خطب ومحاضرات
شرح عمدة الأحكام - كتاب الرضاع [2]
الحلقة مفرغة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وعنها رضي الله عنها قالت: ( دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي رجل, فقال: يا
الشرح:
تقدم تعريف الرضاع وأنه في اللغة: المص، وأما في الاصطلاح فهو: مص من هو دون الحولين لبناً ثاب عن حمل أو وطء أو شربه.. ونحو ذلك. وأخذنا جملة من الأحاديث الواردة في هذا الموضوع.
ثم قال المؤلف رحمه الله: (وعنها يعني: عن عائشة رضي الله عنها, قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي رجل، فقال: ( يا
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( فإنما الرضاعة من المجاعة ), يؤخذ منه أن من شروط الرضاع المؤثر أن يكون في الصغر.
وهذه المسألة موضع خلاف بين العلماء رحمهم الله تعالى:
الرأي الأول: أن الرضاعة المؤثرة هي ما كانت في الحولين, وهذا قول جمهور أهل العلم رحمهم الله تعالى، وإن كانت المالكية يتوسعون في ذلك إلى ثلاثين شهراً, والجمهور يرون أنها إلى الحولين, واستدلوا على أنها في الحولين بهذا الحديث: ( إنما الرضاعة من المجاعة ). يعني: في الوقت الذي يجوع فيه الطفل ويحتاج إلى الغذاء بالحليب, وهذا إنما يكون في الحولين, وأيضاً يدل لذلك قول الله عز وجل: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ [البقرة:233] . وأيضاً يدل لذلك حديث ابن عباس : ( لا رضاع إلا ما كان في الحولين ).
الرأي الثاني: أنه لا يتقيد بالسن وإنما يتقيد بالحال، فما كان قبل الفطام فإن الرضاعة مؤثرة، وما كان بعد الفطام فإن الرضاعة ليست مؤثرة؛ لأن العبرة بفطام الصبي, وهذا كما ذكرنا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله, ودليل ذلك ما جاء في سنن الترمذي : ( لا يحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم وأنشز العظم، وكان قبل الفطام ). فهنا علق الأمر على الفطام.
والذي يظهر والله أعلم أن ما ذهب إليه الجمهور أقرب؛ لأن التحديد بالحولين أضبط للناس, وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وكان قبل الفطام).
إرضاع الكبير
جمهور العلماء على أن إرضاع الكبير ليس مؤثراً, استدلالاً بهذا الحديث: ( فإنما الرضاعة من المجاعة ). فقالوا: الرضاعة المؤثرة هي التي يجوع فيها الطفل ويحتاج إلى التغذي باللبن, فيقولون: إرضاع الكبير ليس مؤثراً.
والرأي الثاني: أن إرضاع الكبير مؤثر, وهذا ذهب إليه ابن حزم رحمه الله تعالى, واستدلوا على ذلك بقصة سالم مولى أبي حذيفة , فإن سالماً مولى أبي حذيفة لما اشتكت سهلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن سالماً كبر وبلغ مبلغ الرجال، وأنه يدخل عليها ويشق ذلك, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أرضعيه تحرمي عليه، قالت: يا رسول الله! إنه كبير. قال: أعرف أنه كبير ). وفي بعض الألفاظ: ( إن له لحية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أرضعيه تحرمي عليه ). فهذا أخذ به الظاهرية، وأخذت به عائشة رضي الله تعالى عنها وكانت إذا أرادت أن تدخل عليها أحداً فإنها تأمر إحدى أخواتها أن ترضعه، وخالفها بقية أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
وجمهور العلماء أجابوا عن قصة سالم مولى أبي حذيفة بجوابين، وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أجاب بجواب ثالث, أما الجمهور فيقولون: هذه خصوصية عين, وهذه قضية عين خاصة بـسالم مولى أبي حذيفة انتهت إلى يوم القيامة وهي خاصة، وهي حكم نزل في سالم مولى أبي حذيفة وقد انتهى أمره.
والجواب الثاني: أن هذا كان في أول الأمر ونسخ, وكلا الجوابين ضعيف، أما الجواب الأول الذين قالوا: بأنها خصوصية عين فمن الذي تثبت له الخصوصية؟ ما في أحد من البشر تثبت لا الخصوصية إلا النبي صلى الله عليه وسلم, أما بقية الناس فهم سواسية, لا ينزل حكم من السماء لأجل فلان أو لأجل فلان.
