المسائل المعاصرة في الزكاة [1]


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم إنا نسألك علماً نافعاً، ورزقاً حلالاً طيباً واسعاً، وعملاً متقبلاً، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد.

أيها الأحبة! ونحن في أول درس من دروس هذه الدورة المباركة نحمد الله عزّ وجل ونشكره على ما منّ به علينا من هذه العلوم والدروس، فإن تعلم العلم من أجل العبادات وأفضل القربات، وخير ما تقضى به الدقائق والساعات، وفضل العلم وأجره كبير، والآثار في ذلك كثيرة جداً ومتضافرة لا تخفى على الجميع، ولهذا قال ابن المبارك رحمه الله تعالى: لا أعلم مرتبة بعد مرتبة النبوة أفضل من تعلم العلم وتعليمه. وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: العلم لا يعدله شيء لمن صحت نيته، قيل: وكيف تصح النية؟ قال: أن ينوي أن يرفع الجهل عن نفسه وعن غيره.

فأهنئ الإخوة الذين يحرصون على تقضية لحظات عمرهم وأنفاسهم في مثل هذه المجالس المباركة التي تحفها الملائكة، وتغشاها السكينة، وتتنزل عليها الرحمة.

وتواصلاً للدورة السابقة في مثل هذا الوقت من العام الماضي، فإننا كنا شرعنا في دراسة جملة من النوازل المتعلقة بكتاب الطهارة، ثم بعد ذلك أخذنا جملة من النوازل المتعلقة بالصلاة، وتوقفنا على ما يتعلق بنوازل الزكاة، وسنجتهد إن شاء الله خلال هذه الدروس الستة في جمع شيء من المسائل والنوازل المتعلقة بالزكاة، وأما بالنسبة لنوازل الصيام فلا أظن أن الوقت يتسع لدراسة شيء منها؛ لأنني لما شرعت في قراءة نوازل الزكاة، ظهر عندي شيء كثير من المسائل والنوازل التي استجدت فيما يتعلق بأحكام الزكاة، مثل ما يتعلق بزكاة السندات، وزكاة الأسهم، وزكاة نهاية خدمة السنة، وما يتعلق أيضاً باستثمار أموال الزكاة من قبل المالك، هل له أن يستثمرها، وأن يضارب فيها، وأن يبيع ويشتري؟ وأيضاً ما يتعلق باستثمار أموال الزكاة من قبل الإمام الأعظم، هل له ذلك أو لا؟ وكذلك أيضاً ما يتعلق بزكاة الأموال المحرمة، مثل: أموال الربا وأموال الميسر، هل تجب فيها الزكاة أو لا تجب؟

ومثل -أيضاً- ما يتعلق بالأوراق النقدية، وما قدر النصاب في الأوراق النقدية، ومثل ما يتعلق -أيضاً- بزكاة الرواتب الشهرية التي يلابسها كثير من الناس اليوم.

فهذه مسائل كثيرة جمعت كثيراً منها، وسنطرح إن شاء الله هذه المسائل حسب ما يسمح به الوقت.

تعريف النوازل

وقبل أن نبدأ بطرح هذه المسائل سنعرف النوازل في اللغة والاصطلاح، ثم بعد ذلك نقوم بتعريف الزكاة في اللغة والاصطلاح، ثم بعد ذلك سنذكر حكم الزكاة وبيان مكانتها في الإسلام ونذكر شيئاً من حكمها كمقدمة لموضوعنا، ثم بعد ذلك سنشرع في دراسة النوازل المتعلقة بأحكام الزكاة.

النوازل: جمع نازلة، وهي اسم فاعل، وتطلق في اللغة على المصيبة الشديدة من شدائد الدهر التي تنزل بالناس.

وأما النازلة في الاصطلاح: فاختلف المتأخرون في تعريفها على عدة تعريفات:

قيل: هي الوقائع الجديدة التي لم يسبق فيها نص أو اجتهاد.

وقيل: هي الحادثة الجديدة التي تحتاج إلى حكم شرعي.

وقيل: هي الحادثة التي تحتاج إلى حكم شرعي.

وهناك تعريفات أخرى، لكن نكتفي بهذه التعريفات الثلاثة، وأقرب هذه الأقوال بأن النازلة في الاصطلاح هي: الحادثة الجديدة التي تحتاج إلى حكم شرعي.

فقولنا: (الحادثة الجديدة)، أي: ما يجد من الوقائع والمسائل التي تستدعي حكماً شرعياً باجتهاد أهل العلم.

وقولنا: (التي تحتاج إلى حكم شرعي)، يخرج الحوادث الجديدة التي لا تحتاج إلى حكم شرعي، مثل: البراكين، والزلازل، والفيضانات.. إلى آخره، فهذه الحوادث جديدة، لكنها من أقدار الله وآياته الكونية القدرية.

وبقولنا: (التي تحتاج إلى حكم شرعي)، يخرج -أيضاً- الحوادث التي استقر فيها الرأي، واتفق على حكمها.

تعريف الزكاة

الزكاة في اللغة: تطلق على معانٍ، منها: النماء، والزيادة، والتطهير، والمدح.

وأما في الاصطلاح فهي: إخراج نصيب مقدر شرعاً في مال معين لأصناف مخصوصة على وجه مخصوص.

