زين للناس حب الشهوات


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

يقول الله عز وجل: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ [آل عمران:14].

في هذه الآية -عباد الله- بيان من الله لما زين للناس في هذه الحياة الدنيا من متاع، وأنواع الملاذ التي بها يتعلقون، وبها أحياناً يفتنون، وعن طريقها يغنمون وأحياناً يغرمون، فهذه الملاذ تختلف باختلاف أحوال الناس تجاهها، فهي لفئة مأثم ومغرم، ولفئة أخرى نعمة ومغنم.

فإن قلت: كيف يكون ذلك والمتاع هو المتاع، والناس هم الناس؟ أجبت بأن الهدف يختلف من شخص لآخر، ومن فئة لأخرى، فالذين يتعاملون مع ملاذ الحياة على أنها هي المبدأ والنهاية هؤلاء غارمون؛ لأن الدنيا بملاذها لا تستحق أن ينقطع الإنسان لها، وأن يصب فيها كل جهده، وأن يوليها كل عنايته بعيداً عن طاعة الله وامتثال أمره واجتناب نهيه، وهل الدنيا إلا وسيلة إلى الآخرة، ومن كانت الدنيا همه فرق الله عليه شمله، وجعل فقره بين عينيه، ولم يعطه الله إلا ما كتب له.

وأما الذين يستعينون بهذا المتاع على الطاعة وينصرفون بها إلى الجنة ورضوان الله، فهؤلاء يحققون السعادة لأنفسهم في الدنيا، ويضمن الله لهم السعادة الحقة يوم القيامة، ومن كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة.

متعة النساء

عباد الله! في الآية السالفة بدأ الله تعالى هذا المتاع بالنساء؛ لأن النساء الفتنة بهن أشد، وفي الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء). بل تنقلب المرأة أحياناً عدواً للإنسان إذا كانت تلهيه عن طاعة الله، أو تدعوه إلى ما حرم الله، أو تعوقه عن الخير، قال الله عز وجل: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ [التغابن:14].

وتكون المرأة رحمة إذا كان القصد منها إعفاف الفرج، وكثرة الولد، وكانت مثالاً للطاعة، وخير عون لزوجها على ذلك، بل هي خير المتاع كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة، إن نظر إليها سرته، وإن أمرها أطاعته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله) رواه مسلم .

وفي صحيح البخاري : (إن خير هذه الأمة أكثرها نساءً)، وتقول عائشة رضي الله عنها: (لم يكن أحب على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد النساء من الخيل).

متعة البنين

وإذا كان هذا في النساء فحب البنين تارة يكون للتفاخر، فهو داخل في الفتنة كما قال سبحانه: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ [التغابن:15]، وتارة يكون لتكثير النسل، وتكثير أمة محمد صلى الله عليه وسلم ممن يعبد الله وحده لا شريك له، وممن يسدون الثغور، وينفع الله بهم البلاد والعباد، فهذا محمود ممدوح مطلوب، كما قال عليه الصلاة والسلام: (تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة).

ومن دعاء عباد الرحمن: رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [الفرقان:74].

وتارة يكون الأولاد فتنة، وقد قيل: إن في النساء فتنتين، وفي الأولاد فتنة واحدة، فأما اللتان في النساء فإحداهما تؤدي إلى قطع الرحم؛ لأن المرأة أحياناً تأمر زوجها بقطع الأمهات والأخوات، أو ذوي القرابات بشكل عام، والثانية يبتلى بسببها بجمع المال من الحلال والحرام، وأما البنون فالفتنة معهم واحدة، وهي جمع المال لأجلهم، وفي الحديث: (إنهم لمجبنة مبخلة).

متعة المال

عباد الله! كذلك حب المال تارة يكون للفخر والخيلاء، والتكبر على الضعفاء، ويؤدي إلى الإلهاء عن أمر الله عز وجل أو الاستعانة به على معصيته فهذا مذموم، وتارة يكون للنفقة في القرابات، وصلة الأرحام، ووجوه البر والطاعات، فهذا ممدوح.

والناس بين هذا وذاك، فالمال يرفع أقواماً في درجات الجنان، هؤلاء هم الذين قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: (لا حسد إلا في اثنتين: وذكر منهم رجلاً آتاه الله مالاً فهو ينفق منه آناء الليل وأطراف النهار).

وتارة يستعبد الإنسان ويذله ويتعسه ويشغله، وهؤلاء هم الذين وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار).

