خطب ومحاضرات
المسائل المعاصرة في الزكاة [4]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
وبعد:
في الدرس السابق تعرضنا لما يتعلق بزكاة الأسهم والسندات، وتكلمنا عن زكاة السندات، وأن السندات في حقيقتها عبارة عن قروض بفوائد، وتكلمنا عن المسائل التي تبنى عليها هذه المسألة، وهي فيما يتعلق بزكاة الدين بأقسامه الثلاثة، وتلخص لنا أن هذه السندات هي قروض على مليء، فتجب فيها الزكاة إلا ما يتعلق بفوائدها المحرمة فإن الزكاة لا تشرع فيها.
وأيضاً تكلمنا عن زكاة الأسهم، وتبين لنا أن زكاة الأسهم تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن يكون المساهم هو المزكي، واشترى هذه الأسهم ليفيد من ريعها، ويجني من أرباحها، فهذا بحسب نشاط الشركة، إن كانت الشركة تجارية فإنه يخرج ربع العشر للأسهم أو ربع عشر قيمة الأسهم الحقيقية، وإن كانت الشركة صناعية، فإنه يخرج ربع العشر من الأرباح، وإن كانت زراعية فإنه يزكي زكاة الزروع.
والقسم الثاني: أن يكون المساهم اقتنى هذه الأسهم للاستثمار، للبيع والشراء.. إلخ، فهذه يجب عليه أن يخرج ربع عشر قيمة الأسهم السوقية.
والقسم الثالث: أن يكون المزكي هي الشركة، فإن الشركة تجعل أموال المساهمين كمال الشخص الواحد، ثم بعد ذلك تزكي حسب نشاطها، إن كانت تجارية وإن كانت زراعية وإن كانت صناعية كما تقدم.
درس اليوم سنتعرض لزكاة الصناديق الاستثمارية، وهذه المسألة لها ارتباط بالمسألة السابقة وهي زكاة الأسهم، ثم بعد ذلك سنتعرض لزكاة المصانع وما يلحق بها من مسائل، ثم بعد ذلك سنتعرض لزكاة الحيوانات المتخذة للاتجار بنتاجها كالألبان والبيض، وما يشتق عن الألبان من زبد أو جبن أو نحو ذلك كما هو معروف.
عندنا المسألة الأولى في درس هذا اليوم وهي ما يتعلق بزكاة صناديق الاستثمار، وعندنا مسألتان في هذه المسألة، المسألة الأولى: المراد بصناديق الاستثمار، والمسألة الثانية: كيفية زكاة هذه الصناديق.
المراد بصناديق الاستثمار
أقسم زكاة الصناديق الاستثمارية
الأمر الأول: أن يكون استثمارها في نشاط معين، مثل: النشاط الصناعي أو الزراعي، فزكاة هذا النشاط يتقسم إلى الآتي:
القسم الأول: أن يكون استثمارها في نشاط معين كالنشاط الزراعي أو الصناعي، فحكم زكاة هذا النشاط كما تقدم لنا، فإذا كان نشاطها صناعياً فإن الزكاة على صافي الأرباح، ربع العشر، وإن كان نشاطها زراعياً فزكاتها زكاة الزروع، العشر أو نصف العشر.
القسم الثاني: أن يكون استثمارها في النشاط التجاري بتقليب المال بالبيع والشراء، وهذا هو الغالب اليوم على الصناديق الاستثمارية، يعني: الصناديق الاستثمارية والتي توجد في المصارف الغالب على نشاطها هو النشاط التجاري بالبيع والشراء وتقليب الأموال.
وهذا القسم تحته أمران:
الأمر الأول: أن يكون الاتفاق بين رب المال والقائمين على هذه الصناديق الاستثمارية هي المضاربة بهذا المال، يعني: رب المال يودع هذا المال بهذه الصناديق الاستثمارية على أن يعملوا ولهم جزء من الربح، فهذه شركة مضاربة.
وحينئذٍ نقول: بالنسبة لرب المال يزكي زكاة عروض تجارة، فينظر إذا حال الحول إلى قيمة أسهمه السوقية، ويخرج ربع العشر، وإذا أعطي شيئاً من الأرباح فإنه يخرج زكاتها مباشرة: ربع العشر.
