شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [28]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ والرشد: الصلاح في المال، بأن يتصرف مراراً فلا يغبن غالباً ولا يبذل ماله في حرام أو في غير فائدة، ولا يُدفع إليه ماله حتى يُختبر قبل بلوغه بما يليق به.

ووليهم حال الحجر الأب ثم وصيه ثم الحاكم، ولا يتصرف لأحدهم وليه إلا بالأحظ، ويتجر له مجاناً، وله دفع ماله مضاربة بجزء من الربح، ويأكل الولي الفقير من مال موليه الأقل من كفايته أو أجرته مجاناً.

ويُقبل قول الولي والحاكم بعد فك الحجر في النفقة والضرورة والغبطة والتلف ودفع المال.

وما استدان العبد لزم سيده إن أذن له وإلا ففي رقبته كاستيداعه وأرش جنايته وقيمة متلفه ].

تقدم لنا في الدرس السابق ما يتعلق بالقسم الثاني من قسمي المحجور عليهم وهو المحجور عليه لحظ نفسه، وذكر المؤلف رحمه الله الصغير والمجنون والسفيه، وذكرنا جملة من الأحكام المتعلقة بهم، فيما يتعلق بعقودهم وفسوخهم، وكذلك أيضاً ما يتعلق بإتلافاتهم وجناياتهم، وكذلك أيضاً ما يتعلق بفك الحجر عنهم، وهل يُحتاج إلى الحاكم القاضي لكي يُفك الحجر عنهم أو لا؟

وأيضاً تعرضنا لما يتعلق بعلامات البلوغ، وأن البلوغ شرط لفك الحجر عن الصغير.

قال رحمه الله: ( والرشد: الصلاح في المال ).

السفيه ينفك الحجر عنه بأمر واحد فقط وهو الرشد؛ لأن السفه: عدم الصلاح في المال، والرشد هو: الصلاح في المال، فالسفيه لا يُحسن التصرف في ماله، والرشد: هو إحسان التصرف في المال، وعلى هذا نقول: السفيه الذي لا يُحسن التصرف في ماله ينفك الحجر عنه بإحسانه التصرف في المال.

ما يختص به الرشد

وقول المؤلف رحمه الله: ( والرشد: الصلاح في المال ) يُفهم منه أن الصلاح في الدين ليس له علاقة بالرشد، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى، فالرشد هو: الصلاح في المال ولو كان فاسقاً، وهذا الرأي الأول.

والرأي الثاني: أن الرشد هو: الصلاح في المال والدين جميعاً، وهذا هو المشهور من مذهب الشافعي رحمه الله تعالى، والذي يظهر -والله أعلم- أن ما ذهب إليه الحنابلة هو الأقرب، وأن الرشد هو: الصلاح في المال ولو كان فاسقاً، ويدل لذلك قول الله عزّ وجل: فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا [النساء:6]. قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أي صلاحاً في أموالهم؛ ولأن الحجر عليهم إنما صير إليه لفساد التصرف بالمال، والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، فالعلة من الحجر هي: عدم إحسان التصرف في المال، وإذا كان كذلك فنقول بأن الرشد ضد السفه، وهو: إحسان التصرف بالمال، فهذا الذي يظهر والواقع أيضاً يشهد لهذا، فقد يكون الإنسان فاسقاً لكنه يُحسن التصرف في ماله، فيستطيع أن يعامل الناس وأن يعقد معهم العقود ولا يغبن، وقد يكون الإنسان ذا دِين ولكنه لا يُحسن التصرف في المال وقد يغبن؛ فما ذهب إليه المؤلف رحمه الله تعالى هو الصواب في هذه المسألة.

ضابط الصلاح في المال

وقوله: ( الصلاح في المال ) ما هو ضابط الصلاح في المال؟ وكيف نعرف الصلاح في المال؟

ذكر المؤلف رحمه الله تعالى فيما يتعلق بمعرفة الصلاح في المال أمرين:

الأمر الأول: قال: ( بأن يتصرف مراراً فلا يُغبن غالباً ).

