خطب ومحاضرات
المسائل المعاصرة في الزكاة [3]
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا، وإذا أردت بقوم فتنة أن تقبضنا إليك غير مفتونين.
وبعد:
تقدم لنا في الدرس السابق أن تحدثنا عن زكاة الأموال المحرمة، وتبيّن أن الأموال المحرمة بقسميها، سواء كان التحريم تحريماً عينياً، -يعني: محرمة لذاتها وعينها- أو كان التحريم كسبياً، يعني: أن هذه الأموال محرمة لكسبها، فالمال المحرم بقسميه لا تجب فيه الزكاة.
وتكلمنا أيضاً عن زكاة مكافأة نهاية الخدمة، وذكرنا ما المراد بهذه المكافأة، وتكلمنا عن تكييفها الشرعي عند المتأخرين، وانتهى بنا المطاف إلى أن هذه المكافأة حق مالي يفرضه ولي الأمر على رب العمل لصالح الموظف، يأخذه نهاية الخدمة، سواء كان سبب نهاية الخدمة هو التقاعد أو الاستقالة أو الوفاة إلى آخره، وأن الموظف إذا قبض هذا المال فإنه لا زكاة فيه، بل يستأنف فيه حولاً مستقلاً، فإن استهلكه قبل الحول فلا زكاة.
ثم بعد ذلك في آخر الدرس شرعنا فيما يتعلق بزكاة السندات، وذكرنا أن السند هو عبارة عن صك يمثل قرضاً لحامله على مصدره بفوائد، وذكرنا أن السندات تصدرها بعض الشركات أو بعض البنوك إذا احتاجت إلى شيء من الأموال، أو بعض الدول، فتأخذ من الناس مالاً وتعطيه هذا السند بفائدة، ولكي يتبيّن لنا هل هذه السندات فيها زكاة أو ليس فيها زكاة إلى آخره؟ لابد أن نبحث ما يتعلق بزكاة الدين، هل تجب الزكاة في الدين أو لا زكاة فيه؟ وأشرنا فيما تقدم إلى أن الدين ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: الدين الذي يكون على مليء باذل، وذكرنا أن العلماء رحمهم الله اختلفوا في ذلك على ثلاثة آراء:
الرأي الأول: أنه تجب فيه الزكاة مطلقاً، يعني: لجميع السنوات، وهذا قول الشافعية والحنابلة، إلا أن الشافعية يوجبون الزكاة فيه وإن لم يقبض، والحنابلة قالوا: هو بالخيار إن شاء أن يزكي كل سنة بسنتها، وإن شاء أن ينتظر حتى يقبض، فإذا قبض زكى عن كل السنوات الماضية.
والرأي الثاني: أنه لا زكاة فيه، وقلنا بأن هذا مذهب الظاهرية.
والرأي الثالث: أنه يزكى لسنة واحدة، وهذا قال به الإمام مالك رحمه الله تعالى.
وانتهى بنا المطاف إلى أن الديون التي تكون على مليء باذل أنه تجب فيها الزكاة لكل السنوات.
القسم الثاني: الدين إذا كان على معسر أو مليء مماطل أو جاحد، فهل تجب فيه الزكاة أو لا تجب؟
الرأي الأول: مذهب الإمام الشافعي رحمه الله وهو مذهب الحنابلة أيضاً قالوا: تجب فيه الزكاة مطلقاً لجميع السنوات، إذا كان الدين على معسر أو على مليء مماطل، فإنه يجب عليك أن تزكيه لجميع السنوات، واستدلوا على ذلك بأن هذا وارد عن علي رضي الله تعالى عنه، فإن علياً قال: إذا كان صادقاً فليزكه إذا قبضه، وكذلك أيضاً قالوا بأنه وارد عن ابن عباس رضي الله عنهما، ويؤيد ذلك أيضاً ما سبقت الإشارة إليه من أن الديون أموال يصح للإنسان أن يتصرف فيها بالإبراء، والحوالة، والبيع، وغير ذلك من التصرفات بشروطها المعتبرة عند العلماء رحمهم الله، والله عز وجل يقول: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة:103]، وفي حديث معاذ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فإن هم أجابوك لذلك فأخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم).
