مباحث النبوة - حسن العشرة بين الزوجين [2]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين، وعن من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً, وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا, وعلمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين! اللهم زدنا علماً نافعاً, وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين! سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك! سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك! اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

فقد كنت ذكرت خلق نبينا مع أهله الكرام على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، وبينت ما في هذا الأمر من دلالات واضحة على أن نبينا رسول الله حقاً وصدقاً عليه وعلى آله وصحبه صلوات الله وسلامه. وقبل أن ننتقل إلى مدارسة الجانب الثاني من خلقه الكريم عليه صلوات الله وسلامه، ألا وهو خلقه مع أصحابه الكرام وأمته على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، قلت: يحسن بنا بل يجب علينا أن نذكر ترجمةً موجزة لأمهاتنا أزواج نبينا على نبينا وعلى آله وصحبه صلوات الله وسلامه.

وقلت: إن هذه الترجمة لأمهاتنا أزواج نبينا سيسبقها ثلاثة أمور: أولها: بيان مقاصد النكاح وفوائده، وثانيها: الحكمة من مشروعية التعدد في الأمة، وثالثها: بيان الحكمة من تعدد أزواج نبينا عليه الصلاة والسلام أكثر مما أبيح لأمته, على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه.

وقلت: إن هذه الأمور لا بد منها قبل ذكر ترجمة أمهاتنا أزواج نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه؛ لنرى منزلة النكاح، وفوائده، ومنافعه، وعليه إذا استكثر الإنسان منه بنية طيبة واتقى الله في أهله، فإنما يستكثر من الخير الذي يعود عليه بالفوائد العظيمة في العاجل والآجل في الدنيا والآخرة.

كنا ذكرنا الأمر الأول, ألا وهو: بيان حكم النكاح العامة ومقاصده الأساسية، وقلت: إن حكم النكاح كثيرة, يمكن أن نجملها في خمس حكم:

الحكمة الأولى: تحصين النفس البشرية من كل آفة ردية، سواء كانت حسية أو معنوية.

والحكمة الثانية: إنجاب الذرية التي تعبد وتوحد رب البرية.

وقد مضى الكلام على هاتين الحكمتين مفصلاً موضحاً بأدلتها.

والحكمة الثالثة: تحصيل الأجر العظيم للزوجين عن طريق حسن عشرة كل منهما لصاحبه, ومساعدته له في ذلك، كما سيأتينا تفصيل ذلك.

والحكمة الرابعة: تذكر لذة الآخرة.

والحكمة الخامسة: ارتفاق كل من الزوجين بصاحبه، وبأهل صاحبه في هذه الحياة, كما سيأتينا تقرير هذا إن شاء الله.

وذكرنا الحكمة الثالثة: ألا وهي: تحصيل الأجر العظيم للزوجين عن طريق حسن عشرة كل منهما لصاحبه. وقلت: إن تحت هذا أربعة, أمور أمران يتعلقان بالزوج، وأمران يتعلقان بالزوجة.

أما ما يتعلق بالزوج فقد تقدم معنا حسن خلقه مع زوجه, ونفقته عليها. وتقدم ما في ذلك من أجر عظيم عند ربنا الكريم عندما يحسن خلقه مع زوجه, فخير هذه الأمة خيرهم لأهله، وأحسنهم خلقاً مع أهله، وعندما ينفق على أهله يؤجر حتى ما يجعل في فيّ امرأته. وتقدم معنا هذا مقرراً موضحاً بأدلته أيضاً.

وبقي علينا أن نذكر ما يتعلق بالخير الذي ستحصله الزوجة عن طريق حسن عشرتها مع زوجها، بأن تحسن خلقها معه, وأن تساعده بمالها إذا كانت تملك ذلك، وفي ذلك أيضاً لها أجر عظيم.

وقبل أن ندخل في هذين الأمرين ختمت المبحث السابق بأمر ينبغي أن نعيه تماماً، ألا وهو: أن مغانم النكاح، وفوائد النكاح، وثمرات النكاح، يشترك في تحصيلها كلاً من الزوجين, وينالها الزوجان الرجل والمرأة. وثمرات النكاح يحصلها هذان الزوجان عندما يتقيان الله جل وعلا في العشرة بينهما، ويحسن كل واحد منهما نيته لربه جل وعلا, ففوائد النكاح يحصلها الرجل, وهكذا تحصلها المرأة.

بل قلت -كما تقدم معنا-: إن هذه الفوائد يحصلها كل واحد بمقدار جده واجتهاده وتحمله أعباء الزوجية، ولذلك من أعظم ثمرات النكاح - كما تقدم معنا- خروج الذرية التي تعبد رب البرية. قلت: وللمرأة نصيب كبير في هذه الذرية يزيد على نصيب الرجل، فلها حق على الذرية يزيد على حق الرجل بثلاثة أضعاف، كما تقدم معنا تقرير هذا من كلام الله جل وعلا ومن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد تقدمت معنا أربعة أحاديث تدل على ذلك, وهي صحيحة، حديث أبي هريرة ، وحديث معاوية بن حيدة ، وحديث خداش بن سلامة ، وحديث المقدام بن معدي كرب , وهو أن الأم ينبغي أن يبرها الولد أكثر من الأب بثلاثة أضعاف.

