شرح كتاب التوحيد [9]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا اله إلا الله, وقول الله تعالى: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ [الإسراء:57]. الآية.

وقال الله تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الزخرف:26-28].

وقوله تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [التوبة:31].

وقوله: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة:165]].

قال المؤلف رحمه الله: (باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا اله إلا الله).

وقال: (وقول الله تعالى: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ [الإسراء:57]). الضمير في قوله: يَدْعُونَ يعود إلى الكفار, والإشارة في قوله: أُوْلَئِكَ يعود إلى المدعوين, أي: الذين يدعونه الكفار من دون الله وهم الملائكة والأنبياء والصالحون.

يَبْتَغُونَ [الإسراء:57]). يعني: أن هؤلاء الملائكة والأنبياء والصالحين يطلبون إلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ [الإسراء:57]. والوسيلة هي: كل ما يقربهم إلى الله عز وجل.

أَيُّهُمْ أَقْرَبُ [الإسراء:57], يعني: هؤلاء الصالحون والملائكة والأنبياء كلهم يطلبون الوسيلة، والطرق: أي أقرب الطرق التي تقربهم من الله عز وجل. أَيُّهُمْ أَقْرَبُ [الإسراء:57], يعني: هؤلاء الذين يدعون من دون الله عز وجل.

يعني: الله عز وجل يقول: هؤلاء الذين تدعونهم أنتم أيها الكفار! من دون الله من الملائكة والأنبياء والصالحين هم أنفسهم يطلبون الوسائل والطرق, بل يحرصون على أقرب الطرق التي توصلهم إلى الله عز وجل.

وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ [الإسراء:57]. كما أنهم يأخذون بالطرق التي توصلهم إلى الله عز وجل يرجون رحمة الله عز وجل, يعني: لا يرجون إلا الله عز وجل, لا يرجون أحداً سوى الله عز وجل.

وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ [الإسراء:57], أي: لا يخافون أحداً إلا الله عز وجل.

إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا [الإسراء:57]. يعني: يحذره المؤمنون بالله عز وجل, وهذا هو مقتضى الخوف من الله عز وجل أن تحذر عذابه.

وجه الاستشهاد من هذه الآية لما ترجم له المؤلف من تفسير التوحيد وشهادة أن لا اله إلا الله: أن هؤلاء المدعوين الذين يدعونهم الكفار، ويعبدونهم من الملائكة والأنبياء والصالحين هم يخافون الله عز وجل, ويدعون الله عز وجل, يعني: يفردون الله عز وجل بالخوف, وكذلك بالدعاء وبالعبادة, فدل ذلك على أن التوحيد هو: إفراد الله عز جل بالعبادة.

يعني: أنتم أيها الكفار الذين تدعون هؤلاء من الملائكة والصالحين والأنبياء هؤلاء هم أنفسهم يدعون الله عز وجل, ويلتمسون الطرق التي توصلهم إليه, وذلك إنما يكون بالعبادة, ومع ذلك يرجون رحمة الله, ولا يرجون أحداً سواه, ويخافون عذاب الله, ولا يخافون أحداً سواه, وهذا هو التوحيد.

فالتوحيد هو: أن تدعو الله عز وجل, وأن تفرده بالعبادة, وأيضاً لا ترجو إلا الله سبحانه وتعالى, ولا تخاف إلا الله عز وجل, وسيأتينا إن شاء الله ما يتعلق بأقسام الدعاء وأقسام الخوف وغير ذلك.

قال رحمه الله: (وقوله: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ [الزخرف:26]). يعني: أنا بريء من جميع معبوداتكم.

إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي [الزخرف:27], يعني: خلقني. فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ [الزخرف:27]). وهنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام قال: إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي [الزخرف:27]. ولم يقل إبراهيم عليه الصلاة والسلام: إلا الله. وكان التعبير بقوله: (إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي) ولم يكن التعبير بقوله: إلا الله؛ لأنه أراد أنه يستدل بتوحيد الربوبية على توحيد الألوهية, فكما أن الله سبحانه وتعالى هو الذي فطره وهو الذي خلقه فهو الذي يستحق العبادة, وهذا من الاستدلال بتوحيد الربوبية على توحيد الألوهية.

ففي هذا دليل لما ترجم له المؤلف رحمه الله وتفسير التوحيد, وأن التوحيد هو: إفراد الله عز وجل بالعبادة, والبراءة من كل ما يعبد من دون الله، لا إله إلا الله: نفي كل ما يعبد من دون الله, وإثبات العبادة لله عز وجل. هذا هو الذي جاء في قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام, إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي [الزخرف:26-27]. فكلامه فيه ركنا الشهادة: الإثبات، والنفي, إثبات العبادة لله عز وجل، ونفيها عما سواه.

