خطب ومحاضرات
نعمة تطبيق الحدود
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، روى الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حد يعمل به في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحاً).
إن كل ما يمكن تصوره من رخاء وسعة عيش ورغد، كل ذلك لا يعدل تطبيق حد من حدود الله.
الأرض أرض الله، والحكم لله، والعباد عباد الله، فعباد الله في أرض الله يجب أن يحكموا بشرع الله، إن الله هو الذي خلقنا، وهو الذي يعلم ما يصلحنا وما يصلح لنا أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14]، قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ [البقرة:140]، وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [البقرة:216].
لقد كذب بعض البشر حين زعموا أن أحكام الله في القتل والزنا والسرقة وحشية، إنها العدل والرحمة والقسطاط، إنها الخير والبركة التي تعم البلاد والعباد، إن كلام النبي صلى الله عليه وسلم حق لا يتخلف، فحد يعمل به في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحاً.
عباد الله! إن الأمن والطمأنينة والسعادة في الدنيا قبل الآخرة لن تكون إلا بتطبيق شرع الله في عباد الله، وإلا فهو الشقاء والنكد والفوضى والسلب والنهب.
ولنعتبر بالدول التي تسمى اليوم بالمتقدمة، فكم معدلات الجريمة فيها؟ كم فيها من قتل وسلب ونهب وسرقة وزنا؟
إن مثل هذه الأشياء أصبحت اليوم تحتسب بما فوق الثانية.
إن الوحشية حقاً هي في ترك الحبل على الغارب للمعتدين يعيثون في الأرض فساداً، أو في إيقاع عقوبة مخالفة لما شرعه الله عز وجل.
لكي يشيع الأمان ويطمئن الإنسان شرعت شرائع الحدود والقصاص للمعتدين، إنها مبادئ وأحكام من أجل ضبط المجتمعات، أساسها الرحمة العامة والمصلحة الراجحة.
إن الرحمة بمفهومها الواسع غير مقصورة على الشفقة والرقة التي تنبت في النفس نحو مستضعف أو أرملة أو طفل، ولكنها رحمة عامة للضعيف والشريف والرئيس والمرؤوس.
لا مكان للرحمة للمعتدين، لا مكان للرحمة لمنتهكي الأعراض والأموال والدماء، لا يعرف العدالة في شرائع الحدود والقصاص إلا المقروحون المكتوون ممن أهدرت دماؤهم، وانتهكت أعراضهم، ونهبت أموالهم، هل يترك أولئك تلك المعتدون طليقين يزداد المجتمع بهم بلاء وشقاء؟
الحكمة من القصاص
ويوم أن قالت العرب: القتل أنفى للقتل، قال الله عز وجل عبارة أوجز لفظاً، وأحكم أسلوباً: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ [البقرة:179]، نعم، إن في القصاص حياة حين يكف من يهم بالجريمة عن الإجرام.
في القصاص حياة حين تشفى صدور أولياء القتيل من الثأر الذي لم يكن يقف عند حد، ثأر تسيل معه الحياة على مذابح الأحقاد العائلية، والثأر القبلي، جيلاً بعد جيل، لا تكف الدماء عن المسيل.
في القصاص حياة تشمل المجتمع كله، حين يسود البلاد الأمان الذي يصون الدماء.
الحكمة من حد الزنا
إن الآية لتبين بوضوح أن هذا النوع من الرأفة بالزناة والزواني لا يجتمع مع الإيمان بالله واليوم الآخر، وعلى الرغم مِنْ أنّ مِنْ أخص خصائص المؤمنين أنهم رحماء بينهم، فالرفق بالمعتدين على الأعراض ومرتكبي الفواحش ليس من الرحمة في شيء.
الزواج الصحيح هو وحده الملتقى المشروع للنفوس الكريمة والأسر الشريفة، يلبي نداء الفطرة بطريقة سليمة صحيحة.
إن الولي العاقل والأب الشريف والمربي الغيور لا يهنأ له بال ولا يقر له قرار ولا يشعر بالطمأنينة حتى يضع موليته بيد زوج كريم يصون عرضها ويحفظ كرامتها، لاسيما هذه الأيام التي كثرت فيها بواعث الشر ومهيجات الشهوة.
ومن أجل هذا وتأكيداً لحفظ حرمات الناس من أن تستطيل عليها الألسنة الحداد، فتقع في الإفك، شرع حد القذف؛ ليجلد المفترون، وتسقط كرامتهم، وترد شهادتهم، وتحفظ أعراض العفيفين والعفيفات.
الحكمة من حد السرقة
إن اليد العاملة الكاسبة، حقها أن تصان وتحمى، حقها أن يضمن لها سعيها وتأمن في عيشها.
إن اليد الفاسدة التي عزفت عن شريف العمل، وامتدت إلى الناس بالأذى، وعز علاجها، لا بد من بترها ليرتاح منها صاحبها، ويريح المجتمع كله من مفاسده.
إن السطو على الأموال جريمة تزداد وتستشري، إن لم تقابل بالعلاج الحاسم فإنها تتحول إلى جرأة على الدم الحرام، فما أيسر أن يقتل اللص من يعترض طريقه! سواء كان هذا المعترض من رجال الأمن أو من رجال الأعمال والأموال؛ بل حينما يستفحل أمرهم ويتصاعد خطرهم تعظم العقوبة الزاجرة في حقهم في شريعة الله عز وجل، إنهم أصبحوا محاربين لله ولرسوله، إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [المائدة:33].
إن من قاتل من أجل المال وأخذه بالسلاح محارب لله ورسوله، جزاؤه كما جاء في الآية: أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [المائدة:33].
أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
إن أغلب المعتدين يُقدمون على القتل حين يذهلون عن الثمن الذي يدفعونه حتماً، ولو علموا أنهم مقتولون يقيناً لترددوا ثم أحجموا.
ويوم أن قالت العرب: القتل أنفى للقتل، قال الله عز وجل عبارة أوجز لفظاً، وأحكم أسلوباً: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ [البقرة:179]، نعم، إن في القصاص حياة حين يكف من يهم بالجريمة عن الإجرام.
في القصاص حياة حين تشفى صدور أولياء القتيل من الثأر الذي لم يكن يقف عند حد، ثأر تسيل معه الحياة على مذابح الأحقاد العائلية، والثأر القبلي، جيلاً بعد جيل، لا تكف الدماء عن المسيل.
في القصاص حياة تشمل المجتمع كله، حين يسود البلاد الأمان الذي يصون الدماء.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
أحكام الصيام | 2892 استماع |
حقيقة الإيمان - تحريم التنجيم | 2514 استماع |
مداخل الشيطان على الإنسان | 2495 استماع |
الأمن مطلب الجميع [2] | 2438 استماع |
غزوة الأحزاب | 2376 استماع |
نصائح وتوجيهات لطلاب العلم | 2366 استماع |
دروس من قصة موسى مع فرعون | 2354 استماع |
دروس من الهجرة النبوية | 2351 استماع |
شهر الله المحرم وصوم عاشوراء | 2211 استماع |
حقوق الصحبة والرفقة | 2181 استماع |