عقوبات الله للأمم


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، يقول الله عز وجل: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ * وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ [النحل:112-113].

يبين الله عز وجل مثلاً مضروباً مساقاً للعظة والعبرة لقرية من القرى كانت تنعم بأمن واستقرار وطمأنينة ورغد من العيش، يأتيها رزقها من كل مكان، لا يعرف أهلها الجوع ولا الخوف ولا الفاقة، فهم في أوج لذاتهم وغاية سعادتهم، لكن أهل القرية الغافلين ظنوا أن ذلك بسبب حسبهم ونسبهم، وأنهم يستحقون ذلك لفضلهم وتميزهم، فتجرأ الغافلون على انتهاك محارم الله، وتجاوز حدوده سبحانه، مغترين بإمهال الله لهم، وصبره على ظلمهم وبغيهم، فبدلاً من أن يشكروا ربهم ويعترفوا بإحسانه عليهم، ويلتزموا حدوده، إذا بهم يتنكرون للمنعم العظيم، ويتجرءون في سفه على العزيز الحكيم الذي يقول: يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ [الزمر:16]، ويقول: وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ [البقرة:40]، فماذا كانت النتيجة؟

فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [النحل:112]، فإذا رغد العيش وسعة الرزق يتحول في طرفة عين ولمحة بصر جوعاً يذهب بالعقول وتتصدع له القلوب، وإذا الأمن الذي كانوا يفاخرون به ينقلب رعباً وهلعاً، لا يأمن المرء على نفسه وعرضه فضلاً عن ماله وملكه، والله عز وجل حين يعرض بوضوح وجلاء مآل تلك القرية الظالم أهلها، ويقرر أن ما أصابهم إنما هو بسبب ما اقترفته أيديهم، فهو إنما يخاطبنا نحن الحاضرين، ويخاطب غيرنا حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

عباد الله! وكتب التاريخ والسير تذكر ألواناً من العقوبات التي مرت ببعض هذه البلاد في هذه الأمة، ذكر ابن الجوزي رحمه الله تعالى خبر الطاعون الذي أصاب مدينة البصرة، قال: فمات في اليوم الأول سبعون ألفاً، وفي اليوم الثاني إحدى وسبعون ألفاً، وفي الثالث ثلاثة وسبعون ألفاً، وأصبح الناس في اليوم الرابع موتى إلا قليل من آحاد الناس، وقال من أدرك ذلك الطاعون: كنا نطوف بالقبائل وندفن الموتى، فلما كثروا لم نقو على الدفن، فكنا ندخل الدار وقد مات أهلها، فنسد بابها عليهم.

وفي أحداث سنة تسع وأربعين وأربعمائة من الهجرة ذكر ابن كثير رحمه الله تعالى خبر الغلاء والجوع الذي أصاب بغداد بحيث خلت أكثر الدور، وسدت على أهلها الأبواب لموتهم وفنائهم، وأكل الناس الجيف والميتة من قلة الطعام، ووجد مع امرأة فخذ كلب قد اخضر، وسقط طائر ميت فاحتوشته خمسة أنفس فاقتسموه وأكلوه.

وذكر أيضاً ما وقع بالأهواز من البلاء وما حولها، حتى أطبق على البلاد، وكان أكثر سبب ذلك الجوع، فكان الناس يشوون الكلاب، وينبشون القبور ويشوون الموتى ويأكلونهم، وليس للناس شغل في الليل والنهار إلا غسل الأموات ودفنهم، وكان يدفن في القبر الواحد العشرون والثلاثون.

وذكر ابن كثير رحمه الله تعالى في أحداث سنة اثنتين وستين وأربعمائة من الهجرة، ما أصاب بعض بلاد الإسلام من الغلاء الشديد، والجوع العظيم، حتى أكلوا الجيف والميتة والكلاب، فكان الكلب يباع بخمسة دنانير، وماتت الفيلة فأكلت ميتاتها، وظهر على رجل يقتل الصبيان والنساء ويدفن رءوسهم ويبيع لحومهم فقتل وأكل لحمه، وكانت الأعراب يقدمون بالطعام يبيعونه في ظاهر البلد لا يتجاسرون على الدخول لئلا يخطف وينهب منهم، وكان لا يجسر أحد أن يدفن ميته نهاراً، وإنما يدفنه ليلاً خوفاً من أن ينبش ويؤكل.. إلى آخر ما ذكره المؤرخون رحمهم الله تعالى.