لكن بالنسبة للقائمين على هذه الصناديق الاستثمارية، فإنه ينبني على خلاف أهل العلم رحمهم الله، المضارب من أعطي المال هل يجب عليه أن يزكي على الربح أم لا؟ رب المال: يجب عليه أن يزكي عن قيمة الأسهم، وعن ربحها.
لكن بالنسبة للمضارب، وهو هذه الشركة القائمة على هذه الصناديق الاستثمارية، هل يجب عليها أن تزكي أو لا يجب عليها أن تزكي؟
فقال بعض العلماء: إذا اشتغلت ثم ربحت فهي الآن ملكت فيجب عليها إذا حال الحول من حين الربح أن تزكي.
والرأي الثاني المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله: أنه لا يجب عليها الزكاة حتى تقبض الربح، يعني: القائمون على هذه الصناديق لا تجب عليهم الزكاة حتى يقبضوا ويحول الحول على هذا الربح الذي قبضوه، هذا الأمر الأول، وهي ما إذا كانت العلاقة بين رب المال والقائمين على هذه الصناديق هي المضاربة.
الأمر الثاني: أن تكون العلاقة بين رب المال والقائمين على هذه الصناديق هي الوكالة، بمعنى: أن يوكلهم في العمل بأمواله، فنقول: أما بالنسبة لرب المال فيزكي زكاة عروض تجارة، فينظر إلى قيمة الأسهم السوقية ويخرج ربع العشر، وإذا قبض شيئاً من الربح أخرج ربع عشره، لأن الربح هذا حوله حول الأصل، فحكم هذا الأمر بالنسبة لرب المال هو حكم الأمر السابق.
أما بالنسبة للقائمين على هذه الصناديق، فما يأخذونه هو أجرة على عملهم.
والصحيح من أقوال أهل العلم أن الأجرة لا تجب فيها الزكاة حتى يحول عليها الحول من حين العقد، فإذا حال الحول على هذه الأجرة من حين العقد فتجب فيها الزكاة.
صناديق الاستثمار هي وعاء للاستثمار، له ذمة مالية مستقلة يهدف إلى تجميع الأموال واستثمارها في مجالات متعددة، وتدير هذه الصناديق شركة استثمار، وهناك تعاريف أخرى لكن نقتصر على هذا التعريف.
المسألة الثانية: زكاة الصناديق الاستثمارية، نقول: هذه الصناديق لا تخلو من أمرين:
الأمر الأول: أن يكون استثمارها في نشاط معين، مثل: النشاط الصناعي أو الزراعي، فزكاة هذا النشاط يتقسم إلى الآتي:
القسم الأول: أن يكون استثمارها في نشاط معين كالنشاط الزراعي أو الصناعي، فحكم زكاة هذا النشاط كما تقدم لنا، فإذا كان نشاطها صناعياً فإن الزكاة على صافي الأرباح، ربع العشر، وإن كان نشاطها زراعياً فزكاتها زكاة الزروع، العشر أو نصف العشر.
القسم الثاني: أن يكون استثمارها في النشاط التجاري بتقليب المال بالبيع والشراء، وهذا هو الغالب اليوم على الصناديق الاستثمارية، يعني: الصناديق الاستثمارية والتي توجد في المصارف الغالب على نشاطها هو النشاط التجاري بالبيع والشراء وتقليب الأموال.
وهذا القسم تحته أمران:
الأمر الأول: أن يكون الاتفاق بين رب المال والقائمين على هذه الصناديق الاستثمارية هي المضاربة بهذا المال، يعني: رب المال يودع هذا المال بهذه الصناديق الاستثمارية على أن يعملوا ولهم جزء من الربح، فهذه شركة مضاربة.
وحينئذٍ نقول: بالنسبة لرب المال يزكي زكاة عروض تجارة، فينظر إذا حال الحول إلى قيمة أسهمه السوقية، ويخرج ربع العشر، وإذا أعطي شيئاً من الأرباح فإنه يخرج زكاتها مباشرة: ربع العشر.
لكن بالنسبة للقائمين على هذه الصناديق الاستثمارية، فإنه ينبني على خلاف أهل العلم رحمهم الله، المضارب من أعطي المال هل يجب عليه أن يزكي على الربح أم لا؟ رب المال: يجب عليه أن يزكي عن قيمة الأسهم، وعن ربحها.
