خطب ومحاضرات
شرح كتاب التوحيد [28]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تجعلوا قبري عيداً، وصلوا علي، فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم ) رواه أبو داود بإسناد حسن، ورواته ثقات.
وعن علي بن الحسين : ( أنه رأى رجلاً يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل فيها، فيدعو، فنهاه وقال: ألا أحدثكم حديثاً سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تتخذوا قبري عيداً، ولا بيوتكم قبوراً، فإن تسليمكم يبلغني حيث كنتم ). رواه في المختارة ].
قال رحمه الله في ما نقله في كتابه: (وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تجعلوا بيوتكم قبوراً ) أي: لا تعطلوها من صلاة النافلة والدعاء والقراءة فتكون بمنزلة القبور؛ لأن العبادات لا تتحرى عند القبور.
( ولا تجعلوا قبري عيداً ) العيد: ما يعتاد مجيئه وقصده من زمان أو مكان. يعني: لا تتخذوا قبري عيداً بكثرة المجيء إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وبكثرة الترداد إليه أو مداومة ذلك، فإن كثرة الترداد إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو مداومة ذلك من اتخاذه عيداً، ولهذا السلف كـابن عمر رضي الله تعالى عنهما وغيره إذا جاء من سفر جاء وسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يعهد عنه أنه كلما صلى الفريضة ذهب إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم.. إلى آخره؛ لأن هذا الترداد أو المداومة عليه أو الإكثار يعد من اتخاذه عيداً.
قال: ( وصلوا علي، فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم ) أي: ما ينالني منكم من الصلاة، وما يحصل منها يصل لي قربتم أو بعدتم، فلا حاجة إلى المجيء إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم والتردد عليه.
قال: (رواه أبو داود بإسناد حسن، ورواته ثقات).
الشاهد من هذا الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ولا تجعلوا قبري عيداً ). فإن النبي صلى الله عليه وسلم حمى جناب التوحيد، ومنع كل الطرق التي تؤدي إلى الشرك، إذ إن اتخاذ قبر النبي صلى الله عليه وسلم عيداً بكثرة المجيء إليه أو المداومة على ذلك هذا سبب وذريعة من ذرائع الشرك، فمنع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وسده، وفي هذا حماية لجناب التوحيد، ففيه شاهد لما ترجم له المؤلف رحمه الله تعالى.
قال رحمه الله: (وعن علي بن الحسين ) علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، المعروف بـزين العابدين ، وهو أفضل التابعين، مات سنة ثلاث وتسعين للهجرة.
( أنه رأى رجلاً يجيء إلى فرجة ) الفرجة: الفتحة في الجدار.
( عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فيدخل فيها، فيدعو، فنهاه وقال: ألا ) ألا: أداة عرض.
( ألا أحدثكم ) يعني: ألا أعرض عليكم.
( حديثاً سمعته من أبي عن جدي ). أبوه الحسين ، جده علي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: ( لا تتخذوا قبري عيداً ولا بيوتكم قبوراً ) تقدم معنى اتخاذ قبر النبي صلى الله عليه وسلم عيداً، ومعنى أيضاً اتخاذ البيوت قبوراً.
( فإن تسليمكم يبلغني حيثما كنتم ) رواه في المختارة. المختارة لـمحمد بن عبد الواحد المقدسي الحنبلي رحمه الله، سمي المختارة يعني: الأحاديث الجياد المختارة الزائدة على الصحيحين.
الشاهد من هذا الحديث كما تقدم: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تتخذوا قبري عيداً ). ففي هذا النبي صلى الله عليه وسلم حمى جناب التوحيد، ومنع كل الوسائل والذرائع التي تؤدي إلى الوقوع في الشرك.
قال: [باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان].
وقوله: (بعض هذه الأمة) يعني: لا جميع هذه الأمة؛ لأنه لا تزال طائفة من هذه الأمة على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم.
ومناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد: أن المصنف رحمه الله تعالى لما ذكر التوحيد وما ينافيه أو ينقصه من الشرك ذكر أن الشرك لا بد أن يقع في هذه الأمة، وقصد بذلك الرد على عباد القبور، فإن عباد القبور لا يرون أن الشرك يقع في هذه الأمة، وفي هذا الرد على عباد القبور من وجه، الذين يقولون بأن الشرك لا يقع في هذه الأمة؛ لكي يبرروا ما هم عليه من الشرك. هذا من وجه.
ومن وجه آخر أيضاً: كون النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الشرك يقع في هذه الأمة في هذا التحذير من الشرك، وأن المسلم عليه أن يحذر الشرك؛ لأن الشرك سيقع في هذه الأمة.
ومناسبة هذا الباب لما قبله: ذكر المؤلف رحمه الله تعالى أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد وسد كل الذرائع المفضية إلى الشرك، وفي هذا الباب بيان أن الشرك سيقع في هذه الأمة، ففيه التحذير من الوقوع في الشرك، وهذا نوع من حماية التوحيد من الشرك.
يعني: مناسبة هذا الباب لما قبله: أنه في الباب السابق ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى جناب التوحيد وأنه سد كل الطرق التي تفضي إلى الوقوع في الشرك، وفي هذا التحذير من الشرك، وفي هذا حماية للتوحيد؛ لأنه إذا حذر من الشرك حذر الناس منه ولم يقعوا في الشرك.