عظيم قدرة الله.. والالتجاء والخضوع لله

عباد الله! إن مثل هذه الآيات الكونية يستفاد منها وتؤخذ العبر، ومن عظيم العبر والعظات: أن ندرك عظمة الله عز وجل وقوته وجلاله، وأن نخضع له دائماً وأبداً، وأن نديم عبادته، والالتجاء إليه، وامتثال أمره، واجتناب نهيه، فهو من يرسل الطيور بأمراضها، والأعاصير برياحها، والفيضانات بمائها في آيات مفصلات، أمراض مستعصية، وأوبئة منتشرة، تحملها الطيور وتنقلها الحيوانات، حمى الضنك والخنازير والهزات الأرضية، والزلازل والفيضانات والأمراض والأوبئة، والأدواء، لا يملك أحد ردها، ولا يستطيع امرؤ صدها، ومهما أوتي الإنسان من علم في مكتشفاته ومخترعاته لا يملك السيطرة عليها، ولا الحد من انتشارها، ولا دفعها ولا ردها، إنما هي جنود من جنود الله في البر والبحر والجو، وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ [المدثر:31]، جنود غير متناهية؛ لأن قدرة الله غير متناهية، فالكون كله بإنسه وجنه وأرضه وسمائه وهوائه ومائه وكل مخلوقاته ما علمنا منه وما لم نعلم كل ذلك مسخر بأمره سبحانه، يمسك ما يشاء، ويرسل ما يشاء إلى من يشاء، كيف لا ندرك عظمة الله عز وجل ونحن نرى هذه الآيات؟! كيف لا نخاف من الله عز وجل ونحن نشاهد هذه الآيات؟! كيف لا نتوب؟! كيف لا نلتجئ؟! كيف لا نتعظ؟! كيف لا نمتثل الأمر ونجتنب النهي؟! إنها آيات الله وأيامه ونذره، تظهر فيها عظمة ذي الجلال وقدرته وقوته وعظيم سلطانه وعزته، وتمام ملكه، وأمره وتدبيره، إن هذه الحوادث والقوارع توقظ قلوباً قاسية، وأنفساً غافلة لتراجع ربها وتعود إليه، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق:37].

العقوبات.. تخويف وتحذير

عباد الله! ومن المواقف والعبر والادكار في هذه الآيات الكونية أن هذه الآيات تخويف وتحذير، فالله سبحانه وتعالى يرسلها تخويفاً وتحذيراً لنا، كما قال سبحانه: وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا [الإسراء:59].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم في كسوف الشمس وخسوف القمر: (إنهما آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده).

كم من إنسان يرى آحاد الناس من حوله يتخطفون ويقتلون، وهي من آيات الله لكنه لا يعتبر، وكم من إنسان يرى هذه الآيات الكبار ولا يتذكر، هي ذكرى لمن كان له قلب يستوي في ذلك من حضرها وشاهدها، ومن وقع فيها ونجا منها، ومن سمع بها، أعاصير وزلازل، وفيضانات وانهيارات، وأوبئة وأمراض، آيات من آيات الله عز وجل.

نسأل الله عز وجل بمنه وكرمه ألا يقتلنا بعذابه، وألا يهلكنا بغضبه، وأن يعافينا قبل ذلك، ونسأله سبحانه أن يجعلنا ممن يتعظ ويعتبر، ويتذكر ويخشى، ويعود إلى ربه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد.

عباد الله! إن مثل هذه الآيات الكونية يستفاد منها وتؤخذ العبر، ومن عظيم العبر والعظات: أن ندرك عظمة الله عز وجل وقوته وجلاله، وأن نخضع له دائماً وأبداً، وأن نديم عبادته، والالتجاء إليه، وامتثال أمره، واجتناب نهيه، فهو من يرسل الطيور بأمراضها، والأعاصير برياحها، والفيضانات بمائها في آيات مفصلات، أمراض مستعصية، وأوبئة منتشرة، تحملها الطيور وتنقلها الحيوانات، حمى الضنك والخنازير والهزات الأرضية، والزلازل والفيضانات والأمراض والأوبئة، والأدواء، لا يملك أحد ردها، ولا يستطيع امرؤ صدها، ومهما أوتي الإنسان من علم في مكتشفاته ومخترعاته لا يملك السيطرة عليها، ولا الحد من انتشارها، ولا دفعها ولا ردها، إنما هي جنود من جنود الله في البر والبحر والجو، وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ [المدثر:31]، جنود غير متناهية؛ لأن قدرة الله غير متناهية، فالكون كله بإنسه وجنه وأرضه وسمائه وهوائه ومائه وكل مخلوقاته ما علمنا منه وما لم نعلم كل ذلك مسخر بأمره سبحانه، يمسك ما يشاء، ويرسل ما يشاء إلى من يشاء، كيف لا ندرك عظمة الله عز وجل ونحن نرى هذه الآيات؟! كيف لا نخاف من الله عز وجل ونحن نشاهد هذه الآيات؟! كيف لا نتوب؟! كيف لا نلتجئ؟! كيف لا نتعظ؟! كيف لا نمتثل الأمر ونجتنب النهي؟! إنها آيات الله وأيامه ونذره، تظهر فيها عظمة ذي الجلال وقدرته وقوته وعظيم سلطانه وعزته، وتمام ملكه، وأمره وتدبيره، إن هذه الحوادث والقوارع توقظ قلوباً قاسية، وأنفساً غافلة لتراجع ربها وتعود إليه، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق:37].




استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
أحكام الصيام 2891 استماع
حقيقة الإيمان - تحريم التنجيم 2512 استماع
مداخل الشيطان على الإنسان 2491 استماع
الأمن مطلب الجميع [2] 2435 استماع
غزوة الأحزاب 2373 استماع
نصائح وتوجيهات لطلاب العلم 2364 استماع
دروس من قصة موسى مع فرعون 2351 استماع
دروس من الهجرة النبوية 2348 استماع
شهر الله المحرم وصوم عاشوراء 2208 استماع
حقوق الصحبة والرفقة 2177 استماع