الأمر الثاني: قال: ( أو في غير فائدة ).

فالأمر الأول: ( أن يتصرف مراراً فلا يُغبن ) يعني: يبيع ويشتري ويؤجر ويستأجر، ويعقد عقد الشركة، والمساقاة، والمزارعة وغير ذلك من العقود، يتصرف تصرفات كثيرة ولا يُغبن بغالب هذه التصرفات.

والأمر الثاني: ألاَّ يبذل ماله في شيء لا فائدة فيه، كما لو اشترى تراباً أو مفرقعات ونحو ذلك.

كذلك أيضاً هناك أمر ثالث يذكره الفقهاء رحمهم الله وهو ألاَّ يبذل ماله في محرم.

فإذا توفرت هذه الصفات الثلاث: أن يتصرف مراراً فلا يُغبن غالباً، وقيدنا بالغالب؛ لأن النادر لا يمكن التحرج به، فلا يمكن أن يكون هناك شخص دائماً يتصرف ويبيع ويشتري ولا يُغلب، فهذا في حكم النادر والنادر لا تُعلق عليه الأحكام.

وألا يبذل ماله فيما لا فائدة فيه، وألا يبذل ماله في محرم؛ فإذا كان بهذه الصفات عرفنا أنه مصلح لماله وأنه رشيد، وهذا الذي يظهر والله أعلم.

واختصاراً لهذا الكلام نقول: إن الصلاح في المال هو حُسن التصرف في المال في غالب المعاملات، فإذا كانت غالب معاملاته يُحسن التصرف فيها فهو رشيد، وأما النادرة فهذه لا تُعلق فيها الأحكام، فلو كان يبذل ماله أحياناً في محرم كأن يشتري دخاناً، فهذا لا يمكن أن نحكم عليه أنه سفيه وأن نحجر عليه، صحيح هو سفيه بهذه المعاملة، أو في شيء لا فائدة فيه، فقد يشتري أشياء لا فائدة فيها كما ضربنا المثال في المفرقعات، لكن لا نحكم عليه في كل تصرفاته أنه سفيه.

والخلاصة في ذلك أن نقول: إن الصلاح في المال هو حُسن التصرف في المال في غالب المعاملات، وكونه يجري معاملة في شيء محرم أو فيما لا فائدة فيه أو يحصل له شيء من الغبن أحياناً، فهذا لا يُخرجه عن كونه رشيداً، فنقول: هو في نفس هذه المعاملة سفيه، هو سفيه إذا شرى محرماً، أو شرى شيئاً لا فائدة فيه، ففي نفس هذه المعاملة نحكم عليه بالسفه.

وقول المؤلف رحمه الله: ( والرشد: الصلاح في المال ) يُفهم منه أن الصلاح في الدين ليس له علاقة بالرشد، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى، فالرشد هو: الصلاح في المال ولو كان فاسقاً، وهذا الرأي الأول.

والرأي الثاني: أن الرشد هو: الصلاح في المال والدين جميعاً، وهذا هو المشهور من مذهب الشافعي رحمه الله تعالى، والذي يظهر -والله أعلم- أن ما ذهب إليه الحنابلة هو الأقرب، وأن الرشد هو: الصلاح في المال ولو كان فاسقاً، ويدل لذلك قول الله عزّ وجل: فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا [النساء:6]. قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أي صلاحاً في أموالهم؛ ولأن الحجر عليهم إنما صير إليه لفساد التصرف بالمال، والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، فالعلة من الحجر هي: عدم إحسان التصرف في المال، وإذا كان كذلك فنقول بأن الرشد ضد السفه، وهو: إحسان التصرف بالمال، فهذا الذي يظهر والواقع أيضاً يشهد لهذا، فقد يكون الإنسان فاسقاً لكنه يُحسن التصرف في ماله، فيستطيع أن يعامل الناس وأن يعقد معهم العقود ولا يغبن، وقد يكون الإنسان ذا دِين ولكنه لا يُحسن التصرف في المال وقد يغبن؛ فما ذهب إليه المؤلف رحمه الله تعالى هو الصواب في هذه المسألة.

