شرح زاد المستقنع - كتاب الحدود [8]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ومن دخل منزل رجل متلصصاً فحكمه كذلك.

باب قتال أهل البغي:

إذا خرج قوم لهم شوكة ومنعة على الإمام بتأويل سائغ فهم بغاة، وعليه أن يراسلهم فيسألهم ما ينقمون منه، فإن ذكروا مظلمة أزالها، وإن ادعوا شبهة كشفها، فإن فاءوا وإلا قاتلهم، وإن اقتتلت طائفتان لعصبية أو رئاسة فهما ظالمتان وتضمن كل واحدة ما أتلفت على الأخرى.

باب حكم المرتد:

وهو الذي يكفر بعد إسلامه، فمن أشرك بالله أو جحد ربوبيته أو وحدانيته، أو صفة من صفاته أو اتخذ لله صاحبة أو ولدا، أو جحد بعض كتبه أو رسله، أو سب الله أو رسوله فقد كفر، ومن جحد تحريم الزنا أو شيئاً من المحرمات الظاهرة المجمع عليها بجهل عرف ذلك، وإن كان مثله لا يجهله كفر.

فصل: فمن ارتد عن الإسلام وهو مكلف مختار، رجل أو امرأة دعي إليه ثلاثة أيام وضيق عليه فإن لم يسلم قتل بالسيف ولا تقبل توبة من سب الله أو رسوله ].

تقدم لنا شيء من أحكام المحاربين، وتقدم من أحكامهم: الفرق بين حد الحرابة والقصاص، وأن القصاص تشترط فيه المكافأة وأما حد الحرابة فإنه لا تشترط فيه المكافأة، وكذلك أن القتل في حد الحرابة متحتم لأنه حد وأما في القصاص فليس متحتماً.

كذلك أيضاً بينا من القواعد المهمة في هذا الباب: أن حد الحرابة حد مستقل بذاته لا يلحق بغيره من الحدود.

وتقدم لنا أيضاً ما يتعلق بأحكام المحاربين وأن العلماء رحمهم الله لهم في ذلك مسلكان:

المسلك الأول: مسلك الترتيب.

والمسلك الثاني: مسلك التخيير.

وأن الذين ذهبوا إلى مسلك الترتيب قالوا: إنه ترتب العقوبات على حسب الجنايات، وسبق أن ذكرنا أن الأقسام عندهم ستة أقسام.

وأما الذين قالوا بمسلك التخيير فقالوا: إن الإمام مخير كما في الآية: إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ [المائدة:33]، فالإمام مخير إما أن يقتل، وإما أن يقتل ويصلب، وإما أن يقطع اليد والرجل، وإما أن يشرد حسب المصلحة.

وتقدم لنا أنه إذا تاب فإن حقوق الله تسقط، وأما حقوق الآدميين فإنها لا تسقط إلا أن يعفى عنها.

وتقدم أيضاً ما يتعلق بالصائل وأنه يجب على الإنسان أن يدفع عن نفسه وعن نفس غيره، ويجب أيضاً أن يدفع عن حرمته وعن حرمة غيره، وذكرنا الأدلة على ذلك.

وهل يجب عليه أن يدفع عن ماله أو لا يجب عليه؟ فيه خلاف للعلماء رحمهم الله، وقلنا: في ذلك رأيان، وتقدم الكلام على هذه المسألة.

ويستثنى من وجوب الدفع -كما تقدم- مسألتان:

المسألة الأولى: إذا كانت المدافعة لا تجدي شيئاً وإنما وجودها كعدمها فإنها لا تجب حينئذ عليه، فمثلاً: لو هجم عليه جمع كثير فوجود المدافعة كعدمها، لكن له أن يدافع، ولا يحرم عليه، وأيضاً لا يجب عليه؛ لأن المدافعة هنا لا يترتب عليها شيء.

المسألة الثانية: إذا كان ذلك في الفتنة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل). وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( كن كخيري ابني آدم ). وعلى هذا تحمل قصة عثمان رضي الله تعالى عنه؛ فإن عثمان رضي الله تعالى عنه لم يأذن للصحابة رضي الله تعالى عنهم الذين أرادوا أن يدافعوا عنه لما هجم عليه الخوارج؛ خشية الفتنة وتوسع الشر وكثرته.

قال رحمه الله: (ومن دخل منزل رجل متلصصاً فحكمه كذلك).