وكذلك أيضاً القول بالنسخ ضعيف؛ لأن النسخ لا يصار إليه إلا بشرطين:
الشرط الأول: تعذر الجمع.
والشرط الثاني: العلم بالتاريخ.
وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أجاب بجواب ثالث, وهو وسط قال رحمه الله: هذه خصوصية لكنها خصوصية وصف وليست خصوصية عين، بمعنى: من كانت حاله كحال سالم مولى أبي حذيفة فإنه يأخذ حكمه, يعني: من اتصف بصفة سالم مولى أبي حذيفة كأن تربى عند هؤلاء الناس وكبر وأصبح يشق على أهل البيت أن يحتجبوا عنه .. ونحو ذلك. فإن الرضاع حينئذ يكون مؤثراً, أما رضاع الكبير على الإطلاق فإنه لا يكون مؤثراً.
فنقول: هذه خصوصية وصف وليست خصوصية عين، فمن كانت حاله وصفته كحال سالم مولى أبي حذيفة ، فإن الرضاع في حقه مؤثر وإلا فإنه لا يؤثر.
وقوله: (فإنما الرضاعة من المجاعة), هذا يشمل قليل الرضاع وكثيره، وهذا موضع خلاف بين العلماء رحمهم الله تعالى:
فالمشهور من مذهب أبي حنيفة ومالك أن قليل الرضاع وكثيره محرم؛ لأن الله سبحانه تعالى يقول: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ [البقرة:233]، وقال: وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ [النساء:23] . وكذلك يدل لذلك أيضاً: ( فإنما الرضاعة من المجاعة ), فهذا يشمل القليل والكثير.
والرأي الثاني: ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله تعالى أنه لا بد من خمس رضعات, ويدل على ذلك حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ( كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات, فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي فيما يقرأ من القرآن ).
وأيضاً في قصة سالم مولى أبي حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أرضعيه خمس رضعات تحرمي عليه ). وذهب بعض العلماء إلى أن الرضعات المحرمة ثلاث رضعات, لقول النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم : ( لا تحرم المصة ولا المصتان ), والصواب في هذه المسألة ما ذهب إليه الإمام أحمد والشافعي أن الرضعات المحرمة هي خمس رضعات, وأدلة الحنابلة والشافعية تقيد ما استدل به الحنفية والمالكية.
ضابط الرضاع
المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أن ضابط الرضعة: هي التقام الصبي للثدي, إذا لتقم الصبي الثدي ثم تركه باختياره أو بغير اختياره, فهذه رضعة, ربما أن المرضعة تجعله يمص ثم تبعده ثم ترجعه مرة أخرى يمص... إلخ, فقد يمص في الجلسة الواحدة خمس مرات, فيكون الضابط هو أن يلتقم الثدي، فإذا التقم الثدي ثم تركه باختياره أو بغير اختياره فهذه رضعة.
والرأي الثاني: أن المراد بالرضعة هي المصة، وربما أنه يمص خمس مرات والثدي في فمه.
الرأي الثالث: رأي ابن القيم رحمه الله تعالى: أن المراد بالرضعة هي بمنزلة الأكلة والغدوة والعشوة... إلخ, بمعنى: أن يلتقم الثدي، فإذا التقم الثدي وتركه بعد شبعه فهذه رضعة, ثم بعد ذلك يعاود إذا احتاج إليه مرة أخرى ويرضع حتى يشبع, فهذه رضعة ثانية, وهذا اختاره أيضاً الشيخ السعدي رحمه الله.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [27] | 2828 استماع |
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [22] | 2550 استماع |
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [17] | 2543 استماع |
شرح عمدة الأحكام - كتاب الحدود [1] | 2444 استماع |
شرح عمدة الأحكام - كتاب الصيد [1] | 2355 استماع |
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [3] | 2236 استماع |
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [28] | 2210 استماع |
شرح عمدة الأحكام - كتاب الحدود [2] | 2178 استماع |
شرح عمدة الأحكام - كتاب اللعان [3] | 2149 استماع |
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [23] | 2141 استماع |