وقلت: إن الحكمة في ذلك أن كلاً من الأبوين ربا هذا الولد، فاشتركا في تربيته, لكن الأم تحملت جزءاً مضاعفاً, فهي التي حملت, وهي التي وضعت, وهي التي أرضعت، فحقها يفوق ويزيد على حق الرجل بثلاثة أضعاف, كما تقدم معنا هذا.

ومن الأحاديث التي تقرر هذا وهو آخر حديث، حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم أجمعين، وهذا حديث صحيح رواه أبو داود ، والحاكم في المستدرك. والبيهقي في السنن الكبرى في الجزء الثامن، صفحة خمس، وإسناد الحديث حسن، وإن كان في إسناد أبي داود الوليد بن مسلم الدمشقي أبو العباس , وهو مدلس, وقد عنعن في رواية أبي داود , وكان يدلس شر أنواع التدليس, وهو تدليس التسوية، فيحذف ضعيفاً بين ثقتين، بحيث يسوي رجال الإسناد كلهم ثقات، لكنه صرح بالتحديث في رواية الحاكم , وعليه زالت الآفة من تدليسه, والوليد بن مسلم الدمشقي توفي سنة خمس وتسعين ومائة للهجرة، وحديثه في السنن الأربع, وهو صدوق إمام خير فاضل, ما فيه إلا التدليس، وتقدم معنا تعريف التدليس وأقسامه ضمن مباحث سنن الترمذي . ولفظ الحديث من رواية عمرو بن شعيب ، عن أبيه، عن جده رضي الله عنهم أجمعين: أن امرأة جاءت إلى نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام ومعها ابن لها فقالت: ( يا رسول الله! إن ابني هذا -الذي هو معي وأقوده بين يدي- كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حواء )، أي: حملته في بطني، وأسقيته من ثديي، وبعد ذلك حويته وضممته وأجلسته في حجري، ( وإن أباه طلقني, وأراد أن ينتزعه مني )، فمن أحق بالولد؟ الذي بذل جهداً مضاعفاً نحوه فقال عليه الصلاة والسلام: ( أنت أحق به ما لم تنكحي )، أنت حملت ووضعت وأرضعت وربيت, والوالد ربى. فالأمر الرابع وهو التربية مشترك بينكما، وأنت تزيدين في هذه الأمور الثلاثة, وما في قلب المرأة من الرأفة والحنو نحو الولد لا يكون في قلب والد ولا غيره، وبصلها خير من عسل الأب للولد، فلو أكل البصل عند أمه خير من أن يأكل العسل عند أبيه؛ لأنه عندما يأكل البصل يأكل معه الرأفة والحنو والشفقة، ويغذى على هذه المعاني، وليس عند الوالد ما عند الوالدة نحو الولد، ( أنت أحق به ما لم تنكحي )، فإذا اشتغلت الآن بحق الغير هذا الولد سيضيع بعد ذلك عند هذا الرجل الأجنبي، فيعود بعد ذلك إلى من له حق الحضانة إلى والده، إذاً: توصلت لاختصاصها بالولد لأنها اختصت بهذه الأمور الثلاثة دون الوالد.

إن المرأة عندما تحمل وتضع وترضع لها من الأجر ما لا يعلمه إلا الله. فهي تقوم بجهد مضاعف يزيد على جهد الأب, والجزاء بمقدار التعب، فالأجر لا يحصل للأب من هذه الحيثية, وقد أشار إلى ذلك نبينا عليه الصلاة والسلام, ففي مسند عبد بن حميد , والحديث نص الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي في تعليقه على المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية، في الجزء الثاني، صفحة أربع وثمانين بأن إسناده حسن، عن عمر بن الخطاب , قال الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي في تعليقه في الحاشية يقول: وفي إتحاف المهرة في أطراف المساند العشرة وهو لـابن حجر ، يقول: عن ابن عمر , يعني: الحديث هنا إما عن عمر ، أو عن ابن عمر ، وهذا إما لتعدد الروايات، أو لخطأ في الطباعة ومال الشيخ الأعظمي إلى ترجيح رواية عمر , وأن هذا هو الصحيح, ولعل ابن عمر خطأ، والذي يظهر أن ما رجحه مرجوح, وأن الحديث من رواية ابن عمر ؛ لأن الحديث ورد في حلية الأولياء في الجزء الرابع، صفحة ثمان وتسعين ومائتين من رواية ابن عمر , وما أشار إلى ذلك الشيخ الأعظمي . فالحديث إذاً: من رواية عمر أو من رواية ابن عمر , وهذا فيما يظهر هو الراجح مرفوعاً إلى نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: ( إن للمرأة في حملها إلى وضعها إلى فصالها ), مدة الرضاعة وفطام الولد ( إن للمرأة في حملها إلى وضعها إلى فصالها من الأجر كالمتشحط بدمه في سبيل الله )، أي: لها كأجر من يقتلون في سبيل الله، فكم سيقتل من حملها إلى وضعها, لها هذه الأجور المضاعفة، من استقرار الحمل في رحمها، إلى أن تفطم الولد، لها أجر الشهيد على مر الدقائق والثواني واللحظات. قال عليه الصلاة والسلام: ( فإن هلكت فيما بين ذلك فلها أجر شهيد ). إذاً: هذه المرأة بذلت هذا الجهد، لكن تقطف هذه الثمرة عند الله جل وعلا. وهذا يحتاج إلى إخلاص في النية وإلى حياة زوجية شرعية. فلا يحصل الزوجان هذه المغانم والأجور إلا إذا كانت اتصالهما ببعضهما على حسب شريعة الإسلام, فالله لا يقبل من العمل إلا ما كان صالحاً ولوجهه خالصاً.