وقوله: ( الصلاح في المال ) ما هو ضابط الصلاح في المال؟ وكيف نعرف الصلاح في المال؟

ذكر المؤلف رحمه الله تعالى فيما يتعلق بمعرفة الصلاح في المال أمرين:

الأمر الأول: قال: ( بأن يتصرف مراراً فلا يُغبن غالباً ).

الأمر الثاني: قال: ( أو في غير فائدة ).

فالأمر الأول: ( أن يتصرف مراراً فلا يُغبن ) يعني: يبيع ويشتري ويؤجر ويستأجر، ويعقد عقد الشركة، والمساقاة، والمزارعة وغير ذلك من العقود، يتصرف تصرفات كثيرة ولا يُغبن بغالب هذه التصرفات.

والأمر الثاني: ألاَّ يبذل ماله في شيء لا فائدة فيه، كما لو اشترى تراباً أو مفرقعات ونحو ذلك.

كذلك أيضاً هناك أمر ثالث يذكره الفقهاء رحمهم الله وهو ألاَّ يبذل ماله في محرم.

فإذا توفرت هذه الصفات الثلاث: أن يتصرف مراراً فلا يُغبن غالباً، وقيدنا بالغالب؛ لأن النادر لا يمكن التحرج به، فلا يمكن أن يكون هناك شخص دائماً يتصرف ويبيع ويشتري ولا يُغلب، فهذا في حكم النادر والنادر لا تُعلق عليه الأحكام.

وألا يبذل ماله فيما لا فائدة فيه، وألا يبذل ماله في محرم؛ فإذا كان بهذه الصفات عرفنا أنه مصلح لماله وأنه رشيد، وهذا الذي يظهر والله أعلم.

واختصاراً لهذا الكلام نقول: إن الصلاح في المال هو حُسن التصرف في المال في غالب المعاملات، فإذا كانت غالب معاملاته يُحسن التصرف فيها فهو رشيد، وأما النادرة فهذه لا تُعلق فيها الأحكام، فلو كان يبذل ماله أحياناً في محرم كأن يشتري دخاناً، فهذا لا يمكن أن نحكم عليه أنه سفيه وأن نحجر عليه، صحيح هو سفيه بهذه المعاملة، أو في شيء لا فائدة فيه، فقد يشتري أشياء لا فائدة فيها كما ضربنا المثال في المفرقعات، لكن لا نحكم عليه في كل تصرفاته أنه سفيه.

والخلاصة في ذلك أن نقول: إن الصلاح في المال هو حُسن التصرف في المال في غالب المعاملات، وكونه يجري معاملة في شيء محرم أو فيما لا فائدة فيه أو يحصل له شيء من الغبن أحياناً، فهذا لا يُخرجه عن كونه رشيداً، فنقول: هو في نفس هذه المعاملة سفيه، هو سفيه إذا شرى محرماً، أو شرى شيئاً لا فائدة فيه، ففي نفس هذه المعاملة نحكم عليه بالسفه.

قال المؤلف رحمه الله: (ولا يُدفع إليه حتى يُختبر قبل بلوغه بما يليق به).

فلا يُدفع إليه المال إذا كان صغيراً إلا بأمرين:

الأمر الأول: أن يُختبر بما يليق به.

والأمر الثاني: أن يبلغ.