لكن بالنسبة للمضارب، وهو هذه الشركة القائمة على هذه الصناديق الاستثمارية، هل يجب عليها أن تزكي أو لا يجب عليها أن تزكي؟
فقال بعض العلماء: إذا اشتغلت ثم ربحت فهي الآن ملكت فيجب عليها إذا حال الحول من حين الربح أن تزكي.
والرأي الثاني المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله: أنه لا يجب عليها الزكاة حتى تقبض الربح، يعني: القائمون على هذه الصناديق لا تجب عليهم الزكاة حتى يقبضوا ويحول الحول على هذا الربح الذي قبضوه، هذا الأمر الأول، وهي ما إذا كانت العلاقة بين رب المال والقائمين على هذه الصناديق هي المضاربة.
الأمر الثاني: أن تكون العلاقة بين رب المال والقائمين على هذه الصناديق هي الوكالة، بمعنى: أن يوكلهم في العمل بأمواله، فنقول: أما بالنسبة لرب المال فيزكي زكاة عروض تجارة، فينظر إلى قيمة الأسهم السوقية ويخرج ربع العشر، وإذا قبض شيئاً من الربح أخرج ربع عشره، لأن الربح هذا حوله حول الأصل، فحكم هذا الأمر بالنسبة لرب المال هو حكم الأمر السابق.
أما بالنسبة للقائمين على هذه الصناديق، فما يأخذونه هو أجرة على عملهم.
والصحيح من أقوال أهل العلم أن الأجرة لا تجب فيها الزكاة حتى يحول عليها الحول من حين العقد، فإذا حال الحول على هذه الأجرة من حين العقد فتجب فيها الزكاة.
عندنا المسألة الثانية: وهي ما يتعلق بزكاة المصانع، وزكاة المصانع فيها خمس مسائل:
الفقهاء في الزمن السابق تحدثوا عن زكاة المستغلات، والمراد بالمستغلات هي كل أصل ثابت يدر دخلاً تتجدد منفعته.
وفي زماننا هذا خاض الفقهاء في الهيئات والمؤتمرات الفقهية في الحديث عن زكاة المستغلات وخصوصاً فيما يتعلق بالمصانع، لأن المصانع نشأت حديثاً وتطورت سريعاً، وهي من أكبر قنوات الاستثمار في العصر الحاضر لضخامة رؤوس أموالها وكثرة إنتاجها.. إلخ.
وهنا سنتكلم عن المسائل الآتية:
المسألة الأولى: زكاة غلة المصانع، وعن أعيان المستغلات، فهل تجب الزكاة في أعيان مستغلات المصانع؟ وهل تجب الزكاة في غلة هذه المصانع؟
والمسألة الثانية: زكاة السلع التي صنعت.
والمسألة الثالثة: زكاة المواد الخام التي لم تصنع بعد.
والمسألة الرابعة: زكاة المواد المساعدة في التصنيع.
فهذه تكلم عليها العلماء رحمهم الله في وقتنا الحاضر لما ذكرنا من أن المصانع الآن أصبحت من أكبر القنوات لاستثمار المال لضخامة رؤوس أموالها، وكثرة إنتاجها، وما تدره أيضاً من أرباح كثيرة.
زكاة غلة المصانع
هذه اختلف فيها العلماء رحمهم الله تعالى على أقوال ونقتصر على قولين.
القول الأول: أن الزكاة لا تجب في أعيان المستغلات، يعني: ما يوجد بهذه المصانع الضخمة من آلات ومكائن ومعدات يحتاج إليها في التصنيع فهذه لا تجب الزكاة فيها، وإنما تجب الزكاة في الغلة التي ينتجها المصنع بعد أن يمضي حول على إنتاجها، هذا هو الرأي الأول وهو رأي مجمع الفقه الإسلامي.
الرأي الثاني يقابل هذا الرأي: أنه تجب الزكاة في أعيان هذه المستغلات، وكذلك تجب الزكاة في غلتها.
ولكل منهم دليل: أما أهل الرأي الأول الذين قالوا: بأن الأعيان لا تجب فيها الزكاة، فاستدلوا على ذلك بأن قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس على المسلم في فرسه ولا عبده صدقة)، فالأشياء التي يقتنيها المسلم لا لقصد البيع والشراء وإنما للقنية، مثل الفرس يختص به، والرقيق للخدمة والسيارة والبيت وغير ذلك، قالوا: هذه لا زكاة فيها، ومثل هذه الأشياء أيضاً المعدات والآلات إلخ قالوا: هذه لا زكاة فيها؛ لأنه لا يراد بها البيع والشراء، وإنما تراد هذه الأشياء لما يترتب عليها من إنتاج ونحو ذلك، للإفادة منها في تصنيع هذه المواد، فهذه مثل البيت الذي يسكنه الإنسان، والسيارة التي يركبها، والإناء الذي يستفيد منه في الطبخ والأكل والشرب، ومثله أيضاً هذه الآلات… إلخ.
