خطب ومحاضرات
شرح عمدة الأحكام - كتاب الحدود [4]
الحلقة مفرغة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ قال ابن شهاب : فأخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أنه سمع جابراً عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (أتى رجل من المسلمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فناداه، فقال: يا رسول الله! إني زنيت, فأعرض عنه، فتنحى تلقاء وجهه، فقال: يا رسول الله! إني زنيت, فأعرض عنه, حتى ثنى ذلك عليه أربع مرات، فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أبك جنون؟ قال: لا. قال: فهل أحصنت؟ قال: نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهبوا به فارجموه).
قال ابن شهاب : فأخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنه يقول: (كنت فيمن رجمه, فرجمناه بالمصلى, فلما أذلقته الحجارة هرب, فأدركناه بالحرة فرجمناه).
الرجل هو ماعز بن مالك . وروى قصته جابر بن سمرة وعبد الله بن عباس ، وأبو سعيد الخدري ، وبريدة بن الحصيب الأسلمي ].
الشرح:
تقدم لنا هذا الحديث، وذكرنا جملةً من أحكامه ومسائله.
ومن أحكامه أيضاً: قوله: (فلما أذلقته الحجارة)، يعني: أوجعته الحجارة وأجهدته.
وقوله: (هرب، فأدركناه بالحرة فرجمناه)، هذا يدل على أن المرجوم بالزنا لا يحفر له، وهذه المسألة موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله: هل يحفر للمرجوم أو لا يحفر؟ فقيل بأنه لا يحفر، وقيل: إن ثبت الزنا بالبينة حفر، وإن ثبت بالإقرار لا يحفر، وقيل: بأنه يحفر له.
وظاهر الحديث أنه لا يحفر.
وقيل: يفرق بين الرجل والمرأة، بأن يحفر للمرأة ولا يحفر للرجل.. إلى آخره.
وهذا الحديث ظاهره أنه لا يحفر، وجاء في بعض الألفاظ: (فما أوثقناه ولا حفرنا له)، وجاء أيضاً: (فلما كان في الرابعة حفرنا له حفرة).. إلى آخره.
والصواب في مثل هذه المسألة أن يقال: هذا يرجع إلى اجتهاد القاضي، فإن رأى القاضي أن يحفر له حفر له، وإن رأى أنه لا يحفر فإنه لا يحفر له.
قال رحمه الله تعالى: [عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (إن اليهود جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له أن امرأةً منهم ورجلاً زنيا. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ فقالوا: نفضحهم ويجلدون. قال
قال رضي الله عنه: الذي وضع يده على آية الرجم هو عبد الله بن صوريا ].
الشرح:
هذا الحديث فيه مسائل:
من مسائله: أن المحصن عقوبته الرجم ولو كان ذمياً.
وفيه أيضاً: أن الذي يقام عليه الحد هو الملتزم، والعلماء يقولون: من شروط وجوب الحد أن يكون مقترف الحد ملتزماً، وعندنا أربعة: اثنان ملتزمان واثنان غير ملتزمين، فالملتزمان هما المسلم والذمي، فالمسلم ملتزم بإسلامه فتقام عليه الحدود من الرجم والقطع ونحو ذلك، والذمي أيضاً ملتزم لأحكام الإسلام لمقتضى عقد الذمة؛ لأن عقد الذمة هو إقرار أهل الذمة على دينه مقابل بذل الجزية والتزام أحكام الملة، فلا بد أن يلتزموا أحكام الملة فيما يعتقدون تحريمه، لا فيما يعتقدون حله.
أما الاثنان الآخران: المستأمن والمعاهد فهما دخلا بلادنا بعهد، فهذان لم يلتزما أحكام الإسلام فلا تقام عليهم الحدود إذا فعلوا جناية حد وإنما يعزرون.
وأيضاً يؤخذ من هذا الحديث: أن الإحصان ليس من شرطه الإسلام، وأن المحصن هو من وطئ زوجته، بأن غيب حشفة أو رأس الذكر في فرج زوجته في نكاح صحيح كما دل له حديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه.
وفيه أيضاً: أن حد المحصن أن يرجم حتى يموت.
وفيه أيضاً: مكر اليهود، وأن اليهود أهل تحريف وتبديل وتغيير، ولهذا كذبوا، هم أتوا بهذين الرجلين وزعموا أن الذي في التوراة هو أنهم يفضحون ويجلدون فقط، وهذا كذب، بل الذي في التوراة أنهم يرجمون.
وفيه: أن الرجم ليس خاصاً بهذه الشريعة -شريعة محمد صلى الله عليه وسلم- بل الرجم كان مشروعاً فيما سلف من الملل.
وفيه أيضاً: دليل لقاعدة أصولية وهي: أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، ولهذا أقام النبي صلى الله عليه وسلم الحد على هذين الرجلين.
