شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [45]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وللإمام إقطاع مواتٍ لمن يحييه، ولا يملكه، وإقطاع الجلوس في الطرق الواسعة ما لم يضر بالناس، ويكون أحق بجلوسها، ومن غير إقطاع لمن سبق بالجلوس ما بقي قماشه فيها وإن طال، وإن سبق اثنان اقترعا، ولمن في أعلى الماء المباح السقي، وحبس الماء إلى أن يصل إلى كعبه، ثم يُرسله إلى من يليه، وللإمام دون غيره حمى مرعى لدواب المسلمين ما لم يضرهم.

باب الجعالة: وهي أن يجعل شيئاً معلوماً لمن يعمل له عملاً معلوماً أو مجهولاً مدة معلومة أو مجهولة، كرد عبدٍ ولقطةٍ وخياطةٍ وبناء حائط، فمن فعله بعد علمه بقوله استحقه، والجماعة يقتسمونه، وفي أثنائه يأخذ قسط تمامه، ولكلٍ فسخها، فمن العامل لا يستحق شيئاً، ومن الجاعل بعد الشروع للعامل أجرة عمله، ومع الاختلاف في أصله أو قدره يُقبل قول الجاعل، ومن رد لقطة أو ضالة أو عمل عملاً لغيره بغير جُعلٍ لم يستحق عوضاً إلا ديناراً، أو اثني عشر درهماً عن رد الآبق، ويرجع بنفقته أيضاً].

تقدم لنا ما يتعلق بإحياء الموات، وذكرنا جملة من شروطه، وأن الأصل فيه السنة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من أحيا أرضاً ميتة فهي له )، وكذلك أيضاً الإجماع، وأنه يشترط له شروط:

الشرط الأول: الإسلام هل هو شرط أو ليس شرطاً؟ وكذلك أيضاً إذن الإمام، هل هو شرط أو ليس شرطاً؟ وكذلك أيضاً يشترط أن تكون الأرض المحياة منفكة عن الاختصاصات وملك المعصوم، وكذلك أيضاً يشترط أن يحيي الأرض، أو أن يحيي الموات بما دل العُرف على أنه إحياء.

وأيضاً، تقدم لنا ضابط ما يكون إحياءً وما لا يكون إحياءً، وأن المرجع في ذلك إلى العُرف، فإذا بنى أو غرس أو زرع أو حفر حتى أخرج الماء، أو منع الماء عن الأرض، فهذه كلها من الصور التي ذكرها العلماء رحمهم الله مما يكون بها إحياء الموات، وكما ذكرنا ضابط مرجعه إلى العُرف.

بقينا في مسألة: إذا تحجر مواتاً ولم يحيه لكن تحجره، بأن أدار حوله تراباً، أو أدار حوله حجارة ونحو ذلك، فهل يملك هذا الموات بهذا التحجير، أو أنه لا يملكه؟ المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى أنه لا يملكه، لكن يكون أحق به من غيره، بمعنى: أنه يُطالب بالإحياء، فيطالبه الإمام أو نائب الإمام بالإحياء، فإن أحيا استحق، وإن لم يحيى فإنه لا يستحق، فإذا تحجر يكون أحق، لكنه لا يملك؛ لأن الملك إنما يكون بالإحياء، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى.

والرواية الثانية: عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى، أن التحجير يفيد الملك، ومثل هذه المسائل يُرجع فيها إلى ما يضعه الإمام من ضوابط؛ لأن هذا موضع اجتهاد، فإذا رأى الإمام أنه يُكتفى بالتحجير فإنه يُكتفى بالتحجير، أما إذا رأى أنه لابد من الإحياء فإنه لابد من الإحياء.

قال رحمه الله: (وللإمام إقطاع مواتٍ لمن يحييه، ولا يملكه).

هنا شرع المؤلف رحمه الله في بيان إقطاعات الإمام، يعني: ما يُقطعه الإمام لآحاد الرعية، سواءٌ كان ذلك تمليك رقبة، أو إقطاع منفعة.

والإمام له إقطاعات:

إقطاع إحياء الموات

النوع الأول من إقطاعات الإمام: قال المؤلف: (إقطاع مواتٍ لمن يحييه)، فالإمام له أن يُقطع مواتاً، يعني أرضاً ميتة منفكة عن الاختصاصات وملك المعصوم لمن يقوم بإحيائها، ويدل لذلك (أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث العقيق).

