خطب ومحاضرات
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73
عناصر قوة المسلم في الشدائد
الحلقة مفرغة
الحمد لله جل في علاه، له الأسماء الحسنى والصفات العلى، هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الحديد:3]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ما من دابة في الأرض إلا هو آخذ بناصيتها، إن ربي على صراط مستقيم.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وارض اللهم عن أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119].
عباد الله! إن المسلم لا يخالجه أدنى شك في ظهور دين الله، وعلو كلمته وبلوغه ما بلغ الليل والنهار.
روى تميم الداري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين) رواه أحمد والحاكم .
تلك مسلمات لا تقبل الجدل، وأدلتها في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أكثر من أن تحصر، وإن كان الله جعل لكل شيء قدراً وربط الأمور بأسبابها، وجعل للنصر والتمكين شروطاً لابد من توفرها، هذه الأسباب والشروط ليست ضرباً من المستحيل، ولا فوق طاقات البشر، لكنها محتاجة إلى صدق وإخلاص، ومتابعة وولاء وبراء.
وأنتم عباد الله اليوم ممتحنون في صدق ولائكم لدينكم ولإخوانكم المؤمنين، والبراءة من الشرك وأهله مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ [آل عمران:179].
إن الدين دين الله، والحرمات حرماته، والله أغير على دينه وحرماته منا، هو الذي أنزل الدين وأرسل الرسل وتكفل بإظهار دينه، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة:33].
إننا ونحن في هذه الأيام نرى تسلط اليهود على المسلمين في فلسطين، فإن هذا من الشدائد، وإن الشدة تخفي وراءها فرجاً بإذن الله، والمكروه يحمل الخير القادم بإذن الله، وإن الدلائل والبشائر من نصوص الكتاب والسنة، ومن واقع الحضارات المادية المنهارة والآيلة للانهيار، ومن واقع الأمة الإسلامية التي باتت تتقي ربها، وتسري هذه التقوى بين رجالها ونسائها وعلمائها وعوامها، ومن لم يستطع منهم العمل للإسلام تراه متحسراً على واقع المسلمين، داعياً على أعدائهم، محاولاً إصلاح شأنه على الأقل ومن يعول.
ومن واقع الأعداء وتآزرهم لضرب الإسلام وخنق المسلمين، كل هذه وغيرها مما يبشر بالفرج.
فالأيام دول، وحركة التاريخ لم تتوقف عن التغيير، ولم يحدث أن توقفت النوبة عند أمة من الأمم لم تتجاوزها إلى غيرها.
فعليك يا عبد الله أن تعد نفسك لخدمة هذا الدين، بتقوى الله عز وجل والرجوع إليه وترك الذنوب والمعاصي، فإنها سبب الضعف، وساهم في الدعاء على أعداء الله، واعلم أنك إنما تنفع نفسك، وإلا فإن الله غني عنك وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [العنكبوت:6].
واعلم أن الله قادر على الانتقام من أعدائه والنصر عليهم، ولكن ليبلوَ الناس ويميز الصادقين من غيرهم.
قال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى عند قوله تعالى: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا [الشرح:5-6]: في هذه الآية بشارة عظيمة: أنه كلما وجد عسر وصعوبة فإن اليسر يقارنه ويصاحبه، حتى لو دخل العسر جحر ضب لدخل عليه اليسر فأخرجه، كما قال سبحانه: سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا [الطلاق:7]، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وإن الفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسرا)، ثم قال: وتعريف العسر في الآيتين يدل على أنه واحد، وتنكير اليسر يدل على تكراره، فلن يغلب عسر يسرين، وفي تعريفه بالألف واللام الدال على الاستغراق والعموم: دلالة على أن كل عسر وإن بلغ من الصعوبة ما بلغ، فإن في آخره التيسير ملازماً له.
إذا اشتملت على اليأس القلوب وضاق لما به الصدر الرحيب
وأوطأت المكاره واطمأنت وأرست في أماكنها الخطوب
ولم تر لانكشاف الضر وجهاً ولا أغنى بحيلته الأريب
أتاك على قنوطٍ منك غوثٌ يمن به اللطيف المستجيب
وكل الحادثات وإن تناهت فموصولٌ بها فرجٌ قريب
مهما تلاحقت الخطوب، واشتدت المكاره، وتفنن الأعداء في أساليب العداوة والبغضاء، فلا يغيب عنا نصر الله.
لقد تحدى السحرة بهذا الإيمان فرعون، وهو أعلى قوة في ذلك الزمان: قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى [طه:72-73].
وبالإيمان صرح الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى ويحث على اتباع المرسلين: إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ * قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ [يس:25-27].
وكذلك استعان بالإيمان أصحاب الأخدود: وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [البروج:8].
إن علينا في مثل هذه الأيام صدق التوكل على الله عز وجل، فمنه يستجلب النصر، وبه يدفع الضر، ومع التوكل وحده يبطل كل كيد، ويعيش المتوكل قرير العين.