إذا دخل شخص منزل شخص متلصصاً أي: دخل لصاً للسرقة يقول المؤلف رحمه الله : حكمه كذلك، الإشارة تعود إلى الصائل، بمعنى أنه يدفع بالأسهل فالأسهل، فيأمره بالخروج فإن خرج لم يضربه وإلا ضربه، وعلى هذا فقس. وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله أنه يدفع بالأسهل فالأسهل وأن هذا حكمه حكم الصائل، وهذا فيه نظر؛ لأن هذا ليس صائلاً هذا معتد، الصائل يريد أن يعتدي، لكن هذا في العدوان، فالصحيح أنه لا يأخذ حكم الصائل بل هذا معتد فلك أن تعاقبه مباشرة.

ونظير ذلك: ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيمن اطلع على خصائص البيت فإن لصاحب البيت أن يفقأ عينه؛ لأن هذا من باب عقوبة المعتدي.

ففرق بين المعتدي وبين الصائل الذي يريد أن يعتدي. فالصواب في هذه المسألة: أنه على خلاف ما ذكر المؤلف رحمه الله. فنقول: هذا معتدٍ فلك أن تعاقبه مباشرة. لكن على الإنسان أن يتقي الله عز وجل وليس له أن يسفك دمه ما دام أنه يستطيع أن يرد عدوانه بأقل من القتل كالضرب -مثلاً- ونحو ذلك؛ لكن -كما تقدم لنا- إن خشي صاحب البيت أن يبدره هذا اللص بالقتل فله أن يبدره بالقتل.

فلو أن صاحب البيت قتله بعد أن دفعه ولم يندفع فالمشهور عند الفقهاء رحمهم الله تعالى أنه لابد من البينة: ( لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال دماء رجال وأموالهم، ولكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر). فلابد من البينة عند الفقهاء. وإلا كان ذلك وسيلة لكل أحد أن يقتل شخصاً ويدعي أنه دخل بيته.

وعند شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أنه لا حاجة إلى البينة في مثل هذه المواضع وإنما يرجع إلى القرائن، فإذا عرفنا من حال الشخص أنه لا يمكن أن يقدم على هذا القتل إلا وهو صادق فيما يدعيه، وأنه لا يمكن أن يتجرأ على القتل لورعه وصدقه وأمانته وأنه اقتحم عليه منزله ونحو ذلك، ودفعه ولم يندفع، إذا عرفنا ذلك من حال الشخص فهنا نصير إلى القرينة، أما القول بأنه لابد أن يأتي ببينة فهذا صعب جداً.

قال رحمه الله: (باب قتال أهل البغي).

تعريف البغي وأدلة تحريمه

البغاة هم: أهل الجور والظلم والعدول عن الحق.

البغي: هو الجور والظلم والعدول عن الحق. وأما في الاصطلاح: فهو الخروج على إمام المسلمين.

والأصل في ذلك الكتاب والسنة والإجماع. أما الكتاب فقول الله عز وجل: فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الحجرات:9] .

وأما السنة فحديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من أعطى إماماً صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع، فإن جاء أحد ينازعه فاضربوا عنق الآخر).

وأيضاً قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59] .

أقسام الخروج على الأئمة

الخروج على الإمام ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: أن يكون الإمام كافراً فهذا يشرع الخروج عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان ). فلابد إذاً أن يكون كفراً صريحاً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إلا أن تروا كفراً بواحاً ). فيؤخذ من هذا أنه يخرج على الإمام الكافر لكن بشرط: أن لا يترتب على ذلك مفسدة أعظم من مفسدة بقائه، فإذا كان سيترتب على ذلك مفسدة أعظم من مفسدة بقائه فلا يجوز الخروج عليه؛ لأن أعلى المفسدتين تدفع بأدناهما، وأن يقدر أيضاً على تغييره، فإذا كان لا يقدر على تغييره فلا فائدة.

فإذا كان سيترتب على الخروج عليه سفك دماء، وإتلاف الأموال، وترويع الآمنين، وإخلال الأمن فلا يجوز.

القسم الثاني: أن يكون الإمام عدلاً فهذا باتفاق المسلمين لا يجوز الخروج عليه لما تقدم من الأدلة.

القسم الثالث: أن يكون الإمام فاسقاً: بأن يكون عنده فسق، ومعاصٍ ونحو ذلك.

فهذا أيضاً لا يجوز الخروج عليه، وبهذا فارق مذهب أهل السنة والجماعة مذهب الخوارج؛ لأن الخوارج يرون الخروج على أئمة الفسق والجور والظلم، أما مذهب أهل السنة والجماعة فإنه وإن كان فيه فسق، وجور، وظلم، وعصيان فإنه لا يجوز الخروج عليه بل تجب طاعته بالمعروف ما لم يأمر بمعصية.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (باب قتال أهل البغي)، فسماهم بغاة ظلمة؛ لأنهم خالفوا مذهب المسلمين مذهب أهل السنة والجماعة.

شروط تحقق البغي

هؤلاء البغاة يشترط لهم شروط.