قال المؤلف رحمه الله: (ولا يملكه) يعني: هل يملكه بالإقطاع أو لا يملكه بالإقطاع؟ المؤلف رحمه الله يقول: بأنه لا يملكه بالإقطاع، لكن يكون أحق به من غيره، كما لو تحجر مواتاً -كما سلف- فلا يملك بالتحجير، ولكن يكون أحق به من غيره، فيقول المؤلف رحمه الله: بأنه لا يملكه، لكن يكون أحق به من غيره، بمعنى: أنه يُطالب بأن يحيي أو أن يرفع يده، ويترتب على ذلك: أنه لا يملك أن يعاوض عنه، فلا يملك أن يبيعه مادام أنه ما ملكه، فإذا قلنا في التحجير أنه لا يملكه، وهنا في إقطاع الإمام للموات أنه لا يملك إلا بالإحياء، فيترتب على ذلك أنه لا يملك أن يعاوض عليه، يعني: أن يبيعه، فلابد من الإحياء؛ لأنه لا يملك إلا بالإحياء، وهذا المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله.

والرأي الثاني: وهو قول أكثر أهل العلم أنه يملكه، يعني أن الإمام إذا أقطعه هذا الموات فإنه يملكه بذلك، وإن لم يحيه، إذاً المشهور من المذهب أنه لابد من الإحياء، وعند أكثر أهل العلم أن الإحياء ليس شرطاً.

إقطاع الانتفاع

قال المؤلف رحمه الله: (وإقطاع الجلوس في الطرق الواسعة ما لم يضر بالناس).

هذا النوع الثاني: إقطاع الإرفاق بالطرق والأفنية للبيع والجلوس، فيقول المؤلف رحمه الله: للإمام أن يُقطع في الطرق والأفنية، يعني: في الأماكن العامة، أماكن جلوس الناس والحدائق ونحو ذلك، فللإمام أن يُقطع من ينتفع بالبيع والشراء والجلوس.

قوله: (وإقطاع الجلوس في الطرق الواسعة ما لم يضر بالناس)، فيقول: أن الإمام يملك أن يُقطع من يرتفق وينتفع بالطرق الواسعة، وأفنية الشوارع، والأماكن العامة بالبيع والشراء، واشترط المؤلف رحمه الله: ألا يكون هناك ضرر، فإن كان هناك ضرر فإنه ليس له ذلك، فإذا كان الطريق مثلاً ضيقاً فأقطع من يجلس فيه للبيع والشراء فإنه يلحق الناس ضرر، فيقول المؤلف: لا يملك ذلك، إذ لا ضرر ولا ضرار.

والإمام يملك إقطاع الإرفاق؛ لأن هذه الطرق وهذه الأفنية وهذه الأماكن العامة لعموم الناس، والنائب عنهم في التصرف هو الإمام، وتصرف الإمام منوط بالمصلحة، فإذا رأى المصلحة في الإقطاعات فإن له أن يُقطع.

إذاً الخلاصة في ذلك أن نقول: إن هذه الطرق والأفنية والمجالس جُعلت لعموم الناس يرتفقون بها، والنائب عنهم في التصرف هو الإمام، فإذا رأى الإمام أن هناك مصلحة في تخصيص بعض الناس لبعض الطرق للبيع والشراء فنقول: بأن هذا جائز ولا بأس به.

واليوم مثل هذه المسائل تخضع لنظام ما يسمى بنظام البلديات، يعني: البلدية تنظم مثل هذه الأشياء، ومثل هذا ما تقدم لنا في باب الصلح فيما يتعلق بالتصرف في الطرق والبناء فيها، وإخراج الساباط والروشن، فهذه الأشياء الآن لها تنظيمات خاصة راجعة إلى نظام ما يسمي بالبلدية.

قال المؤلف رحمه الله: (ويكون أحق بجلوسها).

مادام أن الإمام أقطعه فإنه يكون أحق بالجلوس من غيره، وهل يزول حقه بنقل متاعه، أو لا يزول حقه بنقل متاعه؟ العلماء يقولون: بأن حقه لا يزول بنقل متاعه، فلو أنهم نقلوا متاعه فإن حقه من الارتفاق بهذا المكان لا يزال باقياً؛ لأن الإمام أقطعه الارتفاق، وهذا كما تقدم أنه راجع لما يتعلق بهذه التنظيمات.