وأما ذرية لا تربى على الآداب الشرعية، وبيوت فيها كل آفة ردية، فهذا موضوع آخر، إنما الكلام في البيوت الشرعية, المرأة تحصل هذا الأجر عند الله منذ أن يستقر الحمل في رحمها إلى أن تفطم الولد, لها ( كأجر المتشحط بدمه في سبيل الله، فإن هلكت بين ذلك فلها أجر شهيد ).

إذاً: ثمرات النكاح.. فوائده.. مغانمه يشترك في تحصيلها الزوجان، بل كل واحد له من الأجر حسب جده وجهده واجتهاده وتحمله وتعبه.

وبعد هذا ننتقل إلى بيان الأجر الذي ستحصله المرأة عن طريق حسن خلقها مع زوجها.

إن رباط الزوجية رباط شريف كريم، وهو رباط غليظ عظيم، وهو أعظم الروابط التي تقع بين البشر, وقد جعله الله جل وعلا ميثاقاً غليظاً في كتابه، ولذلك له شأن, فهذا الرباط إذا حصل بين الزوجين انظر ماذا يترتب بعد ذلك عليه من حقوق، هذا الزوج بهذا الرباط يصبح سيداً، والزوج سيد في كتاب الله, نص الله على ذلك في كتابه, وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ [يوسف:25]، أي: زوجها. ويصبح هذا الزوج السيد بهذا الرباط أعظم الخلق حقاً على المرأة، حقه يزيد على حق الأبوين بمجرد إجراء عقد النكاح، وقد أشار إلى هذا نبينا صلى الله عليه وسلم, والحديث في المسند، وسنن النسائي , ورواه الحاكم في المستدرك، والبزار في مسنده، وإسناد الحديث صحيح، وقد صححه الحاكم ، وأقره عليه الذهبي , والحديث في المستدرك في الجزء الرابع، صفحة خمسين ومائة، وصفحة خمس وسبعين ومائة، وفي الترغيب والترهيب في الجزء الثالث، صفحة ثلاث وخمسين، وفي المجمع في الجزء الرابع، صفحة تسع وثلاثمائة، وقد ذكره الحافظ ابن حجر , وهو على شرطه حسن أو صحيح في الفتح في الجزء العاشر، صفحة اثنتين وأربعمائة، ولفظ الحديث عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: ( قلت: يا رسول الله! أي الناس أعظم حقاً على المرأة؟ قال: زوجها، قلت: فأي الناس أعظم حقاً على الرجل؟ قال: أمه ). أعظم الناس حقاً على الرجل أمه، وأعظم الناس حقاً على المرأة زوجها، والأبوان عندما يجريان عقد النكاح على ابنتهما لمن يرضياه كفئاً لها، فقد تنازلا عن حقوقهما له، وسلما القيادة إليه، فهو أعظم الناس حقاً على المرأة لهذا الرباط الذي يحصل، رباط عظيم له آثار عظيمة في شرعية الله المطهرة.

محاولة المرأة الانفصال من رباط الزوجية من غير سبب شرعي إثم عظيم

ولذلك اعتبر نبينا صلى الله عليه وسلم الانفصال من هذا الرباط، وإن المرأة إذا أرادات أن تنفصل من غير سبب شرعي فقد ارتكبت إثماً عظيماً كبيراً، وهذا الإثم يحرم عليها رائحة الجنة، إذا حصل بينها وبين رجل رباط شرعي، ثم كرهت هذا الرجل من غير أمر شرعي، ليس فيه معصية لله، إنما هي كرهته, وتريد أن تنفصل منه لتذهب إلى غيره حرام عليها رائحة الجنة. هذا نكاح, وله شأن عظيم في الإسلام. هذه بيوت ستقوم عليها بعد ذلك أمة النبي عليه الصلاة والسلام، سيكون لها شأن في هذه الحياة، أما بيوت مضعضعة وطلاق هنا وهناك وذرية مشردة هذه لا تصلح أن يكون في الأمة الإسلامية، لا بد من أن يكون هذا الرباط له قداسة, له منزلة, له حصانة, له مكانة، فاستمع لتقرير هذا من كلام نبينا صلى الله عليه وسلم، ثبت في السنن الأربع إلا سنن النسائي , والحديث رواه الدارمي ، والحاكم في المستدرك، هو في الجزء الثاني، صفحة مائتين في المستدرك، ورواه ابن حبان في صحيحه، وأبو يعلى في مسنده، وابن الجارود في المنتقى والطبري في تفسيره، والبيهقي في السنن الكبرى، والضياء المقدسي في الأحاديث الجياد المختارة، ورواه ابن أبي عاصم ، وابن أبي شيبة في المصنف، وسنده صحيح كالشمس، من رواية ثوبان مولى نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة ). ما سألت الطلاق لبأس فيه، لا يشرب الخمر، ولا يزني، ولا يسرق، ولا يترك الصلاة، ثم سألت الطلاق, لماذا؟ قالت: يجلس في مكتبته كثيراً، وليس لي حظ من التمتع، سألت الطلاق لماذا؟ قالت: يعزم على الزواج من ثانية، وقريباً يتزوج ثالثة، ورابعة ما ندري به. إذاً: ستحرمين ما أحل الله، وستنهين عما أباحه الله، أنت لك حقوق شرعية، إن قصر فيها لا بأس توقفينه عند حده وبعد ذلك يؤخذ لك الحق الشرعي، أما أنه يريد أن يتزوج ما دخلك في هذا, الله يبيح له شيئاً وأنت ستحرميه؟ هذا النكاح ليس لعباً، هذا له شأن عظيم في شرع الله الكريم سبحانه وتعالى، فلا بد من مراعاة هذا، ولذلك إذا سألت من سيدها أو من زوجها أن يفارقها من غير بأس فيه فيحرم عليها أن تشم رائحة الجنة.