والرأي الثاني: أن الدين إذا كان على معسر أو مماطل أو جاحد لا زكاة فيه، وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى، واستدلوا على ذلك بأنه وارد عن علي رضي الله تعالى عنه أيضاً، فإن علياً قال: لا زكاة في الدين الضمار، أي: الذي لا يرجى، وعلى هذا القول فإن الدين إذا كان على معسر أو مماطل فهذا لا زكاة فيه، فإذا قبضه يستأنف فيه حولاً مستقلاً.
والرأي الثالث وسط بين الرأيين، وقد ذهب إليه الإمام مالك رحمه الله تعالى: وهو أنه إذا قبض هذا الدين الذي على معسر أو على مماطل، فإنه يجب عليه أن يزكيه لسنة واحدة، والدليل على هذا: القياس على الثمرة، فإن الثمرة معدومة أو في حكم المعدوم، ثم بعد ذلك إذا حصلت هذه الثمار وأثمرت الأشجار، فإن الإنسان يزكي هذه الثمار مرة واحدة، والله عز وجل يقول: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [الأنعام:141] ، فإذا أثمرت هذه النخيل يزكيها مرة واحدة، والثمرة هذه معدومة أو في حكم المعدوم، قد يحصل لها شيء من الآفات التي تتلفها إلى آخره، ومع ذلك لا يجب فيها إلا زكاة مرة واحدة، ولو بقيت الثمار عنده سنة أو سنتين أو ثلاث سنوات، فإنه لا يجب أن يزكيها إلا مرة واحدة، وهذا القول وسط بين القولين.
فنقول: الأموال التي تكون على معسرين أو مماطلين أو جاحدين، هذه لا تجب أن تزكى إلا مرة واحدة، ومثل ذلك أيضاً الأموال المنفية، أو الأموال المسروقة، أو المغصوبة، أو المنتهبة، أو المختلسة.. إلى آخره، إذا قدر عليها الإنسان فإنه يزكيها مرة واحدة فقط.
القسم الثالث من أقسام الديون: الديون المؤجلة، وهذا يكثر اليوم في حياة الناس، هذه الديون المؤجلة: هل تجب فيها زكاة أو لا تجب فيها؟ هذه أيضاً موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله تعالى.
الرأي الأول: مذهب الإمام أحمد والشافعي أنه تجب الزكاة في الديون المؤجلة، واستدلوا على ذلك بما تقدم الإشارة إليه أن هذه الديون تعتبر أموالاً، والله عز وجل يقول: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ [المعارج:24]، وقال: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ [التوبة:103] إلخ، فهذه الديون وإن كانت مؤجلة فهي تعتبر مالاً، ويصح أن نتصرف بالإبراء وبالحوالة وبالبيع والشراء بشروطها المعتبرة.. إلخ، وإذا كان كذلك فتدخل تحت العمومات.
والرأي الثاني: مذهب الظاهرية، وهو أن هذه الديون المؤجلة لا زكاة فيها، وهذا ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، ودليلهم ما تقدم، والظاهرية هم أضيق الناس في مسألة الدين، وأوسع الناس في مسألة الديون الشافعية ثم الحنابلة، والظاهرية يضيقون فلا يوجبون الزكاة مطلقاً في الدين، سواء كان على مليء أو معسر، أو كان الدين حالاً أو مؤجلاً.. إلخ.
ودليل الظاهرية ما تقدم من دليلهم على عدم وجوب الزكاة في الدين، مثل: ما ورد عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: لا زكاة في الدين، وأيضاً الدين هذا غير موجود.. إلخ، فلا يكلف الإنسان إخراج الزكاة فيه.
والراجح بالنسبة لهذه الديون المؤجلة أنه تجب فيها الزكاة كسائر الأموال، والزكاة -كما تقدم- إن كانت هذه الديون المؤجلة على مليء باذل يجب أن يزكي كل عام عنها، وإن كانت على معسر فإنه لا تجب الزكاة إلا مرة واحدة إذا قبضها، يعني: أن الديون المؤجلة هذه تلحق بالديون السابقة، إن كانت على باذل مليء يجب أن يزكي كل عام، وإن كانت على معسر أو مماطل لا تجب زكاة إلا مرة واحدة إذا قبضها، هذا هو الصواب.