ويدل لذلك قول الله عز وجل: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا [النساء:6]. قال تعالى: بَلَغُوا النِّكَاحَ [النساء:6] هذا الأمر الأول وهو البلوغ، وقوله تعالى: آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا [النساء:6] يعني: الصلاح في المال كما سلف، ومتى نعرف أنه صالحٌ في ماله؟ بينا ذلك لكن لابد أن يتصرف، ولابد أن نختبره كما في قوله تعالى: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى [النساء:6] يعني: اختبروهم، فيُختبر بما يليق به؛ فإذا كان في مجتمع التجار نختبره بالتجارة، أي: بالبيع والشراء، وإذا كان في مجتمع الصناع فيُختبر بأمور الصناعة، وإذا كان في مجتمع الزراع فيُختبر في أمور الزراعة، وإذا كانت أنثى فتُختبر فيما يتعلق بأمور النساء من الحياكة ونحو ذلك؛ ولهذا قال المؤلف رحمه الله: ( قبل بلوغه بما يليق به ) يعني: ننظر إلى مجتمعه وما يعايشه فنختبره بما يليق به مما يعايشه، فإذا رأينا أنه مصلح حال الاختبار وأنه قد بلغ فإننا ندفع إليه ماله.

قال رحمه الله: ( ووليهم حال الحجر الأب ثم وصيه ثم الحاكم ).

ولاية المال هذه يشدد فيها الفقهاء؛ لأن المال محل الأطماع، والنفوس تطمع في الأموال، ولهذا يشدد الفقهاء رحمهم الله تعالى في ولاية المال، فيقولون: الذي يتولى المال هو الأب؛ ويتولى مال الصغير، أو اليتيم، أو السفيه، أو المجنون.

فإذا كان الأب ليس موجوداً فبعده وصيه إذا وصى، يعني: إذا وصى الأب فقال: يتولى أمر الأطفال فلان من الناس، أو أمر ابني المجنون أو نحو ذلك فلان من الناس، فنقول: يُرجع إلى الوصية.

فإذا هلك الأب ولم يوجد وصي، فمن الذي يتولى أمره؟

قال: ( الحاكم ) أي: القاضي، وعلى هذا، هل يتولى أخوه أمره أو لا يتولى؟ لا يتولى أمره، وجده هل يتولى أمره؟ نقول: لا يتولى أمره، ولهذا إذا أراد أن يتولى أمر الصغار فيذهب إلى القاضي في المحكمة، والقاضي يُخرج له صك ولاية؛ لأنه لا يملك الولاية، فإذا أراد أن يبيع ويشتري بمال هؤلاء اليتمان أو هؤلاء المعتوهين فكذلك.

مثلاً: أبوه أصبح كبيراً وأصابه خرف أو مرض أو نحو ذلك، الآن أصبح محجوراً عليه فلا يملك أن يتصرف، فيحتاج إلى أن يذهب إلى القاضي؛ لأن الولاية للقاضي، فإذا كان الأب غير موجود والوصي غير موجود فالولاية للقاضي، والقاضي يُخرج له صكاً يسمى: صك ولاية، وحينئذ يتمكن من أن يبيع لوليه ويشتري ونحو ذلك.

وكما ذكرنا أن الفقهاء رحمهم الله يشددون في ولاية المال وهذا الذي ذكره المؤلف رحمه الله أن الولاية في المال للأب ثم لوصيه ثم للحاكم القاضي، تكاد أن تتفق عليه المذاهب الأربعة وإن كان لهم شيء من الخلاف في هذه المسألة، لكن تكاد تتفق المذاهب على ما ذكره المؤلف رحمه الله تعالى وهذا الرأي الأول في هذه المسألة.

والرأي الثاني: وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الولاية لسائر العصبة، وأن الولاية ليست خاصة بالأب ووصيه ثم القاضي، بل الولاية لسائر العصبة، وعلى هذا يتولى أمره الأخ، ويتولى أمره الجد، ويتولى أمره الأقرب فالأقرب، مثلاً: الأب فالجد فالإخوة فبنو الإخوة فالعمومة فبنو العمومة، يعني: الأقرب فالأقرب، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، بل بعض الحنابلة يرى أن الأم لها أيضاً حق ولاية المال.