قال رحمه الله: (وقوله تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [التوبة:31]).

(اتَّخَذُوا), أي: اليهود والنصارى جعلوا (أَحْبَارَهُمْ) أي: علماءهم. و(وَرُهْبَانَهُمْ), أي: عبادهم. (أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ), أي: جعلوهم أرباباً من دون الله. ومعنى أرباباً من دون الله يعني: سوى الله، جعلوهم مشرعين يحللون ويحرمون؛ لأن التشريع من خصائص الرب سبحانه وتعالى, فمن أطاع مخلوقاً في التحليل والتحريم لكونه يحل ويحرم دون الله سبحانه وتعالى فهنا اتخذه رباً دون الله عز وجل.

قال: (وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ). يعني: اتخذوا المسيح رباً من دون الله عز وجل يعبدونه.

وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [التوبة:31]. لا معبود بحق إلا الله.

سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [التوبة:31]. تقدم لنا أن التسبيح هو التنزيه, والله سبحانه ينزه عن مشابهة المخلوقين، وعن النقص في كماله، وعن صفات النقص, فالله سبحانه وتعالى ينزه عن هذه الأشياء الثلاثة.

وجه الشاهد مما ترجم له المؤلف رحمه الله تعالى ظاهر, فمن معاني التوحيد: أنك لا تتخذ أحداً يشرع دون الله عز وجل تطيعه في ذلك, يحلل ويحرم دون الله عز وجل, فإنك إذا اتخذت من يحلل ويحرم دون الله عز وجل وأطعته في ذلك فقد اتخذته رباً دون الله عز وجل.

فمن معاني التوحيد: أن الذي تتخذه رباً يحلل ويحرم هو الله سبحانه وتعالى.

ومن شواهد هذه الآية لما ترجم له المؤلف: أن الله سبحانه وتعالى أنكر عليهم اتخاذهم عيسى عليه الصلاة والسلام رباً يعبد من دون الله عز وجل, وأن التوحيد هو: إفراد الله عز وجل بالعبادة, لا اله إلا هو: لا معبود بحق إلا الله.

وأيضاً في هذا: أن هذا العمل الذي عمله أهل الكتاب من الشرك؛ ولهذا قال الله عز وجل: سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [التوبة:31]. فاتخاذ أو إطاعة من يحلل ويحرم دون الله عز وجل هذا شرك. اتخذه رباً: عبده من دون الله، وهذا شرك, وأن التوحيد أن تتخذ الله عز وجل إلهاً ورباً في التحليل والتحريم دون ما سواه، وأن تتخذه إلهاً في العبادة دون من سواه.

قال المؤلف رحمه الله: (وقوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ [البقرة:165]). (من): هذه تبعيضية, يعني: بعض الناس. مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ [البقرة:165], يعني: غير الله, أَندَادً [البقرة:165], الند هو: المثيل والنضير.

يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [البقرة:165], يعني: يشركونه في المحبة, وسيأتينا إن شاء الله باب مستقل للمحبة, وسنذكر إن شاء الله المحبة, وأن المحبة تنقسم إلى أقسام: المحبة الشركية التي تكون شركاً أكبر, والمحبة التي تكون شركاً أصغر, والمحبة الطبيعية, ومتى تكون المحبة شركاً أكبر, ستأتينا ذلك في صورتين, الصورة الأولى: إذا ساوى غير الله بالله في المحبة, إذا أحبه كما يحب الله عز وجل, فهذا شرك أكبر.

والصورة الثانية: المحبة المقتضية للخضوع والذل... إلى آخره, فهذا أيضاً شرك أكبر, وسيأتينا إن شاء الله.

سبحانك اللهم وبحمدك.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح كتاب التوحيد [18] 2633 استماع
شرح كتاب التوحيد [22] 2370 استماع
شرح كتاب التوحيد [10] 2286 استماع
شرح كتاب التوحيد [36] 2244 استماع
شرح كتاب التوحيد [8] 2178 استماع
شرح كتاب التوحيد [19] 2167 استماع
شرح كتاب التوحيد [6] 2043 استماع
شرح كتاب التوحيد [29] 2021 استماع
شرح كتاب التوحيد [7] 1877 استماع
شرح كتاب التوحيد [27] 1825 استماع