وفيه: فضيلة عبد الله بن سلام حيث قال لليهود: كذبتم. فلم تأخذه في الله لومة لائم.
قال رحمه الله: [عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لو أن رجلاً -أو قال: امرأً- اطلع عليك بغير إذنك, فحذفته -أي رميته- بحصاة, ففقأت عينه ما كان عليك جناح) ].
الشرح: قوله صلى الله عليه وسلم: (ما كان عليك جناح) يعني: ليس عليك إثم.
يؤخذ من هذا الحديث: أن من اطلع على بيت أناس بغير إذنهم فإن عقوبته أن يحذف بحصاة، حتى لو أدى ذلك إلى فقع عينه، وهذا من باب عقوبة المعتدي وليس من باب دفع الصائل، لأنه الآن معتد، فعقوبته أن يحذف بهذه الحصاة.
وفي هذا أيضاً: أنه يحرم مثل هذا التلصص على عورات الناس، والنظر من وراء الشقوق والسقوف، وكذلك أيضاً التلصص لاستماع الكلام، كل ذلك محرم ولا يجوز.
وفيه أيضاً: أن من فعل ذلك فإن حرمته وعصمته تسقط؛ لأن الشارع جوز لك أن تحذفه بهذه الحصاة.
وفيه أيضاً دليل لقاعدة، وهي: أن ما ترتب على المأذون فهو غير مضمون، فالشارع أذن لك أن تحذفه بحصاة ولو أدى ذلك إلى أن تفقأ عينه، فما ترتب على المأذون فهو غير مضمون، فلا يضمن صاحب البيت لا دية ولا قصاصاً.
قال رحمه الله: [باب حد السرقة].
السرقة في اللغة: أخذ الشيء على سبيل الخفية.
وفي الاصطلاح: أخذ المال أو أخذ نصاب من حرز مثله على وجه الاختفاء.
والسرقة محرمة بالإجماع، وقد دل عليها قول الله عز وجل: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [المائدة:38].
وأيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح: (لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده).
والإجماع قائم على تحريم السرقة.
وكذلك أيضاً القياس يقتضي ذلك، فإن القول بجواز السرقة يؤدي إلى ألا يأمن الناس على أموالهم، فالقول بتحريمها هو الذي تقتضيه الحكمة والقياس الصحيح.
قال: [ عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم).
المجن: هو الترس ].
الشرح:
في هذا الحديث دليل على القطع بالسرقة، وقد دل عليها قول الله عز وجل: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [المائدة:38].
وقوله: (قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم)، فيه دليل لما ذهب إليه الإمام مالك رحمه الله أن نصاب القطع في السرقة ثلاثة دراهم من الفضة.
والرأي الثاني: رأي الشافعية أن نصاب القطع في السرقة ربع دينار، قول الشافعي رحمه الله المعتبر عنده الذهب، ومالك المعتبر عنده الفضة.
والرأي الثالث: رأي أبي حنيفة رحمه الله: أن نصاب القطع في السرقة عشرة دراهم.
والرأي الرابع: رأي الإمام أحمد رحمه الله: أن نصاب القطع في السرقة إما ثلاثة دراهم، أو ربع دينار، أو عرضاً يساوي أحدهما، يعني: لو سرق عروضاً مثل أقمشة.. ألبسة يساوي ربع دينار قطعناه، يساوي ثلاثة دراهم قطعناه، سرق ربع دينار قطعناه، سرق ثلاثة دراهم قطعناه، لكن عند الشافعية أنه ربع دينار، أو عرضاً يساوي ربع دينار، من الألبسة والأقمشة ما يساوي ربع دينار، وهذا القول هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
ودليلهم على ذلك: حديث عائشة في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقطع اليد إلا في ربع دينار فصاعداً)، وربع الدينار يساوي مثقالاً، والمثقال يساوي بالغرامات أربعة وربع، فربع الدينار يساوي غراماً؛ لأن الدينار أربعة وربع، وغرام واحد ربع الربع، وربع الربع يساوي واحد على ستة عشر، والغرام الواحد اليوم يساوي مائة ريال، وربع الربع إذا قلنا الربع يساوي عشرين، وربع الخمسة يساوي مائة وخمسة وعشرين.
هذا إذا سرق مائة وخمسة ريالات، أو عرضاً يساوي ذلك، فإنه يقام عليه الحد والله أعلم.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [27] | 2828 استماع |
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [22] | 2550 استماع |
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [17] | 2542 استماع |
شرح عمدة الأحكام - كتاب الحدود [1] | 2443 استماع |
شرح عمدة الأحكام - كتاب الصيد [1] | 2354 استماع |
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [3] | 2235 استماع |
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [28] | 2209 استماع |
شرح عمدة الأحكام - كتاب الحدود [2] | 2178 استماع |
شرح عمدة الأحكام - كتاب اللعان [3] | 2148 استماع |
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [23] | 2141 استماع |