والذي يظهر -والله أعلم- أن يقال: الأحسن في مثل هذه الأشياء أنه يُرجع فيها إلى القاضي؛ وإن كان كلام شيخ الإسلام قوياً في أن يتولى العصبة، لأنهم يتولون أمره في التزويج، ويتولون أمره في الصلاة عليه، وفي تكفينه، وفي الحضانة.. إلى آخره، فكذلك يتولون ولاية المال، فإذا كان كذلك فنقول: كلام شيخ الإسلام له قوة، لكن احتياطاً لهؤلاء القُصر والمحجور عليهم فنقول: الأحسن هو الرجوع إلى القاضي.

قال رحمه الله: ( ولا يتصرف لأحدهم وليه إلا بالأحظ ).

هذه القاعدة يُفرع عليها العلماء رحمهم الله مسائل كثيرة، وهذه القاعدة مأخوذة من قول الله عزّ وجل: وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [الأنعام:152]، فقال: إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [الأنعام:152] يعني: أحسن التصرفات، فلم يقل الله عزّ وجل: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالحسن) بل قال: إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [الأنعام:152] أي: أعلى التصرفات، وعلى هذا فالولي يجتهد بأن ينظر أحسن التصرفات فيسلكها في مال اليتيم وغير اليتيم المحجور عليه، والقاصر قد يكون يتيماً، وقد يكون مجنوناً، وقد يكون كبيراً في السن خرفاً هرماً وأصبح لا يعقل.. إلى آخره، فالله عزّ وجل يقول: وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [الأنعام:152] فننظر إلى أعلى التصرفات.

وهذا يترتب عليه مسائل كثيرة جداً، سنشير إلى جملة من هذه المسائل والمؤلف أيضاً سيشير إلى ذلك.

التجارة بمال المحجور عليه

فمن هذه المسائل، قال: ( ويتجر له مجاناً ).

يتجر الولي، أي: يبيع ويشتري في مال المحجور عليه القاصر ( مجاناً ) فلا يأخذ شيئاً، مثلاً: إذا كان عنده عشرة آلاف أو عنده عشرون ألفاً فإنه يبيع ويشتري في هذه الدراهم مجاناً دون أن يأخذ على ذلك عوضاً للأسباب التالية:

أولاً: لنفي التهمة عن الولي؛ لأنه لو أخذ ربما يُتهم.

وثانياً: قالوا: الربح نماء مال اليتيم، ولا يستحق الولي منه شيئاً إلا بعقد، والولي لا يعقد مع نفسه، يقولون: الربح هذا نماء من؟ نماء مال اليتيم، أو نماء القاصر، والولي لا يستحق شيئاً من هذا الربح إلا بعقد، ولا يعقد مع نفسه، وعلى هذا يُضارب بمال القاصر فيبيع ويشتري، فلو قال: أنا أريد عوضاً نقول: ليس لك ذلك، هذا المشهور من المذهب وهو مذهب المالكية.

الرأي الثاني: رأي الحنفية أن الولي له أن يأخذ كما يأخذ الناس، وسيأتينا أن المؤلف رحمه الله يرى أن الولي لو دفع المال إلى غيره لكي يعمل فيه، فهل يجوز أن يدفعه بعوض أو لا يجوز؟ فالمؤلف يرى بأنه يجوز، يعني: لا بأس أن تدفعه مضاربة، مثلاً: تقول لشخص من الناس: خذ هذا المال وقدره خمسون ألفاً وتاجر فيه ولك نصف الربح، أو لك الربع، أو لك الثلث، فإذا كان يجوز أن نعطي الأجنبي جزءاً من الربح مشاعاً، فكذلك أيضاً الولي له أن يأخذ جزءاً من الربح مشاعاً، وهذا الذي يظهر والله أعلم، لكن يأخذ الولي كما يأخذ الناس، يعني: ينظر ما يأخذه الناس ويأخذ؛ لأن الإنسان قد يشح بأن يعمل لهؤلاء القصر دون أن يكون له شيء من العوض.

المضاربة بمال المحجور عليه بجزء من الربح

قال رحمه الله: ( وله دفع ماله مضاربة بجزء من الربح ).