فإياكم معاشر المسلمين أن تستعبدكم أموالكم، أو تذلكم تجارتكم، والحق أنه ليس لكم منها إلا ما قدمتم لآخرتكم.

وفي صحيح مسلم: (يقول ابن آدم: مالي مالي. وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت).

ويقول عليه الصلاة والسلام كما في سنن النسائي: (ليس منكم من أحد إلا مال وارثه أحب إليه من ماله، مالك ما قدمت، ومال وارثك ما أخرت).

متعة الخيل والأنعام والزروع

أما الخيل المسومة وهي الراعية الحسان، أو ذوات الغرة والتحجيل، فهي على ثلاثة أقسام: فإن ربطها صاحبها في سبيل الله متى احتاج إليها غزا عليها، فهي مغنم ويؤجر عليها، وإن ربطها فخراً وعداء لأهل الإسلام فهذه على صاحبها وزر، وإن ربطها للتعفف واقتناء نسلها، ولم ينس حق الله فيها فهي لصاحبها ستر.

ومثل ذلك يقال في الأنعام، وهي الإبل والبقر والغنم.

وكذلك أيضاً يقال بالنسبة للزروع والحرث، فإن كانت عوناً على الطاعة فمغنم، وإن كانت سبباً للمعصية والصد عن الخير فمغرم.

عباد الله! واقع الناس يؤكد ارتباطهم بهذه الزينة ومحبتهم لها، كما قال الله عز وجل: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ [آل عمران:14].

عباد الله! محبة هذه الأشياء لا يلام عليها مادامت محبة طبيعية؛ لأن الله سبحانه وتعالى ذكر ذلك وأقره، لكن إذا غلا المسلم في محبة هذه الأشياء وبالغ فيها وجعل يقدمها على طاعة الله عز وجل، ويعصي الله عز وجل من أجلها، فقد ذكر العلماء أن هذا يكون نوعاً من الشرك، ويدل لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما سلف: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة).

عباد الله! في الآية السالفة بدأ الله تعالى هذا المتاع بالنساء؛ لأن النساء الفتنة بهن أشد، وفي الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء). بل تنقلب المرأة أحياناً عدواً للإنسان إذا كانت تلهيه عن طاعة الله، أو تدعوه إلى ما حرم الله، أو تعوقه عن الخير، قال الله عز وجل: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ [التغابن:14].

وتكون المرأة رحمة إذا كان القصد منها إعفاف الفرج، وكثرة الولد، وكانت مثالاً للطاعة، وخير عون لزوجها على ذلك، بل هي خير المتاع كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة، إن نظر إليها سرته، وإن أمرها أطاعته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله) رواه مسلم .

وفي صحيح البخاري : (إن خير هذه الأمة أكثرها نساءً)، وتقول عائشة رضي الله عنها: (لم يكن أحب على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد النساء من الخيل).

وإذا كان هذا في النساء فحب البنين تارة يكون للتفاخر، فهو داخل في الفتنة كما قال سبحانه: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ [التغابن:15]، وتارة يكون لتكثير النسل، وتكثير أمة محمد صلى الله عليه وسلم ممن يعبد الله وحده لا شريك له، وممن يسدون الثغور، وينفع الله بهم البلاد والعباد، فهذا محمود ممدوح مطلوب، كما قال عليه الصلاة والسلام: (تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة).

ومن دعاء عباد الرحمن: رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [الفرقان:74].

وتارة يكون الأولاد فتنة، وقد قيل: إن في النساء فتنتين، وفي الأولاد فتنة واحدة، فأما اللتان في النساء فإحداهما تؤدي إلى قطع الرحم؛ لأن المرأة أحياناً تأمر زوجها بقطع الأمهات والأخوات، أو ذوي القرابات بشكل عام، والثانية يبتلى بسببها بجمع المال من الحلال والحرام، وأما البنون فالفتنة معهم واحدة، وهي جمع المال لأجلهم، وفي الحديث: (إنهم لمجبنة مبخلة).


استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
أحكام الصيام 2891 استماع
حقيقة الإيمان - تحريم التنجيم 2513 استماع
مداخل الشيطان على الإنسان 2493 استماع
الأمن مطلب الجميع [2] 2437 استماع
غزوة الأحزاب 2375 استماع
نصائح وتوجيهات لطلاب العلم 2364 استماع
دروس من قصة موسى مع فرعون 2352 استماع
دروس من الهجرة النبوية 2350 استماع
شهر الله المحرم وصوم عاشوراء 2209 استماع
حقوق الصحبة والرفقة 2179 استماع