نعم إن البيوت لها شأن في شريعة الله، وإن الارتباط الشرعي عن طريق النكاح له شأن، ولذلك تكرس الجهود في هذه الأيام من قبل أعداء الإسلام من قبل الدول الغربية لتفكيك الأسرة المسلمة، فإذا فككت الأسرة المسلمة انتهى، الأمة ضاعت، وتبهذلت في العاجل قبل الآجل، ولذلك - كما قلت- هذا العقد له شأن عظيم, وهذا رباط كريم، إذا كان الأمر كذلك المرأة إذا سألت زوجها الطلاق من غير بأس حرام عليها رائحة الجنة فكم سيكون إثم وجرم من يسعى في التفريق بين الزوجين، يعني: هي صاحبة العلاقة إذا سألت لم تشم رائحة الجنة، فإذا دخل مفسد بينهما وأغرى بينهما إما خبب المرأة على زوجها، وإما طلبت من الزوج أن يطلق زوجته، امرأة طلبت لاعتبار من الاعتبارات كما سيأتينا كم سيكون جرمها؟ يعني: هي صاحبة العلاقة التي ستتضرر بالطلاق إذا فعلت هذا لا تشم رائحة الجنة، فكيف بالمفسد الذي يأتي بينهما ويتسبب في حصول الطلاق في البيوت الإسلامية؟ يا ويحه! ويا ويله أمام رب البرية! ثبت في المسند، والكتب الستة إلا سنن ابن ماجه ، من رواية أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا يحل لامرأة أن تسأل طلاق أختها لتستفرغ صحفتها ولتنكح، فإنما لها ما قدر لها ). ( لا يحل لامرأة أن تسأل طلاق أختها ). وأختها في الإيمان ليست أختاً من النسب الآن، ( لتستفرغ صحفتها ولتنكح، فإنما لها ما قدر لها ). إنسان خطب زوجة ثانية ليتزوجها تقول: أتزوجك بشرط أن تفارق الأولى، كم ستتحمل من الغضب واللعنة لهذا العرض وهذا الطلب؟ كم ستتحمل؟ يمكن إذا طلبت الطلاق يُحَرم عليها رائحة الجنة، فكيف سيكون وزر هذه؟ لا يحل لها, وهذا حرام. ( لتستفرغ صحفتها ), أي: سيأتيها رزق من هذا الزوج عن طريق العشرة التي أحلها الله وعن طريق النفقة، فكأن هذه الصحفة التي يأتيها شيء من الخير وخير من قبل الزوج ستستفرغه هذه الطالبة, وتأخذه دونها.

قال نبينا عليه الصلاة والسلام: ( ولتنكح )، إذا كانت ترغب فيه لتتزوجه, ولتكن ثانية وثلاثة ورابعة، ( فإنما لها ما قدر لها ), ما قدر لها سيأتيها من رزق، أو من حسن عشرة، أو من معاشرة أحلها الله، أما أن تقول: أتزوجك على أن تطلق أختي، أو على أن تطلق زوجتك هذا لا يجوز ولا يحل.

تخبيب المرأة على زوجها من كبائر الذنوب

كما قلت فاعل ذلك مرتكب كبيرة عند ذي الجلال والإكرام، وطلب الطلاق من الرجل ليطلق زوجته لا يقتصر على هذه الصورة، بل قد يدخل مخبب مفسد, يريد من الرجل أن يطلق امرأته, أو يحرض المرأة على طلب الطلاق من زوجها دون أن يكون لهم منفعة، بعض الناس يتلذذون في وقوع الشر في الحياة، كلما كثر الشر هو يفرح، وإذا وجد الخير يتألم ويحزن، ولن يحصل من طلاق هذا الرجل لامرأته فائدة، إنما سيحصل لعنة يفرح بها، يبحث عن اللعنات أين توجد ليضمها إليه, ولينال قدراً كبيراً منها، ولذلك حذرنا نبينا عليه الصلاة والسلام من إفساد المرأة على زوجها، ومن تخبيب المرأة على زوجها، ثبت في المسند، وسنن أبي داود , والحديث رواه النسائي في سننه، والحاكم في مستدركه, وقال: صحيح على شرط البخاري , وهو في صحيح ابن حبان , وإسناد الحديث صحيح من رواية أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( ليس منا من خبب امرأة على زوجها، أو عبداً على سيده ). خبب بمعنى: أفسد، جاء للمرأة وقال: أنت تعيشين مع هذا الزوج بهذه الحياة، الناس ينعمون وعندهم من النعم الشيء الكثير فلو فارقتيه لعلك تحصلين من هو خير منه, يريد فقط إيقاع الطلاق دون أن يزوج أخته لهذا الرجل، أو دون أن تكون هي امرأة لتتزوجه، إنما فقط يريد خراب البيوت. ( ليس منا من خبب امرأة على زوجها ). قال علماؤنا: من التخبيب إكرام المرأة الناشز. فإذا جاءت المرأة من بيت زوجها وهي ناشزة عليه تسخط الحياة الزوجية: لو أكرمها أبواها، أو أخوها، أو أهلها، أو جيرانها الذين ذهبت عندهم لو أكرموها فهذا نوع من التخبيب, وهم ملعونون، إنما ينبغي أن يضيقوا عليها في الطعام وفي الشراب وبالغلظة في المعاملة من أجل أن تشعر بنعمة الحياة الزوجية، وإلا فإنها عندما تجد السعة حتماً قد تكره بعد ذلك الحياة الزوجية.