وقلنا: بأن الديون المؤجلة تجب فيها الزكاة:
أولاً: لما ذكرنا من أن هذه الديون تعتبر أموالاً.
وثانياً: أن التأجيل إنما كان باختيار الإنسان صاحب المال، فهو الذي اختار أن يؤجل هذا المال، يعني: كونه غير نامي الآن بيده، ولا يملك أن يتاجر فيه، هو الذي اختار ذلك.
وثالثاً: مما يؤيد ويرجح الزكاة فيها أن التأجيل قد يكون مقابل فائدة استفادها صاحب المال، وهذا ما يحصل الآن بتقسيط السلع، وتقسيط السيارات.. إلخ، عن طريق مسائل التورق .. إلخ، وبيع السلع بأجل، وتكون أثمان المبيعات مؤجلة، فالغالب أنه مستفاد من هذا التأجيل، فهذا يدل على أن هذا التأجيل له فائدة فيه، وإذا كان له فائدة فيه فيطالبون بزكاة هذه الأموال.
قد يكون الدين إذا كان غير مؤجل ما استفاد، لكن إذا كان مؤجلاً فإنه يكون استفاد فائدة كبيرة.. إلخ، قد يقول بعض الناس: بأن هذه الفائدة تأكلها الزكاة، نقول: هذا غير مسلم، فبالنظر إلى واقع الناس نجد أن الزكاة لا تساوي شيئاً بالنسبة إلى ما يستفيده من التأجيل.
فيتلخص لنا أن الديون المؤجلة تجب فيها الزكاة، لكن على حسب التقسيم.
كما تعرضنا لزكاة المال المحرم، وهل تجب الزكاة في المال المحرم أو لا تجب فيه؟ وتلخص لنا أن المال المحرم لا تجب عليه، والسندات عبارة عن ديون بفوائد، والغالب أن الذي يصدر هذه السندات شركات أو بنوك أو دول، فهذه الشركات أو البنوك أو الدول في حكم المليء الباذل، فتأخذ هذه السندات حكم القسم الأول من أقسام الديون، فنقول: تجب الزكاة في هذه السندات؛ لأنها عبارة عن ديون على هذه البنوك أو الشركات أو الدول، وهذه تكون في حكم المليء الباذل ولو كانت مؤجلة كما سلف لنا أن الزكاة تجب في الأموال المؤجلة، لكن يبقى أنها بالفائدة الربوية، وهذه موضع خلاف، وسبق أن ذكرنا أن الأموال المحرمة لا تجب الزكاة فيها، فنقول: هذه القروض تجب الزكاة فيها، أما بالنسبة لفوائدها الربوية، فنقول: لا يزكيها، فلو كان القرض عشرة آلاف ريال، وفائدته الربوية ألفان أو ثلاثة آلاف مثلاً، نقول: زك عن عشرة، وأما الفائدة الربوية فلا تجب الزكاة فيها.
وعندنا أيضاً المسألة الثانية زكاة أسهم الشركات، ومما لا شك فيه أن كثيراً من الناس اليوم صار له تعامل مع هذه الأسهم، سواء كان ذلك عن طريق الاحتساب، أو عن طريق البيع والشراء والمضاربة ونحو ذلك، وأسهم الشركات فيها ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: تعريف أسهم الشركات.
والمسألة الثانية: خلاف العلماء رحمهم الله في زكاة أسهم الشركات، وكيفية زكاة أسهم الشركات.
والمسألة الثالثة: ما سنذكره إن شاء الله من التقسيم في بيان الراجح في كيفية إخراج أسهم الشركات.
المراد بأسهم الشركات
أسهم الشركات يراد بها الحصة التي يملكها الشريك في شركات المساهمة، وهذه الحصة تمثل جزءاً من رأس مال الشركة.
وقال بعض العلماء في تعريف السهم في الشركات: هو صك يمثل نصيباً عينياً أو نقدياً في رأس مال الشركة قابل للتداول، يعطي مالكه حقوقاً خاصة.
وقلنا في تعريف أسهم الشركات: هي الحصة التي يملكها الشريك في شركات المساهمة.