وأما الغلة فإنه تجب الزكاة فيها؛ لأن حقيقة هذه الغلة أنها عروض تجارة، وهي مال لأنها لا تراد لذاتها وإنما تراد للبيع، فهذه الأشياء تشترى ثم بعد ذلك تصنع، ثم بعد ذلك تدفع بيعاً للمستهلك، فهي مال، والله عز وجل يقول: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ [المعارج:24]، ويقول سبحانه: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة:103].
الرأي الثاني: قالوا: أنه تجب الزكاة في الأعيان وفي الغلات، واستدلوا على ذلك بقول الله عز وجل: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ [التوبة:103]، وهذه من الأموال.
والجواب عن هذا سهل فنقول: صحيح أنها مال، لكن دل الدليل على أن هذا المال خارج من وجوب الزكاة، كالسيارة التي يملكها الإنسان، والبيت الذي يملكه ويختص به للسكنى، هذه لا زكاة فيها.
فالصواب أن الزكاة إنما تجب في الغلات دون أعيانها.
وعلى هذا نخلص من هذه المسألة ونقول: ما يتعلق بزكاة المصانع بأعيانها وغلاتها تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أعيان الغلات من آلات ونحوها، فهذه لا تجب فيها الزكاة.
القسم الثاني: ما يتعلق بالغلات التي تنتجها هذه الآلات، فنقول: هذه تجب فيها الزكاة إذا حال عليها الحول من حين إنتاجها؛ لأنها مال واحد يتقلب، والربح فيه تابع لأصله في حوله ونصابه.
ويتبين بهذا أن هذه الأموال التي تصنع ثم تدفع للبيع فنقول: تزكي هذه السلع التي بيعت إذا حال عليها الحول من حين الإنتاج، فينظر إلى صافي أرباح هذه المصانع من حين الإنتاج إذا حال عليها الحول ويخرج ربع العشر، زكاة التجارة.
زكاة السلع المصنعة
فإذا كان هناك سلع أنتجت ولم تبع، كأن تكون في المستودعات حتى الآن، فهل تجب فيها الزكاة أو لا تجب فيها الزكاة هذا الموضع فيه خلاف بين المتأخرين، فالرأي الأول: أنه تجب فيها الزكاة، وهذا ما عليه الأكثر، أن هذه السلع التي صنعت وإن لم تبع فإنه تجب فيها الزكاة؛ لأنها عروض تجارة تراد للبيع الآن، فإذا بقيت حولاً من حين إنتاجها فإنه يجب أن يخرج فيها ربع العشر.
وذهب بعض المتأخرين إلى أنه لا تجب الزكاة في مثل هذه البضائع التي لم تبع.
والصواب في هذه المسألة ما ذهب إليه الأكثر، وأنه تجب فيها الزكاة إذا صنعت وحال عليها الحول من إنتاجها، فتقدر كم قيمتها ويخرج ربع العشر.
زكاة المواد الخام
الرأي الأول: أنه تجب فيها الزكاة، وهذا قول أكثر المعاصرين، وبه أفتت الندوة السابعة لقضايا الزكاة المعاصرة في الكويت.
والرأي الثاني: أنه لا تجب الزكاة فيها.
ولكل منهما دليل: أما الذين قالوا: إنه تجب الزكاة فقالوا: إن هذه المواد الخام لا تقصد لذاتها، وإنما الأعمال بالنيات، وهي لا يقصد ذاتها، إنما يقصد أن تصنع وتباع، فهي داخلة في عروض التجارة، فتجب فيها الزكاة، وحولها حول أصلها؛ لأن عروض التجارة مبني على التقليب والاستبدال، فإذا كان عنده أموال، وهذه الأموال ابتدأ عليها الحول واشترى مواد خام كي يصنعها، فإن هذه المواد الخام حولها حول الأصل، يبني على حول الأموال السابقة؛ لأن هذه الأموال لا تراد لعينها وإنما تراد لقيمتها.