إقطاع التمليك

النوع الثالث من إقطاعات الإمام: إقطاعات التمليك، تقدم لنا النوع الأول: إقطاع إحياء الموات، والثاني: إقطاع الانتفاع، والثالث: إقطاع التمليك، فللإمام أيضاً أن يُقطع تمليكاً للمصلحة، فإذا رأى أن يُقطع غير الموات تمليكاً لمن يتملكه للمصلحة فله ذلك؛ لأن تصرفات الإمام دائرة على المصلحة، فنقول بأن هذا جائز ولا بأس به، لما سلف أن عللنا أن الإمام نائب عن الناس في مثل هذه التصرفات.

النوع الأول من إقطاعات الإمام: قال المؤلف: (إقطاع مواتٍ لمن يحييه)، فالإمام له أن يُقطع مواتاً، يعني أرضاً ميتة منفكة عن الاختصاصات وملك المعصوم لمن يقوم بإحيائها، ويدل لذلك (أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث العقيق).

قال المؤلف رحمه الله: (ولا يملكه) يعني: هل يملكه بالإقطاع أو لا يملكه بالإقطاع؟ المؤلف رحمه الله يقول: بأنه لا يملكه بالإقطاع، لكن يكون أحق به من غيره، كما لو تحجر مواتاً -كما سلف- فلا يملك بالتحجير، ولكن يكون أحق به من غيره، فيقول المؤلف رحمه الله: بأنه لا يملكه، لكن يكون أحق به من غيره، بمعنى: أنه يُطالب بأن يحيي أو أن يرفع يده، ويترتب على ذلك: أنه لا يملك أن يعاوض عنه، فلا يملك أن يبيعه مادام أنه ما ملكه، فإذا قلنا في التحجير أنه لا يملكه، وهنا في إقطاع الإمام للموات أنه لا يملك إلا بالإحياء، فيترتب على ذلك أنه لا يملك أن يعاوض عليه، يعني: أن يبيعه، فلابد من الإحياء؛ لأنه لا يملك إلا بالإحياء، وهذا المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله.

والرأي الثاني: وهو قول أكثر أهل العلم أنه يملكه، يعني أن الإمام إذا أقطعه هذا الموات فإنه يملكه بذلك، وإن لم يحيه، إذاً المشهور من المذهب أنه لابد من الإحياء، وعند أكثر أهل العلم أن الإحياء ليس شرطاً.

قال المؤلف رحمه الله: (وإقطاع الجلوس في الطرق الواسعة ما لم يضر بالناس).

هذا النوع الثاني: إقطاع الإرفاق بالطرق والأفنية للبيع والجلوس، فيقول المؤلف رحمه الله: للإمام أن يُقطع في الطرق والأفنية، يعني: في الأماكن العامة، أماكن جلوس الناس والحدائق ونحو ذلك، فللإمام أن يُقطع من ينتفع بالبيع والشراء والجلوس.

قوله: (وإقطاع الجلوس في الطرق الواسعة ما لم يضر بالناس)، فيقول: أن الإمام يملك أن يُقطع من يرتفق وينتفع بالطرق الواسعة، وأفنية الشوارع، والأماكن العامة بالبيع والشراء، واشترط المؤلف رحمه الله: ألا يكون هناك ضرر، فإن كان هناك ضرر فإنه ليس له ذلك، فإذا كان الطريق مثلاً ضيقاً فأقطع من يجلس فيه للبيع والشراء فإنه يلحق الناس ضرر، فيقول المؤلف: لا يملك ذلك، إذ لا ضرر ولا ضرار.

والإمام يملك إقطاع الإرفاق؛ لأن هذه الطرق وهذه الأفنية وهذه الأماكن العامة لعموم الناس، والنائب عنهم في التصرف هو الإمام، وتصرف الإمام منوط بالمصلحة، فإذا رأى المصلحة في الإقطاعات فإن له أن يُقطع.

إذاً الخلاصة في ذلك أن نقول: إن هذه الطرق والأفنية والمجالس جُعلت لعموم الناس يرتفقون بها، والنائب عنهم في التصرف هو الإمام، فإذا رأى الإمام أن هناك مصلحة في تخصيص بعض الناس لبعض الطرق للبيع والشراء فنقول: بأن هذا جائز ولا بأس به.

واليوم مثل هذه المسائل تخضع لنظام ما يسمى بنظام البلديات، يعني: البلدية تنظم مثل هذه الأشياء، ومثل هذا ما تقدم لنا في باب الصلح فيما يتعلق بالتصرف في الطرق والبناء فيها، وإخراج الساباط والروشن، فهذه الأشياء الآن لها تنظيمات خاصة راجعة إلى نظام ما يسمي بالبلدية.