إذاً: الشركات المساهمة هي التي يقسم رأس مالها إلى أسهم متساوية القيمة، وقابلة للتداول، فمثلاً: هذه الشركة تجعل قيمة السهم خمسين ريالاً، أو تجعل قيمة السهم مائة ريال إلى آخره، ثم بعد ذلك يدخل الناس بالاحتساب في هذه الشركة إلى آخره، هذه تسمى باصطلاح المتأخرين شركة مساهمة، بخلاف الشركات التي كانت موجودة في الزمن السالف: شركة المضاربة، وشركة الوجوه، وشركة العنان، وشركة الأبدان.. إلى آخره، فالآن توجد الشركات المساهمة هي التي يقسم رأس مالها إلى أسهم متساوية القيمة، وتكون قابلة للتداول.
الاختلاف في كيفية إخراج زكاة الأسهم
القول الأول: في كيفية زكاة الأسهم، قالوا: بأنه ينظر إلى نشاط الشركة، فإن كانت الشركة صناعية فتجب الزكاة في ربحها، وإن كانت تجارية فتجب الزكاة في أسهمها السوقية، يعني ما تساويه هذه الأسهم في السوق عند حولان الحول، ومقدار الزكاة على هذا القول كزكاة التجارة، وهو ربع العشر، فإن كانت صناعية فالزكاة في الربح ربح العشر، وإن كانت تجارية قالوا: بأن الزكاة تكون في قيمة الأسهم السوقية، ويكون ذلك بمقدار ربع العشر؛ لأن هذا هو قدر زكاة عروض التجارة.
القول الثاني: أن الزكاة في الأسهم يختلف بحسب نية المساهم ونوعية الأسهم، فهذا لا يخلو من أمرين:
الأمر الأول: أن يكون المساهم تملك الأسهم للإفادة من ريعها، هو لا يريد أن يضارب ويبيع ويشتري، وإنما تملك السهم لكي يستفيد من ريعها، في آخر السنة الشركة تعطيه كذا وكذا من ربح الشركة، إن كان المساهم تملك الأسهم بقصد أن يستفيد من ريعها، فقالوا: هذا يختلف باختلاف نشاط الشركة، فإن كانت الشركة زراعية فتجب عليه زكاة الزروع، العشر أو نصف العشر، العشر إن كانت هذه المشروعات تسقى بلا مؤنة، ونصف العشر إن كانت تسقى بمؤنة، وإن كانت صناعية فإن الزكاة تكون في صافي الأرباح، وسيأتينا إن شاء الله قريباً كيفية زكاة المصانع، قالوا: إن كانت زراعية فهذه الزكاة تكون زروعاً، وإن كانت الشركة صناعية فهذا ينظر إلى ربح الشركة ويخرج ربع عشر الربح، وإن كانت تجارية فإنه يخرج ربع قيمة الأسهم الحقيقية.
إذاً: القول الثاني يقسم الأسهم إلى قسمين:
القسم الأول: أن يكون المساهم تملك الأسهم للإفادة من ريعها لا للتجارة فيها، وإنما كي يستفيد من ريعها، فننظر إلى نشاط الشركة: إن كانت زراعية فزكاة زروع، وإن كانت صناعية فربع عشر ربحها الصافي، وإن كانت الشركة تجارية تبيع وتشتري، فربع عشر قيمة الأسهم الحقيقية وليس السوقية.
القسم الثاني: إن كان المساهم تملك هذه الأسهم في هذه الشركات، وهو يريد الاستثمار بالبيع والشراء، ولا يريد أن يأخذ ريعاً، وإنما يريد الاستثمار بالبيع والشراء، فإنه يزكي أسهمه بقيمتها السوقية وليس الحقيقية، وهناك قلنا: إذا كان يأخذ ريع قيمة الأسهم الحقيقية، أما هنا إذا كان قصده الاستثمار البيع والشراء إلى آخره، فإنه يزكي قيمة الأسهم السوقية، ربع العشر.
القول الثالث في المسألة: أن هذه المسألة لا تخلو من أمرين:
الأمر الأول: أن يكون المزكي هو الشركة، يعني: تكون الشركة هي التي تقوم بإخراج الزكاة، فقالوا: تعتبر الشركة أموال المساهمين كمال الشخص الواحد، فإن كانت صناعية تخرج ربع العشر من صافي الأرباح، وإن كانت زراعية تخرج زكاة زروع، العشر أو نصف العشر، وإن كانت تجارية تخرج قيمة الأسهم السوقية، ربع العشر من قيمة الأسهم السوقية.