هذه المسألة تترتب على ما تقدم، فقال: ( وله دفع ماله مضاربة بجزءٍ من الربح ) يعني: الولي له أن يدفع، وظاهر كلام المؤلف رحمه الله في قوله: ( له ) الإباحة، وبعض العلماء يقول: هذا هو السنة، أي: السنة أن تدفع هذا المال للولي، أو لمن يعمل به حتى ولو كان بجزء من الربح؛ ويدل لذلك أن الله سبحانه وتعالى قال: وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [الأنعام:152]. وهذا من التي هي أحسن؛ لأننا إذا تركناه دون أن يُعمل فيه فستأكله الصدقة، وقد ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه قال: ابتغوا في أموال اليتامى كي لا تأكلها الصدقة، يعني: إذا تُرك دون أن يكون هناك عمل به أكلته الصدقة.

وأيضاً يدل لذلك فعل عائشة رضي الله تعالى عنها؛ فإن عائشة رضي الله تعالى عنها دفعت مال محمد بن أبي بكر لمن يعمل فيه، فلا بأس أن يدفع هذا المال لمن يعمل فيه بجزء مشاع من الربح، لكن عليه أن يبحث عن الثقة، فيشترط أن يكون من دُفع له المال ثقة، وكذلك أيضاً أن تكون طرق المضاربة طرقاً مباحة ومأمونة، وهذا يُعرف بعُرف التجار، فالتجار يعرفون الطرق المأمونة وإن كان الربح فيها ليس كثيراً، لكن كونه يدخلها في طرق غير مأمونة -يعني: يُخشى عليها من الهلاك- فإن هذا غير جائز، أو يدفع المال إلى غير ثقة، فنقول: هذا غير جائز، أو يستخدمها ويضارب فيها في معاملات محرمة، فنقول: إن هذا غير جائز.

بيع الولي مال المحجور عليه نسيئة

أيضاً من المسائل المتعلقة بذلك، هل للولي أن يبيع مال اليتيم ونحوه نسيئة أو ليس له ذلك؟

فرأي جمهور العلماء رحمهم الله تعالى أن الولي لا يملك أن يبيعه نسيئة، فمثلاً: إذا احتاج أن يبيع ماله كأن يكون هذا القاصر له سيارة ونحتاج أن نبيع هذه السيارة، فجاء المشتري وقال: أنا أشتريها بثمن مؤجل، فهل للولي أن يبيع ذلك أو لا؟ فجمهور العلماء أنه ليس له ذلك؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [الأنعام:152]. وأيهما أحسن أن يباع نسيئة أو بمال حاضر؟ نقول: التي هي أحسن أن يباع نقداً بمال حاضر، وهذا الرأي الأول.

والرأي الثاني: أن الولي يملك ذلك وهذا قول الحنفية في الجملة، والصحيح أن يقال: ينظر إن كان هناك مصلحة للمولى عليه هذا اليتيم ونحوه؛ فإن كان هناك مصلحة من بيعه نسيئة فنقول: الولي يملك ذلك، وإن لم يكن هناك مصلحة فإنه لا يملك ذلك.

فمثلاً: إذا باعه بثمن مؤجل فيه زيادة في الثمن، أو إذا باعه بثمن حاضر نقداً، أو ربما أن المال يُخشى عليه أو يُخاف عليه من السرقة ونحو ذلك، فنقول: الأمر دائر على المصلحة.

بيع الولي مال المحجور عليه بعرض

أيضاً هل يملك الولي أن يبيع مال اليتيم بعرض أو لا يملك ذلك؟

صورة ذلك أن هذا القاصر له سيارة فأردنا أن نبيع هذه السيارة، هل نبيع هذه السيارة بثياب، أو نبيع السيارة بأطعمة، أو نبيع السيارة بسيارة أخرى؟ أو نقول: لابد أن نبيع هذه السيارة بنقد أو بدراهم؟

هذه المسألة موضع خلاف بين العلماء، والصحيح في ذلك أن نقول: إن هذا تابع للمصلحة، فقد يكون هناك مصلحة، مثلاً: نبيع هذه السيارة بأرض عقار فقد يكون هذا هو الأصلح، أو قد يكون بيع السيارة بسيارة يحتاجها اليتيم أحسن منها؛ فالمهم إذا كان هناك مصلحة فنقول بأنه يُرجع إلى ذلك، أما إذا لم يكن هناك مصلحة، فالأصل أن البيع يكون بنقد، وأما بيعه بعرض فإن هذا لا يجوز.