ومن صور التخبيب أنها إذا جاءت تكره الحياة الزوجية، أن تفتح صدرك لها, وأن تقول لها: أبشري, وسيجعل الله بعد عسر يسراً، ثم تغدق عليها من الخيرات والبركات، سواء كنت والداً أو لا. كل هذا نوع من التخبيب، إنما إذا جاءت وهي تكره الحياة الزوجية فضيق عليها؛ من أجل أن تعلم أن ما عند زوجها خير لها, لتعود إلى الحياة الزوجية.

ولذلك ينبغي أن نتقي الله في تصرفاتنا وفي معاملاتنا, حتى لا تكون سبباً في إفسادها بحيث تطلب الطلاق منه. ( وليس منا من خبب عبداً على سيده ). والحديث روي عن بريدة رضي الله عنه في المسند، وصحيح ابن حبان ، ومسند البزار ، بسند صحيح, كما في الترغيب والترهيب في الجزء الثالث، صفحة اثنتين وثمانين، هو في مجمع الزوائد في الجزء الرابع، صفحة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة، عن بريدة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ليس منا من حلف بالأمانة، وليس منا من خبب على امرئٍ زوجته، أو مملوكه ). بمعنى حديث أبي هريرة , حديث بريدة بمعنى حديث أبي هريرة , هناك ( ليس منا من خبب امرأة على زوجها )، وهنا ( من خبب على امرئٍ زوجته أو مملوكه فليس منا ). وقلت: خبب بمعنى أفسد؛ فتخبيب الزوجة لتطلب الطلاق، أو ذاك وتخبيب المملوك لأجل أن يهرب ويشرد من سيده. فمن أفسد المرأة على زوجها أو العبد على سيده فليس هو من عداد المسلمين، وهو فاعل كبيرة, وملعون من قبل رب العالمين.

فك رباط الحياة الزوجية من أعظم ما يفرح الشيطان

لا بد من وعي هذا تمام الوعي، وأن تعلم أن أعظم شيء يفرح الشيطان خراب البيوت ووقوع الطلاق، وإذا وقع الطلاق فالشيطان يفرح فرحاً لا نهاية له، ولذلك عندما يرسل سراياه ليفسدوا بين الناس إذا جاءه أحدهم وقال: لم أزل به حتى طلق زوجته، يقول: أنت أنت، نِعم أنت، ثم يلتزمه ويعانقه ويقبله، يعني: أنت الشيطان المارد العفريت الخبيث، الذي فعلت شيئاً يرضينا ويغضب الله، وهو خراب البيوت وتشريد الأسر وضياع الذرية. والمرأة إذا طلقت كيف سيكون حالها، نسأل الله أن يستر أعراضنا, وأن يحسن ختامنا إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

ثبت في المسند، وصحيح مسلم ، ومسند عبد بن حميد ، من رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن إبليس يضع عرشه على الماء ). سلطانه هناك, يبسط عرشه وكرسيه على الماء أو على البحر، ثم يرسل السرايا كل يوم بكيفية يعلمها الله ولا نعلمها، وقلت لكم: مراراً أمور الغيب لا ندخل فيها العقل، فهذا من أشنع العيب. يضع عرشه على الماء بكيفية يعلماها الله ولا نعلمها, ثم يرسل سراياه وهم: جنوده؛ من أجل أن يوسوسوا ويفسدوا بين الناس، قال عليه الصلاة والسلام: ( فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة )، يعني: أن رتبته عنده بمقدار إفسادهم. ( أدناهم عنده منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم - من الذين أرسلهم من السرايا- فيقول: لم أزل به )، أي: بهذا العبد المسلم ( حتى فعل كذا وكذا )، يعني: من أمور الشر، حتى سرق مثلاً، حتى نظر نظرة خيانة، حتى حتى، فيقول: ( ما صنعت شيئاً )، يعني: ما قمت بالمطلوب، لماذا؟ لأنه يوشك أن يتوب، يعني: فلو سرق بعد فترة يتوب، أو نظر يقول: أنا استحي من الله. ( ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته ). هذا الذي حصل مني أنا، الآن هذا بعث آخر, هذا جندي له رتبة، يقول: لم أزل به حتى فرقت بينه وبين امرأته، ( ما تركته حتى فرقت بينه وبين وامرأته، فيدنيه الشيطان ثم يقول له: نعم أنت, فيلتزمه )، يعني: فهذا شيطان حقيقي, وأما أولئك أفسدوا إفساداً ليس له اعتبار كبير، يعني: أغوى الإنسان على أن يسرق كما قلت، أو على أن يؤخر الصلاة عن وقتها، أو على أن ينظر نظرة محرمة، أو على أن يسمع الغناء والبلاء، هؤلاء يقول لهم الشيطان: أنتم ما صنعتم شيئاً؛ لأن كل منهم سيتوب بعد قليل، لكن نحن نريد فتنة شرها يستطير, أن تتنكد حياته، وأن تتنكد حياتها، والذرية تضيع، ثم ينتشر العهر والفجور، فإذا بقيت المرأة بلا زوج ستبحث هنا وهنا، نريد بلاء عاماً، ماذا عملت؟ قال: ما تركته حتى فرقت بينه وبين وامرأته. هذا متخصص، هذا شيطان فيه جميع أمور الشيطنة، فيقول: نعم أنت، ثم يلتزمه الشيطان. فاستمع إذاً: لشناعة الفرقة بين الزوجين ولمنزلة الاجتماع بين الزوجين.