القول الثالث: قالوا: بأن هذا لا يخلو من أمرين:
الأمر الأول: أن تقوم الشركة بإخراج الزكاة، فالشركة تجعل المساهمين أموالهم كمال الشخص الواحد، بناء على الخلطة التي يتكلم عليها العلماء رحمهم الله في الماشية، والشافعية هم أوسع المذاهب في مسألة الخلطة يوسعونها حتى في غير الماشية، والحنابلة يقصرونها في الماشية، والحنفية يمنعونها، فهم أضيق المذاهب.
المهم إن كانت الشركة هي التي ستقوم بإخراج الزكاة فإنها تجعل هذه الأموال وهي الأسهم كمال الشخص الواحد، فإن كانت تجارية أخرجت ربع عشر قيمة الأسهم السوقية، وإن كانت صناعية أخرجت ربع عشر صافي الأرباح، وإن كانت زراعية أخرجت زكاة زروع العشر أو نصف العشر، هذا إذا كانت الشركة هي التي ستقوم بإخراج الزكاة.
الأمر الثاني: أن يكون المساهم هو الذي يريد أن يخرج الزكاة، فإن كان المساهم اقتنى هذه الأسهم للبيع والشراء، فإنه يخرج عروض تجارة، ينظر إلى قيمة الأسهم السوقية ويخرج ربع العشر، إن كان المساهم أراد البيع والشراء والمضاربة، فنقول: هذه عروض تجارة بالنسبة له، ويخرج ربع عشر قيمة الأسهم السوقية، وإن كان المساهم ما قصد التجارة، وإنما قصد الريع فإنه يزكيها زكاة مستغلات، وهذا سيأتينا -إن شاء الله- في زكاة المصانع.
إذاً: القسم الثاني: إن كان المساهم هو الذي يريد أن يخرج الزكاة، فإن تملك هذه الأسهم للبيع والشراء، فإنه ينظر إلى قيمة الأسهم السوقية ويخرج ربع العشر، وإن تملك هذه الأسهم وهو لا يريد البيع والشراء، وإنما يريد الريع، فهذه يزكيها زكاة مستغلات، فينظر إلى ربحها، وإذا قبض الربح يزكيه ربع العشر، وأيضاً يقولون: يزكيه ربع العشر بعد قبضه وحولان الحول، وقريب من هذا قرار مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في مكة برقم مائة وعشرين.
وهناك أقوال أخرى، لكن هذه الأقوال التي ذكرت هي أبرز الأقوال.
الراجح في زكاة الأسهم
القسم الأول: أن يكون المساهم هو الذي يريد أن يخرج الزكاة، واقتنى هذه الأسهم للإفادة من ريعها، وهو لا يريد أن يعمل فيها ويضارب إلى آخره، وإنما يريد أن يقتني، وأن يستفيد من ريعها، فنقول: إن كانت صناعية يخرج ربع العشر من ربحها، وإن كانت زراعية يخرج زكاة الزروع: نصف العشر أو العشر، وإن كانت الأسهم تجارية فنقول: يخرج ربع عشر قيمة الأسهم الحقيقية، هذا إذا كان يريد أن يستفيد من ريعها، يعني يريد أن يأخذ ربحاً كل سنة، فنقول: إذا كان المساهم هو الذي يزكي حسب نشاط الشركة، هذا القسم الأول.
القسم الثاني: أن يكون المزكي هو المساهم، وتملك هذه الأسهم بالاستثمار للبيع والشراء، فنقول: عليه زكاة عروض تجارة، وينظر إلى قيمة الأسهم السوقية، فإذا حال عليها الحول ينظر كم تساوي الأسهم عنده؟ وكم قيمتها؟ قد تكون ارتفعت، وقد تكون نزلت، وحينئذٍ يخرج ربع عشر قيمة الأسهم السوقية.
القسم الثالث: أن يكون المزكي هو الشركة، فإن الشركة كما تقدم لنا تجعل أموال المساهمين كمال الشخص الواحد، فإن كان نشاطها تجارياً، فإنها تخرج ربع عشر قيمة الأسهم السوقية، وإن كان نشاطها صناعياً فإنها تخرج ربع عشر صافي الأرباح، وإن كان نشاطها زراعياً فإنها تخرج زكاة زروع، العشر أو نصف العشر.