القول الثاني: لا تجب في هذه المواد الزكاة؛ لأنها لا تراد للبيع، وإنما تراد للتصنيع، وهذا غير مسلم، والصواب أن هذه الأموال هي مرادة للبيع، فالمصنع إنما اقتنى هذه الأشياء لكي يصنعها على شكل آخر، ثم بعد ذلك يبيعها على المستهلك.
زكاة المواد المساعدة في التصنيع
نقول: مثل هذه الأشياء لا تجب فيها الزكاة، فهي كالأصول الثابتة كما تقدم لنا، وهذا قول أكثر المتأخرين.
فنقول: مثل هذه الأشياء التي يحتاج إليها للتشغيل والصيانة ونحو ذلك، هذه لو حال عليها الحول وهي عند الإنسان فإنه لا يجب عليه أن يخرج الزكاة.
كذلك أيضاً ما تحتاج إليه هذه المصنوعات من العلب والكراتين ونحو ذلك إلخ، نقول: هذه داخلة في السلع التي تصنع فتجب فيها الزكاة، يعني: أوعية هذه المنتوجات من الكراتين والمواد البلاستيك والعلب التي توضع فيه هذه الأشياء، هذه تجب فيها الزكاة.
المسألة الأولى: زكاة أعيان المستغلات، وغلة هذه المصانع، ويقصد بأعيان المستغلات ما تحتويه هذه المصانع من آلات ومكائن.. إلخ، وغلة هذه الأعيان، ما تنتجه هذه المصانع، فعندنا المسألة الأولى: حكم زكاة أعيان هذه المستغلات، وأيضاً حكم زكاة غلة هذه المصانع وما تنتجه هذه المصانع.
هذه اختلف فيها العلماء رحمهم الله تعالى على أقوال ونقتصر على قولين.
القول الأول: أن الزكاة لا تجب في أعيان المستغلات، يعني: ما يوجد بهذه المصانع الضخمة من آلات ومكائن ومعدات يحتاج إليها في التصنيع فهذه لا تجب الزكاة فيها، وإنما تجب الزكاة في الغلة التي ينتجها المصنع بعد أن يمضي حول على إنتاجها، هذا هو الرأي الأول وهو رأي مجمع الفقه الإسلامي.
الرأي الثاني يقابل هذا الرأي: أنه تجب الزكاة في أعيان هذه المستغلات، وكذلك تجب الزكاة في غلتها.
ولكل منهم دليل: أما أهل الرأي الأول الذين قالوا: بأن الأعيان لا تجب فيها الزكاة، فاستدلوا على ذلك بأن قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس على المسلم في فرسه ولا عبده صدقة)، فالأشياء التي يقتنيها المسلم لا لقصد البيع والشراء وإنما للقنية، مثل الفرس يختص به، والرقيق للخدمة والسيارة والبيت وغير ذلك، قالوا: هذه لا زكاة فيها، ومثل هذه الأشياء أيضاً المعدات والآلات إلخ قالوا: هذه لا زكاة فيها؛ لأنه لا يراد بها البيع والشراء، وإنما تراد هذه الأشياء لما يترتب عليها من إنتاج ونحو ذلك، للإفادة منها في تصنيع هذه المواد، فهذه مثل البيت الذي يسكنه الإنسان، والسيارة التي يركبها، والإناء الذي يستفيد منه في الطبخ والأكل والشرب، ومثله أيضاً هذه الآلات… إلخ.
وأما الغلة فإنه تجب الزكاة فيها؛ لأن حقيقة هذه الغلة أنها عروض تجارة، وهي مال لأنها لا تراد لذاتها وإنما تراد للبيع، فهذه الأشياء تشترى ثم بعد ذلك تصنع، ثم بعد ذلك تدفع بيعاً للمستهلك، فهي مال، والله عز وجل يقول: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ [المعارج:24]، ويقول سبحانه: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة:103].
الرأي الثاني: قالوا: أنه تجب الزكاة في الأعيان وفي الغلات، واستدلوا على ذلك بقول الله عز وجل: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ [التوبة:103]، وهذه من الأموال.
والجواب عن هذا سهل فنقول: صحيح أنها مال، لكن دل الدليل على أن هذا المال خارج من وجوب الزكاة، كالسيارة التي يملكها الإنسان، والبيت الذي يملكه ويختص به للسكنى، هذه لا زكاة فيها.