وقد قص الله علينا خبر نوح وهود عليهما السلام، فقال الله عز وجل عن نوح: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ [يونس:71]، فهو لا يبالي بهم ولا بقوتهم وكيدهم، ولا يخاف معرتهم وإن كانوا أشداء أقوياء، ما دام متوكلاً على الله، آوياً إلى ركنه.
وقال عن نبيه هود عليه السلام: قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [هود:54-56]، إنه بالتوكل على الله يتحداهم جميعاً ودون تأخير، ويقول: فكيف أخاف من ناصيته بيد غيره، وهو في قهره وقبضته.
إن الإيمان الحق يستلزم التوكل على الله: وَقَالَ مُوسَى يَاقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ [يونس:84].
قال بعض السلف: من أحب أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله، ومن أحب أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله أوثق بما في يديه، ومن أحب أن يكون أكرم الناس فليتق الله.
إن علينا أن نتوكل على الله، وأن نفوض الأمر إليه بعد عمل الأسباب الممكنة شرعاً، ولا بد لمن فوض أمره إلى الله أن يهديه وأن يقيه وأن ينصره.
وهذا مؤمن آل فرعون قال: فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ [غافر:44-45].
اللهم عليك باليهود الظالمين المعتدين، اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم، واللهم دمرهم ومزقهم يا قوي يا عزيز، اللهم أنج إخواننا في فلسطين، اللهم كن لهم ولا تكن عليهم، وانصرهم ولا تنصر عليهم.
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد.
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إمام المتقين وسيد ولد آدم أجمعين، اللهم صل وسلم على نبينا وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله! من عناصر قوة المؤمن وأسلحته التي يحتمي بها في مثل هذه الكروب كثرة دعاء الله عز وجل والتضرع إليه، قال الله عز وجل: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ [الأنفال:9]، وقال سبحانه: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186].
الله تعالى هو المدعو عند الشدائد، والمرجو عند النوازل، فإن الله لا يرد من دعاه، ولا يخيب من رجاه كما قال سبحانه: وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:67]، وقال: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ [النمل:62].
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: عن وهب بن منبه قال: قرأت في الكتاب الأول: أن الله تعالى يقول: بعزتي ما اعتصم بي عبد فكادته السموات بمن فيهن والأرض بمن فيهن، فإني أجعل له من بين ذلك فرجاً ومخرجاً، ومن لم يعتصم بي فإني أخسف به من تحت قدميه الأرض فأجعله في الهواء فأكله إلى نفسه.
إن الضعيف إذا احتمى بالله وركن إليه قوي، وإن القوي يضعف وتهون قواه إذا تجبر وطغى.
وليعلم أن صلة المسلمين بالله ورجوعهم إليه هو مصدر قوتهم وعزتهم، وأن بداية سقوطهم هو ضعف صلتهم بالله، وتنكرهم لشرعه، واعتمادهم وتوكلهم على غيره.
ومن عناصر قوة المسلم في مثل هذه الشدائد: هو اللجوء إلى الله عز وجل بكثرة العبادة، من صلاة، وصدقة، وصيام، وذكر.
وإنك لتأسف أن تجد بعض المسلمين يرى ويسمع ما يقع بإخوانه، ومع ذلك هو مصر على ذنوبه ومعاصيه، وربما سهر الليل كله أمام آلات اللهو، أليس هذا من قسوة القلب، والله عز وجل يقول: فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ [الأنعام:43].
إن علينا في مثل هذه الأيام ألا نغفل عن إخواننا في كل لحظاتنا، وفي كل زمان ومكان، وأن نمدهم بما نستطيع، إذا لم نستطع مناصرتهم باليد فعلينا أن نناصرهم باللسان، وأن نناصرهم بالمال، والله عز وجل قدم النصرة بالمال على النصرة البدن في مواضع متعددة من القرآن.
اللهم انصر إخواننا في فلسطين، اللهم انصر إخواننا في فلسطين، اللهم ارحم ضعفهم، اللهم اكشف ضرهم، اللهم وحد كلمتهم، اللهم سدد رميهم، اللهم داو جريحهم، واغفر لميتهم، واقبل شهيدهم، اللهم عليك بعدوك وعدوهم.
اللهم عليك باليهود الظالمين، اللهم اشدد وطأتك عليهم، اللهم اجعل تدبيرهم في تدميرهم، واجعل اللهم الدائرة عليهم، يا قوي يا عزيز.
اللهم اجعل ظلمهم وبغيهم وطغيانهم في نحورهم، يا قوي يا عزيز. اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم عليك بأعداء الدين، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى، والعفاف والغنى، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا، وإذا أردت بقوم فتنة أن تقبضنا إليك غير مفتونين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجعلهم محكمين لكتابك وسنة رسولك محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم اغفر لموتى المسلمين، اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.
اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا غرق.