قال رحمه الله: (إذا خرج قوم لهم شوكة ومنعة).

الشرط الأول: أن يكون لهم شوكة ومنعة، وعلى هذا إذا كانوا جمعاً يسيراً ليس لهم شوكة ومنعة فهؤلاء ليسوا بغاة، ولا يأخذون أحكام البغاة، بل للإمام أن يؤدبهم.

قال المؤلف رحمه الله: (بتأويلٍ سائغ).

الشرط الثاني: أن يكون بتأويل سائغ، كأن خرجوا لأن هناك المعصية الفلانية، والتأويل السائغ هو: الصحيح الذي دل الدليل عليه كوجود المظلمة الفلانية مثلاً.

قال رحمه الله: (فهم بغاة) أي: إذا توفر الشرطان أخذوا أحكام البغاة.

فإذا تخلف الشرطان أو أحدهما فحكمهم حكم قطاع الطريق؛ لأنهم أخافوا وأرهبوا فحكمهم حكم قطاع الطريق الذين خرجوا وليس عندهم تأويل يستندون إليه، ولا مظلمة يذكرونها، أو معصية يرفعونها، ونحو ذلك.

واجب الإمام تجاه البغاة

قال رحمه الله: (وعليه أن يراسلهم).

يعني: إذا توفر الشرطان وتبين أنهم بغاة فعلى الإمام أن يراسلهم، ويدل لذلك قصة علي رضي الله تعالى عنه مع الخوارج لما خرجوا عليه، فإن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه بعث إليهم ابن عباس، ورجع منهم أربعةُ آلاف بعد أن ناظرهم ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، فرجع من رجع، وقاتل من بقي.

قال رحمه الله: (عليه أن يراسلهم فيسألهم ما ينقمون، فإن ذكروا مظلمة أزالها، وإن ادعوا شبهة كشفها، فإن فاءوا وإلا قاتلهم).

لفعل علي رضي الله تعالى عنه كما تقدم.

(فإن فاءوا وإلا قاتلهم)

وجوباً لكف شرهم، وهذا القتال قتال فتنة.

وفي هذا القتال يقول العلماء رحمهم الله: يحرم قتلهم، وإتلافهم، أو قتل ذريتهم، أو مدبرهم، أو التذفيف على جريحهم؛ لأن المقصود هو كف الشر ودرأ الفتنة.

ضمان الديات وقيم المتلفات عند اقتتال طائفتين

قال رحمه الله: (وإن اقتتلت طائفتان لعصبية أو رياسة فهما ظالمتان، وتضمن كل واحدة ما أتلفت على الأخرى).

إذا اقتتلت طائفتان لعصبية أو رياسة فهما ظالمتان؛ لأن القتال إنما يكون لإعلاء كلمة الله، ما يكون القتال للرياسة، ولا يكون للعصبية ونحو ذلك، وإنما القتال إنما يكون لإعلاء كلمة الله.

وإذا حصل تلف فديات للأنفس، أو أروش جنايات، أو قيم متلفات، فكل طائفة تضمن ما أتلفت على الأخرى، فإذا أتلف من هذه عشر أنفس، وهذه خمسة، فهذه تضمن العشرة، وهذه تضمن الخمسة.

وكذلك إذا حصلت جراحات، وإتلاف للأموال؛ لأن هذا القتال ما أنزل الله به من سلطان، والقتال إنما يكون لإعلاء كلمة الله.

أما النفس فإنها لا تضمن، وإنما تضمن الديات فقط.

البغاة هم: أهل الجور والظلم والعدول عن الحق.

البغي: هو الجور والظلم والعدول عن الحق. وأما في الاصطلاح: فهو الخروج على إمام المسلمين.

والأصل في ذلك الكتاب والسنة والإجماع. أما الكتاب فقول الله عز وجل: فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الحجرات:9] .

وأما السنة فحديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من أعطى إماماً صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع، فإن جاء أحد ينازعه فاضربوا عنق الآخر).

وأيضاً قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59] .

الخروج على الإمام ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: أن يكون الإمام كافراً فهذا يشرع الخروج عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان ). فلابد إذاً أن يكون كفراً صريحاً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إلا أن تروا كفراً بواحاً ). فيؤخذ من هذا أنه يخرج على الإمام الكافر لكن بشرط: أن لا يترتب على ذلك مفسدة أعظم من مفسدة بقائه، فإذا كان سيترتب على ذلك مفسدة أعظم من مفسدة بقائه فلا يجوز الخروج عليه؛ لأن أعلى المفسدتين تدفع بأدناهما، وأن يقدر أيضاً على تغييره، فإذا كان لا يقدر على تغييره فلا فائدة.

فإذا كان سيترتب على الخروج عليه سفك دماء، وإتلاف الأموال، وترويع الآمنين، وإخلال الأمن فلا يجوز.

