانك معسول ونفسك بشة وعند الثريا من صديقك مالكا

وأنت إذا همت يمينك مرة لتفعل شيئاً نازعتها شمالكا

هذا والله أعلم .

حكم الجهر بـ (آمين)

أما المسألة التالية: فهي مسألة الجهر بآمين، الجهر بآمين مسألة غير مسألة التأمين؛ لأنه قد يؤمّن ويسر بها، فالجهر بالتأمين أيضاً فيه قولان:

القول الأول: أنه يستحب، يعني: في الصلاة الجهرية للإمام والمأموم أن يجهر بـ (آمين)، وهذا القول كما يقول الترمذي رحمه الله: وبه يقول غير واحد من أهل العلم، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم، ثم نسبه الترمذي، يعني: ذكر هذا القول أنه يرفع صوته بـ (آمين)، ونسبه إلى الإمام أحمد والشافعي وإسحاق .. وغيرهم، كما أن هذا القول نسب إلى طاوس من التابعين، وداود الظاهري، وابن خزيمة، وابن المنذر من الشافعية .. وغيرهم كثير، أنهم يقولون: يستحب له أن يجهر بـ(آمين)، وقال الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه : كتاب الصلاة، باب جهر الإمام بالتأمين، يعني: ما ورد في ذلك، ثم ساق عدة روايات معلقة، قال البخاري رحمه الله، وقال عطاء: ( آمين دعاء -يعني: كما سلف أنه يقول: اللهم استجب، ثم قال:- وقد أمن ابن الزبير رحمه الله، وأمن من وراءه، حتى إن للمسجد للجة)، باللام هكذا رواها البخاري وسيأتي أنه في رواية أخرى: (لرجه) والمعنى واحد، وقال: (وكان أبو هريرة رضي الله عنه ينادي الإمام: لا تفتني بـ (آمين) )، وهذه الرواية التي أسلفت لكم قبل قليل، ورواها البخاري تعليقاً، فهذا هو موضعهاً، (كان أبو هريرة ينادي الإمام: لا تفتني بـ (آمين) )، والرواية الأخرى أيضاً أسلفت: (لا تسبقني بآمين).

قال البخاري رحمه الله: وقال نافع : ( كان ابن عمر رضي الله عنه لا يدعه، ويحضهم عليه، وسمعت منه في ذلك خيراً )، أنه يذكر خيراً يعني: لمن أمن، انتهي كلام البخاري رحمه الله وتعليقه.

وقد روى البيهقي عن عطاء رحمه الله قال: ( أدركت مائتين من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذا المسجد، فسمعتهم جميعاً، وسمعت لهم رجة بـ (آمين) )، سمع لهم رجة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم -والله تعالى أعلم- بالتأمين، أي: أنهم يرفعون أصواتهم بذلك، فهذه بعض الأقوال، التي تدل على مذهب وقول من ذهبوا إلى هذا القول، كما تدل على أدلتهم، فيمكن أن نقول كما في السابق مثلاً: من أدلة من قالوا بالجهر بآمين قول أبي هريرة رضي الله عنه: ( يا رسول الله! لا تسبقني بـ (آمين) )، أو قوله للإمام هذا الإمام اختلف هل هو مروان أو إمام كان بـالبحرين، كلام يطول، المهم قال: ( لا تسبقني بـ (آمين) )، فهو دليل على أنه يسمعها منه، ويريد أن يقولها معه.

كما أننا نقول من أدلتهم: قول عطاء : ( أنه أدرك مائتين من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان لهم رجة بالتأمين ).

ومن أدلتهم: ( أن ابن الزبير كان يؤمن، ويؤمن من وراءه، حتى إن للمسجد للجة أو لرجة )، فكل هذا يدل على أن التأمين مشهور عند أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولا شك أنهم أخذوا هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

كما أن من الأدلة الصريحة في ذلك: قوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه أبو هريرة : ( إذا أمّن الإمام