المسألة الأولى: المراد بأسهم الشركات:
أسهم الشركات يراد بها الحصة التي يملكها الشريك في شركات المساهمة، وهذه الحصة تمثل جزءاً من رأس مال الشركة.
وقال بعض العلماء في تعريف السهم في الشركات: هو صك يمثل نصيباً عينياً أو نقدياً في رأس مال الشركة قابل للتداول، يعطي مالكه حقوقاً خاصة.
وقلنا في تعريف أسهم الشركات: هي الحصة التي يملكها الشريك في شركات المساهمة.
إذاً: الشركات المساهمة هي التي يقسم رأس مالها إلى أسهم متساوية القيمة، وقابلة للتداول، فمثلاً: هذه الشركة تجعل قيمة السهم خمسين ريالاً، أو تجعل قيمة السهم مائة ريال إلى آخره، ثم بعد ذلك يدخل الناس بالاحتساب في هذه الشركة إلى آخره، هذه تسمى باصطلاح المتأخرين شركة مساهمة، بخلاف الشركات التي كانت موجودة في الزمن السالف: شركة المضاربة، وشركة الوجوه، وشركة العنان، وشركة الأبدان.. إلى آخره، فالآن توجد الشركات المساهمة هي التي يقسم رأس مالها إلى أسهم متساوية القيمة، وتكون قابلة للتداول.
السهم في الشركة يعتبر مالاً، والزكاة تجب في الأموال، وتقدم الدليل على ذلك، ولهذا اختلف المتأخرون في كيفية إخراج زكاة الأسهم، وذكروا في ذلك تفصيلات، ولهم أقوال كثيرة، لكنني سأقتصر على أهم الأقوال، ثم بعد ذلك سأقوم بتلخيص المسألة في زكاة الأسهم حسب ما يترجح من الدليل، وما تدل عليه الأدلة الشرعية إلى أقسام ثلاثة كما سيأتي بيانها.
القول الأول: في كيفية زكاة الأسهم، قالوا: بأنه ينظر إلى نشاط الشركة، فإن كانت الشركة صناعية فتجب الزكاة في ربحها، وإن كانت تجارية فتجب الزكاة في أسهمها السوقية، يعني ما تساويه هذه الأسهم في السوق عند حولان الحول، ومقدار الزكاة على هذا القول كزكاة التجارة، وهو ربع العشر، فإن كانت صناعية فالزكاة في الربح ربح العشر، وإن كانت تجارية قالوا: بأن الزكاة تكون في قيمة الأسهم السوقية، ويكون ذلك بمقدار ربع العشر؛ لأن هذا هو قدر زكاة عروض التجارة.
القول الثاني: أن الزكاة في الأسهم يختلف بحسب نية المساهم ونوعية الأسهم، فهذا لا يخلو من أمرين:
الأمر الأول: أن يكون المساهم تملك الأسهم للإفادة من ريعها، هو لا يريد أن يضارب ويبيع ويشتري، وإنما تملك السهم لكي يستفيد من ريعها، في آخر السنة الشركة تعطيه كذا وكذا من ربح الشركة، إن كان المساهم تملك الأسهم بقصد أن يستفيد من ريعها، فقالوا: هذا يختلف باختلاف نشاط الشركة، فإن كانت الشركة زراعية فتجب عليه زكاة الزروع، العشر أو نصف العشر، العشر إن كانت هذه المشروعات تسقى بلا مؤنة، ونصف العشر إن كانت تسقى بمؤنة، وإن كانت صناعية فإن الزكاة تكون في صافي الأرباح، وسيأتينا إن شاء الله قريباً كيفية زكاة المصانع، قالوا: إن كانت زراعية فهذه الزكاة تكون زروعاً، وإن كانت الشركة صناعية فهذا ينظر إلى ربح الشركة ويخرج ربع عشر الربح، وإن كانت تجارية فإنه يخرج ربع قيمة الأسهم الحقيقية.