فالصواب أن الزكاة إنما تجب في الغلات دون أعيانها.
وعلى هذا نخلص من هذه المسألة ونقول: ما يتعلق بزكاة المصانع بأعيانها وغلاتها تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أعيان الغلات من آلات ونحوها، فهذه لا تجب فيها الزكاة.
القسم الثاني: ما يتعلق بالغلات التي تنتجها هذه الآلات، فنقول: هذه تجب فيها الزكاة إذا حال عليها الحول من حين إنتاجها؛ لأنها مال واحد يتقلب، والربح فيه تابع لأصله في حوله ونصابه.
ويتبين بهذا أن هذه الأموال التي تصنع ثم تدفع للبيع فنقول: تزكي هذه السلع التي بيعت إذا حال عليها الحول من حين الإنتاج، فينظر إلى صافي أرباح هذه المصانع من حين الإنتاج إذا حال عليها الحول ويخرج ربع العشر، زكاة التجارة.
المسألة الثانية: زكاة السلع المصنعة، فيما تقدم تبين لنا أن الزكاة تجب في أثمان هذه الغلات إذا بيعت وحال عليها الحول من بداية الإنتاج، فإنه يجب الزكاة في هذه الأرباح، وقدر الزكاة قدر زكاة التجارة؛ لأن هذه الأشياء لا تراد لذاتها، وإنما تراد للبيع، ففيها ربع العشر.
فإذا كان هناك سلع أنتجت ولم تبع، كأن تكون في المستودعات حتى الآن، فهل تجب فيها الزكاة أو لا تجب فيها الزكاة هذا الموضع فيه خلاف بين المتأخرين، فالرأي الأول: أنه تجب فيها الزكاة، وهذا ما عليه الأكثر، أن هذه السلع التي صنعت وإن لم تبع فإنه تجب فيها الزكاة؛ لأنها عروض تجارة تراد للبيع الآن، فإذا بقيت حولاً من حين إنتاجها فإنه يجب أن يخرج فيها ربع العشر.
وذهب بعض المتأخرين إلى أنه لا تجب الزكاة في مثل هذه البضائع التي لم تبع.
والصواب في هذه المسألة ما ذهب إليه الأكثر، وأنه تجب فيها الزكاة إذا صنعت وحال عليها الحول من إنتاجها، فتقدر كم قيمتها ويخرج ربع العشر.
المسألة الثالثة: زكاة المواد الخام، ويقصد بالمواد الخام المواد الأولية التي تتركب منها السلع المصنعة، مثل الحديد للسيارات، والقطن والصوف للمنسوجات.. إلخ، فهل تجب الزكاة في هذه المواد؟ لو اشترينا حديد لكي نصنع الآلات أو اشترينا خشباً لكي نعمل دواليب، أو اشترينا ألمنيوم لكي نعمل أبواباً ونوافذ.. إلخ؟ فهل تجب الزكاة في هذه المواد الخام التي اشتريت الآن أو لا تجب فيها الزكاة؟
الرأي الأول: أنه تجب فيها الزكاة، وهذا قول أكثر المعاصرين، وبه أفتت الندوة السابعة لقضايا الزكاة المعاصرة في الكويت.
والرأي الثاني: أنه لا تجب الزكاة فيها.
ولكل منهما دليل: أما الذين قالوا: إنه تجب الزكاة فقالوا: إن هذه المواد الخام لا تقصد لذاتها، وإنما الأعمال بالنيات، وهي لا يقصد ذاتها، إنما يقصد أن تصنع وتباع، فهي داخلة في عروض التجارة، فتجب فيها الزكاة، وحولها حول أصلها؛ لأن عروض التجارة مبني على التقليب والاستبدال، فإذا كان عنده أموال، وهذه الأموال ابتدأ عليها الحول واشترى مواد خام كي يصنعها، فإن هذه المواد الخام حولها حول الأصل، يبني على حول الأموال السابقة؛ لأن هذه الأموال لا تراد لعينها وإنما تراد لقيمتها.
القول الثاني: لا تجب في هذه المواد الزكاة؛ لأنها لا تراد للبيع، وإنما تراد للتصنيع، وهذا غير مسلم، والصواب أن هذه الأموال هي مرادة للبيع، فالمصنع إنما اقتنى هذه الأشياء لكي يصنعها على شكل آخر، ثم بعد ذلك يبيعها على المستهلك.