وكما قلت: رباط الزوجية رباط شريف، وهو عهد عظيم غليظ، ولذلك بهذا العهد صار الزوج سيداً، فينبغي للمرأة أن تحسن خلقها مع سيدها، كما ينبغي أيضاً على السيد أن يحسن خلقه مع من يلي أمرهم من رعيته, وأولهم زوجه، هذه التي يقترن بها اقتراناً لا يحصل بين أحدين من خلق الله، إلا عن هذه الطريقة التي أحلها الله جل وعلا.

ولذلك اعتبر نبينا صلى الله عليه وسلم الانفصال من هذا الرباط، وإن المرأة إذا أرادات أن تنفصل من غير سبب شرعي فقد ارتكبت إثماً عظيماً كبيراً، وهذا الإثم يحرم عليها رائحة الجنة، إذا حصل بينها وبين رجل رباط شرعي، ثم كرهت هذا الرجل من غير أمر شرعي، ليس فيه معصية لله، إنما هي كرهته, وتريد أن تنفصل منه لتذهب إلى غيره حرام عليها رائحة الجنة. هذا نكاح, وله شأن عظيم في الإسلام. هذه بيوت ستقوم عليها بعد ذلك أمة النبي عليه الصلاة والسلام، سيكون لها شأن في هذه الحياة، أما بيوت مضعضعة وطلاق هنا وهناك وذرية مشردة هذه لا تصلح أن يكون في الأمة الإسلامية، لا بد من أن يكون هذا الرباط له قداسة, له منزلة, له حصانة, له مكانة، فاستمع لتقرير هذا من كلام نبينا صلى الله عليه وسلم، ثبت في السنن الأربع إلا سنن النسائي , والحديث رواه الدارمي ، والحاكم في المستدرك، هو في الجزء الثاني، صفحة مائتين في المستدرك، ورواه ابن حبان في صحيحه، وأبو يعلى في مسنده، وابن الجارود في المنتقى والطبري في تفسيره، والبيهقي في السنن الكبرى، والضياء المقدسي في الأحاديث الجياد المختارة، ورواه ابن أبي عاصم ، وابن أبي شيبة في المصنف، وسنده صحيح كالشمس، من رواية ثوبان مولى نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة ). ما سألت الطلاق لبأس فيه، لا يشرب الخمر، ولا يزني، ولا يسرق، ولا يترك الصلاة، ثم سألت الطلاق, لماذا؟ قالت: يجلس في مكتبته كثيراً، وليس لي حظ من التمتع، سألت الطلاق لماذا؟ قالت: يعزم على الزواج من ثانية، وقريباً يتزوج ثالثة، ورابعة ما ندري به. إذاً: ستحرمين ما أحل الله، وستنهين عما أباحه الله، أنت لك حقوق شرعية، إن قصر فيها لا بأس توقفينه عند حده وبعد ذلك يؤخذ لك الحق الشرعي، أما أنه يريد أن يتزوج ما دخلك في هذا, الله يبيح له شيئاً وأنت ستحرميه؟ هذا النكاح ليس لعباً، هذا له شأن عظيم في شرع الله الكريم سبحانه وتعالى، فلا بد من مراعاة هذا، ولذلك إذا سألت من سيدها أو من زوجها أن يفارقها من غير بأس فيه فيحرم عليها أن تشم رائحة الجنة.

نعم إن البيوت لها شأن في شريعة الله، وإن الارتباط الشرعي عن طريق النكاح له شأن، ولذلك تكرس الجهود في هذه الأيام من قبل أعداء الإسلام من قبل الدول الغربية لتفكيك الأسرة المسلمة، فإذا فككت الأسرة المسلمة انتهى، الأمة ضاعت، وتبهذلت في العاجل قبل الآجل، ولذلك - كما قلت- هذا العقد له شأن عظيم, وهذا رباط كريم، إذا كان الأمر كذلك المرأة إذا سألت زوجها الطلاق من غير بأس حرام عليها رائحة الجنة فكم سيكون إثم وجرم من يسعى في التفريق بين الزوجين، يعني: هي صاحبة العلاقة إذا سألت لم تشم رائحة الجنة، فإذا دخل مفسد بينهما وأغرى بينهما إما خبب المرأة على زوجها، وإما طلبت من الزوج أن يطلق زوجته، امرأة طلبت لاعتبار من الاعتبارات كما سيأتينا كم سيكون جرمها؟ يعني: هي صاحبة العلاقة التي ستتضرر بالطلاق إذا فعلت هذا لا تشم رائحة الجنة، فكيف بالمفسد الذي يأتي بينهما ويتسبب في حصول الطلاق في البيوت الإسلامية؟ يا ويحه! ويا ويله أمام رب البرية! ثبت في المسند، والكتب الستة إلا سنن ابن ماجه ، من رواية أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا يحل لامرأة أن تسأل طلاق أختها لتستفرغ صحفتها ولتنكح، فإنما لها ما قدر لها ). ( لا يحل لامرأة أن تسأل طلاق أختها ). وأختها في الإيمان ليست أختاً من النسب الآن، ( لتستفرغ صحفتها ولتنكح، فإنما لها ما قدر لها ). إنسان خطب زوجة ثانية ليتزوجها تقول: أتزوجك بشرط أن تفارق الأولى، كم ستتحمل من الغضب واللعنة لهذا العرض وهذا الطلب؟ كم ستتحمل؟ يمكن إذا طلبت الطلاق يُحَرم عليها رائحة الجنة، فكيف سيكون وزر هذه؟ لا يحل لها, وهذا حرام. ( لتستفرغ صحفتها ), أي: سيأتيها رزق من هذا الزوج عن طريق العشرة التي أحلها الله وعن طريق النفقة، فكأن هذه الصحفة التي يأتيها شيء من الخير وخير من قبل الزوج ستستفرغه هذه الطالبة, وتأخذه دونها.