قال: (وقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا [النساء:51]) يعني: أعطوا.
نَصِيبًا [النساء:51] يعني: حظاً.
مِنَ الْكِتَابِ [النساء:51] والمقصود بهم: اليهود والنصارى.
وقوله: أَلَمْ تَرَ [النساء:51] يعني: ألم تنظر.
إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ [النساء:51] يؤمنون يعني: يصدقون.
بِالْجِبْتِ [النساء:51] قال بعض العلماء: المقصود بالجبت: الساحر، وقيل: الكاهن، وقيل: الصنم.
وَالطَّاغُوتِ [النساء:51] الطاغوت أيضاً اختلف العلماء رحمهم الله في تفسيره، وأحسن شيء ما فسره به ابن القيم رحمه الله تعالى، وأن الطاغوت هو كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع.
قال: يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ [النساء:51].
الشاهد من هذه الآية لما ترجم به المؤلف رحمه الله تعالى، حيث إن المؤلف ترجم أن بعض هذه الأمة سيعبد الأوثان ويقع في الشرك، فالله سبحانه وتعالى أخبر أن أهل الكتاب وقعوا في الشرك.
قال: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ [النساء:51].
وقوله: يُؤْمِنُونَ [النساء:51]. يصدقون بالجبت والطاغوت، هذا هو الشرك.
وهذه الأمة ستتابع أهل الكتاب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة ). فإذا كانت هذه الأمة ستتابع أهل الكتاب وأهل الكتاب وقعوا في الشرك؛ دل ذلك على أن الشرك سيقع في هذه الأمة؛ لأن هذه الأمة ستتابع أهل الكتاب، والله سبحانه وتعالى أخبر عن أهل الكتاب أنهم أشركوا بالله، ومن شركهم: أن منهم من قال بأن عيسى عليه الصلاة والسلام هو الله، ومنهم من قال: ابن الله، ومنهم من قال: بأنه ثالث ثالثة، وقالت اليهود: عزير ابن الله... إلى آخره.
قال رحمه الله تعالى: وقوله تعالى: قُلْ [المائدة:60] الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم.
هَلْ أُنَبِّئُكُمْ [المائدة:60] يعني: هل أخبركم.
بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ [المائدة:60].
بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ [المائدة:60] أي: الذي ذكرتم في حقنا من الذنب زوراً وبهتاناً من قولكم في حقنا: ما رأينا شراً منكم. يعني: هم وصفوا النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه بالشرية، فقال الله عز وجل: قُلْ [المائدة:60] يعني: قل لهم يا محمد! هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ [المائدة:60] يعني: بشر من الذي ذكرتم في حقنا من الذنب زوراً وبهتاناً، من قولكم في حقنا: ما رأينا شراً منكم.
عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ [المائدة:60] يعني: طرده وأبعده عن رحمته وغضب عليه.
وقوله قبل ذلك: مَثُوبَةً [المائدة:60] يعني: ثواباً عند الله.
مَنْ لَعَنَهُ [المائدة:60] طرده وأبعده من رحمته.
وَغَضِبَ عَلَيْهِ [المائدة:60] أي: غضب عليه غضباً لا يرضى عنه بعد ذلك.
وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ [المائدة:60] القردة: هم أصحاب السبت من اليهود، مسخهم الله قردة، والخنازير هم كفار مائدة عيسى من النصارى.
وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ [المائدة:60] يعني: جعل منهم من عبد الطاغوت -الشيطان- أي: أطاعه في ما سول له.
الشاهد من هذه الآية: في قول الله عز وجل: وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ [المائدة:60]. ففي هذه الآية دليل على أن أهل الكتاب وقعوا في الشرك، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الأمة ستتابع طريق من قبلها، ومما ستتابعه هذه الأمة لمن قبلها ما يتعلق بالشرك، فدل ذلك لما ترجم له المؤلف رحمه الله، وأن هذه الأمة سيقع فيها الشرك، وأن بعضها سيشرك بالله عز وجل.
قال: (وقوله: قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا [الكهف:21]).
قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ [الكهف:21] يعني: على أمر أصحاب الكهف، وهم أصحاب الكلمة والنفوذ الرؤساء.
لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ [الكهف:21] يعني: نضع حولهم.
مَسْجِدًا [الكهف:21] مكاناً للعبادة يصلى فيه ويقصده الناس ويتبركون فيه.
ففي هذه الآية دليل لما ترجم له المؤلف، وأن بعض هذه الأمة سيقع في الشرك؛ لأن من قبلنا وقع في الشرك، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الأمة ستتابع سنن من كان قبلها.
والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح كتاب التوحيد [18] | 2633 استماع |
شرح كتاب التوحيد [22] | 2370 استماع |
شرح كتاب التوحيد [10] | 2286 استماع |
شرح كتاب التوحيد [36] | 2244 استماع |
شرح كتاب التوحيد [8] | 2178 استماع |
شرح كتاب التوحيد [19] | 2167 استماع |
شرح كتاب التوحيد [6] | 2043 استماع |
شرح كتاب التوحيد [29] | 2021 استماع |
شرح كتاب التوحيد [7] | 1877 استماع |
شرح كتاب التوحيد [27] | 1824 استماع |