إذاً: القول الثاني يقسم الأسهم إلى قسمين:
القسم الأول: أن يكون المساهم تملك الأسهم للإفادة من ريعها لا للتجارة فيها، وإنما كي يستفيد من ريعها، فننظر إلى نشاط الشركة: إن كانت زراعية فزكاة زروع، وإن كانت صناعية فربع عشر ربحها الصافي، وإن كانت الشركة تجارية تبيع وتشتري، فربع عشر قيمة الأسهم الحقيقية وليس السوقية.
القسم الثاني: إن كان المساهم تملك هذه الأسهم في هذه الشركات، وهو يريد الاستثمار بالبيع والشراء، ولا يريد أن يأخذ ريعاً، وإنما يريد الاستثمار بالبيع والشراء، فإنه يزكي أسهمه بقيمتها السوقية وليس الحقيقية، وهناك قلنا: إذا كان يأخذ ريع قيمة الأسهم الحقيقية، أما هنا إذا كان قصده الاستثمار البيع والشراء إلى آخره، فإنه يزكي قيمة الأسهم السوقية، ربع العشر.
القول الثالث في المسألة: أن هذه المسألة لا تخلو من أمرين:
الأمر الأول: أن يكون المزكي هو الشركة، يعني: تكون الشركة هي التي تقوم بإخراج الزكاة، فقالوا: تعتبر الشركة أموال المساهمين كمال الشخص الواحد، فإن كانت صناعية تخرج ربع العشر من صافي الأرباح، وإن كانت زراعية تخرج زكاة زروع، العشر أو نصف العشر، وإن كانت تجارية تخرج قيمة الأسهم السوقية، ربع العشر من قيمة الأسهم السوقية.
القول الثالث: قالوا: بأن هذا لا يخلو من أمرين:
الأمر الأول: أن تقوم الشركة بإخراج الزكاة، فالشركة تجعل المساهمين أموالهم كمال الشخص الواحد، بناء على الخلطة التي يتكلم عليها العلماء رحمهم الله في الماشية، والشافعية هم أوسع المذاهب في مسألة الخلطة يوسعونها حتى في غير الماشية، والحنابلة يقصرونها في الماشية، والحنفية يمنعونها، فهم أضيق المذاهب.
المهم إن كانت الشركة هي التي ستقوم بإخراج الزكاة فإنها تجعل هذه الأموال وهي الأسهم كمال الشخص الواحد، فإن كانت تجارية أخرجت ربع عشر قيمة الأسهم السوقية، وإن كانت صناعية أخرجت ربع عشر صافي الأرباح، وإن كانت زراعية أخرجت زكاة زروع العشر أو نصف العشر، هذا إذا كانت الشركة هي التي ستقوم بإخراج الزكاة.
الأمر الثاني: أن يكون المساهم هو الذي يريد أن يخرج الزكاة، فإن كان المساهم اقتنى هذه الأسهم للبيع والشراء، فإنه يخرج عروض تجارة، ينظر إلى قيمة الأسهم السوقية ويخرج ربع العشر، إن كان المساهم أراد البيع والشراء والمضاربة، فنقول: هذه عروض تجارة بالنسبة له، ويخرج ربع عشر قيمة الأسهم السوقية، وإن كان المساهم ما قصد التجارة، وإنما قصد الريع فإنه يزكيها زكاة مستغلات، وهذا سيأتينا -إن شاء الله- في زكاة المصانع.
إذاً: القسم الثاني: إن كان المساهم هو الذي يريد أن يخرج الزكاة، فإن تملك هذه الأسهم للبيع والشراء، فإنه ينظر إلى قيمة الأسهم السوقية ويخرج ربع العشر، وإن تملك هذه الأسهم وهو لا يريد البيع والشراء، وإنما يريد الريع، فهذه يزكيها زكاة مستغلات، فينظر إلى ربحها، وإذا قبض الربح يزكيه ربع العشر، وأيضاً يقولون: يزكيه ربع العشر بعد قبضه وحولان الحول، وقريب من هذا قرار مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في مكة برقم مائة وعشرين.
وهناك أقوال أخرى، لكن هذه الأقوال التي ذكرت هي أبرز الأقوال.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
المسائل المعاصرة في الزكاة [2] | 2420 استماع |
المسائل المعاصرة في الزكاة [4] | 2162 استماع |
المسائل المعاصرة في الزكاة [5] | 1788 استماع |
المسائل المعاصرة في الزكاة [1] | 1276 استماع |