الإقراض من مال المحجور عليه

كذلك أيضاً هل يملك أن يُقرض ماله؟ أو نقول بأنه لا يملك أن يُقرض ماله؟

أيضاً هذه المسألة موضع خلاف بين العلماء رحمهم الله، والصحيح: أنه يملك ذلك إذا كان هناك مصلحة، والمهم أن مثل هذه تعود إلى المصلحة.

إذاً بيع مال اليتيم نسيئة بثمن مؤجل، قلنا على قولين: رأي جمهور أهل العلم، إذا كان هناك مصلحة جاز، والحنفية يجوزون ذلك في الجملة، وبعض العلماء يرى أنه لا يجوز؛ لأنه ليس من قربان مال اليتيم بالتي هي أحسن.

التبرع من مال المحجور عليه

كذلك أيضاً التبرع من مال اليتيم أو القاصر كالصدقة والعتق والوقف والهبة، فهل يملك ذلك الولي؟ أو نقول: لا يملك ذلك؟ نقول: لا يملك هذه التبرعات؛ لأن هذه التبرعات ليست من مصلحة المولى عنه وليست من قربان مال اليتيم بالتي هي أحسن.

بيع عقار المحجور عليه

كذلك أيضاً مسألة بيع عقار اليتيم أو المولَّى عليه، هل يملك بيعه أو لا يملك بيعه؟ هذا موضع خلاف بين العلماء رحمهم الله تعالى، والصحيح أنه لا يملك البيع، والمشهور من المذهب أنه لا يملك البيع إلا في حالتين:

الحالة الأولى: أن يكون هناك ضرورة؛ لأن العقار ليس كغيره، فالعقار من أعلى الأموال، فلا يملك بيع العقار إلا أن يكون هناك ضرورة، كأن يحتاج إلى طعام وشراب ونحو ذلك، فالضرورات تبيح المحظورات.

الحالة الثانية: أن يكون هناك غبطة بمعنى ثمن زائد عن المعتاد، مثلاً: هذه الأرض تساوي مائة ألف، فجاء شخص يريدها بمائة وثلاثين أو بمائة وأربعين، فيمكننا أن نبيعها ونستبدلها بمكان آخر أحسن منها، فإذا كان هناك غبطة، يعني: ثمن زائد عن المعتاد أو كان هناك ضرورة فنقول بأن هذا جائز ولا بأس به.

شراء الأضحية ونحوها للمحجور عليه

كذلك أيضاً شراء الأضحية للمولى عليه، هل يجوز أو لا يجوز؟

العلماء رحمهم الله تعالى يقولون: إذا كان موسراً فإن هذا لا بأس به وهذا من قربان مال اليتيم بالتي هي أحسن.

أيضاً إذا كان صغيراً يحتاج إلى لعب يلعب بها، فلا بأس أن نشتري له من ماله هذه اللعب؛ لأن الصبي يحتاج إلى مثل هذه الأشياء، وحينئذ يكون هذا من قربان مال اليتيم بالتي هي أحسن.

فالمهم أن القاعدة في ذلك، بينها الله عزّ وجل في قوله: وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [الأنعام:152].

فمن هذه المسائل، قال: ( ويتجر له مجاناً ).

يتجر الولي، أي: يبيع ويشتري في مال المحجور عليه القاصر ( مجاناً ) فلا يأخذ شيئاً، مثلاً: إذا كان عنده عشرة آلاف أو عنده عشرون ألفاً فإنه يبيع ويشتري في هذه الدراهم مجاناً دون أن يأخذ على ذلك عوضاً للأسباب التالية:

أولاً: لنفي التهمة عن الولي؛ لأنه لو أخذ ربما يُتهم.