حكم الزكاة

وحكم الزكاة واضح وظاهر للجميع، فالزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام، وقد قرنها الله عزّ وجل في كتابه مع الصلاة فيما يقرب من ثلاثة وثمانين موضعاً، والأدلة عليها كثيرة جداً من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

فمن ذلك: قول الله عزّ وجل: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [البقرة:43]، وحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً)، وأجمع المسلمون على فرضيتها.

ومن ترك الزكاة لا يخلو من أمرين:

الأمر الأول: أن يتركها جاحداً لوجوبها فهذا كافر؛ لأنه مكذب لله ولرسوله ولإجماع المسلمين، حيث دل الكتاب ودلت السنة على أن الزكاة فرض، والمسلمون أجمعوا على فرضيتها.

الأمر الثاني: أن يتركها بخلاً وكسلاً، فهذا هل يكفر أو لا يكفر؟ موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله، وأكثر العلماء على أنه لا يكفر، وهذا القول هو الصواب، ويدل لذلك ما ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر تارك الصلاة وذكر عقوبته في الآخرة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار).

مقاصد الزكاة

والزكاة لها حكم كثيرة ومقاصد شرعية كثيرة، منها: التعبد لله عزّ وجل بإخراج هذا النصيب من المال، والاستجابة لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، كما في قوله تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ، وكذلك أيضاً ما تقدم من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما.

ومن حكمها: شكر الله عزّ وجل على نعمة المال، فإن الله عزّ وجل أنعم عليك بهذا المال لأهله المستحقين، والله عزّ وجل يقول: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ .

ومن حكمها: تطهير المزكي من البخل والشح والطمع، والتعلق بالدنيا، وتحليته بمحاسن الأخلاق ومكارم العادات، بالجود والكرم والبذل، والله عزّ وجل يقول: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ [التوبة:103].

ومن حكمها: أنها تطهر الفقير من الغل والحسد، وما قد يحدثه الشيطان في قلب هذا الفقير على أقدار الله وحكمه، فقد يكره قضاء الله وقدره، وقد يحسد أخاه الغني وقد يغل عليه، ويدل على هذا الآية السابقة: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ ، فقوله سبحانه وتعالى: تُطَهِّرُهُمْ بِهَا، تطهير للغني، وتطهير للفقير أيضاً.

ومن حكمها ومقاصدها: أن المال المُزكى يُطهر، ويحفظ من الآفات ومن المصائب إذا أخرج هذا القدر من المال، ويدل لذلك ما تقدم من قول الله عزّ وجل: تُطَهِّرُهُمْ بِهَا.

وكذلك أيضاً النبي صلى الله عليه وسلم وصف الزكاة بأنها أوساخ الناس، مما يدل على أن المال يتطهر بإخراج هذا الجزء المعين من المال.

وكذلك أيضاً: مواساة الغني للفقير.

ومن ذلك أيضاً: طهارة المجتمع بالكلية.

ومن ذلك أيضاً: ما يحصل من رفعة الدرجات وتكفير السيئات وزيادة الحسنات، وفي حديث معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار)، ويقول النبي عليه الصلاة والسلام: (كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة)، ومن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: (رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)، والآثار في ذلك من القرآن والسنة كثيرة جداً.

ومن ذلك أيضاً ما يحصل من تكافل المجتمع .. إلى آخره.

وقبل أن نبدأ بطرح هذه المسائل سنعرف النوازل في اللغة والاصطلاح، ثم بعد ذلك نقوم بتعريف الزكاة في اللغة والاصطلاح، ثم بعد ذلك سنذكر حكم الزكاة وبيان مكانتها في الإسلام ونذكر شيئاً من حكمها كمقدمة لموضوعنا، ثم بعد ذلك سنشرع في دراسة النوازل المتعلقة بأحكام الزكاة.

النوازل: جمع نازلة، وهي اسم فاعل، وتطلق في اللغة على المصيبة الشديدة من شدائد الدهر التي تنزل بالناس.

وأما النازلة في الاصطلاح: فاختلف المتأخرون في تعريفها على عدة تعريفات:

قيل: هي الوقائع الجديدة التي لم يسبق فيها نص أو اجتهاد.

وقيل: هي الحادثة الجديدة التي تحتاج إلى حكم شرعي.

وقيل: هي الحادثة التي تحتاج إلى حكم شرعي.

وهناك تعريفات أخرى، لكن نكتفي بهذه التعريفات الثلاثة، وأقرب هذه الأقوال بأن النازلة في الاصطلاح هي: الحادثة الجديدة التي تحتاج إلى حكم شرعي.

فقولنا: (الحادثة الجديدة)، أي: ما يجد من الوقائع والمسائل التي تستدعي حكماً شرعياً باجتهاد أهل العلم.

وقولنا: (التي تحتاج إلى حكم شرعي)، يخرج الحوادث الجديدة التي لا تحتاج إلى حكم شرعي، مثل: البراكين، والزلازل، والفيضانات.. إلى آخره، فهذه الحوادث جديدة، لكنها من أقدار الله وآياته الكونية القدرية.

وبقولنا: (التي تحتاج إلى حكم شرعي)، يخرج -أيضاً- الحوادث التي استقر فيها الرأي، واتفق على حكمها.

الزكاة في اللغة: تطلق على معانٍ، منها: النماء، والزيادة، والتطهير، والمدح.

وأما في الاصطلاح فهي: إخراج نصيب مقدر شرعاً في مال معين لأصناف مخصوصة على وجه مخصوص.