القسم الثاني: أن يكون الإمام عدلاً فهذا باتفاق المسلمين لا يجوز الخروج عليه لما تقدم من الأدلة.

القسم الثالث: أن يكون الإمام فاسقاً: بأن يكون عنده فسق، ومعاصٍ ونحو ذلك.

فهذا أيضاً لا يجوز الخروج عليه، وبهذا فارق مذهب أهل السنة والجماعة مذهب الخوارج؛ لأن الخوارج يرون الخروج على أئمة الفسق والجور والظلم، أما مذهب أهل السنة والجماعة فإنه وإن كان فيه فسق، وجور، وظلم، وعصيان فإنه لا يجوز الخروج عليه بل تجب طاعته بالمعروف ما لم يأمر بمعصية.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (باب قتال أهل البغي)، فسماهم بغاة ظلمة؛ لأنهم خالفوا مذهب المسلمين مذهب أهل السنة والجماعة.

هؤلاء البغاة يشترط لهم شروط.

قال رحمه الله: (إذا خرج قوم لهم شوكة ومنعة).

الشرط الأول: أن يكون لهم شوكة ومنعة، وعلى هذا إذا كانوا جمعاً يسيراً ليس لهم شوكة ومنعة فهؤلاء ليسوا بغاة، ولا يأخذون أحكام البغاة، بل للإمام أن يؤدبهم.

قال المؤلف رحمه الله: (بتأويلٍ سائغ).

الشرط الثاني: أن يكون بتأويل سائغ، كأن خرجوا لأن هناك المعصية الفلانية، والتأويل السائغ هو: الصحيح الذي دل الدليل عليه كوجود المظلمة الفلانية مثلاً.

قال رحمه الله: (فهم بغاة) أي: إذا توفر الشرطان أخذوا أحكام البغاة.

فإذا تخلف الشرطان أو أحدهما فحكمهم حكم قطاع الطريق؛ لأنهم أخافوا وأرهبوا فحكمهم حكم قطاع الطريق الذين خرجوا وليس عندهم تأويل يستندون إليه، ولا مظلمة يذكرونها، أو معصية يرفعونها، ونحو ذلك.

قال رحمه الله: (وعليه أن يراسلهم).

يعني: إذا توفر الشرطان وتبين أنهم بغاة فعلى الإمام أن يراسلهم، ويدل لذلك قصة علي رضي الله تعالى عنه مع الخوارج لما خرجوا عليه، فإن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه بعث إليهم ابن عباس، ورجع منهم أربعةُ آلاف بعد أن ناظرهم ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، فرجع من رجع، وقاتل من بقي.

قال رحمه الله: (عليه أن يراسلهم فيسألهم ما ينقمون، فإن ذكروا مظلمة أزالها، وإن ادعوا شبهة كشفها، فإن فاءوا وإلا قاتلهم).

لفعل علي رضي الله تعالى عنه كما تقدم.

(فإن فاءوا وإلا قاتلهم)

وجوباً لكف شرهم، وهذا القتال قتال فتنة.

وفي هذا القتال يقول العلماء رحمهم الله: يحرم قتلهم، وإتلافهم، أو قتل ذريتهم، أو مدبرهم، أو التذفيف على جريحهم؛ لأن المقصود هو كف الشر ودرأ الفتنة.

قال رحمه الله: (وإن اقتتلت طائفتان لعصبية أو رياسة فهما ظالمتان، وتضمن كل واحدة ما أتلفت على الأخرى).

إذا اقتتلت طائفتان لعصبية أو رياسة فهما ظالمتان؛ لأن القتال إنما يكون لإعلاء كلمة الله، ما يكون القتال للرياسة، ولا يكون للعصبية ونحو ذلك، وإنما القتال إنما يكون لإعلاء كلمة الله.

وإذا حصل تلف فديات للأنفس، أو أروش جنايات، أو قيم متلفات، فكل طائفة تضمن ما أتلفت على الأخرى، فإذا أتلف من هذه عشر أنفس، وهذه خمسة، فهذه تضمن العشرة، وهذه تضمن الخمسة.

وكذلك إذا حصلت جراحات، وإتلاف للأموال؛ لأن هذا القتال ما أنزل الله به من سلطان، والقتال إنما يكون لإعلاء كلمة الله.

أما النفس فإنها لا تضمن، وإنما تضمن الديات فقط.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح زاد المستقنع - كتاب الطهارة [17] 2816 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب النكاح [13] 2730 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب المناسك [5] 2676 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [19] 2643 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [26] 2638 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [32] 2556 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الأيمان [2] 2553 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الحدود [7] 2527 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الإيلاء [1] 2520 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [8] 2497 استماع