وثانياً: قالوا: الربح نماء مال اليتيم، ولا يستحق الولي منه شيئاً إلا بعقد، والولي لا يعقد مع نفسه، يقولون: الربح هذا نماء من؟ نماء مال اليتيم، أو نماء القاصر، والولي لا يستحق شيئاً من هذا الربح إلا بعقد، ولا يعقد مع نفسه، وعلى هذا يُضارب بمال القاصر فيبيع ويشتري، فلو قال: أنا أريد عوضاً نقول: ليس لك ذلك، هذا المشهور من المذهب وهو مذهب المالكية.

الرأي الثاني: رأي الحنفية أن الولي له أن يأخذ كما يأخذ الناس، وسيأتينا أن المؤلف رحمه الله يرى أن الولي لو دفع المال إلى غيره لكي يعمل فيه، فهل يجوز أن يدفعه بعوض أو لا يجوز؟ فالمؤلف يرى بأنه يجوز، يعني: لا بأس أن تدفعه مضاربة، مثلاً: تقول لشخص من الناس: خذ هذا المال وقدره خمسون ألفاً وتاجر فيه ولك نصف الربح، أو لك الربع، أو لك الثلث، فإذا كان يجوز أن نعطي الأجنبي جزءاً من الربح مشاعاً، فكذلك أيضاً الولي له أن يأخذ جزءاً من الربح مشاعاً، وهذا الذي يظهر والله أعلم، لكن يأخذ الولي كما يأخذ الناس، يعني: ينظر ما يأخذه الناس ويأخذ؛ لأن الإنسان قد يشح بأن يعمل لهؤلاء القصر دون أن يكون له شيء من العوض.

قال رحمه الله: ( وله دفع ماله مضاربة بجزء من الربح ).

هذه المسألة تترتب على ما تقدم، فقال: ( وله دفع ماله مضاربة بجزءٍ من الربح ) يعني: الولي له أن يدفع، وظاهر كلام المؤلف رحمه الله في قوله: ( له ) الإباحة، وبعض العلماء يقول: هذا هو السنة، أي: السنة أن تدفع هذا المال للولي، أو لمن يعمل به حتى ولو كان بجزء من الربح؛ ويدل لذلك أن الله سبحانه وتعالى قال: وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [الأنعام:152]. وهذا من التي هي أحسن؛ لأننا إذا تركناه دون أن يُعمل فيه فستأكله الصدقة، وقد ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه قال: ابتغوا في أموال اليتامى كي لا تأكلها الصدقة، يعني: إذا تُرك دون أن يكون هناك عمل به أكلته الصدقة.

وأيضاً يدل لذلك فعل عائشة رضي الله تعالى عنها؛ فإن عائشة رضي الله تعالى عنها دفعت مال محمد بن أبي بكر لمن يعمل فيه، فلا بأس أن يدفع هذا المال لمن يعمل فيه بجزء مشاع من الربح، لكن عليه أن يبحث عن الثقة، فيشترط أن يكون من دُفع له المال ثقة، وكذلك أيضاً أن تكون طرق المضاربة طرقاً مباحة ومأمونة، وهذا يُعرف بعُرف التجار، فالتجار يعرفون الطرق المأمونة وإن كان الربح فيها ليس كثيراً، لكن كونه يدخلها في طرق غير مأمونة -يعني: يُخشى عليها من الهلاك- فإن هذا غير جائز، أو يدفع المال إلى غير ثقة، فنقول: هذا غير جائز، أو يستخدمها ويضارب فيها في معاملات محرمة، فنقول: إن هذا غير جائز.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح زاد المستقنع - كتاب الطهارة [17] 2814 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب النكاح [13] 2725 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب المناسك [5] 2674 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [19] 2639 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [26] 2636 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [32] 2554 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الأيمان [2] 2549 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الحدود [7] 2524 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الإيلاء [1] 2518 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [8] 2493 استماع