قال المؤلف رحمه الله: (ويكون أحق بجلوسها).

مادام أن الإمام أقطعه فإنه يكون أحق بالجلوس من غيره، وهل يزول حقه بنقل متاعه، أو لا يزول حقه بنقل متاعه؟ العلماء يقولون: بأن حقه لا يزول بنقل متاعه، فلو أنهم نقلوا متاعه فإن حقه من الارتفاق بهذا المكان لا يزال باقياً؛ لأن الإمام أقطعه الارتفاق، وهذا كما تقدم أنه راجع لما يتعلق بهذه التنظيمات.

النوع الثالث من إقطاعات الإمام: إقطاعات التمليك، تقدم لنا النوع الأول: إقطاع إحياء الموات، والثاني: إقطاع الانتفاع، والثالث: إقطاع التمليك، فللإمام أيضاً أن يُقطع تمليكاً للمصلحة، فإذا رأى أن يُقطع غير الموات تمليكاً لمن يتملكه للمصلحة فله ذلك؛ لأن تصرفات الإمام دائرة على المصلحة، فنقول بأن هذا جائز ولا بأس به، لما سلف أن عللنا أن الإمام نائب عن الناس في مثل هذه التصرفات.

قال المؤلف رحمه الله: (ومن غير إقطاع لمن سبق بالجلوس ما بقي قماشه فيها وإن طال).

إذا لم يكن هناك إقطاع فيقول المؤلف رحمه الله: من سبق بالجلوس في هذا المكان فهو أحق به ولو طال بقاء متاعه، فمثلاً: أماكن البيع كأماكن بيع الخضار والفواكه أو الألبسة أو الأطعمة من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به إذا لم يكن هناك إقطاع، يعني: الإمام أقطعه أن يبيع في هذا المكان، فله أن يبيع ولو نقل متاعه يعني: لو أخذه في آخر النهار ثم رده من الغد فإنه يملك ذلك، لكن إذا لم يكن هناك إقطاع وسبق أحدٌ إلى هذا المكان للبيع والشراء أو الجلوس فهو أحق به.

قوله: (ما بقي قماشه) يُفهم من ذلك أنه إذا أخذ متاعه فلا يكون أحق من الغد، بخلاف ما إذا كان مقطعاً، فإذا كان مُقطعاً -كما تقدم- فإنه يكون أحق، لكن هنا مادام أن قماشه موجود فهو أحق، أما إذا أخذ قماشه، يعني: أخذ متاعه فإنه لا يكون أحق.

لكن لو طال بقاء المتاع، فهل يكون أحق أو لا يكون أحق؟ المؤلف رحمه الله تعالى يقول: أنه يكون أحق مادام أنه لم يأخذ متاعه؛ لأنه سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم.

والرأي الثاني: أنه لا يكون أحق، وهو المشهور من المذهب، وعلى هذا فإن المؤلف رحمه الله تعالى خالف المذهب في هذه المسألة، فالمذهب: أنه إذا طال قماشه فإنه لا يكون أحق، هذا المشهور من المذهب؛ لأننا لو قلنا إنه يكون أحق إذا طال قماشه فإنه يكون كالمالك، ومثل هذه المسألة -كما سلف لنا- تخضع إلى نظام البلديات، وما يوجد من أنظمة، يعني: ما يسن من أنظمة، وهذه الأنظمة الآن التي توضع كلها تدور حول المصلحة.

قال المؤلف رحمه الله: (وإن سبق اثنان اقترعا).

إذا سبق اثنان إلى هذا المكان للبيع والشراء فيه، يقول المؤلف رحمه الله تعالى: بأنهما يقترعان، مثلاً: جاءا في لحظةٍ واحدة للبيع أو الشراء في هذا المكان، أو للجلوس، وهذا تقدم أن أخذناه في قاعدة القرعة، وذكرنا متى يصار إلى القرعة؟ وأن القرعة يصار إليها في مسائل، من هذه المسائل: عند التزاحم في المختصات، فإذا حصل تزاحم في المختصات بحيث لا يمكن أن يُقسم هذا المختص أو هذا المرفق بينهما فنقول: نصير إلى القرعة.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح زاد المستقنع - كتاب الطهارة [17] 2814 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب النكاح [13] 2725 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب المناسك [5] 2674 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [19] 2639 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [26] 2636 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [32] 2554 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الأيمان [2] 2549 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الحدود [7] 2524 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الإيلاء [1] 2518 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [8] 2493 استماع