قال نبينا عليه الصلاة والسلام: ( ولتنكح )، إذا كانت ترغب فيه لتتزوجه, ولتكن ثانية وثلاثة ورابعة، ( فإنما لها ما قدر لها ), ما قدر لها سيأتيها من رزق، أو من حسن عشرة، أو من معاشرة أحلها الله، أما أن تقول: أتزوجك على أن تطلق أختي، أو على أن تطلق زوجتك هذا لا يجوز ولا يحل.

كما قلت فاعل ذلك مرتكب كبيرة عند ذي الجلال والإكرام، وطلب الطلاق من الرجل ليطلق زوجته لا يقتصر على هذه الصورة، بل قد يدخل مخبب مفسد, يريد من الرجل أن يطلق امرأته, أو يحرض المرأة على طلب الطلاق من زوجها دون أن يكون لهم منفعة، بعض الناس يتلذذون في وقوع الشر في الحياة، كلما كثر الشر هو يفرح، وإذا وجد الخير يتألم ويحزن، ولن يحصل من طلاق هذا الرجل لامرأته فائدة، إنما سيحصل لعنة يفرح بها، يبحث عن اللعنات أين توجد ليضمها إليه, ولينال قدراً كبيراً منها، ولذلك حذرنا نبينا عليه الصلاة والسلام من إفساد المرأة على زوجها، ومن تخبيب المرأة على زوجها، ثبت في المسند، وسنن أبي داود , والحديث رواه النسائي في سننه، والحاكم في مستدركه, وقال: صحيح على شرط البخاري , وهو في صحيح ابن حبان , وإسناد الحديث صحيح من رواية أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( ليس منا من خبب امرأة على زوجها، أو عبداً على سيده ). خبب بمعنى: أفسد، جاء للمرأة وقال: أنت تعيشين مع هذا الزوج بهذه الحياة، الناس ينعمون وعندهم من النعم الشيء الكثير فلو فارقتيه لعلك تحصلين من هو خير منه, يريد فقط إيقاع الطلاق دون أن يزوج أخته لهذا الرجل، أو دون أن تكون هي امرأة لتتزوجه، إنما فقط يريد خراب البيوت. ( ليس منا من خبب امرأة على زوجها ). قال علماؤنا: من التخبيب إكرام المرأة الناشز. فإذا جاءت المرأة من بيت زوجها وهي ناشزة عليه تسخط الحياة الزوجية: لو أكرمها أبواها، أو أخوها، أو أهلها، أو جيرانها الذين ذهبت عندهم لو أكرموها فهذا نوع من التخبيب, وهم ملعونون، إنما ينبغي أن يضيقوا عليها في الطعام وفي الشراب وبالغلظة في المعاملة من أجل أن تشعر بنعمة الحياة الزوجية، وإلا فإنها عندما تجد السعة حتماً قد تكره بعد ذلك الحياة الزوجية.

ومن صور التخبيب أنها إذا جاءت تكره الحياة الزوجية، أن تفتح صدرك لها, وأن تقول لها: أبشري, وسيجعل الله بعد عسر يسراً، ثم تغدق عليها من الخيرات والبركات، سواء كنت والداً أو لا. كل هذا نوع من التخبيب، إنما إذا جاءت وهي تكره الحياة الزوجية فضيق عليها؛ من أجل أن تعلم أن ما عند زوجها خير لها, لتعود إلى الحياة الزوجية.

ولذلك ينبغي أن نتقي الله في تصرفاتنا وفي معاملاتنا, حتى لا تكون سبباً في إفسادها بحيث تطلب الطلاق منه. ( وليس منا من خبب عبداً على سيده ). والحديث روي عن بريدة رضي الله عنه في المسند، وصحيح ابن حبان ، ومسند البزار ، بسند صحيح, كما في الترغيب والترهيب في الجزء الثالث، صفحة اثنتين وثمانين، هو في مجمع الزوائد في الجزء الرابع، صفحة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة، عن بريدة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ليس منا من حلف بالأمانة، وليس منا من خبب على امرئٍ زوجته، أو مملوكه ). بمعنى حديث أبي هريرة , حديث بريدة بمعنى حديث أبي هريرة , هناك ( ليس منا من خبب امرأة على زوجها )، وهنا ( من خبب على امرئٍ زوجته أو مملوكه فليس منا ). وقلت: خبب بمعنى أفسد؛ فتخبيب الزوجة لتطلب الطلاق، أو ذاك وتخبيب المملوك لأجل أن يهرب ويشرد من سيده. فمن أفسد المرأة على زوجها أو العبد على سيده فليس هو من عداد المسلمين، وهو فاعل كبيرة, وملعون من قبل رب العالمين.