المسألة الرابعة: وهي زكاة المواد المساعدة في التصنيع، ويراد بالمواد المساعدة في التصنيع المواد التي لا تدخل في تركيب المصنوعات ولكن يحتاج إليها في التصنيع، كمواد التشغيل والصيانة، مثل الوقود والزيوت ونحو ذلك، فإذا اقتنيت كميات كبيرة من الزيت أو البنزين أو الغاز أو نحو ذلك من الأشياء التي لا تدخل في مواد التصنيع، لا يتركب منها السلعة المصنعة، لكن يحتاج إليها في تشغيل الآلات، فهل تجب فيها الزكاة أو لا تجب فيها الزكاة؟
نقول: مثل هذه الأشياء لا تجب فيها الزكاة، فهي كالأصول الثابتة كما تقدم لنا، وهذا قول أكثر المتأخرين.
فنقول: مثل هذه الأشياء التي يحتاج إليها للتشغيل والصيانة ونحو ذلك، هذه لو حال عليها الحول وهي عند الإنسان فإنه لا يجب عليه أن يخرج الزكاة.
كذلك أيضاً ما تحتاج إليه هذه المصنوعات من العلب والكراتين ونحو ذلك إلخ، نقول: هذه داخلة في السلع التي تصنع فتجب فيها الزكاة، يعني: أوعية هذه المنتوجات من الكراتين والمواد البلاستيك والعلب التي توضع فيه هذه الأشياء، هذه تجب فيها الزكاة.
المسألة الخامسة: حفر الآبار للفقراء من الزكاة، وهذا يوجد اليوم عند كثير من الجمعيات الخيرية، وخصوصاً الجمعيات التي تعمل خارج البلاد، ويحتاج المسلمون في تلك البلاد إلى حفر آبار، فهل لهذه الجمعيات الخيرية أن تقوم بحفر آبار من الزكاة أو لا؟
هذه المسألة تنبني على شرط ذكره العلماء رحمهم الله فقالوا: يشترط في الزكاة تمليك الفقير للزكاة، ويدل لهذا قول النبي عليه الصلاة والسلام: (تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم)، أخذت من الأغنياء وترد على الفقراء، وعلى هذا لو أن الغني صنع طعاماً وقال للفقراء: كلوا، هل يجزئه ذلك عن الزكاة أو لا يجزئه؟ قالوا: لا يجزئه ذلك؛ لأن هذا ليس فيه تمليك لهم.
ومسألة حفر الآبار من الزكاة تنبني على هذه المسألة، وتنبني على مسألة أخرى وهي أن الزكاة لها مصارف محددة في الشرع بينها الله عز وجل في كتابه، فإذا حفرنا بئراً مثلاً بعشرة آلاف ريال من الزكاة، هل هذا البئر له مالك معين أو ليس له مالك معين؟ نقول: ليس له مالك معين، فيتخل عندنا هذا الشرط؛ لأن الزكاة لابد أن يكون لها مالك، وأن تملك الفقير، وهنا لم يملك الفقير، فهذا البئر لا يختص به زيد ولا عمرو.. إلخ.
المسألة الثانية: الزكاة لها مصارف محددة، ومثل هذه الآبار لا تكون خاصة بالفقراء، فيشرب منها الغني، والفقير، ويستفيد منها الغني والفقير، والغني ليس من أهل الزكاة.
ومن هذا يتبين أن حفر الآبار من الزكوات غير جائز لأمرين:
الأمر الأول: أنه لابد من تمليك الفقير لهذا المال، والآن هذا البئر ليس ملكاً لأحد، وإنما هو لعموم المسلمين.
الأمر الثاني: أن الزكاة لها مصارف محددة شرعاً، ومثل هذا البئر قد يفيد منه حتى الأغنياء، فيظهر لنا أن الزكاة لا تصح فيما يتعلق بحفر الآبار، واستثنى بعض المتأخرين إذا لم يمكن حفر الآبار إلا بمال الزكاة، وهذا يكون داخل تحت قاعدة الضرورات تبيح المحظورات.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
المسائل المعاصرة في الزكاة [2] | 2420 استماع |
المسائل المعاصرة في الزكاة [3] | 1921 استماع |
المسائل المعاصرة في الزكاة [5] | 1788 استماع |
المسائل المعاصرة في الزكاة [1] | 1276 استماع |