لا بد من وعي هذا تمام الوعي، وأن تعلم أن أعظم شيء يفرح الشيطان خراب البيوت ووقوع الطلاق، وإذا وقع الطلاق فالشيطان يفرح فرحاً لا نهاية له، ولذلك عندما يرسل سراياه ليفسدوا بين الناس إذا جاءه أحدهم وقال: لم أزل به حتى طلق زوجته، يقول: أنت أنت، نِعم أنت، ثم يلتزمه ويعانقه ويقبله، يعني: أنت الشيطان المارد العفريت الخبيث، الذي فعلت شيئاً يرضينا ويغضب الله، وهو خراب البيوت وتشريد الأسر وضياع الذرية. والمرأة إذا طلقت كيف سيكون حالها، نسأل الله أن يستر أعراضنا, وأن يحسن ختامنا إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

ثبت في المسند، وصحيح مسلم ، ومسند عبد بن حميد ، من رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن إبليس يضع عرشه على الماء ). سلطانه هناك, يبسط عرشه وكرسيه على الماء أو على البحر، ثم يرسل السرايا كل يوم بكيفية يعلمها الله ولا نعلمها، وقلت لكم: مراراً أمور الغيب لا ندخل فيها العقل، فهذا من أشنع العيب. يضع عرشه على الماء بكيفية يعلماها الله ولا نعلمها, ثم يرسل سراياه وهم: جنوده؛ من أجل أن يوسوسوا ويفسدوا بين الناس، قال عليه الصلاة والسلام: ( فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة )، يعني: أن رتبته عنده بمقدار إفسادهم. ( أدناهم عنده منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم - من الذين أرسلهم من السرايا- فيقول: لم أزل به )، أي: بهذا العبد المسلم ( حتى فعل كذا وكذا )، يعني: من أمور الشر، حتى سرق مثلاً، حتى نظر نظرة خيانة، حتى حتى، فيقول: ( ما صنعت شيئاً )، يعني: ما قمت بالمطلوب، لماذا؟ لأنه يوشك أن يتوب، يعني: فلو سرق بعد فترة يتوب، أو نظر يقول: أنا استحي من الله. ( ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته ). هذا الذي حصل مني أنا، الآن هذا بعث آخر, هذا جندي له رتبة، يقول: لم أزل به حتى فرقت بينه وبين امرأته، ( ما تركته حتى فرقت بينه وبين وامرأته، فيدنيه الشيطان ثم يقول له: نعم أنت, فيلتزمه )، يعني: فهذا شيطان حقيقي, وأما أولئك أفسدوا إفساداً ليس له اعتبار كبير، يعني: أغوى الإنسان على أن يسرق كما قلت، أو على أن يؤخر الصلاة عن وقتها، أو على أن ينظر نظرة محرمة، أو على أن يسمع الغناء والبلاء، هؤلاء يقول لهم الشيطان: أنتم ما صنعتم شيئاً؛ لأن كل منهم سيتوب بعد قليل، لكن نحن نريد فتنة شرها يستطير, أن تتنكد حياته، وأن تتنكد حياتها، والذرية تضيع، ثم ينتشر العهر والفجور، فإذا بقيت المرأة بلا زوج ستبحث هنا وهنا، نريد بلاء عاماً، ماذا عملت؟ قال: ما تركته حتى فرقت بينه وبين وامرأته. هذا متخصص، هذا شيطان فيه جميع أمور الشيطنة، فيقول: نعم أنت، ثم يلتزمه الشيطان. فاستمع إذاً: لشناعة الفرقة بين الزوجين ولمنزلة الاجتماع بين الزوجين.

وكما قلت: رباط الزوجية رباط شريف، وهو عهد عظيم غليظ، ولذلك بهذا العهد صار الزوج سيداً، فينبغي للمرأة أن تحسن خلقها مع سيدها، كما ينبغي أيضاً على السيد أن يحسن خلقه مع من يلي أمرهم من رعيته, وأولهم زوجه، هذه التي يقترن بها اقتراناً لا يحصل بين أحدين من خلق الله، إلا عن هذه الطريقة التي أحلها الله جل وعلا.


استمع المزيد من الشيخ عبد الرحيم الطحان - عنوان الحلقة اسٌتمع
مباحث النبوة - الرضاعة حق للطفل 3297 استماع
مباحث النبوة - أزواج المؤمنين في جنات النعيم 3252 استماع
مباحث النبوة - النكاح مفتاح الغنى [1] 3230 استماع
مباحث النبوة - الآفات الردية في الشهوة الجنسية [1] 3207 استماع
مباحث النبوة - النكاح مفتاح الغنى [3] 3166 استماع
مباحث النبوة - صفات النبي صلى الله عليه وسلم خلقاً وخلُقاً 3152 استماع
مباحث النبوة - الآفات الردية في الشهوة الجنسية [2] 3121 استماع
مباحث النبوة - كرم النبي صلى الله عليه وسلم وجوده 3095 استماع
مباحث النبوة - قوت النبي صلى الله عليه وسلم [1] 3005 استماع
مباحث النبوة - ضرب المرأة بين المنع والإباحة 2950 استماع